مَسائل حديثية (21):
حديثُ الولايةِ موضوع!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
أرسل إليّ أحد تلامذتي الأحبّة رابطاً، ورسالةً
نصيّةً يقول فيها:
«حبيبنا الدكتور عمّار الحريريّ الرفاعيّ، حفظه
الله تعالى؛ يعتقد بوضعِ حديث ولايةِ عليٍّ عليه السلام، تبعاً لتضعيف الزيلعيّ،
كما في تعليقاته على منشوره.
فهل يصحّ قولُه وتبريره»؟ انتهى.
أقول وبالله التوفيق: أخذ الوصولُ مني إلى الموضع
الذي صرّح فيه الدكتور عمّار بذلك وقتاً أنا في أمسّ الحاجة إليه؛ لأنّ صفحتَه
مطروقةٌ، والتعليقات عليها كثيرة، من الموافق والمخالف!
وأنا الفقير لم تسنح لي الظروف بالتعرّف إلى
الدكتور السيّد عمّار، على الرغم من أنّ سكني كان قربَ الجامعة الإسلامية في
عمّان، التي كان الدكتور عمّار مدرّساً فيها.
لكنني تابعتُ الرجل برهةً، فوجدتُه عاقلاً عارفاً،
يعرف ما يقولُ، ويسطر ما يراه صواباً، بشجاعة، وجرأة محمودةٍ أحياناً.
وهذا لا يعني أنني أوافقه، أو يوافقني، في كثيرٍ
مما يكتب وأكتب!
بيدَ أنّ اتّهامَ مثلِ الدكتور عمّار بنيّته، أو
التهوين من شأنه في العلوم الدينيّة، وخاصّةً في علوم الحديث؛ هو شأنُ كثيرين من
المقلّدةِ، الذين يشككون بعلم ودين كلِّ مَن
يخالفهم.
والدكتور عمّار لم يُضعّف حديثَ الولايةِ تبعاً
للإمام عبدالله بن يوسف الزيلعيّ المحدّث
(ت: 762 هـ) في كتابه نصب الراية (1: 360) إنّما كان كلامُه ردّاً على مَن قال من
المعلّقين: إنّ طرقَ حديث الولاية كثيرة!
عندما نقل إليهم خلاصة قول الزيلعيّ في مسألة كثرة
الطرق، وها أنا أنقلها بتمامها.
قال الزيلعي: «وَأَحَادِيثُ الْجَهْرِ «بالبسملة»
وَإِنْ كَثُرَتْ رُوَاتُهَا، لَكِنَّهَا كُلَّهَا ضَعِيفَةٌ، وَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ
كَثُرَتْ رُوَاتُهُ، وَتَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ!
كَحَدِيثِ الطّيرِ، وَحَدِيثِ الْحَاجِمِ
وَالْمَحْجُومِ، وَحَدِيثِ (مَنْ كُنْت مَوْلَاهُ؛ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ) بَلْ قَدْ
لَا يُزِيدُ الْحَدِيثَ كَثْرَةُ الطُّرُقِ، إلَّا ضَعْفاً».
ولو كنتُ من المقلّدةِ؛ لأجبت الزيلعيّ بقول الحافظ
ابن حجر في فتح الباري (7: 74): «وَأَمَّا حَدِيثُ: (مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ؛
فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ) فَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَهُوَ
كَثِيرُ الطُّرُقِ جِدًّا، وَقد استوعبها ابن عُقْدَةَ فِي كِتَابٍ مُفْرَدٍ،
وَكَثِيرٌ مِنْ أَسَانِيدِهَا صِحَاحٌ وَحِسَانٌ.
وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ:
مابلغنا عَن أحد من الصَّحَابَة مابلغنا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ» يعني من
الفضائل!
قال الفقير عداب:
لم يَظهر لي مما قرأت للدكتور عمّار تسويغٌ علميّ
لحكمه بالوضع على حديث الولاية، فربما ذكره في موضع آخر، حبّذا لو قربه إليّ أحد
العارفين بصفحته.
وللحافظ الذهبي رسالةٌ مفردةٌ، جمع فيها طرق حديث
الولاية، وهي مطبوعة متداولةٌ، حكَم فيها على كلّ حديث، من أحاديث الولاية!
وقال في (ص: 17) منها: متواتر عن عليّ!
وقال في حديث سعيد بن وهب، رقمه (22): «هذا الحديث
على شرط مسلم، فإنَّ سعيداً ثقة».
وقال
الذهبيّ في تاريخ الإسلام (5: 146): «قلت: ومعنى هذا التشيّع؛ حبُّ عليٍّ، وبغضُ
النواصب!
وأن يَتّخذه مَولَّى، عملًا بما تواتر عَنْ نبيّنا
صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَن كنتُ مولاهُ؛ فعليٌّ مولاه).
وقال في النبلاء (7: 333): (مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ؛
فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ) هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ، عَالٍ جِدّاً، وَمَتنُهُ مُتَوَاتِرٌ».
وقام زميلي وتلميذيّ الدكتور نهاد عبدالحليم عُبيد
الطرابلسيّ، رحمه الله تعالى فكتب أطروحته للدكتوراه، بعنوان «الأحاديث المرفوعةُ
في فضل الإمام عليّ، ودراستها بين أهل السنة والشيعة» تحت إشرافي، كما يعلم
زملاؤنا ثمّةَ.
وقد جاءت أطروحته –
التي لم تطبعْ وللأسف –
في (1289) صفحة
وكان ممّا خرّجه فيها؛ حديثُ الولاية، برقم (563)
[ص: 943 - 971].
والدكتور نهاد سلفيٌّ، ليس من المغرمين بالإمام
عليّ عليه السلام، فقد قال (ص: 972): «وأخيراً: فلو سلّمنا جدلاً أنّ معنى المولى؛
الأَولى بالتصرف والخلافة، ألا يحتمل الاتّصال والانفصال؟
وحمله على الانفصال؛ هو عين مذهب أهل السنة،
القائلين بأنه الأولى بالتصرّف في شؤون المسلمين، في أيّام خلافته المعهودة، وأنّ
الذين خرجوا عليه وحاربوه وقاتلوه؛ بغاة ظالمون، والله تعالى أعلم».
والدكتور نهاد قال في مقدمة تخريجه الحديث (ص: 943):
«ثبوت تواتر حديث الموالاة»!
وقال في خاتمة الأطروحة (ص: 1154): «لقد تواتر عندي
حديثُ (من كنت مولاه؛ فعليّ مولاه) وصحّ عندي أيضاً زيادةُ (اللهم والِ من والاه،
وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، خلافاً لمن ذهب إلى ضعفها، أو
وضعها.
وقد بيّنت في موضعه (ص: 944) أنّ ما قاله ابن حزم،
من أنّ هذا الحديثَ لم يثبت من طريق الثقات أصلاً؛ فيه غلوّ لا يقلّ عن غلوّ
الشيعة» جزاه الله خيراً!
وكانَ جمعَ طرقَ هذا الحديثِ؛ الحافظُ ابن عساكر في
ترجمته للإمام عليّ في تاريخ دمشق، من بداية المجلّد (42: 3 - 589).
وقد أفردها زميلنا الدكتور عامر حسن صبري العراقيّ
بالتحقيق، فجاءت في مجلّدين، خرّج أحاديثها، وحكم عليها جملةً، ثم حكم على كلّ
حديثٍ حديث.
فقال في بداية تخريجاته (1: 416): «هذا حديث صحيح،
وهو الحديث المسمّى بحديث غدير خُمّ، وهو منقبةٌ من النبيّ صلّى الله عليه وآله
وسلم لعليّ رضي الله عنه وحثٌّ على محبّته، وترغيب في ولايته، والنهي عن معاداته
وخذلانه».
والدكتور عامر صبريّ؛ مثل زميلنا نهاد، رجل عراقيّ
سنيّ، متعصّب لأهل السنة!
وإنّ أهمّ ما أوجّهه إلى تخريجه من نقد؛ أنّه كان
يحكم على كلّ طريقٍ من طرق الحديث، بمفردها، وهذا خلاف منهج نقّاد المحدّثين،
الذين يجمعون طرق الحديث الواحد، ثمّ يعيّنون المدار، ثم يحكمون على الحديثِ من
المدار، فما علا!
ومهما يكن من أمر؛ فهو قد حكم بالصحة والحسن على
طرق كثيرةٍ من طرق، أحاديث الولاية، جزاه الله خيراً.
وأنا لست مقلّداً لهؤلاء العلماء في أحكامهم، ولا
أطلب من الدكتور عمّار تقليدهم!
إنما أحببتُ أن أذكّره بأنّ الحكم بوضعٍ حديثٍ، حكم
بتواتره الذهبيُّ وابن الجزريّ والسيوطيّ والشيخ ناصر الألبانيّ، وحكم بصحته عدد
غفير من العلماء قديماً وحديثاً، منهم الترمذيّ (3713) وابن حبان (6931) والحاكم (4576)
والحافظ ابن حجر وأحمد شاكر، والشيخ شعيب، وغيرهم.
أحببت أن أذكّره بأنّ مخالفة جميعَ هؤلاء، وغيرَهم؛
تستلزم إظهارَ أدلّته القويّة، التي تسوّغ مثل هذه المخالفة الصارخة، فأنا لم أرَ
في متن حديثِ الولايةِ أدنى نكارة، تجعل الناقدَ يتوقّف عندها، فضلاً عن الحكم على
الحديث بالوَضع؟
والله تعالى أعلم
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق