فَضائِلُ الصَحابَةِ رضي الله عنهم:
حين تبنى الثقافةُ على الكذب!؟
بسمِ اللهِ الرَحمنِ الرَحيمِ
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ؛ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ،
وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ، خَالِدِينَ فِيهَا
أَبَدًا، ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) [التوبة].
(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ
أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ
وَرِضْوَانًا، وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ
(8).
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ
مِنْ قَبْلِهِمْ؛ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَجِدُونَ فِي
صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ - وَلَوْ
كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ - وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ؛ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ (9) [الحشر].
أحدُ الإخوة أصدقاء الصفحة؛ علّق على أحدِ منشوراتي
يقول:
«ماذا تقول يا شيخ في ما يلي:
(1) روى البخاري في
المناقب، باب ما لقي النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه من
المشركين (3856) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ:
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي
يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ:
حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ عبدَاللهِ بنَ عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ قلت: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِالنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي حِجْرِ الْكَعْبَةِ، إِذْ
أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ،
فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ،
وَدَفَعَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَتَقْتُلُونَ
رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ
رَبِّكُم) [غافر] وأخرجه البخاريّ في موضعين آخرين من صحيحه (3678، 4815) بألفاظ
مقاربة.
قال الفقير عداب: رضي الله
عن أبي بكر وعمر وبقيّة العشرة، وعن جميع الصحابة الكرام المشار إليهم في الآيات
القرآنية الكريمة.
وإذا كان الإمام عليّ جدّي
من جهة الآباء والنسب؛ فإنّ أبا بكر وعمر جدّايَ من جهة أمّهاتي.
وتقويم الشخصية العلميُّ
من جميع جوانها؛ لا يعني انتقاصاً لتلك الشخصيّة، إلّا عند الجهّالِ والمتعصّبين،
على مبدأ (عنزة ولو طارت)!؟
وهذا الحديث عائليٌّ من
مداره حتى التابعيّ عروةَ، وقد أشار الحافظ ابن حجر إلى اضطراب الحديثِ في فتح
الباري (7: 168 - 169).
ولوسلّمنا بعدمِ اضطرابه -
جدلاً - فماذا في الشجاعة والقوّة أن يقومَ رجل ذو شأنٍ في قومه - كما يقول أهل
السنة - فيدفع بيديه رجلاً قويّاً عن رجلٍ ضعيفٍ مسكين !؟
الناس قديماً وحديثاً
يسمّون هذا الفعلَ محاجزةً بين متخاصمَين، حتى إذا أُشهر السلاحُ؛ أمست مقاتلةً!
وفي إسنادِ هذا الحديثِ
التيميِّ محمد بن إبراهيم التيميّ، قال ابن حجر في التقريب: «ثقة له أفراد» وهذا
من مفاريده!
وترجمه العقيلي في الضعفاء
(1574) وقال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي،
وَذَكَرَ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ الْمَدِينِيَّ، فَقَالَ: فِي
حَدِيثِهِ شَيْءٌ يَرْوِي أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ أَوْ مُنْكَرَةً وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
والله لو روى مثل هذا
الروايةَ المضطربةَ رجالٌ مثلُ عروةَ بن الزبيرِ؛ لا أحتجّ به!
بعد أن سمعتُ البراءَ بنَ
عازبٍ رضي الله عنه يقول: (كُنَّا وَاللَّهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ؛ نَتَّقِي
بِهِ، وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا لَلَّذِي يُحَاذِي بِهِ - يَعْنِي النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أخرجه مسلم في كتاب الجهاد (1776) وأصل الحديث
عند البخاريّ في الجهاد (2864).
أكانَ الرسولُ صلّى الله
عليه وآله وسلّم ضعيفاً، إلى الحدِّ الذي يَسمحُ لكلبٍ مشركٍ أن يخنقه خنقاً
شديداً، وهو مستسلمٌ، لا يقوى أنْ يدفع عن نفسه؟!
(2) قال المعلّق: وعن علي
رضي الله عنه أنه قال: أيها الناس ! أخبروني من أشجع الناس؟ إلخِ.
أقول: أخرج البزار في
مسنده - كما في زوائد البزار (2481) قال رحمه الله تعالى:
حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي ثُمَامَةَ الأَنْصَارِيُّ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ
الله الْعِجْلِيُّ الْمُقْرِئُ، ثنا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكَرْمَانِيُّ،
ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، قَالَ:
خَطَبَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: أَيُّهَا
النَّاسُ! أَخْبِرُونِي مَنْ أَشْجَعُ النَّاسِ؟ قَالُوا - أَوْ قَالَ -: قُلْنَا:
أَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ:
أَمَا إِنِّي مَا بَارَزْتُ أَحَدًا إِلا انْتَصَفْتُ مِنْهُ، وَلَكِنْ
أَخْبِرُونِي بِأَشْجَعِ النَّاسِ، قَالُوا: لا نَعْلَمُ، فَمَنْ؟ قَالَ: أَبُو
بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِنَّهُ كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ جَعَلْنَا لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرِيشًا.
فَقُلْنَا:
مَنْ يَكُونُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلا
يَهْوِي إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَوَاللَّهِ مَا دَنَا مِنْهُ
أَحَدٌ إِلا أَبُو بَكْرٍ شَاهِرًا بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا يَهْوِي إِلَيْهِ أَحَدٌ إِلا أَهْوَى
إِلَيْهِ، فَهَذَا أَشْجَعُ النَّاسِ)...الحديث بطوله.
قَالَ
الْبَزَّارُ: لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ، إِلا بِهَذَا الإِسْنَادِ»
انتهى.
قال
الفقير عداب: مسندُ البزّار؛ مثل علل الدارقطنيّ، فإذا لم يوجد الحديثُ في الصحاح
ولا في السنن ولا في المسانيد؛ فيكون الحديث ضعيفاً ابتداءً، وقد يكون واهياً أو
موضوعاً، وقد انفرد البزّار بتخريج هذا الحديث دونهم!
قال
النسائي في الضعفاء (158): حسان بن إِبْرَاهِيم الْكرْمَانِي لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
وقال
العقيلي في الضعفاء (309): حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكَرْمَانِيُّ فِي
حَدِيثِهِ وَهْمٌ.
وترجمه
ابن عديّ في الضعفاء (501) وأورد له عدداً من مناكير حديثه، وقال:
ذُكِرَ لِأَحْمَد حَدِيثُه، فَلم يعبأ بِهِ.
وختم
ابن عديٍّ ترجمتَه بقوله: «ولحسان شيء من الأصناف وله حديث كثير وقد حدث بإفرادات
كثيرة عن أَبَان بن تغلب، وأَيضًا عن إبراهيم الصائغ وعن لَيْث بن أبِي سُلَيم
وعاصم الأحول وسائر الشيوخ فلم أجد له أنكر مما ذكرته من هذه الأحاديث وحسان عندي
من أهل الصدق إلاَّ أنه يغلط في الشيء وليس ممن يظن به أنه يتعمد في باب الرواية
إسنادا أو متنا وإنما هو وهم منه، وَهو عندي لا بأس به».
(3) قال المعلّق: قال الإمام ابن القيم - رحمه الله
- وثبت أبو بكر - رضي الله عنه - ثبوت الجبال يوم أحد حولَ رسول الله صلى الله
عليه وسلم يدافع عنه.
قال عداب: لا يستطيع ابن القيّم ولا جميع العلماء
أن يثبتوا هذه الدعوى!
(4) قال المعلق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
سرية إلى بني فزارة سنة سبع للهجرة بقيادة أبي بكر - رضي الله عنه - فوردت الماء،
وغنمت، وسبت، وعادت سالمة.
قال عداب: هب أنّ هذه الرواية صحيحةً، فقد أمّرَ
الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم على أبي بكر عمرَو بن العاص، وأسامةَ بن زيدٍ،
وهو من جيل أحفاده!
أخرج الإمام مسلم حديثَ سريّة فزارةَ هذه في كتاب
الجهاد (1755) وفي إسنادها عكرمة بن عمّار، قال ابن حجر في التقريب: «صدوق يغلط».
قال
الذهبيّ في الميزان (3: 140): «إنّ تفرُّدَ الثِقةِ المُتْقِن؛ يُعَدُّ صَحيحاً
غريباً، وإنّ تَفرّد الصَدوقِ ومَنْ دونَه؛ يُعَدُّ مُنكَراً».
وقال ابن حجر في النكت على علوم ابن الصلاح (2: 690): «حاصلُ
كلامِ هؤلاء الأئمة أنّ الزيادةَ إنّما تُقبل ممّن يكون حافظاً مُتقناً، حيث
يَستوي مَع مَن زاد عليهم في ذلك.
فإنْ كانوا أكثرَ عدداً منه،
أو كان فيهم مَن هو أحفظُ منه، أو كان غيرَ حافظٍ، ولو كان في الأصلِ صَدوقاً؛
فإنّ زيادتَه لا تُقبَلُ».
وهذا الحديثُ من هذه البابة،
والخلاف في قائد سريّة بني فزارة طويل، انظر كتاب «غزوة مؤتة والسرايا والبعوث
النبوية (ص: 129)».
(5) قال المعلق: «وفي غزوة تبوك ساعة العسرة؛ كانت
راية المسلمين بيد أبي بكر الصديق، رضي الله عنه».
قال
الفقير عداب: جاء في كتاب «الذهب المسبوك في تحقيق روايات غزوة تبوك» (ص: 182) ما
نصّه: «قال الواقدي: فلما رجع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، من ثنية الوداع
الى تبوك، فعقد الالوية، والرآيات، فدفع لوائه الاعظم الى أبى بكر الصديق رضي
اللَّه عنه، ورايته العظمي الى الزبير» وقال المؤلّف في تخريج هذه الحكاية: «قلت:
أخرج ابن عساكر فى تاريخ دمشق هذا النص باسناده عن الواقدي، وفيه سماع محمد ابن
شجاع الثلجى عنه، انظر تاريخ دمشق (1: 415) وقال الذهبي فى الميزان (3: 577): محمد
بن شجاع بن الثلجى، الفقيه البغدادى الحنفى، أبو عبد اللَّه صاحب التصانيف، قال
ابن عدى: كان يضع الحديث فى التشبيه، وينسبه الى أصحاب الحديث يثلبهم بذلك، وقال
زكريا الساجي: محمد بن شجاع كذاب، احتال فى أبطال الحديث. نصرة للرأى».
(6) قال المعلق: «ويوم حنين أعجب المسلمون بكثرتهم
فلم تغنهم شيئًا، وولوا مدبرين بعد أن كمن لهم أعداء الله في شعاب الوادي، وكان
أول من ثبت حول رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق، رضي الله عنه،
وأرضاه».
قال الفقير عداب: رضي الله عن أبي بكرٍ وأرضاه، لكن
الرواياتِ الصحيحةَ تقول: إنّ الصحابةَ كلهم هربوا يوم حنين، ما عدا العبّاسَ وأبا
سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب.
وعند أبي
يعلى والطبراني في الأوسط؛ أنّ عليّ بن أبي طالب، كان أشدّ الناس قتالاً في ذلك
اليوم، رضي الله عنهم، انظر كتاب مرويات غزوة حنين (1: 203).
ختاماً: إنّ الرغبةَ في تعظيم شخصيّةٍ مقبولةٍ، أو
في تهوين شخصيّة مرغوبٍ عنها، برواياتٍ واهية هزيلةٍ؛ لا ينفع تلك الشخصيّةَ عند
الله تعالى شيئاً، ولا يضرّها!
إنّما يؤذي الكذبةَ المفترين، والمروّجين العارفين
بأنهم كاذبون، ويُشيع في الأمّة ثقافةً كاذبةً باطلةً، يعتقد بها العوامّ الجهالِ،
ويقتلون مخالفيهم بسببها.
وقد قلت مراراً: إنّ المحدّثين لم يخرّجوا أحاديثَ
الفضائل ليتّخذها المسلمون عقيدةً!
إنّما أخرجوها دفاعاً عن جميع الصحابةِ الذين
كفّرهم الرافضةُ وسبّوهم وتنقّصوهم برواياتٍ أضعفُ وأنكر وأحطّ من هذه الرواياتِ
بكثير!
والله تعالى أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق