الأربعاء، 3 ديسمبر 2025

  فَضائِلُ الصَحابَةِ رضي الله عنهم:

من فضائلِ عُثمانَ بن عفّانَ رضي الله عنه.

بسمِ اللهِ الرَحمنِ الرَحيمِ

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ؛ رَضِيَ اللهُ  عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) [التوبة].

(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا، وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8).

وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ؛ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ - وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ - وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ؛ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) [الحشر].

أمّا بعدُ: فإنّ عثمان بن عفّان بن أبي العاص بن أميّة الأمويّ من السابقين الأوّلين إلى الإسلام، وقد زوّجه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ابنتيه (رقيّة ثم أمّ كلثوم عليهما السلام) لذلك لُقّب بذي النورين.

قال ابن حجر في الإصابة (2: 350): «وروى أبو سعدٍ أحمدُ بن محمّدٍ الماليني بإسناد فيه ضعف عن سهل بن سعد، قال: قيل لعثمانَ ذو النورين؛ لأنه يتنقل من منزل إلى منزل في الجنّة فتبرق له برقتان، فلذلك قيل له ذلك» وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (1: 333) وقال: «هَذَا حَدِيث مَوْضُوع، وَالْمُتَّهَم بِهِ الْحُسَيْن بن عُبيدالله العجليّ».

قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ يضع الحَدِيث» فيبقى ما هو شائع من أنّ سبب تلقيبه بذي النورين أنّه تزوّج ابنتي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وليس في ذلك حديثٌ مرفوع صحيح، أو أثرٌ موقوف صحيح.

قال ابن حجر في الإصابة (4: 377): «وجاء من أوجه متواترة أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بشّره بالجنة، وعدّه من أهل الجنة، وشهد له بالشهادة».

وسأختار عدداً من الأحاديثِ الضعيفة الواردة في فضل عثمان رضي الله عنه، على نحو ما ذكرتُ في منشوراتِ إخوانه السابقين.

(1) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال:  بَيْنَمَا نَحْنُ فِي بَيْتِ ابْنِ حَشَفَةَ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لِيَنْهَضْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ إِلَى كُفْئِهِ» فَنَهَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُثْمَانَ فَاعْتَنَقَهُ، وَقَالَ: (أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) أخرجه الحاكم في المستدرك، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» قال الذهبي في تلخيص المستدرك: بل ضعيف.

قال عداب: في إسناده طلحةُ بن زيدٍ القرشيّ، قال ابن حجر في التقريب (3020): «متروك، قال أحمد ابن حنبل وعليّ ابن المديني وأبو داود السجستاني: كان يضع الحديث».

(2) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَبَّابٍ السلميّ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحُثُّ عَلَى جَيْشِ الْعُسْرَةِ، فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ: عَلَيَّ مِائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللهِ.

 ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ، فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ: عَلَيَّ مِائَتَا بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ الله.

ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ، فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ: عَلَيَّ ثَلَاثُ مِائَةِ بَعِيرٍ

بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ الله.

 فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَنْزِلُ عَنْ الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَقُولُ: (مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ، مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ) أخرجه أحمد في مسنده (16099) والترمذيّ في جامعه (3700) وقَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ السَّكَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ» حديث غريب: يعني ضعيف.

وأخرج أحمد في مسنده (19713) والترمذي في جامعه (3701) من حديث كثير بن أبي كثيرٍ البصريّ، مولى ابن سمرة، عن مولاه عبدالرحمن بن سمرة مرفوعاً بنحو معناه مختصراً، وقال: حسن غريب.

قال عداب: في سنده كثير البصريّ هذا، ضعّفه العقيليّ، وقال ابن حجر في إتحاف المهرة (4: 258): «ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ».

(3) عن أبي هريرة؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لِكُلِّ نَبِيٍّ رَفِيقٌ فِي الْجَنَّةِ، وَرَفِيقِي فِيهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ) وفي إسناده عثمان بن خالدٍ الأمويّ، قال ابن حجر في التقريب: «متروك».

وله شاهد من حديث طلحة بن عبيدالله مرفوعاً بنحوه، أخرجه الترمذيّ في الجامع (3698) وهو من أفراده، وقال: «هذا حديث غريب، ليس إسناده بالقويّ، وهو منقطع» وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (1: 200): هذا حديث لا يصح في إسناده عيسى بن عبدالرحمن بن فروة الزُرَقيّ، قال أبو حاتم: ضعيف شبيه بالمتروك، وقال النسائيّ: متروك، أما القاسم بن الحكم فروى عن أبي حاتم أنه قال: مجهول، فيبقى الحديث ضعيفاً جدّاً.

(4) عن أنس بن مالك الصحابيّ قال: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْعَةِ الرِّضْوَانِ؛ كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ: فَبَايَعَ النَّاسَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ عُثْمَانَ فِي حَاجَةِ اللَّهِ، وَحَاجَةِ رَسُولِهِ).

«فَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى، فَكَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ خَيْرًاً مِنْ أَيْدِيهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ» أخرجه الترمذيُّ في جامعه (3702) وهو من أفراده، وقال«هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ» قال عداب: كلام الترمذيّ غير دقيق، إذ في إسناد هذا الحديث الحكمُ بن عبدالملك القرشيّ، قال ابن حجر في التقريب: ضعيف، وقال ابن معين: ضعيف ليس بثقة، وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث، ليس بقويّ، وقال أبو داود: منكر الحديث.

ولمتنه شاهدٌ من حديث عبدالله بن عمر، أخرجه أبو داود في سننه (2727) وهو من أفراده، وفي إسناده هانئ بن قيس الكوفي، قال ابن حجر في التقريب: مستور، يعني مجهولَ الحال عنده.

(5) عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخولانيّ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(رَأَيْتُ أَنِّي وُضِعْتُ فِي كِفَّةٍ، وَأُمَّتِي فِي كِفَّةٍ؛ فَعَدَلْتُهَا.

ثُمَّ وُضِعَ أَبُو بَكْرٍ؛ فَعَدَلَ بِأُمَّتِي، ثُمَّ عُمَرُ؛ فَعَدَلَهَا، ثُمَّ وُضِعَ عُثْمَانُ فِي كِفَّةٍ فَعَدَلَهَا، ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ) أخرجه ابن عديّ في الكامل (8: 31) وقال: هذا حديث غير محفوظ!

وقَالَ ابن الجوزي في العلل المتناهية (1: 203): «هَذَا حَدِيثٌ لا يَصِحُّ، وَفِيهِ مَجَاهِيلُ».

(6) عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ حَزْنٍ الْقُشَيْرِيِّ التابعيِّ قَالَ: شَهِدْتُ الدَّارَ حِينَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ فَقَالَ: ائْتُونِي بِصَاحِبَيْكُمْ اللَّذَيْنِ أَلَّبَاكُمْ عَلَيَّ، فَجِيءَ بِهِمَا فَكَأَنَّهُمَا جَمَلَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا حِمَارَانِ!

فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ فَقَالَ، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيْرَ بِئْرِ رُومَةَ، فَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلَ دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ؟ فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي فَأَنْتُمْ الْيَوْمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أَشْرَبَ، حَتَّى أَشْرَبَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ؟ قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ!

قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَسْجِدَ ضَاقَ بِأَهْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَشْتَرِي بُقْعَةَ آلِ فُلَانٍ فَيَزِيدَهَا فِي الْمَسْجِدِ بِخَيْرٍ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي، فَأَنْتُمْ الْيَوْمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أُصَلِّيَ فِيهَا رَكْعَتَيْنِ؟ قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ!

قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّي جَهَّزْتُ جَيْشَ الْعُسْرَةِ مِنْ مَالِي قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ ثُمَّ قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى ثَبِيرِ مَكَّةَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَا فَتَحَرَّكَ الْجَبَلُ حَتَّى تَسَاقَطَتْ حِجَارَتُهُ بِالْحَضِيضِ قَالَ فَرَكَضَهُ بِرِجْلِهِ وَقَالَ اسْكُنْ ثَبِيرُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ! قَالَ عثمان: اللَّهُ أَكْبَرُ، شَهِدُوا لِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ؛ أَنِّي شَهِيدٌ ثَلَاثًا) أخرجه النسائيّ في المجتبى (3608) والترمذيّ في جامعه (3703) وقَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عُثْمَانَ» وفي إسناده يحيى بن أبي الحجاج المنقريّ، قال ابن حجر: ليّن الحديث، وقال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ، وقال أبو حاتم: ليس بقويّ.

قال عداب: رواه الترمذيّ من حديث أبي عبدالرحمن السلميّ عن عثمان (3699) وقال: حديث حسن صحيح غريب، وفي إسناده ثلاثةٌ متتابعون أحدهم اختلط، والثاني ربما وهم، والثالث له أفراد.

ورواه أحمد (481) والنسائيّ في المجتبى (3182) من حديث عمرو بن جاوان عن الأحنف بن قيس بنحوه، وفي سنده عمرو بن جاوان هذا، قال الذهبيّ في الميزان (3: 250): لا يُعرَف!

ختاماً: أعلم بأنّ هذه المنشوراتِ؛ توقظُ ذهن المسلم للمعرفةِ، لكنّها لا تغني ولا تسمن، والصوابُ جمع أحاديث الفضائل الواردة في الصحابة العشرة المبشرة بالجنة، ثم فرزها إلى قسمين:

-ما سبق تخريجه ونقده من الحفّاظ المتقدّمين؛ اكتفينا بأقوالهم.

-وما صحّحوه أو صححه بعضهم؛ درسناه دراسة نقديّة فاحصة، ثم قدّمناه إلى إخواننا المسلمين محرّراً... وهذه أماني، فقد فات الأوان!

والله تعالى أعلم.

والحمد لله على كل حال.