اجتماعيات (48):
العَيبُ على الذي لا يَحْشِمُ نَفسَه!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).
كتب أحدهم على الفيس بوك ما نصّه: «مَنْ لَزمَ أبا
حنيفةَ؛ فقد اتّبع حمّاداً والنخعيَّ وعلقمَةَ وابن مسعودٍ، عن الرسول صلّى الله
عليه وسلّم» انتهى.
فأحببت توضيحَ الأمرِ من جهةٍ، وتقييدَه من جهةٍ
أخرى، ظنّاً منّي بأنني أقدّم فائدة إضافيّة لكاتب هذه الكلماتِ، ثمّ للقارئ من
بعده، فكتبتُ: «مَن لزم أيَّ إنسانٍ ممن ذكرتَ؛ فإنما لزمه هو.
فإذا روى من طريق شيخه حديثاً صحيح الإسناد والمتن؛
يكون تبع رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم.
وما سوى ذلك؛ فهؤلاء اجتهدوا، فأصابوا وأخطأوا،
فنسبتهم إلى لزوم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، من كيسك وأكياس مَن يزعم
مثل زعمك هذا!
أبو حنيفة يجيزُ إيجارَ بيتٍ ليُتّخذ خمّارةً، أو
دار بغاءٍ، فهل ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، شيءٌ من ذلك؟
اتّقوا الله فيما تقولون، وتعلّموا قبل أن
تكتبوا»!؟
فتبيّن أنّ الكاتبَ من الرعاع الجهلة، فعقّب على
كلامي بقوله: «مَدد يا سيّدنا أبا حنيفة!».
ثم انهال عليّ الطعنُ والسبّ والشتم، وبعضهم رماني
بالطعن على أبي حنيفةَ رحمه الله تعالى.
كان الهدف من المنشور؛ بيانُ أنّ لزوم أيّ مذهبٍ من
مذاهب الإسلام؛ ليس لزوماً لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالضرورة؛ لأنّ
جميع المذاهب قد اجتهد أصحابها فيما وراء النصوص الشرعيّة، فأصابوا كثيراً،
وأخطأوا كثيراً أيضاً.
فلا يجوز أن يعتقد أحدٌ أنّ مَن لزم مذهب أبي حنيفة
أو مالكٍ أو الشافعي، وغيرِهم؛ يكون قد لزم السنّة النبويّة تماماً، بل هذا خلافُ
ما نصّ عليه الأئمّة جميعهم، رحمهم الله تعالى.
أما
تكذيبي فيما نسبته إلى الإمام أبي حنيفة؛ فإليك توثيقه، وإن كان من مشهور مذهبه ولا
يحتاجُ إلى توثيق!
قال
الإمامُ محمّد بن الحسن في الأصل (4: 17) ما نصّه:
«قال: إذا استأجر الذميّ من المسلم داراً ليسكنها؛
فلا بأس بذلك. فإن شرب فيها الخمرَ، أو عبدَ فيها الصَليبَ، أو أدخل فيها الخنازير
لم يلحق المسلمَ مِن ذلك شيءٌ من الإثم؛ لأنه لم يؤاجرها لذلك، والإجارةُ جائزةٌ
لازمة له.
وكذلك لو اتخذ فيها بِيعةً أو كنيسةً أو بيتَ نارٍ،
بعد أن يكون ذلك بالسواد «سواد الكوفة» فإنّ الإجارة جائزة، ولا يلحق المسلم من
ذلك شيء، وكذلك لو باع فيها الخمر، وكذلك هذا في الأمصار».
وقال في الهداية للمرغينانيّ (4: 378): «ومَن أجَر
بيتاً لِيُتَّخَذ فيه بيتُ نارٍ أو كنيسةٌ، أو بِيعةٌ أو يُباع فيه الخَمرُ
بالسواد؛ فلا بأس به، وهذا عند أبي حنيفة!
وقالا - يعني أبا يوسفَ ومحمّداً - لا ينبغي أن يُكريَه
لشيءٍ من ذلك؛ لأنه إعانةٌ على المعصية».
فهذان أكبرُ أصحاب أبي حنيفة خالفاه، ولم يلزما
قولَه؛ لأنهما لا يريان لزوم قولِه؛ هو لزوم قول الرسول صلّى الله عليه وآله
وسلّم!
فما بال رعاع قومي (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ
مُسْتَنْفِرَةٌ)؟
وانظر هذا الكلام ذاتَه في المصادر الحنفيةِ الآتية:
بداية المبتدي (ص: 224) والاختيار (4: 162) وتبيين
الحقائق (6: 29) والعناية بشرح الهداية (10: 59) وملتقى الأبحر (ص: 186) وشرحه (2:
529) والبحر الرائق (8: 230).
أقول: أنا الفقير لا أقول شيئاً لست على يقينٍ منه،
وما عليّ إذا لم يفهم البقر؟
حاشاكم روّاد صفحتي الأكارم.
ختاماً: لا يوجد بشرٌ من البشر - سوى النبيين -
جميعُ ما يقوله صحيح وحقّ، على الإطلاق، من الصحابة رضي الله عنهم، فمن دونهم.
ولو لم يكن للمذهبيّة من شرٍّ، سوى هذا التعصّب
المقيت؛ لكفى بها جهلاً وغوغائيّة!
ولست أدري أيسكتُ أحدنا عن قول الحقّ، حتى لا يشتمه السفلة الرعاع الجهلة؟
]رَبَّنا:
ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ
مِنَ الْخَاسِرِينَ[.
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلَّم تَسليماً
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق