التَصَوُّفُ العَليمُ (12):
مَوقِفُ الكَسْنَزانِ من الصَحابةِ الكِرامِ!؟
بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
أنْكرَ عليّ بعضُهم أنْ أقول: إنني قادريٌّ
كسنزانيّ، وزعمَ أنّ السادةَ الكسنزان لا يُوَقّرون الصحابةَ رضوان الله عليهم، فأجبتُه
بما يتضمّنه هذا المنشور!
علينا في بدايةِ الكلام أن نستذكرَ قولَ الله تبارك
وتعالى:
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا
قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ، شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ
الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ.
إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا؛ فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا.
فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا،
وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرًا (135) [النساء].
وعلينا أن نستحضرَ قول الحَقّ جلَّ جلالُه:
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) [النحل].
علينا أنْ نضعَ نُصْبَ أعيننا كتابَ الله تعالى
وصحيحَ سنّة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، غيرَ ملتفتين إلى الخطابِ
الطائفيّ، والفقه النا...صبيّ، والنَفَس الرا ... فضيّ الحاقد!
حتى لا نَعيشَ تحت وطأةِ أمواجِ الظلم والجبروت،
ولا نحيدَ عن منهاج العدل والحقّ!
بعد هذا أقول:
السادةُ الكسنزان؛ فرعٌ شريفٌ من الشجرةِ البرزنجيّة المباركةِ، التي هي بدورها
إحدى الأشجار الباسقة في رياضِ الدوحةِ الحُسَينيّةِ العليّة المباركة.
وسيّد آل الكسنزان في وقته؛ سيّدنا وشيخنا الشيخ
محمّد المحمّد بن الوليّ الشيخ عبدالكريم الكسنزان الحسينيّ، رضي الله عنهم.
والطريقةُ الكسنزانيّة؛ أكبر تِكيةٍ قادريّة في
العالم الإسلاميّ، في حدود معرفتي!
صَحبتُ سيّدي الشيخ محمّد المحمّد صحبةَ ملازمةٍ
قريبةٍ منذ العام (1996م) حتى العام (2002م) وكنتُ إمامَ وخطيب ومفتي التكية
الكسنزانيّة في هذه السنوات!
يعلمُ جميعُ مَن يعرفني؛ أنّني لا يمكن أن أقبلَ
بمخالفةٍ شرعيّة ظاهرة، من أيِّ أحدٍ كان!
قال لي بعضُ مشايخِ العراق: إنّ الكسنزان لا يصلّون
الفرائضَ المكتوبة!
وشهادتي بالله الجليل، إنّ القائلين لكاذبون!
وقال لي بعضهم: إنّ الشيخ محمّد الكسنزان؛ لا يصلّي
الجمعة، ولا الجماعة!
وشهادتي بالله العظيم؛ أنّ الشيخ كان يصلّي الجمعةَ
والجماعة مقتدياً بي، طيلةَ السنواتِ التي صحبتُه فيها، إنّما جنابُ الشيخ يشترط
العدالةَ والأهليّةَ في الإمام والخطيب!
ولا يذهب مذهب القائلين «صلّوا وراء كلِّ بَرٍّ
وفاجر».
لا، بل إنّه كان يحافظُ على السننِ الرواتبِ أكثرَ
منّي!
وقال لي أحد أصحاب العمائم الكبيرة: إنّ بنات الشيخ
محمّد الكسنزان؛ أفسدن الكليّات التي يدرسن فيها!
وحين سألتُ أحدَ السادةِ أولاد الشيخ عن عددِ
إخوتِه وأخواتِه؛ قال: نحن سبعةُ إخوةٍ ذُكور، وسكت!
قلت له: عفواً، وكم عددُ البناتِ، فليس في ذلك حرج
شرعيّ، إذْ جميعنا نعرف أسماء زوجات الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم، وبناته
عليهنّ السلام!
تبسّم السيّد وقال: ليس عندنا أيّ أختٍ على
الإطلاق، سوى أختٍ كرديّة تعيش في كردستان، ولم تتعلّم في المدارس العربية!
هكذا هو افتراء «نا... صبة» العراق، على السادة
الصوفيّة عموماً، وعلى السادةِ من آل البيت خصوصاً، عليهم من الله ما يستحقون!
وقيل لي عن الشيخ محمّد، وقيل لي عن الكسنزان
الكثير الكثير!
وما رأيتُ ممّا قيل لي شيئاً!
بلى رأيتُ - والله - الدينَ والأدبَ والسماحةَ، ورأيتَ الكرمَ، الذي لم أرَ
له نظيراً في حياتي، لا عندي، ولا عند آبائي، ولا أحدٍ من العالمين في زماننا هذا!
كان الشيخُ محمّد رضي الله عنه مثالَ الخُلُقِ
الرفيعِ، ولُطفِ المعشرِ، ولين الجانب، وسموّ الخلق، ودوام الذِكْر، والحرص التامّ
على العلم، وعلى تعليم المريدين!
أجل رأيت فيه شيئاً واحداً، لم يعجبني أبداً، هو أنّه
«محسود».
إنّ الحسدَ الأسودَ الذي يَعتلجُ في قلوب كثيرين من
شيوخِ التصوّف وغيرهم، على ما آتى اللهُ تعالى عبدَه الشيخ محمّداً من القَبولِ لدى
الناس، وحبّهم السامي لجنابه الكريم!
ذات مرّةٍ قال لي: سنفتح أنا وإيّاك «روما» إنْ شاء
الله تعالى!
استعظمت الأمر في نفسي، وقلت له: كيف سنفتح «روما»
يا سيّدي!
قال: متى حان الوقت؛ سنزور «الفاتيكان» معاً،
ونلتقي بالبابا والكرادلة والقساوسة المسيحيّين، ونقول للبابا: أيها البابا، نحن
أبناءُ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، قد كان جدّنا الرسول رحمةً للعالمين،
ونحن - أبناءَه - رحمةٌ للعالمين أيضاً، ونحن ندعوكم إلى الله تبارك وتعالى، وإلى
دين الإسلام!
نحن نعتقد أنّ دين الإسلام؛ هو دينُ إبراهيم ويوسف
وموسى وعيسى ومحمّد، عليهم الصلاة والسلام، ولنا على ذلك أدلّتنا العلميّة،
وأدلتنا العمليّة!
قال لي: أمّا أدلّتنا العلميّة؛ فأنت تقوم بها يا
سيّد نور الدين، وكان هو سمّاني بهذا الاسم.
وأمّا أدلتنا العمليّة؛ فنقول للبابا: إنما ثَبت
صدقُ الأنبياءِ عند أقوامِهم بالمعجزات، وعلينا نحن وإيّاكم أنْ نُقدّمَ للناسِ المعجزاتِ
في زماننا هذا!
هاتوا أعظم «فُرن» موجودٍ في العالم، لتكن درجة
حرارته ألفَ درجة، أو ألفين، أو ما تستطيعين صُنعَه، وضعوه في ساحةٍ عامّة!
ثمّ نقول للبابا والقساوسة: هيّا نُدخل نحن وإياكم
أيديَنا في هذا الفرن؛ فمن أكلت النارُ يدَه؛ فهو على خطأ، ومَن خرجت يده سليمةً؛
فهو على الحقّ، وعلى الطرف الآخر أن يدخل في دين الحقّ!
بشرطٍ واحدٍ، هو أن يكون إظهار المعجزة هذا على
ملأٍ من الناسِ، وعلى شاشات التلفزةِ الكبرى!
حضرت له مشاهدَ عجيبةً، كنت أستصغر نفسي وذكائي
وعلمي معها!
زارنا في إحدى الليالي أحدَ عشرَ أستاذاً من جامعات
ألمانيا، فيما أذكر العدد.
تعشّوا معنا، ثمّ قمنا إلى الذِكر، ثم حضرنا معاً فعاليّات
مجلس الذكر، من إمساك الكهرباء، وبلع المسامير، وضرب الجناحر في الرؤوس، وأكل
شفرات الحلاقة، وغيرها.
سأل أحدُ أساتذة الجامعات شيخَنا الجليل: هل أستطيع
أن أقوم أنا بهذه الفعاليّات، وكيف؟
قال له: كلّ واحدٍ يستطيع، متى شاء، في هذه اللحظة
تستطيع، بشروط:
الأوّل: أن توحّد الله تعالى؛ لأنك منه تحصل على
المدَدِ!
الثاني: أن تبايعَ على القيام بتعاليم الإسلام.
الثالث: أن تبايعَ شيخَ الطريق، وتعاهد الله تعالى
على الطاعة، والالتزام بالأوراد!
قال له الأستاذ: الآن أستطيع أن أضرب نفسي، وأن
أتناول شفرات الحلاقة، وأبتلع المسامير، بمجرّد أن أنطق بالشهادتين؟
تبسّم الشيخ وقال له: جرّب فوراً، والأمرُ أيسرُ
ممّا تتصوّر!
التفت إليّ هذا الأستاذ وقال: نحن حضرنا مجلس
الذكر، وشاهدنا الفعاليّات، وسجّلناها على الفيديو، واستمعنا إلى حوارك وإجاباتك.
لكن لا يليق بنا - ونحن أكاديميّون - أن نتسرّعَ، وتأخذَنا
العاطفةُ الآنيّةُ!
إنما يجب علينا أن نشاهد الفيديو أكثر من مرّة، وأن
نتأمّل بكلامك أكثر، ثمّ نُرسلُ إليكم رأينا بكلّ وضوح!
بعد أيّام أطلعني سماحةُ الشيخِ على جوابٍ منهم
بأنهم أسلموا أجمعين، وبكى الشيخ رحمه الله تعالى، وبكيت ابتهاجاً بإسلام أحدَ
عشرَ عالماً معاً!
هذا هو شيخُنا محمّد المحمّد الكسنزان، صاحب هذه
الهمّة، وصاحب هذه الثقة بالله تبارك وتعالى!
أمّا عن مَوقفِ السادةِ الكسنزان من الصحابة
الكرام؛ فهو الموقف الحقّ، الذي لا حقّ في الوجود سواه!
السادة الكسنزان جميعاً؛ ليسوا بنوا... صب، ولا روا...
فض، ولا خوا...رج، ولا وهّا... بيّة قتلَة!
السادة الكسنزان في الجملة أشعريّةُ الاعتقادِ،
شافعيّة الفقه والتصوّف والأخلاق!
والسادةُ الكسنزان؛ لا يُرهبهم التهويلُ والتخويفُ
والتخريف أبداً!
السادةُ الكسنزان؛ ينظرون إلى المجتمع المدنيّ في
عصر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، نظرتهم إلى الواقع الإنسانيّ البشريّ، الذي
يتفاوتُ أبناؤه بين الولايةِ والصلاح، وبين الفسق والضلال والانحراف (هُوَ الَّذِي
خَلَقَكُمْ، فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِيرٌ (2) [التغابن].
قال الله تبارك وتعالى يعرّفنا بهذا المجتمع:
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100).
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ
مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ.
لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ
سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101).
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا
عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) [التوبة].
وقال عزّ شأنه: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ
فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ
فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) [المائدة].
وقال الحقّ ربّ العالمين:
(وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا؛
انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا!
قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ
وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) [الجمعة].
وقال تبارك وتعالى أيضاً:
(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ
كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ
بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) [التوبة].
الناس طبقاتٌ في المجتمع المدني، وفي المجتمع
العربيّ، في أيّام الرسول صلّى الله عليه
وآله وسلّم!
(وَالسَّابِقُونَ
السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) [الواقعة].
وقال تعالى أيضاً:
(وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ
(27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)
وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ
(33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35)
فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ
(38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40) [الواقعة].
فواقع المجتمع الإسلاميّ قُبيلَ وفاة الرسول صلّى
الله عليه وآله وسلّم؛ كان فيه:
- السادةُ المهاجرون، رضي الله عنهم.
- السادةُ الأنصار، رضي الله عنهم.
- المنافقون.
وقد تقدّم ذِكرُ جميعِهم في الآية الكريمة قريباً.
- الأعراب الذين أظهروا إسلامهم في العام التاسع من
الهجرة، المسمّى عامَ الوفود!
شاهدوا، أو شاهدَ قادتُهم الرسول صلّى الله عليه
وآله وسلّم ساعةً أو ساعتين، أو يوماً ويومين، ثمّ أرسل معهم مِن الصحابة مَن
يعلّمهم القرآن الكريم والفرائض!
وما أنْ توفي الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛
حتى انقسم هؤلاء الأعراب أقساماً:
- فقسم ارتدّوا عن الإسلام تماماً، كبني حنيفة، وبعض
قبائل اليمن، وبعض الأبناء.
- وقسم قالوا: إنّ الزكاة أختُ الجزية، ونحن والله
لن ندفع الزكاة أبداً!
- وقسم قالوا: إنّ الله تعالى قال: (خُذْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ
إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) [التوبة].
قالوا: كانت صلاة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم
علينا ودعاؤه واستغفاره سكناً لنا، وكان هذا في حياة الرسول، فهل صلاتُك سكنٌ لنا
يا أبا بكر؟!
- وقسم قالوا: إنّ الرسول صلّى الله عليه وآله
وسلّم قال لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: (إِنَّكَ
سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ
يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ.
فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ؛
فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ
يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.
فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ؛
فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ
أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ.
فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ؛ فَإِيَّاكَ
وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ) أخرجه البخاري في الزكاة (1496) ومسلم في
الإيمان (19) وهو حديث صحيح.
قال هذا الفريق: نحن نُخرج زكواتِ أموال أغنيائنا،
فنردّها على فُقرائنا، أمّا أن نرسلها إلى المدينة؛ فنحن غير مطالبين بذلك،
وفقراؤنا أولى بها من غيرهم!
مِن أين أُتيَ هؤلاء ؟
إنّما دخل عليهم الشيطان من قلّة فقههم في الدين،
وحدوثِ إسلامهم، وعدم قرارة الإيمان في قلوبهم بعدُ!
قال الله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا.
قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا، وَلَكِنْ قُولُوا
أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ. وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ
وَرَسُولَهُ؛ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (14) [الحُجرات].
- الطلقاء من أهل مكّة، والطلقاء غير المهاجرين
وغير الأنصار بيقين!
أخرج البخاريّ في المغازي (4333) وهذا لفظه، ومسلمٌ
في الزكاة (1059) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (لَمَّا كَانَ يَوْمُ
حُنَيْنٍ الْتَقَى «الرسولُ» هَوَازِنَ، وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَالطُّلَقَاءُ، فَأَدْبَرُوا.
قَالَ النبيُّ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ!
قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ،
لَبَّيْكَ نَحْنُ بَيْنَ يَدَيْكَ.
فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ.
فَأَعْطَى الطُّلَقَاءَ وَالْمُهَاجِرِينَ «من
غنائم حُنينٍ»، وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا) الحديث!
أنت تلاحظ أخي القارئ الكريم أنّ في جيل الصحابة
(المهاجرون والأنصار والطلقاء) فالطلقاء ليسوا مهاجرين ولا أنصاراً، وإن رحل بعضهم
إلى المدينة بعد فتح مكة المكرمة!
قال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم يَوْمَ
الْفَتْحِ: (لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا
اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا) أخرجه البخاري في الجهاد (2825) ومسلم في الإمارة
(1862) وهو حديث صحيح، مَرويّ عن عددٍ من الصحابة.
وأخرج البخاريّ في الجهاد (3079) ومسلم في الإمارة
(1863) أنّ (مُجَاشِعَ بْنَ مَسْعُودٍ الثقفيّ جَاءَ بِأَخِيهِ مُجَالِدِ بْنِ
مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
هَذَا مُجَالِدٌ يُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ؟
فَقَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (لَا هِجْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَلَكِنْ
أُبَايِعُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ).
كان عددُ الطلقاء من أهل مكّة؛ أكثر من عشرةِ
آلافٍ، أعلنوا إسلامهم رهباً ورغباً.
وكان كثيرون منهم معروفين، وترجم لهم الحافظ ابن
حجر في كتابه عن الصحابة!
وكان يستعمل مصطلح «حَسنُ إسلامُه» معهم، وهذا
مصطلح خاصٌّ بالطلقاء!
فكم من طَليقٍ «حَسُن إسلامُه» في نظر الحافظ ابن
حجر؟
من أصل عشرة آلاف طَليقٍ، أطلق ابن حجر مصطلح
«حَسُن إسلامُه» على ثمانيةٍ وأربعين رجلاً وامرأة، وحسب!
أولئك الطلقاء وأبناؤهم، هم الذين قادوا المجتمع
العربيّ، في أيام الدولة الأمويّة، التي امتدّت من أوّل خلافة عثمان (23 هـ) وحتى
عام (132 هـ) فيجب أنْ تتنبّه جيّداً أخي القارئ!
أخرج الإمام مسلمٌ في فضائل الصحابة (2504) عَنْ الصحابيّ
عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو المُزَنيِّ؛ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ - بنَ حربٍ الأمويَّ -
مَرَّ عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلَالٍ فِي نَفَرٍ - من الصحابة رضي الله
عنهم- فَقَالُوا: «وَاللهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللهِ، مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللهِ
مَأْخَذَهَا»!!
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ
قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ؟!
ثمّ أَتَى أبو بكرٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ -يعني بما قال الصحابة - فَقَالَ صلّى الله عليه
وآله وسلّم: (يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ؟! لَئِنْ كُنْتَ
أَغْضَبْتَهُمْ؛ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ).
فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا
إِخْوَتَاهُ، أَغْضَبْتُكُمْ؟ قَالُوا: لَا، وَيَغْفِرُ اللهُ لَكَ يَا أَخِي!
فهؤلاء الأكابر سلمان وصهيب وبلال رضي الله عنهم،
يقولون عن أبي سفيانَ شيخ قريشٍ وسيّدهم، في نظر أبي بكرٍ رضي الله عنه: «أبو
سفيانَ عدّو الله» ولم يُخطّئْهُم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم!
بل خوّف أبا بكرٍ مِنْ غَضبِ الله تعالى، الذي يغضب
لغضب سلمانَ وصهيبٍ وبلالٍ، وليس لغضب أبي سفيانَ وغيره من الطلقاء، الذين ظلّوا
يحاربون الإسلام، إلى آخر رمقٍ لديهم!
والسؤال الذي لا جوابَ عليه لدى القومِ المعاندين
لنا:
إذا كان في المجتمع المسلم هذه الطبقات المتفاوتة
من المهاجرين والأنصار والأعراب والمنافقين والطلقاء، فكيف انقلبَ جميعُهم عَقب
وفاة الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى صحابةٍ أجلّاء عُدولٍ معصومين؟
أين يذهب قول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم:
(أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ،
وَلَيُرْفَعَنَّ مَعِي رِجَالٌ مِنْكُمْ، ثُمَّ لَيُخْتَلَجُنَّ دُونِي!
فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي؟!
فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا
بَعْدَكَ) أخرجه البخاري في الرقاق (6576) ومسلم في الفضائل (2297).
وأين أنتم عن قولِه الآخر:
(بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ، إِذَا زُمْرَةٌ ،حَتَّى
إِذَا عَرَفْتُهُمْ؛ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ، فَقَالَ: هَلُمَّ!
فَقُلْتُ: أَيْنَ؟ قَالَ إِلَى النَّارِ وَاللهِ!
قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهُمْ؟ قَالَ إِنَّهُمْ
ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ الْقَهْقَرَى!
ثُمَّ إِذَا زُمْرَةٌ، حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ؛
خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ، فَقَالَ هَلُمَّ!
قُلْتُ: أَيْنَ؟ قَالَ إِلَى النَّارِ وَاللهِ!
قُلْتُ: مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ
ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ الْقَهْقَرَى!
فَلَا أُرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلَّا مِثْلُ
هَمَلِ النَّعَمِ) أخرجه البخاري في الرقاق (6587).
إنّ الصحبةَ التي تمنح صاحبَها المقامَ العالي؛ هي
التي يدوم صاحبها على الاستقامة حتى آخر حياته!
قال الْمُسَيَّبُ بن رافع الكاهليّ التابعيُّ
الثقةُ: لَقِيتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ الصحابيَّ الجليلَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا،
فَقُلْتُ لهُ: طُوبَى لَكَ صَحِبْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَبَايَعْتَهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ!
فَقَالَ: «يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّكَ لَا تَدْرِي
مَا أَحْدَثْنَا بَعْدَهُ» أخرجه البخاريّ في غزوة الحديبية (4170) ولذلك كان لدى أهلِ الحديث مصطلحٌ دقيق
في تقويم شخصيّات الصحابة، وهو «كانت له صحبةٌ، ولم تكن له استقامةٌ بعد رسول الله
صلّى الله عليه وآله وسلّم».
أين أنتم عن قول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم:
(لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ
بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) أخرجه البخاري في الديات (6868) ومسلم في الإيمان (66)
وهو في الصحيحين عن عددٍ من الصحابة!
ممّا لا ريبَ فيه أنّ الكفرَ هنا هو الكُفرانُ
والانحرافُ، وليس الردّةَ عن الإسلام، بدليل الحديث الصحيح الآخر: (لَا تَرْجِعُوا
بَعْدِي ضُلّالاً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) أخرجه البخاري في المغازي
(4406) ومسلم في القَسامة (1679).
وممّا لا ارتياب فيه أنّ أحدَ الطرفين المتحاربَين
على ضلالٍ وانحرافٍ، وأنّ الطرفَ الآخر على الحقّ والهدى!
فمن هو طرفُ الحقّ والهدى يا ترى؟
قال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم:
(وَيحَ عمّارٍ، تقتُلُه الفئةُ الباغيةُ، عمّار
يدعوهم إلى الله، ويدعونه إلى النار) أخرجه البخاريّ في الجهاد (2812) ومسلم في
الفتن (2915) وقد حكم غير عالم بتواتره.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده (6634) بإسنادٍ صحيحٍ عن
حَنْظَلَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ الْعَنْبَرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ
مُعَاوِيَةَ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فِي رَأْسِ عَمَّارٍ، يَقُولُ
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ!
فَقَالَ عَبْدُاللهِ بنُ عَمرٍو: لِيَطِبْ بِهِ
أَحَدُكُمَا نَفْسًا لِصَاحِبِهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ يَعْنِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ)!
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لعَمرِو بن العاص: «أَلَا
تُغْنِي عَنَّا مَجْنُونَكَ، يَا عَمْرُو»؟
لا اختلافَ بين أهل السنّةِ والجماعةِ أنّ عبدالله
بن عَمرٍو أفضل من معاويةَ وأوثق وأصدق، ومع هذا، فقد عدّه معاوية مجنوناً، عندما
خالف هواه!
فأنتم تقدّسون الصحابةَ بتهويلٍ لم يكونوا هم يرونه
بأنفسهم ولبعضهم!
ثمّ إنّ لدينا - نحنُ الكسنزانَ - معياراً ذهبيّاً
لا يخيب بإذن الله تعالى، وهو قول سيّدنا وجدِّنا المطهَّر، عالمِ الأمة وفارسِها
وزاهدِها الإمامِ عليِّ بن أبي طالبٍ عليه السلام: (وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ
وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَيَّ أَنْ لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضَنِي إِلَّا
مُنَافِقٌ) أخرجه الإمام مسلم في الإيمان (78) وابن حبّان في صحيحه (6924) وعشراتٌ
من الأئمة، وقال الترمذيّ (3736) حديث حسن صحيح.
ولم يكن معاوية والفئةُ الباغيةُ معه يبغضون عليّاً
عليه السلام، فحسب، بل كانوا يلعنونه على المنابر، ويقاتلونه، ثم قتلوا ذريّتَه من
بعدِه قتلهم الله تعالى!
قال الإمامُ الذهبيّ في سير أعلام النبلاء (3: 39):
«كَانَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ أَهْلِ صِفِّيْنَ، مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنَ
السَّبِّ!«كان بينهم» السَّيْفُ!
وَلاَ نُحِبُّ مَا شَجَرَ بَيْنَهُم، وَنَعُوْذُ
بِاللهِ مِنْهُ، وَنَتَوَلَّى أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ عَلِيّاً).
فإذا كان الذي يُبغض الإمامَ عليّاً - والبُغضُ
أمرٌ قلبيّ - مُنافقاً، فكيف تكون حالُ مَن يسبّه ويقاتله؟
نحن كما قال الذهبيّ: «نَتَوَلَّى أَمِيْرَ
المُؤْمِنِيْنَ عَلِيّاً» دون الطلقاء النواصب!
وقد
سأل رجلٌ الإمامَ أحمدَ ابنَ حنبلٍ قال: يَا أبا عبداللهِ، مَا تَقُولُ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ الَّذِي يُرْوَى أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: أَنَا
قَسِيمُ النَّارِ؟
قال
أحمدُ: وَمَا تُنْكِرُ مِنْ ذَا، أَلَيْسَ رَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَا يُحِبُّكَ
إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ)؟
قُلْنَا بَلَى!
قَالَ أحمدُ: أَيْنَ الْمُؤْمِنُ؟ قُلْنَا: فِي
الْجَنَّةِ!
قَالَ أحمد: فَأَيْنَ الْمُنَافِقُ؟ قُلْنَا: فِي
النَّارِ!
قَالَ: فَعَلِيُّ قَسِيمُ النَّارِ) أخرجه بإسناده
إلى أحمد ابن حنبلٍ الإمامُ يحيى بن الحسين الشجريّ في كتابه الأمالي الخميسيّة
(660) وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1: 320) وابن عساكر في تاريخ دمشق (42:
301).
وأخرج ابن العَديم في تاريخ حلب (1: 289) بإسناده
إلى أبي معاوية الضرير، عن سليمان الأعمش قال: «وانما يعني بقوله: أنا قسيم النار
أنّ مَن كان معي؛ فهو على الحق، ومن كان مع معاويةَ؛ فهو على الباطل».
وحتى لا يقول قائل: إنّ مسألة سبّ عليّ على
المنابر؛ مختلف فيها» وليس مختلفاً فيها عند لدى أوشاب النوا ...صب الأو...غاد!
قال الفقيه الحافظ أبو بكر بن رجب الحنبليّ في
كتابه الفرق بين النصيحة والتعيير (ص: 24): « كان علي رضي الله عنه يحلف
ويُغَلِّظُ الحَلِف على نفي تحريضِه على عثمان، وهو الصادق البارُّ في يمينه رضي
الله عنه
وبادروا إلى قتاله ديانةً وتقرُّباً، ثم إلى قتال
أولاده رضوان الله عليهم واجتهد أولئك في إظهار ذلك وإشاعته على المنابر في أيام
الجُمَع وغيرها من المجامع العظيمة، حتى استقر في قلوب أتباعهم أن الأمر على ما قالوه،
وأنّ بني مروان أحقُّ بالأمر من عليٍّ وولَده لقربهم من عثمانَ، وأخذهم بثأره.
فتوصلوا بذلك إلى تأليف قلوب الناس عليهم، وقتالهم
لعلي وولده من بعده، فثبَت بذلك لهم الملك واستوثق لهم الأمر.
وكان بعضهم يقول في الخلوة، لمن يثق إليه كلاماً
معناه: «لم يكن أحدٌ من الصَحابة أكفأ عن عثمانَ مِن عَليٍّ»
فيقال له: لِمَ يسبُّونه إذًا؟ فيقول: «إنّ المُلك
لا يقوم إلا بذلك».
ختاماً: إنّ ما فعله النوا... صبُ وأزلامُهم بآل
البيت، وبخيار المؤمنين؛ يُغضب الله تعالى، ويغضب رسولَه صلّى الله عليه وآله
وسلّم، ويغضب المؤمنين، ويوجب على المؤمنين الصادقين الابتعادَ عن الحِيادِ
السلبيّ!
إنّ الصحابةَ بشرٌ من البشر، ولم يكون بعضُهم عند
بعضهم على الحال التي يزعمها النوا... صب اليوم، من العدالة المطلقةِ، والعصمة
العمليّة والتقديس المفرط!
ثمّ عليكم بالقِسط والعدل أيّها المدّعون بالإسلام
والحقّ، قولوا الذي نقول، ولا تتزيّدوا علينا من كيسكم القميء!
قال الإمام الشافعيّ رحمه الله تعالى في الأمّ (1:
178): «لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلُ قَائِلٍ وَلَا عَمَلُ عَامِلٍ، إنَّمَا
يُنْسَبُ إلَى كُلٍّ قَوْلُهُ وَعَمَلُهُ».
نحن ننتقدُ الطُغاةَ البغاة، ونُوضِح أحوال معاوية
وعمرٍو ومروان وبسر بن أرطاةَ ويزيد وأمثالهم من المجر... مين، فقولوا: إننا نقول
هذا ونفعله، ولا تقولوا: يطعنون بالصحابة ويشتمونهم!
فلو سلّمنا بأنّ لهؤلاء صحبةً شرعيّة جدلاً؛ فجميع
هؤلاء أحدثوا بعد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقاتلوا وقتلوا ألوفَ
المؤمنين من الصحابة المهتدين، ولم تكن لهم استقامةٌ بعد الرسول صلّى الله عليه
وآله وسلّم.
إنّ أقلّ ما قيلَ في عدد جيل الصحابةِ الذين حضروا
مع الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم حجّةَ الوداع؛ سِتّونَ ألف صحابيّ!
وإنّ الذين ننتقدهم، ونوضح للناس ضلالَهم
وانحرافهم؛ لا يبلغون عشرين من ذلك الجيل!
فلِمَ هذا التهويلُ والتخويف والإرجاف؟
إنها صفاتُ النوا... صب المنافقين، في العصر
الأوّل، واليوم، وفي كلّ حين!
والله تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.