مسائل فكريّة (20):
أزمة حقيقيّة في منهج
التفكير لدى العرب المعاصرين!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
أثارَتْ وفاةُ الكاتبِ
المَقبور «سيّد القِمَنيّ» جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعيّ، وانقسم
الناس حِيالَ شخصِه وفِكره وكتبه أقساماً حادّة!
- فمنهم مَن عدّه نبيَّ
التنوير العربيّ!
- ومنهم مَن عدّه مجدّداً.
- ومنهم من عدّه مؤمناً
مسلماً.
- ومنهم مَن عدّه كافراً
مَرتدّاً.
- ومنهم مَن عدّه
معتزليّاً كابن الراوندي والجاحظ والمعريّ!؟
- ومنهم من عدَّ كتبَه
جيّدةً، لكنّ ظهورَه على وسائل الإعلامِ، كان سوقيّاً تافهاً.
وأنا شخصيّاً لم أقرأ لهذا
الرجل صفحةً واحدةً من كتبه، ولا رأيتُها، فلا يَسعني الحكم على كتبه بشيءٍ!
إنّما القاعدةُ الأصوليّة
والمنطقيّة «لا اجتهاد في مَورد النصّ» كافيةٌ للحكم عليه بما قاله هو عن نفسه:
هو قال عن نفسه: «أنا ربّ
الإسلام والمسلمين، يا أولاد الكلب!».
وهو قال لأحد تلامذته: «لا
بدَ حين تحاوِر أحد التقليديين؛ أن لا تواجهه بفكرك، ينبغي أن تُفهمه أوّلاً أنك
مسلم مثله، تؤمن بما يؤمن به، ثم تسحبه قليلاً قليلاً إلى فكرك».
وهو جاهر بكلّ صفاقةٍ،
فقال: «أقول لكم من الآخر: أنا كافر».
فنحن لا نزيدُ على ما قال
شيئاً، ولا نَنقُص منه.
وأنا لم أكتب هذا المنشور
بشأن القمنيّ هذا، فهو أهون عند الله تعالى، ثمّ عندي من أن أشغلَ قرّائي بمثله دقيقةً
واحدة!
إنّما وجدتُ مَن يعدّه
مفكّراً، ووجدت مَن يعدّ الإعلاميّ الجاهلَ «عمرو أديب» مفكّراً، ومن يعدّ
الإعلاميّ الضالَّ «إبراهيم عيسى» مفكرّاً، وهكذا!
لا أيها الإخوة الأكارم:
هؤلاء كلهم جهّال بالله تعالى وبالرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وبدين الإسلام،
وحتى بتاريخه!
- لا يجوز أن يقالَ عن
إنسان: إنّه مفكّر، حتى يكون متقناً لمناهج المفسّرين، في فهم وتأويل كتابَ الله
عزّ وجلّ!
- لا يجوز أن يقال عن
إنسانٍ: إنّه مفكّر، حتى يكون متقناً لمناهج المحدّثين في تقويمهم للمروياتِ في
السنّة النبويّة، والسيرة النبويّة.
- لا يجوز أن يقال عن
إنسانٍ: إنّه مفكّر، حتى يكون متقناً لمناهج المؤرّخين في تقويمهم للمروياتِ في
السنّة النبويّة، والسيرة النبويّة، والتاريخ الإسلاميّ.
- لا يجوز أن يقال عن
إنسانٍ: إنّه مفكّر، حتى يكون متقناً لمناهج الأصوليّين في تقويمهم للمروياتِ في
العقائدِ والأحكام التفصيليّة.
- لا يجوز أن يقال عن
إنسانٍ: إنّه مفكّر، حتى يكون متقناً لمناهج المحدّثين والأصوليّين في عمليّة
التعارض والترجيح، بين الروايات الحديثيّة، مع آياتِ القرآن العظيم!
الله تبارك وتعالى يصف
الرسولَ صلّى الله عليه وآله وسلّم بقوله:
(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ
عَظِيمٍ (4) [القلم].
فأيّ روايةٍ حديثيّة أو
تاريخيّة يتّفق العقلاء على أنّها منافيةٌ للخلق العظيم؛ فهي باطلة، في أيّ كتابٍ
حديثيٍّ، أو تاريخيّ كانت!
فتناول سيرةِ الرسول صلّى
الله عليه وآله وسلم، من دون إتقانٍ للمناهج السابقة؛ ستجعل المُتناوِلَ يخالفُ
كتابَ الله تعالى، ويسيءُ إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتماً!
لأنّ أقربَ المؤرّخين الذين
تناولوا سيرةَ الرسول؛ هو ابن إسحاق.
فلو جاء امرؤٌ، وبنى
مواقِفَه على ما في سيرةِ محمد بن إسحاقَ، من دون معرفةٍ بمنهج ابن إسحاق في
سيرته، ومن دون معرفة بمناهج المحدّثين وموقفهم منها، ومن دون معرفة بمناهج
المؤرّخين؛ سيقع في تناقضات كثيرةٍ مع القرآن العظيم، ومع صحيح سنّة الرسول
وسيرته.
والله تبارك وتعالى يقول
لرسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم:
(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ
رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا (48) [الطور].
(فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ
عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) [فاطر].
(فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ
نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)
[الكهف].
(لَعَلَّكَ بَاخِعٌ
نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) [الشعراء].
(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ
رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) [الضحى].
ما كان الله تعالى ليقول
للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم هذا الكلام؛ لولا استحقاقه له، إذ ليس بين اللهِ
وبين خلقِه نسبٌ ولا صهر، إنما هي العبوديّة الحقّة!
قال الله تعالى: (وَلَوْ
تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ
(45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ
حَاجِزِينَ (47) [الحاقّة].
(وَلَقَدْ أُوحِيَ
إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ
عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ
مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) [الزمر].
أقول: كان من منهج
المحدّثين والمؤرّخين المتقدّمين؛ جمعُ كلّ مَرويٍّ، حتى لو كان فيه إساءةٌ إلى
الله تبارك وتعالى، وإلى رسولِه صلّى الله عليه وآله وسلّم، اعتقاداً منهم بأنّ
جمعَ هذا كلَّه؛ سيضع بين أيدي الأجيال اللاحقة حقيقةَ الإسلام، وجميعَ ما كادَه
أعداءُ الإسلام والمسلمين لهذا الدين.
وبمعزلٍ عن صوابِ هذا
المنهج أو خطئه؛ فهذا هو الحاصل!
ولأنّ هذا هو الحاصل في
الواقع ونفس الأمر؛ وُجدت كتبُ الحديث الصحيحة، ووُجدت كتب الموضوعاتِ المكذوبة،
ووُجدت كتب الثقات، ووُجدت كتب الضعفاء والمتروكين من رواة الحديث والتاريخ!
خِتاماً: لقد قرأت أكثر من
خمسين كتاباً في الطبّ والفسلجة والتشريح وأجهزة الجسم، وقرأت خمسةَ كتب عن
التداوي بالأعشاب والعقاقير الطبيّة!
ومع هذا، فإذا عطستُ ثلاثَ
مرّاتٍ متواليةً؛ أقصد الطبيب المختصّ؛ لأنني لست متخصّصاً!
فما بال هذا الدين، يتناول
عقائدَه وشرائعه أناسٌ لم يُولُوا علومَه أيَّ اهتمام؟
ولولا أنّ التوجّه
الرسميَّ في البلاد العربيّة؛ هو تغريبُ المجتمع المسلم، وإبعادُه عن هذا الدين؛ لما
تجرّأ هؤلاء السفلة الجهّال وضرباؤهم على تجاوُزهم أصولَ العلوم وآداب الكتابة
والخطاب!
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحَمْدُ للهِ على كلِّ
حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق