الخميس، 10 يوليو 2025

  التعايش السلميّ بين المسلمين:

     لماذا التعايش؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102).

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا، وَلَا تَفَرَّقُوا.

وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ، إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً، فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ، فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا.

وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ، فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103).

وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104).

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا، مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ، وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105).

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ: أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ؟

فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106).

وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ؛ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ، هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107).

تِلْكَ آيَاتُ اللهِ، نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ، وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) [آل عمران].

أمّا بعد: كلمةُ «التعايشِ» تعني في أيسرِ معانيها؛ أن تعيشَ معيَ وأعيشَ معكَ، في ضوء المشتركات الاجتماعيّةِ أو الدينية، مع التغاضي عن الاختلافاتِ القليلةِ أو الكثيرة بيننا؛ لأنّ الاختلاف ظاهرةٌ بشريةٌ منذ خلق الله الناسَ وإلى آخر يوم في هذه الدنيا، ومن المحالِ أن يتحقّق «المجتمع المثاليّ» حتى لأصحاب الرسل وأتباعهم، على الرغم من وقوفهم على معجزات أنبيائهم، ومشاهدتهم كمالات سلوكهم وأخلاقهم!

ومجتمعُ الصحابةِ عندنا - نحن أهلَ السنّةِ - هو (الجيل القرآني الفريد) وهو (المجتمع الأمثل) وهو الطبقةُ المقدّسةُ التي لا يجوزُ أن تقوّمَ أعمالُها.

ومع كلِّ هذه الإطراءاتِ والمبالغاتِ:

فقد كان بعضهم يرفع صوتَه أمامَ الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم!

وكان بعضهم يقول له: «أعطني، فإنك لا تعطيني من مال أبيك وأمّك»!

وبعضهم يقول له: «أنْ كان ابن عمّتك».

وبعضهم يقول له: «اعدل وأقسط في كلامك».

وبعضهم يقول له: «ألست تزعم أنك رسول الله»؟

وبعضهم يرمي زوجةَ رسولِه بالفاحشةِ، وبعضهم يُشيع ذلك ولا يخجلُ منه!

وبعضهم يدعو بدعوى الجاهليّة، فيقول: (يا لَلأنصار!) فيجيبه الآخر (يا لَلمهاجرين) ويتضاربون فيما بينهم، حتى يحجز بينهم رسولهم، صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم.

وعَقبَ استراحةِ رسولهم الأكرم في مرقده الشريف مباشرةً؛ ارتدّ بعضهم، وخرجَ على خليفةِ الرسولِ بعضهم، ومنع الزكاةَ بعضهم، واستحلّ بعضهم دماءَ بعضٍ على التأويل والشبهة!

يصدُر هذا عن خير أجيالِ الأمة وأكثرها قداسةً، عند مليارٍ ونصفِ مليار مسلم!

فكيف يُرادُ منّا أنْ نكون خيراً من هذا الجيلِ، وأكثرَ تسامحاً، وأوزن حُلوماً وصبراً؟

إنّ ممّا لا يختلف عليه علماءُ الإسلامِ؛ أنّ الاجتهادَ أمرٌ مرغوبٌ فيه لمن تملّك أدواته، وامتلاكُ أدواته ليس ضرباً من الإعجاز ولا الخيال، بل هي ميسورةٌ لمن وفّقه الله تعالى، قبل أن يبلغ سنّ الثلاثينَ من عمره!

هذا الذي جوّزنا له الاجتهادَ؛ كانَ أعلمَ بلسان العربِ، من غيره ممّن امتلك أدنى أدواتِ الاجتهاد المتّفق عليها.

وذاك الذي جوّزنا له الاجتهادَ؛ كان في أعلم بالمعقولاتِ من صاحبه.

وذلك الذي جوّزنا له الاجتهادَ؛ كان أغوصَ على مقاصدِ الشارع من صاحبيه!

فالنتيجةُ الحتميّةُ هي اختلافُ النتائجِ بين هذا وذاك وذُليّاك!

متى يكونُ هذا الاجتهادُ أو ذاك مبتدَعاً مرفوضاً؟

إذا تحقّق فيه دلالةُ هذين الحديثين الصحيحين:

(أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَيِ؛ هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ؛ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) أخرجه جمع من الحفاظ منهم مسلم في صحيحه (867).

(مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ؛ فَهُوَ رَدٌّ) أخرجه جمع من الحفاظ منهم البخاريّ (2697) ومسلم (1718).

وقد اتّفق علماءُ أهل السنّة على أنّ من أنكرَ معلوماً من الدينِ بالضرورةِ إثباتاً أو نفياً، ومن خالفَ الإجماعَ الأصوليَّ؛ فهو داخلٌ تحتَ مسمّى بدعة الضلالة، وخارج من أمر الإسلام المقصود في الحديث الثاني.

يبقى ما وراءَ ذلك جميعُه اجتهاداتٍ نقول لصاحبها إن أصاب؛ أصبتَ، وإن أخطأ؛ أخطأت!

وقد يكون ما خطّناه به هو الصوابَ في الواقع ونفس الأمر، وقد يكون ما صوّبناه هو الخطأ!

نحن نرفع شعار (أهل السنّة) ونزعم أنّها الأمّة، ونزعم أنها الفرقة الناجية، ونزعم أنها على الحقّ المبين، وما من مذهبٍ من مذاهبِ أهل السنّة العقدية أو الفقهيّة، إلّا يكَفّر مخالفيه في بعض ما خالفوه فيه!

وكلُّ واحدٍ منهم يجزم بأنه على الحقِّ، وأنّ أخاه المخالف له على الباطل، وقد لا يكون من أهل العلم أساساً!

وأرى أنْ لا مخرجَ لنا من الصراعاتِ الفكرية والعسكريّة، إلّا بقَبولِ بعضنا من بعضهم الحدَّ الأدنى الذي لا يكون الإنسانُ مسلماً إلّا به، ثمّ يسكتُ بعضُنا عن بعضٍ فيما وراءَ ذلك، مع القيام بواجب الأمر بالمعروف بمعروف!

أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ:

أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الْمَكْتُوبَةَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلَالَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَعَمْ) أخرجه جمع من الحفاظ، منهم مسلم (15).

فمن آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر؛ فهو مؤمن!

ومن نطق بالشهادتين وأقرّ بفرضيّة الطهارةِ والصلاةِ والزكاة والصيام والحجّ والجهاد في سبيلِ الله تعالى؛ فهو مسلم، له ما لنا وعليه ما علينا، وما وراء ذلك؛ هو إلزاماتٌ والتزاماتٌ يحرّرها العلماءُ، لا عامّةُ المسلمين الذين هم (999%).

ويجب أن يشيعَ بيننا أدبُ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ، وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) [الحجرات].

ويجب أن يشيعَ بيننا قَولُ رَسُولِ اللهِ، صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم: (لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا.

الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ.

 كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ.

التَّقْوَى هَاهُنَا «وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ».

إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ، وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ) وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ» أخرجه مسلم (2564).

والله تعالى أعلم.

والحمدُ لله على كلِّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق