مِنْ عِبَرِ التاريخِ (7):
معاويةُ كاتبُ الوَحيِ !؟
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا:
افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
ممّا
يشيُعه النواصبُ، وكثيرٌ من أهل السنةِ تأثّراً بهم، بحكم المجاورة وتداخل
الثقافة؛ أنّ معاويةَ بن أبي سفيان، كان كاتباً للوحي، فهو إذنْ أمين على وحي الله
تعالى، فكيف لا يكون فاضلاً؟
يبدو
أنّ القومَ لجأوا إلى مثل هذه الأمورِ، عندما أعياهم البحثُ عن منقبةٍ لمعاويةَ،
بعدما نصّ علماؤهم على أنّه لا يصح لمعاويةُ منقبةٌ عن الرسول صلّى الله عليه وآله
وسلّم، سوى حديثين:
حديث:
(لا أشبع الله بطنه) أخرجه مسلم في البرّ والصله (2604).
وحديث
( ويح عمّار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار) أخرجه البخاري في التعاون على بناء المسجد
(447) واللفظ له، ومسلم في الفتن (2915) فكان معاويةُ إمامَ الفئة الباغية الداعية
إلى النار!
تزوّج
الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ثلاثَ عشرةَ امرأةً، لكلّ واحدةٍ منهنّ أخٌ أو إخوة،
لكنّ النواصب الأوشاب، لا يلقّبون عبدالله بن عمر، أو عبدالله بن جحش، أو ضرار بن
الحارث، رضي الله عنهم بأخوال المؤمنين!
معاويةُ
وحده هو خال المؤمنين، لأنهم يعشقون الطغاة، ويهنأون بالعيش تحت نعالهم!
أمّا
مسألة كتابةِ معاويةَ للوحي؛ فإن كانت مزيّةً، فقد كتب الإمامُ عليٌّ وعبدالله بن
مسعودٍ وزيدُ بن ثابت، وغيرهم، رضي الله عنهم الوحيَ، وما رأينا الناصبةَ
والمتأثرين بهم من أهل السنّة، يجعلون كتابةَ الوحي مزيّةً لمن كتبه حقيقةً!
إنّ
كتابةَ الوحيِ وغير الوحيِ؛ كانت خاضعةً للظرف الذي نزل فيه الوحي، فكان الرسول
صلى الله عليه وآله وسلّم، إذا أوحي إليه؛ دعا واحداً ممن كان يقرأ ويكتب، فأملى
عليه ما أوحاه الله إليه، ولذلك كثر من قالوا: إنّه كتب الوحي!
وهذا
عبدُالله بن سعدِ بن أبي سَرْح العامريّ،
كان يكتب الوحيَ للرسول صلى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ ارتدّ، وذهب يقول: مَا
يَدْرِي مُحَمَّدٌ مَا يَقُولُ، إِنِّي لَأَكْتُبُ لَهُ مَا شِئْتُ، هَذَا الَّذِي
كَتَبْتُ يُوحَى إِلَيَّ، كَمَا يُوحَى إِلَى مُحَمَّدٍ « صلى الله عليه وآله
وسلّم» كما في القسم المتمم من طبقات ابن سعد (ص: 448) وفي معرفة الصحابة لأبي
نعيم (3: 1670) والإصابة لابن حجر (2: 309).
فنحن
لو سلّمنا بما يرويه النواصبُ أحباب معاويةَ، من أنّه كتب الوحيَ للرسول صلّى الله
عليه وآله وسلّم؛ فيغدو شأنه في كتابة الوحيِ؛ كشأن عبدالله ابن أبي سرحٍ
العامريّ، فما الفرق؟
ما
دام معاويةُ باغياً ظالماً قائدَ قطّاع الطرق الذين كانوا يغيرون على المسلمين،
فيقتلونهم، ويسلبون أموالهم بأمره؟!
ختاماً:
يحسن في هذا المقام أن ننقلَ ما أورده ابن حجر في فتح الباري، عند شرحه الحديث (3764،
3765) قال: «صنّف ابنُ أَبِي عَاصِمٍ جُزْءاً فِي مَنَاقِبِ «معاوية» وَكَذَلِكَ
أَبُو عُمَرَ غُلَامُ ثَعْلَبٍ، وَأَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ.
وَأَوْرَدَ
بن الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ بَعْضَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرُوهَا.
ثُمَّ
سَاقَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: «لَمْ يَصِحَّ فِي
فَضَائِلِ مُعَاوِيَةَ شَيْءٌ، فَهَذِهِ النُّكْتَةُ فِي عُدُولِ الْبُخَارِيِّ
عَنِ التَّصْرِيحِ بِلَفْظِ مَنْقَبَةٍ، اعْتِمَاداً عَلَى قَوْلِ شَيْخِهِ «إسحاق».
لَكِنّ
«البخاريَّ» بدقيق نظره، استنبط مَا يدْفع بِهِ رُؤُوس الرَّوَافِضِ!
وَقِصَّةُ
النَّسَائِيِّ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ، وَكَأَنَّهُ «النسائيّ» اعْتَمَدَ أَيْضًا
عَلَى قَوْلِ شَيْخِهِ إِسْحَاقَ، وَكَذَلِكَ فِي قصَّة الْحَاكِم.
وأخرج
ابن الْجَوْزِيِّ أَيْضاً مِنْ طَرِيقِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
قال: سَأَلْتُ أَبِي: مَا تَقُولُ فِي عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ؟
فَأَطْرَقَ،
ثُمَّ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ كَثِيرَ الْأَعْدَاءِ، فَفَتَّشَ
أَعْدَاؤُهُ لَهُ عَيْباً، فَلَمْ يَجِدُوا!؟
فَعَمَدُوا
إِلَى رَجُلٍ قَدْ حَارَبَهُ، فَأَطْرَوْهُ كِيَاداً مِنْهُمْ لِعَلِيٍّ»
قال
ابن حجر: أَشَارَ «أحمدُ» بِهَذَا إِلَى مَا اخْتَلَقُوهُ لِمُعَاوِيَةَ مِنَ
الْفَضَائِلِ، مِمَّا لَا أَصْلَ لَهُ!
وَقَدْ
وَرَدَ فِي فَضَائِلِ مُعَاوِيَةَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا مَا
يَصِحُّ مِنْ طَرِيقِ الْإِسْنَادِ.
وَبِذَلِكَ
جَزَمَ إِسْحَاقُ بن رَاهَوَيْه وَالنَّسَائِيُّ وَغَيرُهما، وَاللهُ أعْلَم»
قال
الفقير عداب: قول ابن عبّاس عن معاوية: «إنّه فقيه» معارَض بما أخرجه الطحاويّ في
شرح معاني الآثار (1: 289) من طريق عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ
أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ نَتَحَدَّثُ،
حَتَّى ذَهَبَ هَزِيعٌ مِنَ اللَّيْلِ, فَقَامَ مُعَاوِيَةُ, فَرَكَعَ رَكْعَةً
وَاحِدَةً!
فَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: «مِنْ أَيْنَ تُرَى أَخَذَهَا الْحِمَارُ»!؟
فإن
صحّ قول ابن عبّاس: «إنّه فقيه» ونحوها؛ فيحمل على الاستخفاف والتهكّم.
والله
تعالى أعلم
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا
محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق