قريبا من السياسة (١3):
ماذا عن طالبان؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا،
وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا،
وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
حواراتٌ عديدةٌ جرت بيني
وبين عدد من الإخوة المتابعين للحراك السياسيّ في العالم العربي والإسلاميّ، حيالَ
ما جرى ويجري في بلاد الأفغان وفلسطين ولبنان، وسوريا واليمن والعراق ...إلخ.
فكنت بارداً في تلك
الحواراتِ، غير متحيّزٍ مع هذا الحراك أو ذاك، حتى مع نجاح طالبان في السيطرة على
بلاد الأفغان!
غدوتُ موقناً بأنّ جميع
شعوبنا العربية، غدت تقدّس حدودَ «سايكس بيكو» والجنسياتِ، وجوازات السفر التي
نشأت تبعاً لذلك!
إلى درجة أنك تجد
الإسلاميين أنفسهم يصرحون بأنّ اهتماماهم في بلدهم «الوطن»!
فالسوري يتأثّر إذا تكلم
اللبناني بشأن سوريا، والعراقي يرغي ويزبد إلى تكلمتَ بشأن العراق، وهكذا.
ولذلك، فأنا شخصياً لم أعُد
يعنيني حتى الأوضاع السياسية في سوريا؛ لأنّني لا أجد فارقاً كبيراً بين الأطراف
المتصارعة، فالظلم والعجز هو السمة العامّة لدى الجميع!
أنا الفقير لا يعنيني شيء
اسمه «الوطن» إلا بمقدار التزام أهله بدين الإسلام!
لا يعنيني حتى أعمامي
وأخوالي وجيراني، ما دام مبلغ علمهم ومقاصدهم؛ الحياةُ الدنيا!
لأنّ خدمةَ الحياةِ الدنيا
وعبوديتها؛ شأن مشترك بين البشرية جمعاء، والإسلام غير ذلك!
(وَابْتَغِ
فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ
الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ
فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) [القصص].
(وَمَا هَذِهِ
الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ
الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) [العنكبوت].
كلّ الذي يهمني ممّا يجري
في سوريا؛ هو تأمين الخبز والماء والدواء لعدد من العائلات، بمعزلٍ عن خطئهم
وصوابهم في ثورتهم غير المباركة هذه!
لقد عشت في سوريا خمساً
وعشرين سنةً من عمري، وعَلّمتُ في مدينة حماة ودمشق ومنبج والرقة وبانياس وجبل
العلويين، فلم أجد كبيرَ فارقِ بين أهالي هذه البلدان، في موقفهم من الدين
والأخلاق، فأكثريتهم الساحقة لا مكان للدين في سلوكهم!
حتى «البدو» الذين كنتُ
أظنّ لديهم شهامةً وغيرة على أعراضهم؛ شاهدتُ مئاتٍ من رجالهم في إحدى حفلات
الزفاف، جميعُهم يقبلون «العروس» الأنثى، وهي بينهم كما تُشاهد هيئةُ العروس الأنثى
في الأفلام!
فما دامت مجتمعاتنا
العربية؛ قدّست مقرّرات «سايكس بيكو» وعظّمت «الوطن» الذي رسمه لنا أعداء الإسلام؛
فلم أعد أرى هذه المجتمعات تستحقّ مني أدنى اهتمام، بَدْءاً من سوريا وانتهاء
ببلاد «الواق واق»!
ما الفرق بين أن يحكم
سوريا الطاغية بشار الأسد، أو الطاغية نور الدين الأتاسي؟
بين أن يحكمها أديب
الشيشكلي، أو أمين الحافظ؟
بين أن يحكمها شكري
القوتلي، أو أكرم الحورانيّ، أو عبدالحليم خدّام؟
جميعهم طغاةٌ، وجميعهم
علمانيون، وجميعهم ليس للدين من حياتهم نصيب!
وحين لا يكون للدين في
حياتك نصيب؛ فكن ما شئتَ، سنيّاً، شيعيّاً، درزيّاً، نصيريّاً، فلا فرق لديّ
أبداً!
وأثراً من آثار هذا الموقف
النفسيّ؛ فأنا لا أتابع أخبار أيّ حركةٍ أو حزبٍ أو صراعٍ، سوى أخبار حركة «حماس» لأنها
الحركة الشرعيّةُ، التي تسعى إلى تجسيد الإسلام المعتدل في فلسطين، وتبذل أقصى
طاقاتها في مطاولةِ العدوّ الصهيونيّ المجرم.
أمّا عن طالبان الأفغان:
إذا كانت حركةُ طالبان
سنيّةً حنفيّةً ما تريدية نقشبندية أو قادريّة، كما سمعتُ أحدهم يقول؛ فهذا أمر
طيّب للغاية في نظري!
وإذا كانت منعت «الوهابية»
من نشر أفكارهم في أفغانستان؛ فهذا أمر ضروريّ وممتاز؛ لأنّ الفكر والسلوكَ
الوهّابيين؛ من المحال أن ينتجا سوى التكفير والتبديع والاستعلاء والتطرّف
والانغلاق، والفكر الوهابيّ لا يصنع حضارة!
إنني أؤمن بضرورة الوحدة
الفكريّة لكلّ بلد، مادامت أوطاننا غدت وحداتٍ مستقلّة، وكيانات متمايزة!
فليكن المغرب العربيّ كله
مالكيّاً أشعريّاً صوفيّاً!
وليكن المشرق الإسلاميّ
كلّه شافعيّاً أشعريّاً صوفياً!
ولتكن الدول التركيّة
الكثيرةُ كلها حنفيّة ما تريدية نقشبندية، فإنّ هذا أدعى إلى الوحدة الفكرية
والسلوكية داخل المجتمع الواحد، وأحرى بأن تقلَّ النزاعات العسكرية المسلحة بين
أبنائه!
مع قيدٍ واحدٍ على جميع ما
تقدّم، وهو:
أن ينشأ في كلّ قطر من
الأقطار مؤسسة علمية بحثيّة تراجع مسائلَ الخلاف العقدية والفكرية والفقهيّة؛ لأنه
لا يحلّ لدولةٍ تمتلك إمكاناتٍ ماليةً ضخمةً؛ أن تبقى سادرةً في عمى التقليدِ
والتعصّب المذهبيّ البليد.
وإذا لم يكن لديها علماءُ،
على مستوى البحث والنظر؛ فإنها تستطيع استقدام أكبر العقول في العالم الإسلاميّ؛
لتُخَرّج لها بعد عشر سنواتٍ عشراتِ المجتهدين في كلّ فنٍّ، ثم هم يتولون تخريج
المجتهدين في بلادهم.
وأؤكّد على ضرورةِ عدمِ
السماح بنشر التشيّع في بلاد السنة، ولا نشر التسنّن في بلاد الشيعة!
وإذا أمكنَ جمع الشيعة
جميعهم في بلاد متجاورة متقاربة، وجمع السنّة في بلاد متجاورة متقاربة؛ فيتوجّب على
الحكوماتِ القيامُ بذلك؛ لأنّ الخلاف بين الحنفية والشافعية؛ ليس كالخلاف بين
الشافعية والإمامية مثلاً.
إذا كانت حركةُ طالبان
إسلامية حنفيّة ما تريديّة، كما عرّفها أحد قادتها الحركةَ؛ فما تقدّم في كلامي هو
نصيحةٌ صادقةٌ لقادة هذه الحركة.
وعلى قادة أفغانستان
الجديدة؛ أنْ يعلّموا الناس دينهم، وأن يلزموا المسلمين بعبادات الإسلام وأخلاق
الإسلام إلزاماً تربويّاً إقناعيّاً عن طريق الإعلام الكثيف!
وقول الله تعالى: (لَا
إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) موجّهٌ إلى الكافرين، وليس إلى المسلمين، إذ مما لا خلاف
فيه أبداً بين علماء الإسلام؛ أنّ المسلم مطالبٌ بأداء عبادات الإسلام على وجه
الإلزام، ومطالب بأخلاق وسلوك الإسلام على وجه الإلزام أيضاً!
فغير مسموح لأيّ مسلم أن
يزني أو يلوط أو يتناول المسكرات والحشيشة مثلاً.
وغير مسموح لأي مسلم أن
يسرق أو يقتل أو يقطع الطريق، أو يكذب أو يغتاب، وهكذا.
فالإسلام غير الأديان
المعاصرة الأخرى، والذين يريدون أن يفرضوا على أمتنا أسلوبَ حياتهم؛ يعرفون هذه
الحقيقةَ تماماً، لكنهم كما قال الله تعالى عنهم: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا
كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ).
وكما قال جلّت قدرته
أيضاً: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ
أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) [النساء].
وعليهم أن يقوموا بحوارات
حرّةٍ جادّةٍ مع العلمانيين، حتى يقنعوهم بحقّ الإسلام، أو يعرّوهم أمام مجتمعهم
المسلم، وبعد ذلك، فلا يسمحوا لهم بنشر سمومهم وفسادهم في المجتمع.
وعلى قادة طالبان؛ أن
ينتبهوا إلى ضرورة الرفق والتدرّج في نقل المجتمع الأفغاني إلى الإسلام خطوةً
خطوةً، وليس بقرار سياسيّ صارم.
والله تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
والحمد لله على كل حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق