الثلاثاء، 23 أغسطس 2022

       مَسائلُ حَديثيّةٌ (52):

دِفاعُ السلفيينَ عن السنّةِ النَبَويّةِ!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

طعن صحفيّ جاهلٌ لئيمٌ بالحاكم النيسابوريِّ رحمه الله تعالى، وقال عنه: وضّاعٌ كذّابٌ رافضيٌّ خبيث!

وزعم أنّ كتابه المستدرك يخدم مشروعَ إيران الرافضيّ!

وزعم أيضاً أنّ أيّ عالم يستدلُّ بحديثٍ من المستدرك؛ فهو جاهل، وعديم الدين والأخلاق!

وقد ابنرى للردِّ عليه جماعةٌ من الإخوةِ السلفيين بأدبٍ بالغٍ وظنٍّ حسن!

لكن الصحفيَّ هذا، كان في غايةِ السفه والوقاحةِ والاعتداد بنفسه، مع أنه يجاهر بجهله في العلوم الشرعية!

قال الله تعالى:

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ، شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ.

وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا.

اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى.

وَاتَّقُوا اللهَ، إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) [المائدة].

أنا أختلف مع الإخوةِ السلفيين في كثيرٍ من أفكارهم ومسلكهم.

لكنّ الحقَّ يقال: هم الذين يحملون رايةَ السنة، ويدافعون عنها، في زماننا هذا.

ولا أكاد أرى لغيرهم صوتاً، في الدفاع عن حمى السنّة النبويّةِ وحمَلتِها.

جزى الله أولئكَ الإخوةَ السلفيينَ الغَيارَى خيرَ الجزاء، وبصّرني الله وإيّاهم بالحقّ.

ووفقنا إلى نصرته، والذودِ عنه.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

      مَسائلُ حَديثيّةٌ (51):

حديثُ (الأذان جزم) !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

سألني أحدُ الإخوةِ عن ضبطِ كلمة «أكبر» في قول المؤذّن «الله أكْبر.. الله أكْبر»؟

قال: وما صحّةُ حديثِ (الأذانُ جَزْمٌ) ؟!

أقول وبالله التوفيق:

 بإسنادي إلى الإمام الترمذيّ في كتابه الجامع الكبير المختصر (297) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَهِقْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ).

قَالَ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: «يَعْنِي أَنْ لَا يَمُدَّهُ مَدًّا».

قَالَ أَبُو عِيسَى: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِبُّهُ أَهْلُ الْعِلْمِ.

وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ؛ أَنَّهُ قَالَ: «التَّكْبِيرُ جَزْمٌ، وَالسَّلَامُ جَزْمٌ».

وأخرجه أحمد في مسنده (10885) من طريق محمد بن يوسف الفريابيّ عن الأوزاعيّ، به مثلَه، إلّا أنّه جعله عن أبي هريرة، عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم مرفوعاً قال: (حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ)!

ومن طريق أحمد؛ أخرجه أبو داود في سننه (1004) به مثلَه، ثم قال عقبه:

«قَالَ عِيسَى بن حطّان الرقاشيّ: نَهَانِي عبداللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ رَفْعِ هَذَا الْحَدِيثِ».

قَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَبَا عُمَيْرٍ عِيسَى بْنَ يُونُسَ الْفَاخُورِيَّ الرَّمْلِيَّ قَالَ: لَمَّا رَجَعَ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ مَكَّةَ؛ تَرَكَ رَفْعَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ: نَهَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ رَفْعِهِ».

ومن طريق الفريابيّ عن الأوزاعيّ به مرفوعاً؛ أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (734)

وفي الحديث (735) حكى الخلافَ في إسنادِ الحديثِ، ورجّح الموقوفَ على أبي هريرة.

وأخرجه البزار في مسنده المعلّل (7905) قال: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَال: حَدَّثنا عَبد الرحمن «بن مهديّ» قَال: حَدَّثنا ابن المبارك عَن الأَوْزاعِيّ، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أَبِي سَلَمَة، عَن أَبِي هُرَيرة، قال: «حذف السلام سنة».

ثمّ قال عقبه: «وقد روى هذا الحديثَ غيرُ ابن المبارك عَن الأَوْزاعِيّ، عن قُرّةَ، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أَبِي سَلَمَة، عَن أَبِي هُرَيرة».

وأخرجه الحاكم في المستدرك (842) من طريق قُرّة بن عبدالرحمن، مرفوعاً، ثم قال: « «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، فَقَدِ اسْتَشْهَدَ بِقُرَّةَ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ،

 وَقَدْ أَوْقَفَ عَبْدُاللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ» يعني: من روايته هو عن الأوزراعيّ، وساق حديث ابن المبارك (843).

قال عداب: وقفت لقرّة بن عبدالرحمن على حديث واحدٍ عند مسلم (1591) وهناك رجل آخر اسمه قرّة بن خالد؛ أخرج له مسلم أحاديث منها (93، 640، 705) فربما اشتبه على الحاكم.

وقد أورد المنذريّ الحديثَ في مختصر سنن أبي داود (966) وقال: «في إسناده قُرّةُ بن عبد الرحمن بن حَيْويل المصري، قال الإمام أحمد بن حنبل: قرة بن عبد الرحمن صاحب الزهري: مُنكر الحديث جداً».

فحديث «حذف السلام سنّة» ضعيفٌ مرفوعاً، والصواب أنه موقوفٌ على أبي هريرة.

قال ابن الأثير في نهاية الغريب (1: 356): «هُوَ تَخْفِيفُهُ وتَرْك الْإِطَالَةِ فِيهِ».

أمّا قول إبراهيم النخعيّ المعلّق عند الترمذيّ؛ فوصله عبدالرزاق في مصنّفه (2553) فقال: عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ: قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ: إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ؛ أُكَبِّرُ مَكَانِي، أَوْ حِينَ يَفْرُغُ؟ قَالَ: «أَيَّ ذَلِكَ شِئْتَ» قَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «التَّكْبِيرُ جَزْمٌ» يَقُولُ: «لَا يُمَدُّ».

أما لفظ «الأذان جزم» فلم أجده في شيءٍ من كتب الرواية!

بيد أنّ السخاويّ في المقاصد الحسنة (ص: 263) قال: «حَدِيث: التَّكْبِيرُ جَزْمٌ، لا أَصْلَ لَهُ فِي الْمَرْفُوعِ، مَعَ وُقُوعِهِ فِي الرَّافِعِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، حكاه الترمذي في جامعه عنه عقب حديث: «حذف السلام سنَّة» فقال ما نصه: وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال: (التكبير جزم، والتسليم جزم).

وعن إبراهيمَ رواه سعيد بن منصور في سننه، بزيادة: «والقراءة جزم، والأذان جزم» وفي لفظ عنه: «كانوا يجزمون التكبير».

ولجهل الفقهاءِ بالحديثِ؛ فقد نسبوا قولَ إبراهيم النخعيّ هذا؛ إلى الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ بنوا أحكاماً فقهية عليه!

قال شمس الأئمة السرخسيّ الحنفيّ (ت: 483 هـ) في كتابه المبسوط (1: 23):

«وَيَحْذِفُ التَّكْبِيرَ حَذْفاً، وَلَا يُطَوِّلُهُ» لِحَدِيثِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مَوْقُوفاً، وَمَرْفُوعاً: «الْأَذَانُ جَزْمٌ، وَالْإِقَامَةُ، جَزْمٌ وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ»

وقال علاء الدين الكاساني الحنفيّ  (ت: 587 هـ) في بدائع الصنائع (1: 150):

(وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ التَّكْبِيرُ جَزْماً، وَهُوَ قَوْلُهُ: (اللهُ أَكْبَرْ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْأَذَانُ جَزْمٌ).

وقال ابن نجيم المصريّ (ت: 970 هـ) في البحر الرائق (1: 271):

«سِيَاقَ كَلَامِ «الْمُبْتَغَى» يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ تَكْبِيرُ الصَّلَاةِ وَلَفْظُهُ، وَلَوْ قَالَ: (اللهُ أَكْبَرُ) بِالرَّفْعِ يَجُوزُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْجَزْمُ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (التَّكْبِيرُ جَزْمٌ، وَالتَّسْمِيعُ جَزْمٌ).

والرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ لا علم له بمقولة: (الأذان جزم) أو (التكبير جزم) أو (التسميع جزم) أبداً!

بقي أن نفسرَ إصرارَ مؤذّني الحنفيّةِ على قولهم في الأذان والإقامةِ (اللهُ أكبرَ اللهُ أكبرْ).

فأقول: لمّا أفهمهم فقهاؤهم أنّ الأذان الشرعيّ هو (اللهُ أكبَرْ اللهُ أكبَرْ) لم يجعلوا وصلَ الجملة الأولى بالثانية على أصل الإعراب (اللهُ أكبَرُ اللهُ أكبَرْ) إنّما تفاصحوا فقالوا: لمّا التقى ساكن (أكبرْ) مع ساكن (الْـ) وكان الفتحُ أخفَّ الحركاتِ؛ حرّكنا الراء ففتحناها (أكبرَ)  لالتقاء الساكنين، فنقول: (اللهُ أكبَرَ اللهُ أكبَرْ).

ختاماً: إذْ لا يصحّ  عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: (الْأَذَانُ جَزْمٌ) ولا قال: (التَّكْبِيرُ جَزْمٌ) ولا قال: (التَّسْمِيعُ جَزْمٌ) فيعودُ كلُّ شيءٍ إلى أصلِه اللغويّ، فتقول عند الوقف: (اللهُ أكبرْ) وتقول عند الوصل (اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرْ) ولا يصحّ لغةً أن تحرّك الراء الأولى بالفتح، إذ لا يوجد مسوّغٌ لغويٌّ لذلك.

كما لا يجوز فقهاً أن تقول: (الله أكبرَ اللهُ أكبرْ) إذ لم يثبت عن الشارع صلّى الله عليه وآله وسلّم شيءٌ من ذلك، والمسألة دائرة بين جهل الفقهاء بالحديث، وجهل أتباعهم المركّب بالفقه والحديثِ، على حدٍّ سواء!

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

السبت، 20 أغسطس 2022

مَسائلُ حَديثيّةٌ (50):

حَديثُ الثَقَلين (2)!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

حديثُ الثقلين - كما أسلفتُ في المنشور السابق (49) صحيح متواتر عن زيد بن أرقم، وقولي: متواترٌ عن زيدٍ؛ لا يستلزم تواترَه عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم!

بل قد يكون غريباً لم يصحَّ عن أحدٍ من الصحابةِ غير زيدٍ رضي الله عنه.

ولأنّ الفقيرَ عداباً ينفرُ من التهويلِ والتضخيم وحشدِ المؤيّدات مهما كانت ضعيفة؛ فلزم أن نخرّج أبرزَ الأحاديثَ الواردةَ في الباب نفسه، ونحكم عليها بما تستحقّه، في ضوء قواعدِ علم الحديثِ، وليس بالتشهّي والأمنيات!

أوّلاً: حديثُ أبي سعيدٍ الخدريّ، رضي الله عنه:  

بإسنادي إلى الإمام عليّ بن الجعد الجوهريّ (ت: 230 هـ) في مسنده (2711) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنِّي أُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ، وإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ، حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ أَخْبَرَنِي أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ، فَانْظُرُوا بِمَا تَخْلُفُونِي فِيهِمَا).

مدار حديث أبي سعيدٍ الخُدريِّ على عَطيّةَ بن سعدٍ العَوْفيِّ، رواه عنه:

إسماعيل بن أبي إسحاق الملائيّ، عند أحمد في المسند (11104) و في فضائل الصحابة (1382) والشجري في الأمالي الخميسيّة (702).

وجَبر بنُ الحُرّ، عند الشجري في الأمالي الخميسيّة (754).

وزكريا بن أبي زائدة، عند ابن أبي شيبة، في المصنف (30081) وابن أبي عاصم في السنة (1554).

وسليمان بن مهران الأعمش، عند علي بن الجعد، في مسنده (2711) وأحمد في المسند (11131) وفضائل الصحابة (1383) وأبي يعلى في مسنده (1021).

وعبدالملك بن أبي سليمان، عند أحمد في المسند (11211) وابن أبي عاصم في السنة (1553).

وكثير أبو إسماعيل النوّاء، عند الطبراني في الأوسط (3439، 3542) وفي الصغير (363).

وهارون بن سعيد، عند الطبراني في الصغير (376)

وأبو مريم الأنصاري، عند الطبراني في الأوسط (3542)

وعطيّةُ بن سعدِ بنِ جُنادةَ العوفيّ، ترجمه المزيّ في تهذيب الكمال (20: 145) ونقل تضعيفه عن عددٍ من الحفّاظ.

ونقل ابن حجر في التهذيب (7: 226) عن محمد بن سعدٍ قوله: «كان ثقةً، إنْ شاء اللهُ، وله أحاديثُ صالحةٌ، ومِن الناس من لا يَحتَجُّ به».

وقال أبو زرعة في ضعفائه (155): فيه لين.

وترجمه العقيلي في ضعفائه (3: 359) ونقل تضعيفه عن هشيم بن بشير، وسفيان الثوريّ، وأحمد ابن حنبل، ويحيى بن معين، ولم ينقل توثيقه عن أحدٍ!

وترجمه ابن حبّان في المجروحين (807) وقال: لا يحلّ الاحتجاجُ به، وقال في موضع آخر منه (963): ليس بشيءٍ في الحديث!

وترجمه ابن عديٍّ في الكامل (1530) ونقل تضعيفه عن عددٍ ممن نقل العقيلي تضعيفه عنهم، وختم ترجمته بقوله: «هو مَعَ ضعفه، يكتب حديثه، وكان يُعَدُّ من شيعة الكوفة».

وترجمه الذهبيّ في المغني في الضعفاء (4139) وقال: تابعيّ مشهورٌ، مجمع على ضعفه، وقال الدارقطنيّ في سننه: ليس بالقويّ.

قال الفقير عداب: تقدّم معنا في تخريج حديثِ زيدِ بن أرقم؛ أنّ عطيةَ العوفيّ ممّن روى هذا الحديثَ عن زيدِ بن أرقم!

فربما وهم عطيّةُ، فرواه مرّةً عن زيدٍ على الصواب، ورواه مرّة وهماً عن أبي سعيدٍ.

إذ ليس هو ممّن يحتجّ به، عند أكثر الحفّاظ.

وبذلك يكون حديثُ أبي سعيدٍ ضعيفاً، والله تعالى أعلم.

ثانياً: حديث زيد بن ثابتٍ، رضي الله عنه:

بإسنادي إلى الإمام أبي بكرِ بنِ أبي شيبةَ (ت: 235 هـ) في كتابه المصنّف (31679) وفي مسنده (135) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ عَنْ شَرِيكِ بن عبدالله، عَنِ الرُّكَيْنِ بن الربيع الفزاريّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِي: كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي , وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا، حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ).

مدار حديثِ زيدِ بن ثابتٍ على شريك بن عبدالله النخعيّ القاضي، رواه عنه:

الأسود بن عامر الشاميّ «شاذان» عند أحمد بن حنبل في المسند (21578) وفي فضائل الصحابة (1032).

وعصمة بن سليمان الخزّاز، عند الطبراني في الكبير (4921).

وعمر بن سعد الحَفَريّ، عند ابن أبي شيبةَ في مسنده (135) وفي المصنّف (31679) ومن طريقه أخرجه ابنُ أبي عاصمٍ في السنة (754، 1548) والطبراني في الكبير (4922).

والفضلُ بن دُكين [أو الفضل بن موسى، لم يتبيّن لديّ] عند عبدالله بن أحمد، في زوائد فضائل الصحابة (1403)

ومحمد بن عبدالله أبو أحمد الزبيريّ، عند أحمد في المسند (21654).

والهيثم بن جميل البغداديّ، ثم الإنطاكيّ، عند الطبراني في الكبير (4921).

ويحيى بن عبدالحميد الحِمّاني، عند الطبراني في الكبير (4921) وغيرهم.

فالحديثُ مشهورٌ عن شريك القاضي.

 وشريك القاضي، ترجمه ابن حجر في التقريب (2787) وقال: «صدوق يخطئ كثيراً، تغيّر حفظه منذ وَلِيَ القضاء».

وشريك لم يروِ بهذا الإسنادِ، سوى هذا الحديثِ الواحد!

وفي إسناد الحديث القاسمُ بن حسّان، ترجمه ابن حجر في تهذيبه (8: 311) وقال: ترجمه ابن حبان في ثقات التابعين، وفي أتباع التابعين، وقال العجليّ: ثقة، وقال ابن القطّان في الوهم والإيهام (3: 266): لا تُعرَف حاله» وقال في التقريب (5454): «مقبول» يعني عند المتابعةِ، ولم يتابَع في حديثه عن زيدِ بن ثابت!

فالحديث ضعيفٌ كسابقِه.

ثالثاً: حديث جابر بن عبدالله الأنصاريّ رضي الله عنهما:

بإسنادي إلى الإمام أبي عيسى الترمذيّ في جامعه الكبير المختصر (3786) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكُوفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الحَسَنِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ القَصْوَاءِ يَخْطُبُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي)

قال الترمذيّ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَزَيْدُ بْنُ الحَسَنِ، قَدْ رَوَى عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ.

وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ.

وأخرجه الطبراني في الكبير (2680) من حديث محمد بن عبدالله الحضرميّ عن نصرٍ الوشّاء.

وأخرجه الطبراني في الأوسط (4757) من حديث عبدالرحمن بن الحسين الصابونيّ عن نصر، وقال: «لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، إِلَّا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَنْمَاطِيُّ».

وزيدُ بن الحسن هذا؛ ترجمه المزي في تهذيبه (10: 51) ونقل عن أبي حاتم الرازي قوله: منكر الحديث.

وترجمه الذهبي في ميزان الاعتدال (2: 102) وزاد على المزيّ قوله: وقوّاه ابن حبّان.

وترجمه ابن حجر في تهذيبه (3: 406) وفسّر كلام الذهبي بأنّ ابن حبان ترجمه في الثقات (6: 314).

قال عداب: مجرّد ترجمة ابن حبّان له في الثقات؛ ليست تقويةً لحاله، فقد ترجم ابن حبان في ثقاته عشرات المجاهيل، ونصّ على عشراتٍ بأنه لا يعرفهم!

بينما قال ابن حجر في التقريب (2127): «ضعيف من الثامنة».

فالحديث ضعيفٌ أيضاً لتفرّد زيد بن الحسن به عن جعفر الصادق، وليس زيدٌ بأهلٍ لقَبولِ مفاريده.

رابعاً: حديثُ حُذيفةَ بن أسيدٍ الغِفاريّ، رضي الله عنه:

بإسنادي إلى الإمامِ سليمانَ بن أحمدَ الطبرانيِّ (ت: 360) في معجمه الكبير (2683) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ السَّقَطِيُّ: حدّثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ (ح). وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ، وَزَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ قَالَا: حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ الْوَشَّاءُ: حدّثنا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَنْمَاطِيُّ: حدّثنا مَعْرُوفُ بْنُ خَرَّبُوذَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عامرِ بن واثلةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ، وَارِدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ، حَوْضٌ أَعْرَضُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَبُصْرَى، فِيهِ عَدَدُ النُّجُومِ قِدْحانٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَإِنِّي سَائِلُكُمْ حِينَ تَرِدُونَ عَلَيَّ عَنِ الثَّقَلَيْنِ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا؟

السَّبَبُ الْأَكْبَرُ؛ كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ، فاسْتَمْسِكُوا بِهِ، وَلَا تَضِلُّوا وَلَا تُبَدِّلُوا.

وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، فَإِنَّهُ قَدْ نَبَّأَنِيَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ أَنَّهُمَا لَنْ يَنْقَضِيَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ»

وأخرجه الطبرانيّ في موضع آخر من المعجم الكبير (3052) وقال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ وَزَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجيّ، قَالَا: ثنا نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَشَّاءُ (ح).

وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ الْجَوْهَرِيُّ: حدّثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَا: ثنا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَنْمَاطِيُّ» به مثلَه.

وأخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (1: 355) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ: حدّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَشَّاءُ» به مثلَه.

وما قلته في الحديثِ السابق؛ يقال في هذا الحديثِ أيضاً، فعلّة الحديث؛ هي ضعف زيد بن الحسن الأنماطيّ.

وهناك بعض الأحاديثِ الأكثرَ ضعفاً، لم أرَ حاجةً إلى ذكرها.

وخلاصة ما تقدّم: إنّ حديثَ الثقلين؛ لا يصحّ عن الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، إلّا مِن حديثِ زيد بن أرقم، وهو متواتر عنه لديّ، وبقيّة الأحاديثِ ضعيفةٌ كلّها.

وكلامي في تخريج هذه الأحاديثِ اليوم؛ ينسخ أيّ حكمٍ سابقٍ مني على أحاديثِ الثقلين.

ختاماً: وردَ على لسانِ ذاك الصحفيّ الناصبيّ الجاهل؛ كلامٌ فيه تنقيصٌ من سيدة نساء العالمين فاطمة، ومن سيد المسلمين عليّ، ومن سيّدي شباب أهل الجنّة، عليهم السلام؛ لا أراه يستحقّ مناقشة كلامه، فما هو إلّا رويبضة جاهل وقح!

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

     والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ. 

الجمعة، 19 أغسطس 2022

       مَسائلُ حَديثيّةٌ (49):

حَديثُ الثَقَلين (1)!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

وممّا اتَّهمَ به ذاك الصحفيّ الغبيُّ الحاكمَ النيسابوريّ أنّه وضع حديثَ الثقلين، الذي يجعل كلام عليٍّ أو الحسن أو الحسين مثلَ كلام الله تعالى، وأهمَّ من كلام الله في بعض الأحيان، بفهم سقيم لئيمٍ لجملة (أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ، كِتَابُ اللهِ تَعَالَى، وَعِتْرَتِي)!

بإسنادي إلى الإمام الحافظ أبي عبدالله محمد بن عبدالله بن محمد النيسابوريّ القاضي (ت: 405 هـ) في كتابه المستدرك (4576) قال رحمه الله تعالى:

- حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ تَمِيمٍ الْحَنْظَلِيُّ، بِبَغْدَادَ: حدّثنا أَبُو قِلَابَةَ عَبْدُالْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيُّ: حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ.

- وقال الحاكم: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَالَوَيْهِ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْبَزَّارُ قَالَا: ثنا عَبْدُاللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنِي أَبِي: حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ.

- وقال الحاكم أيضاً: وَحدّثَنَا أَبُو نَصْرِ أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ الْفَقِيهُ، بِبُخَارَى: حدّثنا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ الْبَغْدَادِيُّ: حدّثنا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ الْمُخَرِّمِيُّ: حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ: حدّثنا أَبُو عَوَانَةَ الوَضّاحُ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ قَالَ: حدّثنا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَنَزَلَ غَدِيرَ خُمٍّ؛ أَمَرَ بِدَوْحَاتٍ فَقُمِنَّ، فَقَالَ: (كَأَنِّي قَدْ دُعِيتُ فَأَجَبْتُ، إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ، كِتَابُ اللهِ  تَعَالَى، وَعِتْرَتِي، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ).

ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مَوْلَايَ، وَأَنَا مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ).

ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: (مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ؛ فَهَذَا وَلِيُّهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.

قال أبو عبدالله الحاكم: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِطُولِهِ، شَاهِدُهُ حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ أَيْضاً، وهو صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا».

قال الفقير عداب:

انتبه أخي القارئ الكريم إلى دقّةِ صنيع الحاكم في تخريجِه هذا الحديث!

فقد ساقَه من ثلاثِ طرقٍ إلى يحيى بن حمّادٍ، فجعلَ يحيى مدارَ هذا الحديث، رواه عنه عنده:

أحمد ابن حنبل.

وخلف بن سالم المخرّميّ.

وعبدالملك بن محمد الرقاشيّ.

ومن طريق يحيى بن حمّاد هذا؛ أخرجه الإمام النسائيّ (ت: 303 هـ) في السنن الكبرى (8092) والطحاويُّ (ت: 321 هـ) في مشكل الآثار (1765).

أمّا طريقُ أبي الطفيل عامر بن واثلة؛ فأخرجها ابنُ أبي عاصم (ت: 287 هـ) في كتاب السنة (1555) والنسائيّ في الكبرى (8092، 8410) والطحاويّ في مشكل الآثار (1765) والآجريّ (ت: 360 هـ) في كتاب الشريعة (1706) بمثل لفظ الحاكم.

نستنتج مما سبق أنّ الحاكم لم ينفرد بتخريج حديثِ زيد بن أرقم، حتى يتّهمه الجاهل الرويبضة بوضعه، بل هو مسبوقٌ بعشراتِ السنين، فقد أخرجه بمثله ابن أبي عاصم والنسائيّ والطحاويّ والآجريُّ، وجميعهم قبل الحاكم بعشرات السنين!   

وحديثُ زيدِ بن أرقم متواترٌ عنه، مع اختلافٍ في بعض ألفاظه.

1- فمن حديث حبيب بن أبي ثابتٍ عن زيد بن أرقم؛ أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1555) والترمذيّ في جامعه (3788) وقال: حديث حسن غريب، وإنما استغربه الترمذيّ؛ لأنه من روايةِ حبيب بن أبي ثابتٍ عن زيدٍ، والمشهور عن حبيب عن أبي الطفيل، عن زيدٍ.

2- ومن حديث أبي الطُفيل عامر بن واثلة عن زيدٍ؛ أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنّة (1555) والطبرانيُّ في المعجم الكبير (4969، 4970).

3- ومن حديث عطيّة العوفيّ عن زيدِ بن أرقم؛ أخرجه أبو طاهر السِلفيّ في الطيوريات (420).

4- ومن حديث عليّ بن ربيعةَ الوالبي عن زيد بن أرقم؛ أخرجه أحمد (18508) والطبرانيُّ الكبير (5040) وابن بِشران في أماليه (1071).

5- ومن حديث أبي الضحى مسلمِ بن صُبيح عن زيد بن أرقم؛ أخرجه البزار في مسنده (4325) والطبرانيّ في الكبير (4980، 4981، 4982) والحاكم في المستدرك (4711) وابن عساكر في معجمه (1026).

6- ومن حديث ميمون أبي عبدالله عن زيدِ بن أرقم؛ أخرجه أحمد في مسنده (19325) والطبراني في الكبير (5092)

7- ومن حديثِ يحيى بن جعدةَ عن زيدِ بن أرقم؛ أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (4986) والحاكم في المستدرك (6272)

8- ومن حديث يزيدِ بن حيّان التيميّ عنه؛ أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (514، 30078) وأحمد في مسنده (19265) والدارميّ في سننه (3316) ومسلم في صحيحه (2408) وابن حبّان في صحيحه (123).

فهؤلاء ثمانيةُ رواةٍ، روَوا هذا الحديثَ عن زيدِ بن أرقم، فهو متواترٌ عنه عندي!

والمتواتر يفيد العلم الاستدلاليّ، فكيف يكون الحديثُ موضوعاً؟!

والصحفيّ الجاهل الغبيّ، فَهِمَ مِن هذا الحديث الصحيح المتواتر عن زيدِ بن أرقم رضي الله عنه (تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ، كِتَابُ اللهِ  تَعَالَى، وَعِتْرَتِي) أنّ كلام الله تعالى يكون أعظمَ في بعض الأحيانِ، ويكون كلامُ واحدٍ من العترة أعظمَ في بعض الأحيان!

ولو كان يفهم في العلوم الشرعيّة شيئاً؛ لكان عَلِمَ أنّ أكثرَ الأحاديثِ مرويةٌ بالمعنى من الحِفظِ، وهذا يدفعه إلى البحث عن رواياتِ الحديث، حتى يتوضّح له ما أشكل عليه مما لم نسمع أبداً أنه أشكل على غيره، وهذا يدلُّ على أنّه موغلٌ في الغباء!

فقد أخرج الإمام مسلم في كتاب الفضائل (2408) من طريق يَزِيدُ بْنُ حَيَّانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ:

(أَمَّا بَعْدُ: أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ، فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ.

فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ، وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: (وَأَهْلُ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي).

قال المباركفوريّ في تحفة الأحوذيّ (10: 178) ما نصّه:

«عِتْرَةُ الرَّجُلِ؛ أَهْلُ بَيْتِهِ وَرَهْطُهُ الْأَدْنَوْنَ، وَلِاسْتِعْمَالِهِمُ الْعِتْرَةَ عَلَى أَنْحَاءَ كَثِيرَةٍ؛ بَيَّنَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: (أَهْلَ بَيْتِي) لِيُعْلَمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ نَسْلَهُ وَعِصَابَتَهُ الْأَدْنَيْنَ وأزواجه.

وقال علي القارىء: وَالْمُرَادُ بِالْأَخْذِ بِهِمُ؛ التَّمَسُّكُ بِمَحَبَّتِهِمْ وَمُحَافَظَةُ حُرْمَتِهِمْ، وَالْعَمَلُ بِرِوَايَتِهِمْ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَقَالَتِهِمْ، وَهُوَ لَا يُنَافِي أَخْذَ السُّنَّةِ مِنْ غَيْرِهِم».

ختاماً: حديثُ الباب متواترٌ عن زيدِ بن أرقم، عندي، وهو مشهور عند جميع المحدّثين.

وليس هو فرداً في بابه، بل وردَ عن عددٍ من الصحابةِ، سأخرّج أحاديثهم في منشور تال إن شاء الله تعالى.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

        مَسائلُ حَديثيّةٌ (48):

النظر في وجه عليّ عبادة!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

ممّا يلتحق بالمنشور السابق، عن الحاكم النيسابوريّ، صاحب المستدرك؛ أنّ الصحفيَّ الناصبيَّ الجاهل، يستدلّ على رفض الحاكم وكذبه ووضعه لأحاديثَ على لسان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ أنّه خرّج في كتابه المستدرك (4683) حديثَ عبدالله بن مسعود (النظر إلى وجه عليّ عبادة) وقد فهم هذا الجاهلُ أنّ الحاكم يدعو إلى عبادةِ الإمام عليّ!

أقول وبالله التوفيق:

أوّلاً: كي يسوغَ لنا أن نتّهم راوياً بوضعِ حديثٍ ما، ونحن في القرن الخامس عشر الهجريّ؛ يجب أن يتحقّق لنا ثلاثةُ أمورٍ:

الأوّل: أن يكون الحديث الموضوع؛ لم يعرفه علماءُ الحديثِ ونقّاده، إلّا من طريق الراوي الذي نريد أن نتّهمه به.

الثاني: أن لا يكون الحديثُ مخرّجاً عند غيره، من طريق صحابيٍّ آخر، فإن كان مخرّجاً من حديث صحابيٍّ آخر؛ فيمكن أن يكون أحدُ الرواة وَهِم، فنسبه إلى ذاك الصحابيّ، فأنكر عليه.

الثالث: أن يكون أحدُ علماء الحديث سبقنا في اتّهام ذاك الراوي بعينه بوضع هذا الحديث؛ لأنّ بيننا وبين الحاكم مثلاً (1039) سنة، فنحن لا يمكننا الحكم عليه بأنه وضّاع، إلّا بنقلِ ذلك عمّن عاصره، أو جاء بعده بقليلٍ أو كثير!

ثانياً: يحسن أن أسوق سند الحاكم بهذا الحديث، ثمّ أخرّجه من المصادر الأخرى!

بإسنادي إلى الإمام الحافظ أبي عبدالله محمد بن عبدالله بن محمّد النيسابوريّ القاضي (ت: 405 هـ) في كتابه المستدرك (4681) قال رحمه الله تعالى:

حَدَّثَنَا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ السِّجْزِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْجُعْفِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ الْعِجْلِيُّ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (النَّظَرُ إِلَى عَلِيٍّ عِبَادَةٌ).

قال أبو عبدالله الحاكم: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَشَوَاهِدُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ صَحِيحَةٌ» وساق شواهده كالآتي:

(4682) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ الْحَافِظُ: حدّثنا صَالِحُ بْنُ مُقَاتِلِ بْنِ صَالِحٍ: حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ بْنِ عُتْبَةَ: حدّثنا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ: حدّثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى الرَّمْلِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ عَلِيٍّ عِبَادَةٌ).

تَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ.

(4683) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الْقَارِيُّ: حدّثنا الْمُسَيِّبُ بْنُ زُهَيْرٍ الضَّبِّيُّ: حدّثنا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ: حدّثنا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَخَعيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ النخعيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ عَلِيٍّ عِبَادَةٌ).

قال عداب: علينا أن ننظر إلى حديثِ عمران بن حصين، هل أخرجه أحدُ المصنّفين قبل الحاكم؟

فإنْ أخرجه أحدٌ قبل الحاكم، أو أخرجه أحدٌ غير الحاكم، من غيرِ طريقِه؛ فقد برئت ذمّة الحاكم من وضع الحديثِ، إنْ كان الحديث موضوعاً!

وقد وجدنا المحدّث عثمانَ بن أحمدَ ابن السمّاك (ت: 344 هـ) قال في فوائده المعروفة (18) قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ: حدّثنا عِمْرَانُ بْنُ خَالِدِ بْنِ طَلِيقٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (النَّظَرُ إِلَى عَلِيٍّ عِبَادَةٌ).

ووجدنا المحدّث أَبا بكر التميمي الأبهري المالكي (ت: 375هـ) في فوائده الحسان (58) حدثنا محمد: حدثنا إسماعيل بن موسى: حدثنا الحسن بن القاسم عن بكار بن العبّاسِ، عن خالد بن الطفيلِ، عن ابنِ عمران بن حصين , عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (النظر إلى علي عبادة).

فهذا محدّثان سبقا الحاكمَ في الوجودِ والحياةِ؛ أخرجا هذا الحديثَ، فبرئت ذمّة الحاكم من أن يكون وضعَ حديثَ عمرانَ بن حصين!

أمّا عن حديث عبدالله بن مسعود؛ فإليك التقرير الصحيح:

بإسنادي إلى الإمام سليمان بن أحمد الطبرانيّ (ت: 360 هـ) في كتابه المعجم الكبير (10006) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ بُدَيْلٍ الْيَامِيُّ: حدثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مسعودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ عَلِيٍّ عِبَادَةٌ).

وبإسنادي إلى الإمام أبي حفص بن شاهين (ت: 385 هـ) في كتابه شرح مذاهب أهل السنة (103) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ الرَّبِيعِ: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُتْبَةَ: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ الْقَزَّازُ: حدثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى الرَّمْلِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ عَلِيٍّ عِبَادَةٌ) تَفَرَّدَ عَلِيٌّ بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ، لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا أَحَدٌ» انتهى.

وبإسنادي إلى المحدّث أبي الحسن السكّريّ (ت: 386 هـ) في جزئه الحديثيّ (34) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ: حدثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَجَّاجِ، وَهُوَ ابْنُ الصَّلْتِ: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ: حدثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إبراهيم , عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بن مسعودٍ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: (النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ عَلِيٍّ عِبَادَةٌ).

فهؤلاء ثلاثةُ محدّثين ثقاتٌ، أخرجوا حديثَ ابن مسعودٍ، قبل الحاكم، فهو بريء من وضع الحديثِ واختلاقه، رحمه الله تعالى.

يبقى ههنا سؤال آخر: هل حديث (النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ عَلِيٍّ عِبَادَةٌ) من شرطِ الصحيح؟

قال أبو الفرج بن الجوزيّ في الموضوعات (1: 358): فِيهِ عَن أبي بكر الصّديق، وَعُثْمَان، وَابْن مَسْعُودٍ، ومعاذ بن جبلٍ، وَابْن عَبَّاس، وَجَابِر بن عبدالله، وَأبي هُرَيْرَة، وَأنس بن مالكٍ، وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وَعمْرَان بن حُصَيْن، وَعَائِشَة أمّ المؤمنين.

وقد أخرج طرق هذه الأحاديثِ كلّها، ثمّ قال (1: 361): «هذا حديث لا يصحّ من جميع طرقه».

وأورده الذهبيّ في تلخيص موضوعات ابن الجوزيّ (ص: 97) ثم قال: «حديثُ «النّظر إِلَى عَليّ عبَادَة» أوردهُ ابن الجوزيّ من حَدِيث أبي بكر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس ومعاذ وَجَابِر وَأنس وَأبي هُرَيْرَة وثوبان وَعمْرَان وَعَائِشَة، ووهّاها كلَّها.

ثم قال: «قلت: الْمَتْرُوك وَالْمُنكر، إِذا تعدّدت طرقه؛ ارْتقى إِلَى دَرَجَة الضعْف الْقَرِيب بل رُبمَا ارْتقى إِلَى الْحسن!

وَهَذَا الحديثُ ورد من رِوَايَة أحدَ عشرَ صحابيّاً، بعدة طرقٍ، وَتلك طُرقُ عِدَّةِ التَّوَاتُر فِي رَأْيِي».

وقد تناول الذهبيّ هذا الحديثَ في عددٍ من كتبه، وضعّفه في جميع المواضع، فلا تغترَّ بجملة «وَتلك طُرقُ عِدَّةِ التَّوَاتُر فِي رَأْيِي».

وفي كتابه موضوعات المستدرك (18) قال: «قُلْتُ: بِئْسَ الشَّاهِدُ وَالْمَشْهُودُ لَهُ، كِلاهُمَا مَوْضُوعٌ، وَصَالِحٌ كَذَّابٌ خَبِلٌ».

خِتاماً: لو صحّ هذا الحديثُ؛ فليس معناه الدعوةُ إلى عبادةِ عليّ، كما فهم ذاك الجاهل الغبيّ، إنّما معناه أنّك قد ترى مؤمنا منوَّر الوجه، يجذبك نور وجهه وهيبته في قلبك؛ لتقول: سبحان الله، ما شاء الله، وهذا ذِكرٌ، وذكر الله عبادة!

وهذا مثل ما ورد عن عددٍ من التابعين أنّهم قالوا: «النظر إلى البيت العتيق عبادة».    

بل قال الحسن البصريّ رحمه الله تعالى: « النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الْأُمِّ عِبَادَةٌ، فَكَيْفَ بِرُّهَا» أخرجه الحسين بن حرب في البرّ والصلة (117).

فهل النظر إلى الكعبةِ، وإلى الوالدة؛ عبادةٌ لهما؟

الله المستعان.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

       مَسائلُ حَديثيّةٌ (47):

أبو عبدالله الحاكم النيسابوريّ!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

كثرت في الأيّام الأخيرةِ مقاطع الفيديو، التي تتناول الحاكمَ النيسابوريَّ وكتابَه المستدرك على الصحيحين، بين متّهم له بالرفض والكذب ووَضعِ الحديثِ، وبين منافح عنه، ومثبتٍ لعدالته وصِيانته وصدقه وصلاحه.

فتواصل معي عددٌ من إخواني وأصدقائي، يسألونني عن موقفي مما هو دائر على وسائل التواصل الاجتماعيّ، حِيالَ هذه المسألة؟

أقول وبالله التوفيق:

أوّلاً: وازن أخي القارئ بين شخوص المتحاملين على الحاكم، وبين أشخاص المدافعين عنه، وسترى أنّ المدافعين عنه؛ هم من علماءِ وطلبةِ العلم الشرعيّ، أمّا المتحاملين عليه؛ فهم من الصحفيين، وهواةِ الثرثرةِ، ومنهم مَنْ لديهم هوسٌ في عداوةِ الشيعةِ، بحقٍّ أم بباطل!

ثانياً: أنت عندما تريد أن تحكم على عالم توفي (405 هـ) في عام (1444 هـ) فلا بدّ أنّك ترجع إلى أقوال معاصريه من أهل العلم، فمن بعدهم، خاصّةً أولئك الذين اختصّوا بالجرح والتعديل.

ثالثاً: ثمّة فرقٌ كبيرٌ بين حكمِك على عالمٍ، وبين حكمك على علمه!

حكمُك على الإمامِ البخاريّ؛ لا يسري على صحيح البخاريّ.

وحكمك على الحاكمِ؛ لا يسري على كتابه المستدرك!

فالإمام البخاريّ عالم كبيرٌ، وثقة صادق، وكتابُه الصحيح، لم يستمدَّ صحّته من عدالةِ الإمام البخاريّ فحسب، إنما استمدّها من شروط البخاريِّ في إخراج الصحيح، ومن قُدرتِه على الوفاء بشروطه في كتابه.

والإمام أبو عبدالله الحاكم عالم كبيرٌ، وثقة صادق، وكتابُه المستدرك؛ لم ينَلْ ما نالَ من الانتقادِ، بسبب كذبِ الحاكم، أو انعدام عدالته أبداً أبداً!

إنّما فرّق علماء الإسلام بين شخص الحاكمِ العالم العدل الصادقِ، وبين شروط الحاكم في كتابه المستدرك، ومدى التزامه بهذه الشروط.

رابعاً: إنّ أفضلَ طبعةٍ لمستدرك الحاكم؛ هي الطبعةُ التي صدرت عن دار الميمان للنشر والتوزيع، في الرياض، عام (2014 هـ) وقد حَقّقها فريقٌ من أهل العلم على خمس نسخٍ مخطوطة، قاموا بوصفها في مقدمة التحقيق (ص: 297- 321).

وقد خرّجوا أحاديثَ المستدرك من الكتب التي تقدّمته، فماذا قال أولئك المتخصّصون بالتحقيق وعلوم الحديث؟

خامساً: الذين حقّقوا كتاب المستدرك؛ أعدّوا إحصائيّات دقيقةً مفيدةً، يحسن أن أضعها بين يديك، أخي القارئ!

«عدد أحاديث كتاب المستدرك (9018) حديثاً.

منها ستة أحاديثَ كُرّرت أرقامُها، وهي (4594، 6695 [كرّر ثلاث مرات] 8665، 8958) فعلى هذا، يكون عدد الأحاديث الفعليّ = (9024) حديثاً.

(1619) عدد الأحاديث التي حكم الحاكم بصحتها على شرط الشيخين.

(169) عدد الأحاديث التي حكم الحاكم بأنها على شرط البخاريّ.

(969) عدد الأحاديث التي حكم الحاكم بأنها على شرط مسلم.

(2726) عدد الأحاديث التي حكم بأنها صحيحة، فحسب!

(98) عدد الأحاديث التي ضعّفها الحاكم في المستدرك؛ ليبيّن الفروق بين أحاديثِ الباب.

(850) عدد الأحاديث التي أوردها الحاكم شواهدَ لبعض الأحاديثِ ليقوّيها بها.

(2537) عدد الأحاديث التي سكت الحاكم عنها، فلم يحكم عليها بصحة أو ضعف!

(56) عدد الأحاديث التي توقّف الحاكم بالحكم عليها.

(6543) عدد الأحاديث المرفوعة إلى الرسول، صلّى الله عليه وآله وسلّم.

(1381) عدد الأحاديث الموقوفة على الصحابةِ رضي الله عنهم.

(1100) عدد الأحاديث المقطوعةِ على التابعين، فمن بعدهم.

سادساً: هذه الإحصائيّات العلمية؛ تؤكّد على أنّ الحاكم لم يُعطِ كتابَه صورته النهائيّة، وقد توفّاه الله تعالى، بعد أن أنجز مسوّدته.

يدلّك على هذا ما تقدّم من إحصاء:

(850) عدد الأحاديث التي أوردها الحاكم شواهدَ لبعض الأحاديثِ ليقوّيها بها.

(2537) عدد الأحاديث التي سكت الحاكم عنها، فلم يحكم عليها بصحة أو ضعف!

(56) عدد الأحاديث التي توقّف الحاكم بالحكم عليها.

فالحاكم ليس عاجزاً عن النقدِ، إنّما أراد أن يتمّ مسوّدة الكتابِ، ثم يتفرغ لتحريره وتنقيده على رويّة وهدوء، فلم يتيسّر له ذلك.

سابعاً: إنّ كتابَ المستدرك، من تراثنا الحديثيّ، فقد جمع فيه الحاكم تسعة آلاف حديثٍ، ساقها بأسانيده إلى نهاياتها.

فإنْ كان المستدرك كتاباً مفيداً - وهذا شيء يقرّره نقّادُ الحديث وحدهم - فبها ونعمت.

وإن لم يكن كتاباً مفيداً؛ فعذر مؤلّفه أنّه اجتهد، فكتب مسوّدةَ كتابه، فلمّا جاء يحرّره؛ اخترمته منيته ومات!

فهل يلام إنسان لأنّه ماتَ، قبل أن ينجز كتاباً، أو بحثاً من أبحاثه؟

أنا الفقير عداب: سأموتُ وأترك أكثر من عشرين كتاباً، وأكثر من مائة بحثٍ علميّ، جميعها يحتاج إلى مراجعة وتحريرٍ، وبعضها يحتاج إلى تكميل!

ماذا أصنع إذا احتوشتني الأمراض والعوارضُ، فلم أعد قادراً على الإكمال؟

ثامناً: إنّ الحاكم النيسابوريّ رحمه الله تعالى؛ استقى كتابَه المستدرك، من كتبٍ سبقته، مثل موطّأ مالك برواياته المتعدّدة، ومسند الطيالسيّ، ومسند أحمد ابن حنبل، ومصنف ابن أبي شيبة، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وصحيح ابن خزيمة، وصحيح شيخه ابن حبان، وسنن الدارميّ، وسنن أبي داود، وجامع الترمذيّ، سنن الدارقطنيّ، وغير هذه الكتبِ، من المصنّفات الحديثيّة.

ولم يخترعْ أحاديثَ وأسانيد ضمّنها كتابه، فكيف يجوز أن نتّهمه بوضع الحديث؟

تاسعاً: إنّ الأمورَ التي جعلت الصحفيَّ الجاهلَ يتّهم الحاكمَ بالزندقة والرفض ووضع الحديث؛ أحاديثُ أخرجها في فضائل عليٍّ وفاطمةَ والحسن والحسين عليهم السلام في المجلد السادس (4621 - 4890) وهذه الأحاديثُ تؤرّخ لحياة الإمام عليّ وولديه عليهم السلام.

لكنّ الذي فاتَ هذا الصحفيَّ أعمى القلب؛ أنّ الحاكم النيسابوريَّ أخرج في فضائل مجموع الصحابةِ ومناقبهم ثلاثةَ مجلّدات (6، 7، 8) وهذه أرقام الأحاديثِ التي أخرجها في فضائل الصحابة رضي الله عنهم (4451 - 7178).

فيكون قد أخرج في فضائل الصحابة (2727) حديثاً، منها (269) حديثاً في فضائل أصحاب الكساء، عليهم السلام.

عاشراً: إنّ تشيّع الحاكم النيسابوريّ؛ ليس سوى حبِّ آل بيت الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولا صلةَ له بأيِّ معنىً آخر من معاني التشيّع!

فهو يقدّم أبا بكر وعمر وعثمان، على عليٍّ رضي الله عنهم، وخرّج فضائلهم في كتابه المستدرك، قبل فضائله (4451 - 4620)!

بل هو يخرّج فضائل خصوم الإمام عليّ، بما لا تجده مجموعاً في كتابٍ حديثيٍّ غيره:

فأخرج فضائل الزبير بن العوام (5639 - 5682).

وأرّخ لولده عبدالله بن الزبير (6462 - 6490)

وأخرج فضائل طلحةَ بنِ عبيداللهِ (5683 - 5704).

وأخرج فضائل محمد بن طلحة الذي قتل مع أبيه في وقعة الجمل (5705 - 5718).

وأخرج فضائل حكيم بن حِزام (6154 - 6166).

وأخرج فضائل أبي موسى الأشعريّ (6065 - 6081).

وأخرج فضائل خالد بن الوليد (5370 - 5386).

وأخرج فضائل عمرو بن العاص (6017 - 6030).

وأخرج فضائل المغيرة بن شعبة (5999 - 6014).

نعم هو أعرضَ عن ذكر معاوية بن أبي سفيان في كتاب «معرفة الصحابة» لكنه أخرج من طريقه عدداً من الأحاديث في المستدرك (443، 1063، 2364، 4036، 5422) ومواضع أخرى.

حادي عَشرَ: ذكر محقّقوا الكتابِ المآخذ على مستدرك الحاكم، في مقدمة التحقيق (219 - 224) فلم يكن شيٌ منها يتّصل بعدالةِ الحاكم، ولا بصدقه ولا بمعرفته الحديثيّة، إنّما جميع الانتقاداتِ كانت على شروطِه، ومدى التزامه بشروطه.

ثاني عشر: عالج محققوا الكتاب مسألةَ تشيّع الحاكم في مقدمة التحقيق (113 - 126) وختموا هذه المسألة بقولهم: «خلاصة ما سبق أنّ هناك من الأدلة القويّة المتكاثرةِ؛ ما يدلُّ على نفيِ أن يكون الحاكم غالياً في التشيّع!

كما أنّ هناكَ أدلّةً - وإن لم تكن في قوّةِ وكثرةِ الأدلة السابقة - تنفي أن يكون شيعيّاً أيضاً.

هذا صنيع الحاكم في المستدرك، سواء من ناحية الرواياتِ، أو من مناحية موقفه من الصحابة، أو من شيوخ السنة، ممّا يجعله بعيداً كلّ البعد، عمّا اتُّهم به» انتهى.

قال عداب: ألا تلاحظ أخي القارئ، كيف يجتهدون ونجتهد في نفيِ «تُهمة» التشيّع عن الحاكم؟

مع أنّ التشيّع الذي هو حبّ آل البيتِ، وكراهية خصومهم؛ هو التطبيق العمليّ لقول الله عزّ وجلّ (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) [الشورى].

ولقولِ الإمام عليّ عليه السلام: (وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ أَنْ لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضَنِي إِلَّا مُنَافِقٌ) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان (78).

خِتاماً: نحن في وسط الزمانِ الذي عناه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم بقوله:

(سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ!

وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ!

وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ!

قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟

قَالَ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم: (الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ).

أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين (7571، 8105) وابن ماجه في الفتن (4036) من حديث أبي هريرة مرفوعاً.

وأخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين (12820) من حديث أنس بن مالك مرفوعاً.

فمن الضروريّ أنْ تنتبهوا عندما ترغبون في التعلّم والتثقّفِ؛ أن تختاروا في كلِّ تخصص كبارَ أهله وأتقاهم.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.