مسائل فكريّة (21):
الولاء والبراء! مع
الكافرين!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
عَدَدٌ من الإخوة الأكارمِ،
عتبَ عليَّ بأنّ منشوراتي تجاه الغربِ قاسيةٌ، ولو علم بها الساسة الغربيّون؛ فربما
حاسبونا علينا - نحن المقيمين بينهم - أفلا تجدُ مواضيعَ أخرى تتحدّث فيها غيرَ
هذه المواضيع التي تعكّر على التعايش السلميَّ بيننا وبينهم؟!
أقول وبالله التوفيق:
بادئ ذي بَدْءٍ، أتمنّى أن
يقوم ساسةُ الغربِ بطَردِ كلّ مسلمٍ يعيش في بلادهم، ولا يُبقوا فيها مسلماً
واحداً؛ لأنّ عِزّةَ المسلمِ، وكرامةَ الملتزم؛ أعلى وأسمى من وفرةِ العَلَفِ في
تلك الديار!
خاصّةً إذا عَلِمنا بأنّ
وفرةَ العلفِ هناك؛ أثرٌ عن تسلّط الغرب علينا، ونهبهم ثرواتنا، وتحكّمهم بأسعارها،
بل هم الذين يوجهوننا إلى مَن نُصَدّرها، ومَن يحظر علينا تصديرها إليهم!
ولو كان لدى قومي تلك
العِزّة الإيمانيّةُ التي أشرت إليها؛ لتركوا تلك البلاد فرادى وجماعاتٍ ، وهاجروا
إلى بلدان عربيّة، أو إسلاميةٍ تقبلُ مقامَهم فيها.
بعد الذي شاهدوه -
وشاهدناه - على القنوات الفضائيّة، من ذاك التمييز العنصريّ بين الأوكرانيِّ الغربيّ
الأشقر، والأزرق العينين، وبين صُفر المشرق الأقصى، وسُمْرِ العربِ، وسود
إفريقيّة!
أنتم معاشرَ المقيمين في
بلاد الغرب، تطبّقون عمليّاً ما عابَه الله تعالى على أسلافِكم من جيلِ الصحابة،
قبل أن تتشبّع أرواحهم بمفاهيم الولاء والبراء!
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا: لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ، لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا
وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ!
قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ
مِنْ أَفْوَاهِهِمْ، وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ!
قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ
الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)
هَاأَنْتُمْ أُولَاءِ
تُحِبُّونَهُمْ، وَلَا يُحِبُّونَكُمْ!؟ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ!
وَإِذَا لَقُوكُمْ؛
قَالُوا آمَنَّا، وَإِذَا خَلَوْا؛ عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ
الْغَيْظِ!؟
قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119).
إِنْ تَمْسَسْكُمْ
حَسَنَةٌ؛ تَسُؤْهُمْ، وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ؛ يَفْرَحُوا بِهَا!
وَإِنْ تَصْبِرُوا
وَتَتَّقُوا؛ لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا، إِنَّ اللَّهَ بِمَا
يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) [آل عمران].
نحن - المسلمينَ - نتمنّى
الهدايةَ والرشادَ والسعادةَ لجميع البَشَر، في مشارق الأرض ومغاربها: الأسود
والأحمر والأشقر والأصفر والأسمر، والغنيّ والفقير، والقويّ والضعيف، والرجل
والمرأة، لماذا؟
قال الله تبارك وتعالى:
(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي
الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ
الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) [الأنبياء].
كيف كان الرسولُ صلّى الله
عليه وآله وسلّم رحمةً للعالمين؟
يَعني يَرحَمُ الملحد
والمشرك والوثنيّ والكافر والعلماني والوجوديّ والشيوعيّ؟
كلّا وألفُ كلّا، فهذا
افتراءٌ على الله تعالى، وعلى رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم!
إنّما رحمته للعالمين
بذاتِه، وبرسالته!
أمّا رحمته للعالمين
بذاته؛ فلأنّ الله تعالى صرفَ عن البشريّة العذاب العامّ الشامل، كما فعل بعادٍ
وثمودَ وفرعون والمؤتفكات!
وأمّا رحمته برسالته؛ فهذا
ما قاله الله تعالى:
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ (28) [سبأ].
(قُلْ يَاأَيُّهَا
النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ.
فَآمِنُوا بالله
وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ باللهِ وَكَلِمَاتِهِ،
وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) [الأعراف].
(فَأَمَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ
فَضْلِهِ.
وَأَمَّا الَّذِينَ
اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ
لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (173).
يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ
جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا
(174).
فَأَمَّا الَّذِينَ
آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ
وَفَضْلٍ، وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175) [النساء].
هذه هي رحمة رسول الله، صلّى
الله عليه وآله وسلّم للعالمين!
هل يرحم اللهُ يومَ
القيامةِ المشركين؟
هل يرحم اللهُ الكافرين؟
هل يرحم اللهُ المنافقين؟
(إِنَّ اللهَ جَامِعُ
الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا).
(لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ
وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ!
مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً؛
يُجْزَ بِهِ، وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123).
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ
الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ؛ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) [النساء].
(وَمَنْ يُؤْمِنْ باللهِ
وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ (9).
وَالَّذِينَ كَفَرُوا
وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ
الْمَصِيرُ (10) [التغابن].
إنّ رحمةَ الله تعالى
بخلقِه جميعاً، إنما هي في هذه الدنيا!
أمّا في الآخرة؛ فإنّ الله
حرّم على الكافرين حتّى شَربةَ ماء!
(وَنَادَى أَصْحَابُ
النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ
مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ!؟
قَالُوا: إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا
عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا
وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا.
فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ
كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ
(51) [الأعراف].
إنّ نظرةَ المؤمن إلى
الحياة الدنيا؛ أنها وسيلةٌ وسبيلٌ لا بدّ من سلوكِه كما أراد الله تعالى؛ ليحصل
في الآخرة على النعيم المقيم!
وليست لذاذاتُ الدنيا
وشهواتُها؛ منتهى مطامحِ وأحلام المؤمن، كما هي الحال عند أولئك الشُقْرُ الزُرق،
المستكبرين على خلق الله تعالى، والمحادّين لله تعالى في دينه وشرعه!
(أَلَمْ يَعْلَمُوا
أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللهِ وَرَسُولَهُ؛ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا
فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) [التوبة].
(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ
اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ
أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5) يَوْمَ
يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ،
وَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6) [المجادلة].
(إِنَّ الَّذِينَ
يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ
أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) [المجادلة].
ختاماً:
أكرّر ما قلتُه مراراً:
الموقف العقديُّ؛ لا مجاملةَ فيه، أنا مؤمن، وهو كافر!
المؤمن الصالح من أصحاب
الجنة، والكافر من أصحاب النار!
لكنْ مِن أجلِ استمرار
الحياةِ إلى أجلها، الذي أجّله الله تعالى لها؛ فقد أوضح لنا كيفيّة التعامل مع
غير المسلمين!
(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ:
إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ، كَفَرْنَا بِكُمْ
وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى
تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ (4).
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ
يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6).
عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً، واللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ
غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)
لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ
عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ
دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ (8)
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ
عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ
وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ
فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) [الممتحنة].
والله تعالى أعلم
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحَمْدُ للهِ على كلِّ
حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق