قريبا من السياسة (١2):
أنت مُعْجَبٌ بأكرم الحورانيّ !؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا،
وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا،
وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
دخلَ أحد الإخوةِ الحمويين
إلى بيتي – ومن
النادر جدّاً أن يزورني سوريّ، بسبب مُقاطعةِ الإخوان المسلمين الرسميّةِ لي، منذ
عام (1996) – فشاهد
في مكتبةِ صالة الضيوف «مذكّرات أكرم الحورانيّ» رحمه الله تعالى، وعفا عنه، فلم
يستغربْ وجودَ شيءٍ في مكتبتي، سوى هذا الكتاب، كسائر الحمويّين!؟
وقصّة وجودِ هذه المذكرات
في صالة الضيوفِ؛ أنني رأيتُ وضعَ الكتبِ الثقافيّة التي يمكن للزائر أن يتصفّح
شيئاً منها، في صالةِ الضيوفِ؛ لتبقى كتبي التخصصية في غرفة مكتبتي الصغيرةِ
مجموعةً في مكانٍ واحدٍ، مع جميع المصاحفِ الموجودة لديّ!
يذكّرني هذا بأحد تلامذتي
«السوامرة» دخل ذات مرّةٍ إلى مكتبتي في العراق، فراح يقرأ عناوين الكتب فيها،
فمرّ على أحدِ أرفف المكتبة، فوجد كتاب الكافي للكلينيّ، ومن لا يحضره الفقيه
للصدوق، والتهذيب والاستبصار للطوسيّ، فامتعضَ وقال: الآن فهمتُ لم أنتَ تزور
«النجفَ» إذن حقّاً كما يقولون عنك: متشيّع!
قلت له: لم يلفت نظرك في
مكتبتي «المطارحات» و«الأمير» لمكيافليّ، والبيان الشيوعيّ لأنجلز، ورأس المال
لماركس، و«كفاحي» لهتلر، وحتى كتاب «نابليون والنساء» الذي جمع «تعريصَ» وعُهرَ
نابليون!
لفت نظرك فحسب، هذه الكتبُ
الأربعة للشيعة... والقصة طويلة!
معروفٌ لدى جميع الحمويّين
الذين يعرفونني؛ أنني متعصّبٌ لآل البيت، تعصّباً قد يكونُ للظلم الذي كانوا وما
يزالون يعانون منه أثرٌ كبيرٌ في ذلك.
ونشأتُ في بيتٍ، ربّانا
فيه أهلنا على أن لا نشتمَ أحداً من آل البيت، ولا نضربه، ولا نسيء إليه أدنى
إساءةٍ، حتى لو صدرت عنه إساءة؛ لأنّ ذلك يؤذي رسولَ الله صلّى الله عليه وآله
وسلّم، ويؤذي فاطمة الزهراء والإمام عليّاً عليهما السلام.
وعندما كبرتُ وانتظمتُ في
جماعةِ الإخوان المسلمين؛ وجدتُ القومَ لا يعرفون عن آل البيتِ، سوى عمالة الشريف
حسين وأولاده للاستعمار، وعلّمونا أنّ الافتخار بالانتسابِ إلى آل البيت من خصال
الجاهليّة!
جاء إليّ عددٌ قليلٌ من
الإخوة الحمويين يُعزّونني، يوم استشهد أخي السيّد غسّان في العراق، عام (2003م) فكان
فيهم رجلٌ رفاعيّ النسبِ، فسألته أنتم من «السيّاد» أم من «الطحّان»؟
فقال لي: لا من هؤلاء ولا
من هؤلاء، أنا «قرباطي» (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).
قلت له: حقّاً أنت
قرباطيّ، لكنّ أهلك ليسوا من «القرباط»!
أكرم الحوراني؛ سيّد
رفاعيّ، من أسرةٍ دينيّة معروفة في مدينة حماة، أنجبت عدداً من القضاة والمفتين
والمفكرين والساسة.
نشأ السيّد أكرم الحوراني
في بيئةٍ حمويّةٍ إقطاعيّةٍ أعجميّة، لديها كبرياءُ وغطرسةٌ واستخفافٌ بالروح
البشريّة، فقتل الإنسان لدى بعضهم؛ أيسر من شرب كأس من الشاي!
وقد قرأتُ مذكّراتِه،
فوجدت تسميتها «تاريخ سوريا الحديث، من عام (1911) حتى نهايات القرن العشرين» أولى
وأدقّ، وهكذا هي مذكرات الكبار!
إنني لا أحبّ أكرمَ
الحورانيّ، ولا أحبّ رفاقَه الاشتراكيين، ولا أحبّ أديبَ الشيشكليّ، ولا أحبّ
رفاقه الإقطاعيين، ولا أحبّ شكري القوتلي، ولا أحبّ رفاقه «البرجوازيين» ولا أحبّ
صدّام حسين، ولا أحبّ رفاقه البعثيين!
لأنّه لا يجوز لي أن
أحبّهم أصلاً، انطلاقاً من القاعدة الشرعيّة، المبتناة على عددٍ من الأحاديث
الصحيحة (الحبّ في الله، والبغض في الله).
وهؤلاء جميعاً – باستثناء الرئيس صدّام في أواخر حياتِه – لم ينطلقوا في حيواتهم يوماً، من عقيدة الإسلام، وفكر الإسلام،
وفقه الإسلام!
وأنا عندما أثني على موقفٍ
لأحدهم؛ فأثني عليه لأنّه بحدّ ذاته خير، ولو صدر عن كافرٍ أصليّ؛ لأثنيت عليه،
كما نحنُ نثني على شجاعة عنترة، وكرم حاتم الطائي، وحكمة سحبان، وشعر زهير بن أبي
سُلمى!
قرأت كتباً عديدةً، ربما
تصل إلى عشرة كتبٍ، تتحدّث عن تاريخ سوريا المعاصر، فرأيتُ أدقّها وأكثرها وثائق،
وأعمّها وأشملها «مذكرات أكرم الحوراني».
فأنا أوصي بقراءة مذكراته،
وقراءةِ تاريخ الإخوان المسلمين في سوريا، للأستاذ عدنان سعد الدين، وتاريخ الإخوان
المسلمين في سوريا، للدكتور منير الغضبان، وليقارن بين روايات الثلاثة للأحداث
المشتركة في كتبهم.
ولا ريب في أنّ ما جاء في
كتابَي الإخوانيين «عدنان ومنير» لا يساوي فصلاً واحداً من فصول مذكرات الأستاذ السيّد
أكرم الحورانيّ.
مع الأخذ بنظر الاعتبار؛
أنّ التحليلاتِ غيرُ داخلةٍ في تقويمي؛ لأنّ منطلق التحليل مختلف تماماً بين
اشتراكيّ وإخوانيّ!
على أنّ كتاب الدكتور منير
الغضبان؛ أفضل وأدق وأصدق من كتاب الأستاذ عدنان سعد الدين بكثير!
مذكّرات السيّد أكرم
الحورانيّ؛ تحتاج إلى حلقاتٍ كثيرةً للتعريف بها، وبيان مواضع امتيازاتها الكثيرة،
لكنني لا أمتلك هذا الوقت، فأنا في شُغلٍ أهمّ!
حدّثني الدكتور مجد الراس،
نسيبُ الأستاذ السيّد أكرم، في عمّان الأردنّ؛ أنّ السيّد أكرم، كان يحافظ على
الصلوات في سنواتِه الأخيرة، وكان يصوم بقدر ما يستطيع، بسبب أمراضه المزمنة
العديدة.
أسأل الله تعالى أن يرحمَ عبدَه
الشريف أكرم الحوراني الرفاعيّ الحمويّ، وأن يرحم الأستاذ عدنان سعد الدين الكرديّ
الحمويّ، وأن يرحم الدكتور منير محمد الغضبان الأمويّ التلّي، وأن يغفر لهم ولنا، ولسائر عباده
المسلمين.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
والحمد لله على كل حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق