فَضائِلُ الصَحابَةِ رضي الله عنهم:
مِن فَضائلِ جدّتنا خديجةَ بنتِ خُويلدٍ الأسديّة
عليها السلام!؟
بسمِ اللهِ الرَحمنِ الرَحيمِ
أمّا بعدٌ: إنّ المعلوماتِ الصحيحةَ الواردةَ عن
الفترة المكيّةِ، التي امتدّت من (10 - 13) عاماً؛ شحيحةٌ جدّاً، مع أنّ المرحلةَ المكيّة؛ هي مرحلة
الإعدادِ والمعاناةِ والمكابدة!
ولستُ أدري أكان إهمالُها اجتهاداً من عمر بن
الخطّاب رضي الله عنه؛ حتى ينسى القرشيون -
مسلمُهم وطليقُهم - الأحقادَ التي خلّفتها حروب بدرٍ وأحدٍ والخندق؟
أو إنّ الأميّة التي كان عليها المسلمون في تلك
الحقبة؛ هي السبب؟
أو إنّ ثمّةَ أسباباً أخرى وراء ذلك؟
إنّ أهل السنّةِ لا يهتمّون كثيراً بتفسيرِ هذه
المسألة، وينظرون إليها بواقعيّة، فالموجودُ الصحيحُ من الروايات التاريخية؛ هو
تكليفنا الشرعيّ، ونحن نتعاملُ مع هذا الواقع كما هو، ولسنا في حاجةٍ إلى الروايات
التاريخيّة الواهية؛ لسدّ نقصٍ كبيرٍ في عمق ثلاثةَ عشر عاماً من الفترةِ المكيّةِ،
كما لسنا في حاجةٍ إلى التحليلِ والتأويل والتفسير، التي ليس لها قوائم!
بينما يعتمد الشيعة الإماميّةُ الرواياتِ الواهيةَ
والخياليّة، والتحليلَ والتفسير الافتراضيّين ويجعلون ذلك تاريخاً، يبنون عليه
ولاءهم وبراءهم!
وأنا في هذا المنشور؛ لن أتحدّث عن ولادةِ جدّتنا
خديجة بنت خويلدٍ الأسديّة، ولا عن جمالها الأخّاذ، وتسابقِ شباب قريشٍ إلى خطبتها
«وأنا
أستغرب نقلَ مثل هذا الكلام السخيف» ولا إلى عدد أزواجها قبل
جدّنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولا إلى سنّها عند زواجها منه، إذ ليس
في ذلك روايةٌ واحدةٌ تصلحُ للاعتمادِ عليها تاريخيّاً، فضلاً عن جعلها عقيدةً،
نبني عليها ولاءً وبراءً!
يكفينا أنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛
تزوّجها زواجاً صحيحاً، بإيجابٍ وقَبولٍ وشهودٍ كثيرين، وأنجبَ منها بناتِه «زينبَ
ورُقيّةَ وأمّ كلثومٍ وفاطمةَ الزهراء» وولديه القاسمَ الذي كان يُكنى به صلّى
الله عليه وآله وسلّم، وعبدَالله الملقّب بالطيّبِ والطاهر، عليهم السلام
والرضوان، وجميع أولاده منها؛ انتقلوا إلى الدار الآخرة في حياته صلّى الله عليه
وآله وسلّم، ما عدا أمَّنا فاطمةَ الزهراء عليها السلام.
ومن المؤكّدِ الواقعيّ؛ أنّ خديجة بنت خُويلدٍ
عليها السلام؛ هي أوّل من آمنَ برسولِ الله؛ لأنها التي عايشته سنواتٍ طوالاً قبل
بعثته، وأيقنت من صدقه وأمانته، وشاهدت إرهاصاتِ نبوّته صلّى الله عليه وآله
وسلّم؛ فهي السابقةُ الأولى، وكان أباناً عليّاً هو المصلّي، عليه السلامُ، ودعْك
من الكلامِ الطائفيّ، الذي لا ينجي أمامَ الله تعالى وحقائق التاريخ!
(1) بإسنادي إلى الإمام البخاريّ في فضائل أصحاب
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، باب تزويج النبيّ خديجةَ وفضلِها (3821) قال
رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ
إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ؛ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا
السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ
قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ) وأعاده البخاري في كتاب التوحيد (7497)
وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة (2432).
وإسنادُه إلى أبي هريرة حسنٌ، لكنّ أبا هريرة لم
يُدرك ذلك الزمان، فحديثه مرسلٌ!
وله شاهدٌ أخرجه البخاري في الكتاب نفسه (3816،
3817، 3818) ومسلم في الفضائل (3435) من حديث أمّ المؤمنين عائشة قالت: (مَا
غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ مَا غِرْتُ
عَلَى خَدِيجَةَ - هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي - لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ
يَذْكُرُهَا، وَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ، وَإِنْ
كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ، فَيُهْدِي فِي خَلاَئِلِهَا مِنْها مَا يَسَعُهُنَّ).
وله شاهد ثانٍ، أخرجه البخاري في الفضائل (3819) وكان
أخرجه من قبل في كتاب الحجّ (1792) ومسلم في الفضائل (2433) من حديث عبدالله بن
أبي أوفى قال: (بَشَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَدِيجَةَ
بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ، وَلَا نَصَبَ).
(2) وبإسنادي إلى الإمام مسلم في فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة أمّ المؤمنين
(2437) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اسْتَأْذَنَتْ
هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاحَ لِذَلِكَ
فَقَالَ: (اللهُمَّ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ)!
فَغِرْتُ، فَقُلْتُ: «وَمَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ،
مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ، حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ، هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ،
فَأَبْدَلَكَ اللهُ خَيْرًا مِنْهَا) وأخرجه البخاري في الفضائل، عقب حديث أبي
هريرة المتقدم (3821) معلّقاً من حديث إسماعيل بن خليل عن عليّ بنِ مسهر، به
بنحوه.
مع أنّ إسماعيل بن خليلٍ، من شيوخ البخاريّ، وقد
أخرج له في صحيحه أحاديث عديدةً، صرح فيها بسماعه منه، منها (302، 511، 1290) وهذه
جميعها عن عليّ بن مسهرٍ، وأخرجه أحمد في مسنده (24864) والطبراني في الكبير (23:
(22) وفيه زيادة: (مَا أَبْدَلَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ
آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ،
وَوَاسَتْنِي بِمَالِها، إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ وَلَدَهَا، إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ).
وفي سنده مجالد بن سعيد - من رجال مسلم - قال فيه
ابن حجر في التقريب: «ليس بالقويّ، وقد تغيّر في آخر عمره» بيد أنّ كلامَ عائشةَ
يقتضيّ من رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلم جواباً، ربما حفظه مجالدٌ، والله
تعالى أعلم.
(3) وبإسنادي إلى الإمام البخاريّ في الفضائل، باب
تزويج النبيّ خديجة (3815) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ «هو ابنُ
سلام البيكنديّ» أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ «هو ابن سليمان الكلابيّ» عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ:
سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ ابْنَةُ
عِمْرانَ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُويلِدَ) وكان البخاريّ أخرج
الحديثَ في أحاديث الأنبياء، في فضائل مريم (3432) وأخرجه مسلم (2430).
قال عداب: مدار الحديث على هشام بن عروة، وهو ومن
فوقه ثقاتٌ عند المحدّثين.
(4) وبإسنادي إلى الإمام أحمد في مسنده، باب ومن
مسند المكثرين (12391) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ: مَرْيَمُ
ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ ابْنَةُ
مُحَمَّدٍ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ) وأخرجه الترمذيّ في جامعه (3878)
وقال: هذا حديث صحيح.
قال عداب: ذهبَ بعضُ المشتغلين بتخريج الحديث، إلى
أنّ هذا الإسناد على شرط الشيخين، وهذا غير صحيح؛ لأنّ مدار الحديث عند المحدّثين
هو عبدالرزاق بن همّام الصنعاني، ولم يخرّج الشيخان بهذا الإسنادِ أيَّ حديثٍ
أصلاً، إنّما خرّج مسلمٌ بهذا الإسنادِ متابعةً واحدةً، عقب حديث شيبان بن
عبدالرحمن النحويّ (2802) في حادثة انشقاق القمر، والله تعالى أعلم.
(5) وبإسنادي إلى الإمام مسلم في كتاب الفضائل، باب
فضائل خديجة (2435) قال: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ
بْنُ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا
عَلَى خَدِيجَةَ، وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا.
قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ؛ يَقُولُ: أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى
أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ.
قَالَتْ عائشةُ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ:
خَدِيجَةَ؟ [خديجةَ: منصوبٌ على المدح، تريدُ: تظلّ تمدح خديجةَ أمامي]؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا).
قال عداب: هذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين، ما
عدا سهلَ بن عثمان، فهو من شيوخِ مسلمٍ، أخرج له في صحيحه (14) حديثاً.
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه
وسلّمَ تسليماً كثيراً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق