مَسائِلُ مِنْ عُلومِ القرآنِ والتَفسيرِ (8):
القُرآنُ الكريمُ الذي نُؤمِنُ بِهِ!؟
بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ
الرَحيمِ
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا،
وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ،
وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
سأني عددٌ من الإخوةِ القرّاء الغيورين: «كيف ترفضُ تكفير
الشيعة الإماميّة، وهم يقولون بتحريفِ القرآن الكريم؟
وما هو القرآن العظيمُ الذي تؤمن به أنتَ، وينجيك وينجينا
اعتقادُه عند الله تبارك وتعالى»؟
أقول وبالله التوفيقُ:
القرآن الذي أعتقده، وأدين الله تعالى به: «هو كلامُ الله تعالى
الذي نزلَ به جبريلُ على قلب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، بلفظه ومعناه، المُتَعَبّدُ
بتلاوته، المُعجِزُ بأقصر سورة منه، المجموعُ بين دفتي المصحف، مرتّباً من أوّل
سورة الفاتحة، إلى آخر سورة الناس، من دون زيادةِ آيةٍ واحدةٍ، أو نُقصانِ آية،
بإجماع أصحاب الرسول رضي الله عنهم».
وكلّ حديثٍ آحاديٍّ ينسب زيادةَ أونقصانَ آيةٍ إلى كتاب الله
تعالى؛ فهو حديثٌ باطلٌ، حتى لو كان في الصحيحين.
والمصحف الذي جمعه أصحاب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في
عهد أبي بكر، والذي صنعوه في عهد عثمان؛ هو كلماتُ القرآن الكريم، التي أوحى بها
الله إلى رسوله، بمعزلٍ عن قراءاتِه المتعدّدة، التي يُشير إليها حديثُ الأحرف
السبعة.
أمّا حكمُ القَوْلِ بتحريف القرآن الكريم؛ فيوجِبُ علينا أنّ
نحدّد معنى التحريفِ، بعد أن علمنا معنى القرآن الكريم.
- التَحريفُ في لغة العرب: قال ابن فارس في مقاييسه (2: 42):
(حَرَفَ): الْحَاءُ الرَّاءُ وَالْفَاءُ؛ ثَلَاثَةُ أُصُولٍ:
حَدُّ الشَّيْءِ، وَالْعُدُولُ، وَتَقْدِيرُ الشَّيْءِ.
فَأَمَّا الْحَدُّ: فَحَرْفُ كُلِّ شَيْءٍ؛ حَدُّهُ،
كَالسَّيْفِ وَغَيْرُهُ.
وَمِنْهُ الْحَرْفُ، وَهُوَ الْوَجْهُ، تَقُولُ: هُوَ مِنْ
أَمْرِهِ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، أَيْ طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَمِنَ
النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ) [الحج: 11] أَيْ: عَلَى وَجْهٍ
وَاحِدٍ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ يَجِبُ عَلَيْهِ طَاعَةُ رَبِّهِ
تَعَالَى عِنْدَ السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَإِذَا أَطَاعَهُ عِنْدَ السَّرَّاءِ،
وَعَصَاهُ عِنْدَ الضَّرَّاءِ؛ فَقَدْ عَبَدَهُ عَلَى حَرْفٍ، أَلَا تَرَاهُ قَالَ
تَعَالَى: (فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ؛ اطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ
فِتْنَةٌ؛ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ) [الحج: 11] .
وَالْأَصْلُ الثَّانِي: الِانْحِرَافُ عَنِ الشَّيْءِ، يُقَالُ:
انْحَرَفَ عَنْهُ، يَنْحَرِفُ انْحِرَافًا.
وَحَرَفْتُهُ أَنَا عَنْهُ: أَيْ عَدَلْتُ بِهِ عَنْهُ،
وَذَلِكَ كَتَحْرِيفِ الْكَلَامِ، وَهُوَ عَدْلُهُ عَنْ جِهَتِهِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى:
(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) [النساء: 46] .
وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ: الْمِحْرَافُ، حَدِيدَةٌ يُقَدَّرُ
بِهَا الْجِرَاحَاتُ عِنْدَ الْعِلَاجِ.. إلخ»
قال عداب: فعلى المعنيين الأوّل والثاني المتّصلين بمسألتنا؛ لا
مكان للزيادةِ والنُقصان إنما التحريفُ فيهما بمعنى تأويلِ وتفسير الآيةِ، وَفقَ وُجهةٍ
مقصودةٍ لدى المُفسّر.
فأنتَ عندما تتّهم الشيعةَ الإماميّةَ أو غيرهم بتحريف القرآن
العظيم؛ يجب أن يكونَ قَصدُك تأويلَهم القرآن الكريم، أو بعضَ آياتِه على نحوٍ غير
مَرضيٍّ لك.
مِنْ مثل تأويلِهم قولَ الله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) بأنّ المقصودَ
بهذا الشطر من الآيةِ؛ أهلُ الكساءِ خاصّةً، دون أزواج رسولِ الله صلّى الله عليه
وآله وسلّم، متجاهلين سباق الآية وسياقها تماماً.
(يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ
إِنِ اتَّقَيْتُنَّ، فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ، فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي
قَلْبِهِ مَرَضٌ، وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ،
وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى، وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ،
وَآتِينَ الزَّكَاةَ، وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ؛ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ
مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ؛ إِنَّ اللهَ كَانَ
لَطِيفًا خَبِيرًا (34) [الأحزاب]
هذا النوعُ من التحريفِ، الذي هو التفسيرُ والتأويلُ غيرُ
المَرضيّ؛ موجودٌ لدى أهل السنّة والشيعة الإماميّة والإسماعيليّة وغيرهم، أثراً
من آثار استخدامِ الروايات الحديثيّة الآحادية الصحيحةِ والحسنة والضعيفةِ في
التفسير.
أمّا مسألة الزيادةَ والنقصان في آيات القرآن الكريم؛ فيجب
التريّث في الجواب!
مثال موضح: آية (بسم الله الرحمن الرحيم) هل هي آية من سورة النمل فحسب؟
(إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30).
أم هي أية من سورة النمل، وآية من سورة الفاتحة، دون غيرها من
السور، أم هي آية من أوّل كلّ سورةٍ، كما ذهب إليه الإمامُ الشافعيُّ والشيعة
الإماميّة والشيعة الزيديّة والإباضيّة؟
قال الإمام النووي الشافعيُّ في المجموع (3: 334) ما نصّه:
«اعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْبَسْمَلَةِ عَظِيمَةٌ مُهِمَّةٌ،
يَنْبَنِي عَلَيْهَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ الْأَرْكَانِ بَعْدَ
التَّوْحِيدِ، وَلِهَذَا الْمَحَلِّ الْأَعْلَى الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ وَصْفِهَا؛
اعْتَنَى الْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ بِشَأْنِهَا
وَأَكْثَرُوا التَّصَانِيفَ فِيهَا مُفْرَدَةً.
وَقَدْ جَمَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ الدِّمَشْقِيُّ ذَلِكَ فِي
كِتَابِهِ الْمَشْهُورِ، وَحَوَى فِيهِ مُعْظَمَ الْمُصَنَّفَاتِ فِي ذَلِكَ
مُجَلَّداً كَبِيراً.
وَأَنَا إنْ شَاءَ اللهُ تَعالَى أَذْكُرُ هُنَا جَمِيعَ
مَقَاصِدِهِ مُخْتَصَرَةً وَأَضُمُّ إلَيْهَا تَتِمَّاتٍ لابد مِنْهَا فَأَقُولُ:
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا - الشافعيّة - أَنَّ الْبَسْمَلَةَ آيَةٌ مِنْ
أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَلِكَ هِيَ آيَةٌ كَامِلَةٌ مِنْ أَوَّلِ
كُلِّ سُورَةٍ غَيْرَ بَرَاءَةَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِنَا.
وَبِهَذَا قَالَ خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ من السلف، قال الحافظ
أبو عمرو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ المالكيُّ:
هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ
الزُّبَيْرِ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمَكْحُولٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَطَائِفَةٍ.
قَالَ: وَوَافَقَ الشَّافِعِيَّ فِي كونها من الفاتحة أحمدُ وإسحقُ
وَأَبُو عُبَيْدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَمَكَّةَ وأكثر أهل العراق.
وحكاه الخطابيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ الْخِلَافِيَّاتُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَالزُّهْرِيِّ وَسُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ.
وَفِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ لَهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ
وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد الظاهريّ:
لَيْسَتْ الْبَسْمَلَةُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ كُلِّها؛ قُرْآناً، لَا فِي
الْفَاتِحَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا!
وَقَالَ أَحْمَدُ: هِيَ آيَةٌ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ،
وَلَيْسَتْ بِقُرْآنٍ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ.
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَيْضاً.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ
وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ: هِيَ آيَةٌ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ، غَيْرَ الْأَنْفَالِ
وَبَرَاءَةَ، وَلَيْسَتْ آيةً مِنْ السُّوَرِ، بَلْ هِيَ قرآن كسورة قَصِيرَةٍ!
وقال محمد بن الْحَسَنِ - تلميذ أبي جنيفةَ -: مَا بَيْنَ
دَفَّتَيْ الْمُصْحَفِ قُرْآنٌ.
قال النوويّ: «وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا
يَكْفُرُ مَنْ أَثْبَتَهَا وَلَا مَنْ نَفَاهَا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا،
بِخِلَافِ مَا لَوْ نَفَى حَرْفًا مُجْمَعاً عَلَيْهِ، أَوْ أَثْبَتَ مَا لَمْ
يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ؛ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِالْإِجْمَاعِ» انتهى المقصود من كلامه
هنا، ومراجعته بتمامه مفيدة جدّاً.
وقد طوّل الباقلانيُّ المالكيّ في «نكت الانتصار لنقل القرآن» بالردّ
على مَن يقول: إنّ (بسم الله الرحمن الرحيم) آيةٌ من الفاتحة، فضلاً عن أن تكون
آية في صدر كلّ سورةٍ سوى براءة، وجزم بأنها آية من سورة النمل فحسب، ثمّ قال (1:
264) ما نصّه:
«فإن
قيل: فإذا قُلتم: (إن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ليست آيةً من (الحُمْدُ
للهِ ربِّ العالَمينَ) ولا مِن جُمَل سُورٍ هيَ في افتتاحها، فهل تكفّرون مَن قال
إنّها من الحمد، وأنّه بمثابةِ من قال إنَّ «قِفا نَبْكِ» من (الحُمْدُ للهِ ربِّ
العالَمينَ) أم لا؟» قيل له: لا!
وإنما
يلزمُ هذا الكلامُ مَن قال من أصحابنا: لو كانت من (الحُمْدُ للهِ ربِّ
العالَمينَ) ومن كل سورةٍ؛ لوجبَ إكفارُ من أنكر كونَها من (الحُمْدُ للهِ ربِّ العالَمين)
فيُقال له: ولو لم تكن من (الحَمْدُ) لوجب إكفارُ من قال إنّها من (الحَمْدُ)!
وليست
هذه عندَنا طريقةً صحيحةً ولا مَرضِيةً في النظرَ، ولا واجبةً في حكم الدّين، بل الواجبُ
أن نقول: إن مُعتقِدَ كونها من (الحَمْدُ) ومن كل سورة، أو آيةً منزَلةً مُفردةً
فاصلةً بين السُوَرِ؛ مخطىءٌ ذاهبٌ عن الحق، لأجل عُدُوله عمّا وجبَ عليه من العلم
بأن الرسولَ صلّى الله عليه وسلّمَ، لو كان قد نصّ على ذلك من حكمها؛ لوجبَ تواترُ
نقلِه وظهورِه وانتشارِه، ولَزِمَ في القلوبِ العلمُ بصحّتِه، وأنّ ذلك عادةُ
الرسول في بيانِ جميعِ ما أنزل عليه من القرآن.
فلما
عَدَل عن ذلك، وعَمِلَ على ظاهرِ افتتاحِ الرسولِ بها، وأَمْرِه بكتبها للفصل بين
السّور، وجهرِه بها تارةً، فظَنّ بهذا أنَّها من جملة القرآن؛ كان بذلك غالطاً
وعادلاً عن بعضِ ما لزمه ووجبَ عليه في العلمِ ببيانِ الرسولِ بمثل القرآنِ
وعادتهِ فيه، وكان بذلك متأوّلاً ضَرباً من التأويلِ، لا يُصيِّرُهُ بمنزلةِ من
ألحقَ بالقرآنِ ما قد عُلِمَ ضرورةً من دين الرسول، وباتفاقِ أمّته أنّه ليس من
القرآن».
فهذا
علَمان مختلفان في المذهب:
أحدهما
يقول: البسملة آية من أوّل سورة الفاتحة، وآية من أوّل كلّ سورة سوى براءة.
والثاني
يقول: البسملةُ ليست آيةً من أوّل سورة الفاتحة، وليست آية من أوّل كلّ سورة، إنما
هي بعضُ آيةٍ من سورة النمل.
ولم
يكفّرْ المثبتُ النافيَ، ولم يكفّر النافي المثبتَ، فلماذا لا تثور ثائرتكم تجاه
هذا النقصِ الاجتهاديّ من أبي حنيفة ومالكٍ وغيرهما من أهل السنة؟
عند أهل السنة، وعند الشيعة الإماميّة رواياتٌ كثيرةٌ تقول
بنقصان القرآن الكريم، وهي كلّها رواياتٌ غرائب، لا تعكّر على تواتر القرآن
العظيم، وإجماع الصحابة عليه.
وحتى يسهل التصوّر على عامّة أهل السنّة؛ أسوق لهم بعض الروايات
من كتبهم المعتمدة!
أخرج الإمام مسلم في صحيحه (1050) من حديث أَبِي الْأَسْوَدِ الديلي
- ظالم بن عمرو - قَالَ: بَعَثَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ - أمير البصرة - إِلَى
قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ مِائَةِ رَجُلٍ قَدْ
قَرَءُوا الْقُرْآنَ، فَقَالَ: أَنْتُمْ خِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ
وَقُرَّاؤُهُمْ، فَاتْلُوهُ.
وَلَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمْ الْأَمَدُ، فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ،
كَمَا قَسَتْ قُلُوبُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ!
وَإِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ
سُورَةً، كُنَّا نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ،
فَأُنْسِيتُهَا غَيْرَ أَنِّي قَدْ حَفِظْتُ مِنْها: (لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ
وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ؛ لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ
ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ)
وَكُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً،
كُنَّا نُشَبِّهُهَا بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ، فَأُنْسِيتُهَا، غَيْرَ أَنِّي
حَفِظْتُ مِنْهَا:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا: لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ؟ فَتُكْتَبُ شَهَادَةً فِي
أَعْنَاقِكُمْ، فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
هذا فهم أبي موسى، وذوقه في
عدم تمييزه بين كلام الله تعالى، وما يُظنّ أنّه من كلام الرسول صلّى الله عليه
وآله وسلّم، أو من حديث نفسه!
فهذا الكلامُ؛ لم يثبت
أنّه من القرآن العظيم؛ لأنّه ليس بين دفتي المصحف من جهة!
ولأنْ ليس له بلاغة القرآن
العظيم وفصاحته، من جهة ثانية.
ولا يثبت أنّ الرسول صلّى
الله عليه وآله وسلّم قاله؛ لأنّ أبا موسى نسبه إلى الله تعالى وليس إلى الرسول.
وأخرج الإمام أحمد في
مسنده (20261) من حديث عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بنِ حُبَيشٍ قَالَ:
قَالَ لِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: كَأَيِّنْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْأَحْزَابِ. أَوْ
كَأَيِّنْ تَعُدُّها؟
قَالَ: قُلْتُ لَهُ:
ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ آيَةً!
فَقَالَ أُبَيٌّ: قَطُّ!
لَقَدْ رَأَيْتُها، وَإِنَّهَا لَتُعَادِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَلَقَدْ
قَرَأْنَا فِيها: (الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا؛ فَارْجُمُوهُمَا
الْبَتَّةَ، نَكَالاً مِنْ اللهِ وَ اللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
فهذا ليس من القرآن
الكريم، ولا من الحديث الشريفِ، إنما هو توهّم ممن قاله.
وأخرج الإمام البخاريّ
(4976، 4977) والإمام أحمد (20244) واللفظ له، من حديثِ عاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ
عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: قُلْتُ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: إِنَّ ابْنَ
مَسْعُودٍ كَانَ لَا يَكْتُبُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي مُصْحَفِهِ؟
فَقَالَ أُبيٌّ: أَشْهَدُ
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ
عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهُ: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) فَقُلْتُهَا،
فَقَالَ: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) فَقُلْتُهَا!
فَنَحْنُ نَقُولُ مَا
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وإنما اخترت لفظ الإمام
أحمد؛ لأنّ لفظَ حديث البخاريّ لُغزٌ، لا يَفهم منه قارئه شيئاً، بل يزيده
ارتباكاً وحيرة!
وهذا لفظه في الموضعين:
زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنْ
الْمُعَوِّذَتَيْنِ؟
فَقَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (قِيلَ لِي، فَقُلْتُ)!
فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال ابن تيمية عدوّ
الشيعةِ الأكبر في مجموع الفتاوى (12: 492):
«كَانَ الْقَاضِي شريحٌ،
يُنْكِرُ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ: (بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ (12) [الصّافات]
وَيَقُولُ: إنَّ اللَّهَ لَا يَعْجَبُ!
فَبَلَغَ ذَلِكَ
إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ، فَقَالَ: إنَّمَا شُرَيحٌ شَاعِر، يُعْجِبُهُ عِلْمُهُ.
كَانَ عَبْداللَّهِ بن مسعودٍ أُفُقه مِنْهُ، فَكَانَ يَقُولُ: (بَلْ عَجِبْتُ).
فَهَذَا شُريحٌ قَدْ
أَنْكَرَ قِرَاءَةً ثَابِتَةً...وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ إمَامٌ
مِنْ الْأَئِمَّةِ!
وَكَذَلِكَ بَعْضُ
السَّلَفِ أَنْكَر بَعْضُهُمْ حُرُوفَ الْقُرْآنِ مِثْلَ إنْكَارِ بَعْضِهِمْ
قَوْلَهُ: (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) [الرعد: 31] وَقَالَ: إنَّمَا
هِيَ: أو لَمْ يَتَبَيَّنْ الَّذِينَ آمَنُوا.
وَإِنْكَارِ الْآخَرِ
قِرَاءَةَ قَوْلِهِ: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ) [الإسراء:
23] وَقَالَ: إنَّمَا هِيَ: وَوَصَّى رَبُّك.
وَبَعْضُهُمْ - يعني ابنَ
مسعودٍ - كَانَ حَذَفَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَآخَرُ يَكْتُبُ سُورَةَ الْقُنُوتِ.
وَهَذَا خَطَأٌ مَعْلُومٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ، وَمَعَ
هَذَا، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ قَدْ تَوَاتَرَ النَّقْلُ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ؛ لَمْ
يُكَفَّرُوا، وَإِنْ كَانَ يَكْفُرُ بِذَلِكَ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ
بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ.
قال عداب: أمامَ هذه
الرواياتِ الكثيرة جدّاً، وهي لدى أهل السنةِ أكثرُ منها لدى الشيعة، وأمام أقوال
أولئك العلماء المحترمين لدى أهل السنّة؛ فيجب علينا أن لا نُطلق القولَ بتكفير
مَن يقول بزيادةٍ في القرآنِ، أو بنقص منه؛ لأنّ وجودَ هذه الرواياتِ عند أهل
السنّة وعند الشيعةِ؛ شبهةٌ قويّةٌ توجب علينا عدم التسرّع بالتكفير، وإلّا لزمنا
أن نكفّر عمر بن الخطّاب وأبا موسى وغيرهما من القائلين:
إنّ (الشيخ والشيخة) من
القرآن، وأن نكفّر عبدالله بن مسعود القائل: إنّ المعوّذتين ليستا من القرآن.
ولا يخفى أنّ أكثر علماء
أهل السنة والشيعة جهّال جهلاً مطبقاً بنقد الرواياتِ، ناهيك عن أنّ أكثر علماء
أهل السنّة يقولون: «كلّ ما في الصحيحين صحيح» وتلك بليّةٌ من أكبر بلايا التناقض
الفكريّ لدى أهل السنّة!
والواجب الشرعيّ عليّ وعلى
أمثالي؛ أن يجمعوا جميع الروايات الحديثيّة في كتب أهل السنة وكتب الشيعة
الإماميّة، وعرض أسانيدها على ميزان النقد الحديثيّ، ثم عرض متونها على القرآن
الكريم، وستجدونها كلها ضعيفة الإسنادِ أو منكرة المتن!
وأنا شخصيّاً أقول: أرى
أنّ نسخَ التلاوةِ ونسخ الأحكامِ من التحريف الحقيقيّ، ويقول به أهل السنة وحدهم،
بينما لا يقول الشيعة بنسخ التلاوة البغيض مطلقاً، ولا يقولون إلا بنسخ آيةٍ
واحدةٍ، أو عدّة آياتٍ من القرآن العظيم.
أمّا أنا الفقير فأقول: لا
يوجدُ في القرآن العظيم ولا في السنّة النبويّة الصحيحة ناسخٌ ولا منسوخٌ البتّة!
ومَن أشكل عليه كلامي؛
فليرسل إليّ الآية أو الحديث المشكل لديه، حتى أوضح له أنْ ليس في هذا أو تلك ناسخ
ولا منسوخ.
والله
تعالى أعلم
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق