فَضائِلُ الصَحابَةِ رضي الله عنهم:
من فضائلِ عُمَرَ بن الخطّابِ الصحيحة!؟
بسمِ اللهِ الرَحمنِ الرَحيمِ
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ؛ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَأَعَدَّ
لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا،
ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) [التوبة].
(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ
أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ
وَرِضْوَانًا، وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ
(8).
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ
مِنْ قَبْلِهِمْ؛ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَجِدُونَ فِي
صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ - وَلَوْ
كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ - وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ؛ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ (9) [الحشر].
أمّا بعدُ: أخرج البخاريّ في كتاب فضائل أصحاب
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم، باب مناقب عمر بن الخطّاب أبي حفصٍ القرشيّ
العدويّ رضي الله عنه سبعةَ عشر حديثاً (3679 - 3694).
بينما أخرج مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من
فضائلِ عمر رضي الله تعالى عنه أحدَ عشر حديثا (2389 - 2399) وافقه البخاريّ على
تخريجها، ما عدا الحديثَ (3298).
(1) بإسنادي إلى الإمام البخاري في كتاب فضائل
أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم، باب مناقب عمر بن الخطّاب (3681) قال رحمه
الله تعالى: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ أَبُو جَعْفَرٍ الكُوفِيُّ:
حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي
حَمْزَةُ «بن عبدالله بن عمر» عَنْ أَبِيهِ «عبدالله بن عمر» أَنَّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، شَرِبْتُ
اللَّبَنَ، حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى الرِّيِّ يَجْرِي فِي ظُفُرِي) أَوْ (فِي
أَظْفَارِي، ثُمَّ نَاوَلْتُ عُمَرَ) فَقَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ؟ قَالَ: (العِلْمَ).
قال الفقير عداب: حسبَ مباني محدّثي أهل السنّة؛
هذا حديث صحيح، لا غبار عليه البتّة!
أمّا حسبَ قواعدي؛ فالزهريّ ناصبيٌّ، كان بمثابة
رجلِ شرطة عند بني أميّة، وهو ليس بمحايدٍ البتّة، إنما كان يتماشى مع أهواء طغاةِ
بني أميّة!
بدليل أنّه لم يرو حديثاً واحداً، في فضائل الإمام
عليّ عليه السلام، الذي رُوي من الأحاديث الصحيحة في فضله أكثر من أيّ صحابيٍّ آخر!
والقاعدة تقول: إذا روى المبتدع ما يؤيّد بدعتَه؛
لم نقبل حديثه هذا.
(2) بإسنادي إلى الإمام البخاري في كتاب فضائل
أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم، باب مناقب عمر بن الخطّاب (3690) قال: حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ: حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ قَالَا: سَمِعْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا الذِّئْبُ
فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَطَلَبَهَا حَتَّى اسْتَنْقَذَهَا، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ
الذِّئْبُ فَقَالَ لَهُ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي،
فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ الله!
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) وَمَا ثَمَّ أَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ!
قال الفقير عداب: إسنادُ هذا الحديث إلى أبي هريرة؛
صحيحٌ، فقد توبع الزهري على روايته، وليس من أفراده، إنّما هو من غرائب أبي هريرة!
ومفاريد أبي هريرة يقبلها المحدثون من أهل السنة،
بينما لا يقبلها الحنفية إلا في الترغيب والترهيب غالباً؛ لأنّه ليس بعالمٍ، والفقير
عداب يتوقّف في مفاريد أبي هريرة الغريبةِ كهذا الحديث!
(3) بإسنادي إلى الإمام البخاري في كتاب فضائل
أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم، باب مناقب عمر بن الخطّاب (3692) قال: حَدَّثَنَا
الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا
أَيُّوبُ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ:
لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ؛ جَعَلَ يَأْلَمُ، فَقَالَ
لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَكَأَنَّهُ يُجَزِّعُهُ «يخفّف عنه» يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ:
وَلَئِنْ
كَانَ ذَاكَ؛ لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ،
ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ.
ثُمَّ
صَحِبْتَ أَبَا بَكْرٍ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ
رَاضٍ.
ثُمَّ
صَحِبْتَ صَحَبَتَهُمْ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ، وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ؛
لَتُفَارِقَنَّهُمْ وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ!
قَالَ عمرُ:
أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِضَاهُ؛ فَإِنَّمَا
ذَاكَ مَنٌّ مِنْ اللهِ تَعَالَى مَنَّ بِهِ عَلَيَّ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ أَبِي بَكْرٍ
وَرِضَاهُ؛ فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنْ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ، مَنَّ بِهِ عَلَيَّ.
وَأَمَّا مَا تَرَى مِنْ جَزَعِي؛ فَهُوَ مِنْ أَجْلِكَ وَأَجْلِ أَصْحَابِكَ!
وَاللهِ لَوْ أَنَّ لِي طِلَاعَ الْأَرْضِ ذَهَبًا؛
لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ».
قال الفقير عداب: هذا إسنادٌ بصريّ، وأقبح النصب في
تلك الأيام؛ نصب أهل البصرة!
وفي قول عمر رضي الله عنه -إن صحّ عنه -: «وَاللهِ لَوْ
أَنَّ لِي طِلَاعَ الْأَرْضِ ذَهَبًا؛ لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللهِ عَزَّ
وَجَلَّ، قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ» ما ينسف فكرةَ العشرة المبشّرة بالجنّةِ من أصلها،
إذْ لو كان مبشّرا بالجنّة؛ لقال غيره المقالة تماماً.
(4) بإسنادي إلى الإمام البخاري في كتاب الأيمان
والنذور، باب كيف كانت يمينُ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: (قَالَ عُمَرُ:
يَا رَسُولَ اللهِ : لَأَنْتَ أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إِلَّا مِنْ نَفْسِي!
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: (لاَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ
مِنْ نَفْسِكَ) فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، - وَاللهِ- لَأَنْتَ أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الآنَ
يَا عُمَرُ).
قال عداب: انفرد البخاريّ عن بقيّة الستّة بتخريج
هذا الحديث.
والغريب أنّ البخاري لمّا ساقه في مكانه المناسب،
في مناقب عمر (3694) وفي كتاب الاستئذان (6294) اقتصراً على قصّة الحديث (كنّا مع
النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو آخذٌ بيد عمر) فحسب!
ومدار هذا الحديث على زهرة بن معبدٍ القرشيّ، ترجمه
ابن حبّان في الثقات (6: 344) وقال: «يَرْوي عَن سعيدِ بن الْمسيب، وجدِّه
عبدِالله بن هِشَام.
روى عَنهُ حَيْوَةُ بنُ شُرَيْح، وَسَعِيد بن أبي
أَيُّوب.
يُخطىء ويُخطأ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِمَّن استخير الله
فِيهِ».
وأخرج له حديثاً في صحيحه (5220) وقال عقبه: «زُهْرَةُ
بْنُ مَعْبَدٍ, مِنْ سَادَاتِ أَهْلِ فِلَسْطِينَ ثقةً» وهذا يعني أنّ ابن حبّانَ
رجّح بعد الاستخارةِ؛ أنّ زهرةَ ثقة!
ومع إيجابيّة استخارته تجاهه؛ لم يخرّج له حديثَ
البابِ في صحيحه، ممّا يدلّ على أنّه أخطأ فيه عنده.
وللحديث
شاهدٌ عند الدارقطنيّ في العلل (2: 74) وفيه: وَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ
عَنْ عُمَرَ؛ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَقَالَ: أَطَلَّقَكِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ لِئِنْ كَانَ
طَلَّقَكِ؛ لَا كَلَّمْتُكِ حَتَّى تَمُوتِي.
وَفِيهِ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وسلم: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ) فَقَالَ
عمرُ: فَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي».
فَقَالَ
الدارقطنيُّ: يَرْوِيهِ الْأَعْمَشُ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:
فَرَوَاهُ
يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ،عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،
عَنْ عُمَرَ.
وَخَالَفَهُ أَبُو نُعَيْمٍ، فَرَوَاهُ عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ مُرْسَلًا عَنْ عُمَرَ.
وَحَدِيثُ أَبِي نُعَيْمٍ أَثْبَتُ» انتهى كلام
الدارقطنيّ.
وحديث ابن عمر هذا؛ لم أستطع الوقوف عليه، عند غير
الدارقطنيّ في العلل.
(5) بإسنادي إلى الإمام البخاريّ في كتاب فضائل
أصحاب النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله
وَسَلَّمَ قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى: حَدَّثَنَا أَبُو
أُسَامَةَ: قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ
النَّهْدِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ
الْمَدِينَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ
بِالْجَنَّةِ) فَفَتَحْتُ لَهُ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، فَبَشَّرْتُهُ بِمَا قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللهَ.
ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: (افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ) فَفَتَحْتُ لَهُ فَإِذَا هُوَ
عُمَرُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللهَ .
ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ فَقَالَ لِي افْتَحْ لَهُ
وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ - عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ - فَإِذَا عُثْمَانُ،
فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللهَ، ثُمَّ
قَالَ: اللهُ الْمُسْتَعَانُ».
قال الفقير عداب: انفرد البخاري بهذا الحديث عن
بقية التسعة، وهو حديث بصريّ، مُنسجم تماماً مع مذهب أهل السنّة القديم: «أبو بكر،
ثم عمر، ثم عثمان» ثمّ يُقفَل باب التفاضل!
إلى أن رجع الإمام أحمد في أواخر حياته إلى التربيعِ،
فصار مذهب كثيرين من أهل السنة أن الراشدين أربعة «أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم
عليّ» وعندما اعتمد السلطان «الظاهر بيبرس» المذاهب الأربعةَ، دون غيرها؛ جادوا
على الإمام عليّ عليه السلام، فجعلوه رسميّاً رابعَ الراشدين «مسكين سيّدي علي»!!
رضي الله عن الراشدين، وعن العشرة، وعن السابقين
الأولين، وأهل بدر وأهل بيعة العقبة الأولى، ونسأل الله تعالى لهم الجنة، بيد أنّ
الأحاديث كما رأيت!!
والأحاديث المظنونة مثل هذه؛ لا يثبت بها عقيدة،
ولا يُجزم بها لأحدٍ بأنه من أهل الجنّة، إلّا إنْ جاءت أحاديثُ صحيحةٌ مَشهورةٌ
صريحةٌ بذلك.
ختاماً: من المُحزن أنّ أربعةَ عشر عاماً على هذا
«الفيسبوك» ولا يزال كثير منكم على عقليّته الطائفيّة المذهبية، تشكيك بأهداف عداب،
ورفضٌ لقبولِ النقدِ، وإصرارٌ على تقديسِ موروثٍ صُنع بتوجيه الساسةِ، الذين ليسوا
من أهل العلم والدين أوّلاً، ويُهمّهم بقاء الأمّةِ ممزّقةً؛ لتشعر الرعيّة بأنّ
هذا الحاكم حاميها.
والأمر ليس خاصّاً بأهل السنّة، فباقي مذاهب
المسلمين؛ ليس لديها حديثٌ أصلاً، كُتبهم واهيةُ الأسانيدِ، لا يجوز اعتمادها في
أيّ جانبٍ من جوانب العقائد السياسيّة البتّة.
وإلى الإخوةِ الذين استغربوا قولي: «لا يوجدُ في
فضائل الرجال والأمكنة حديثٌ ليس له علّة» إليك هذا النصّ من عالم عصره في الحديث
النبويّ، دون منازع.
قال أبو عبدالله الحاكم النيسابوريّ في صفحة (1) من
كتابه المستدرك على الصحيحين:
«وَقَدْ نَبَغَ فِي عَصْرِنَا هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ
الْمُبْتَدِعَةِ، يَشْمَتُونَ بِرُوَاةِ الْآثَارِ؛ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا يَصِحُّ
عِنْدَكُمْ - أهلَ السنّة - مِنَ الْحَدِيثَ لَا يَبْلُغُ عَشْرَةَ َآلَافِ
حَدِيثٍ!
وَهَذِهِ الْأَسَاَنيِدُ الْمَجْمُوعَةُ،
الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى أَلْفِ جُزْءٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، كُلُّهَا
سَقِيمَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ!
وَقَدْ سَأَلَنَيِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِ أَهْلِ
الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا أَنْ أَجْمَعَ كِتَابًا يَشْتَمِلُ
عَلَى الْأَحاَديِثِ الْمَرْوِيَّةِ بِأَسَانِيدَ، يَحْتَجُّ مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ بِمِثْلِهَا، إِذْ لَا سَبِيلَ إِلَى
إِخْرَاجِ مَا لَا عِلَّةَ لَهُ، فَإِنَّهُمَا رَحِمَهُمَا اللهُ لَمْ يَدَّعِيَا
ذَلِكَ لِأَنُفِسِهِمَا».
وأخرج الحاكم في مستدركه هذا أكثرَ من (8800)
حديثٍ، لا يصحّ منها ثلثُها، ونصف هذا الثِلثِ قد أخرجه البخاريّ ومسلمٌ أو
أحدهما، لكنّ الحاكم أخرجه من طرقٍ أخرى أحياناً، وفي أحيانٍ أخرى وَهِم بأنّهما
لم يخرّجاه أو أحدهما، بينما هو عندهما.
والله تعالى أعلم
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق