مسائل فكريّة (22):
الشِدّةُ مَعَ المؤمنينَ،
والرحمةُ مع الفاسقين!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
في أيّامِ شبابي، كان شيخي
الشهيد مروان حديد، رحمه الله تعالى؛ يَغضبُ مني كثيراً، إذا رفعت صوتي، أو أنّبتُ
أحدَ تلامذتِه أو ضيوفِه، بحضرته.
ولمّا كنتُ شديداً في
مسألة الولاء والبراء، شديداً على الكافرين والفسّاق؛ فلم يكن ليقول لي: أنتَ من
قومٍ «أذلّةٍ على الكافرين، أعزّة على المؤمنين» إنما كان يقول لي: أنت يا أخي من
قومٍ «أعزّة على الكافرين، أعزّة على المؤمنين» والله تعالى طلب منك أن تكونَ منا
جماعةِ: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) فاتّق
الله تعالى في إخوانك!
وفي ظنّي أن شيخي الشهيد
رحمه الله تعالى، لم يكن يفهم موقفي على حقيقتِه!
إنّ موقفي على حقيقته، هو
أنّ شباب الحركة الإسلامية، وفي طليعتهم شباب الشهيد مروان؛ يجب أن يكونوا قُداةً
مثاليين، بعيدين على الترخّص والتساهل، ملتزمين بمعالي الأمور وعزائمها، وهذا ما
كنت آخذ نفسي به، قدر طاقتي!
كنت أقرّ بوجوب قَبولِ
توبةَ أيّ إنسانٍ تائب، ولا أمانع من انخراطِه في الحركة الإسلامية، ما عدا
الزناةِ واللوطيينَ، فكنت أقول للشهيد مروان: لُيتُب هؤلاء حتى يتوبَ الله عليهم، الله
هو الذي يَقبَل التوبةَ عن عباده، ولست أنا !
لكنْ لا يجوز أن يكون
واحدٌ منهم في الحركة الإسلامية على الإطلاق، ألا ترى كيف يتّهم الناسُ الشيوخَ
باللواط ومخادنة النساء؟
فكان رأي الشهيد رحمه الله
تعالى؛ أنّ الزنا واللواط ليسا أكبر من جريمة الربا.
فما بالي أقبل أن ينخرط في
الحركة الإسلامية المرابي التائب، وأرفض الزاني واللوطي التائبين؟!
عندما طبعتُ كتابي «ثعلبة
بن حاطب - الصحابيّ المفترى عليه» كنتُ منطلقاً من اعتقادي بنظرية «عدالة جميع
الصحابة» التي هي ثقافة أهل السنّة، وهي التي تربينا عليها، قبل أن نعرف الحقَّ
الذي هو «وجودُ صحابةٍ غير عدول وغير ثقات»!
بل إنني قبل حملي الكتاب إلى
المطبعة في جُدّة، توضّأتُ ونزلت إلى المسجد الحرام، وطفت بالبيت سبعاً، ثم سألت
الله تعالى في الملتزم أن يدخلني الجنةَ بهذا الكتاب، الذي ذَببتُ فيه عن عرض
صحابيّ جليل!؟
عَقِب طباعةَ الكتابِ
وانتشارِه كثيراً؛ زارني أحد الإخوةِ القدامى وقال لي: أراكَ تَغيّرت يا شيخ عداب
كثيراً، ألم تجد غير «ثعلبةَ بن حاطبٍ» المجهول، تدافع عنه؟
أفلا دافعت عن أبي بكر
وعمر، اللذين هما «صنما قريشٍ» عند الروافض الكفرة، لعنهم الله تعالى؟
أفلا دافعت عن أمّ
المؤمنين عائشة، ممّا افتراه ويفتريه عليها أولئك الروافض!
لقد رأيتك ذات يومٍ تؤنّب
عدداً كبيراً من الشبابِ، في زاوية الشهيد مروان؛ لأنك رأيتهم يتوكّأون على
الوسائد، كأنهم أعراب البادية البطّالين على حدّ قولك!
حقّا لقد تغيّرتَ كثيراً،
يا شيخ عداب، وحفظ الله شيخنا «محمد قطب» عندما قال: «دول الخليج مقبرةُ الدعاة،
والسعودية هي المقبرة الكبرى»!
أجلْ لقد تغيّرتُ كثيراً،
وكثيراً جدّاً، إذ الناس ليسوا متساوين في القدرات الذهنية والنفسيّة والجسمانيّة،
وليس جميعُهم أصحابَ تضحية وإقدام!
ألا ترى ماذا قال الله
تعالى لرسوله محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّمَ؟
(فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ
نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)
[الكهف].
(لَعَلَّكَ بَاخِعٌ
نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) [الشعراء].
(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ
سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي
مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ
بِمَا يَصْنَعُونَ (8) [فاطر].
رسولُ الله محمّد صلّى
الله عليه وآله وسلّمَ؛ كان يحزنُ جدّاً لعدم إيمان الناس بالحقّ من عند ربّهم
تعالى، بينما هم مستمسكون بالباطل، وسيكون مصيرهم النار!
فأعلمه الله تعالى أنّ
البشر ليسوا متساوين في فهم الحقِّ، ثم في قَبولِه (إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) [هود].
لكنْ بقي الرسول صلّى الله
عليه وآله وسلّمَ بالمؤمنين، كما قال الله تعالى في وصفه:
(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ
مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ
بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) [التوبة].
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ
لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا
عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
[آل عمران].
من هذا المنطلقِ؛ فقد
غدوتُ أكثرَ حُنوّاً ورحمةً وإشفاقاً على عُصاة المسلمين، مع كراهيتي الشديدة
لأعمالهم الباطلة وانحرافاتهم.
كان بعضُ مشايِخنا
المصريّين، يترحّمون على «أمّ كلثوم» ويرجون لها الجنة، فكنت أحتقرُ عقولَهم،
وعدمَ وضوح الولاء والبراء لديهم!
عندما أنكرتُ على بعضهم
هذا الأمرَ؛ قال لي: «مَن صاحب قصيدة «وُلِد
الهدى» قلت له: أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله تعالى!
قال لي: أهوهْ قُلتَها، يا
ابني، كان أحمد شوقي فاسقاً سكّيراً بتاع كلّه، لكنه كان يحبّ الرسول صلّى الله
عليه وآله وسلّمَ.
عندما أنجز قصيدته «نهج
البردة» هذه؛ جاءه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّمَ في المنام وأثنى عليه» قال عداب:
ونسيتُ الحوار الذي دار بينهما في المنام.
«عِمْلِتْ إيه قصيدة شوقي
دي: ولا حاجة، لكنْ لمّا غنّتها أمّ كلثوم؛ ملأت الدنيا إشادةً بالحبيب المصطفى
صلّى الله عليه وآله وسلّمَ!
ثمّ هيّ فيها إيه أمّ
كلثوم من الإغراء الذي تتبجحون به؟
تكشف راسها؟ أهوه روح عشر
سيئات!
تلبس ثياباً رقيقةً، أهوه
روح عشر سيئات تانية!
وبعدين؟
الذين يستمعون إلى «نهج
البردة» من أمّ كلثوم ملايين، ولأحمد شوقي ولها ملايين الحسنات يا ابني»!!؟
ختاماً: أنا لم يتغيّر
لديّ شيء من مفهوم الولاء والبراء مع الكافرين، لكنني أسألُ الله تعالى أن يلهم
الإعلاميين والفنانين وسائر الفسّاق التوبةَ النصوح، وأن يصفح عنّا وعنهم، فنحن
جميعاً ضعفاءُ أمام مُغريات الدنيا، وأمام شهواتنا، ونحن نزعم أنّنا من أهل العلم!
فكيف بعامّة الناس الذين
يغمرهم الجهل بدينهم حتى رؤوسهم؟!
اللهم أَبْرِمْ لهذه
الأمّة أمرَ رُشدٍ، يُعَزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويُذَلّ فيه أهل معصيتك، ويُؤْمَر فيه
بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.
اللهم ارزق جميعَ الناسَ
هدايَتَك ومعرفتَك، يا ربَّ العالَمين!
اللهم ارزق جميعَ المسلمين
التوبةَ النصوحَ والعمل الصالحَ، الذي يُبلّغهم منازلَ كرامتك ورحمتك، يا أرحمَ
الراحمين!
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحَمْدُ للهِ على كلِّ
حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق