التَصوّفُ العَليمُ:
هو الطريقُ الأمثلُ لوحدةِ
المسلمين!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(الْحَمْدُ للهِ، وَسَلامٌ عَلَى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطفَى).
أمّا بعد:
قال شيخُ
التصوّف في عصره، أبو القاسم القُشيريُّ في رسالته (ص: 45):
«يَحكي الجُنيدُ
البغداديّ (ت: 297 هـ) عَنِ خالِه السَريِّ السَقَطيِّ (ت: 257 هـ) أَنَّهُ قَالَ:
التَصوّف اسم لثلاثةِ مَعان:
هُوَ الَّذِي
لا يُطفئ نورُ مَعرفتِه نورَ وَرَعِه.
ولا يَتَكَلَّم
بباطنٍ، فِي عِلمٍ، يَنقضُه عَلَيْهِ ظاهرُ الكتابِ أَوِ السُنّةِ.
ولا تَحمِلُه
الكراماتِ عَلَى هَتكِ أستارِ مَحارمِ اللَّه».
وقال
(ص: 95): «قال شيخُ الريِّ والجبالِ في وقته يوسفُ بن الحسين (ت: 304 هـ): «إِذَا
رأيتَ المُريدَ يَشتغلُ بالرُخَصِ؛ فاعْلَمْ أَنَّهُ لا يَجيءُ مِنه شَيْءٌ.
وكتب إِلَى الجنيدِ
يقول: لا أذاقَكَ اللهُ طَعْمَ نَفْسِك، فإنّك إِنْ ذُقْتَه؛ لَمْ تَذُقْ بَعدَها
خيراً أبداً».
وقال في (ص:
148):
هَذا هُوَ مَوضِعُ
ذِكرِ جَمَاعَةٍ مِن شيوخ هذه الطائفةِ، كَانَ الغرضُ مِن ذِكرهم فِي هَذَا الموضعِ؛
التَنبيه عَلَى أنّهم:
- مُجمعون
عَلَى تَعظيم الشريعةِ.
- مُقيمون
عَلَى متابعة السُنّةِ.
- غَيْرَ مُخلّين
بشيءٍ مِن آدابِ الديانةِ.
- مُتّصفونَ
بسلوكِ طُرقِ الرياضةِ.
- مُتفقون
عَلَى أَنّ مَن خَلا مِن المُعاملات والمجاهدات، وَلَمْ يَبْنِ أمرَه عَلَى أساسٍ
منَ الوَرَعِ والتَقوَى؛ كَانَ مُفترياً عَلَى اللَّهِ سبحانَه وتعالى، مَفتوناً
فيما يَدّعيه، هَلَكَ فِي نَفْسِه، وأهْلَك مَن اغْتَرَّ بِهِ، مِمَّن ركَن إِلَى
أباطيلِه».
وفي (ص: 153)
يوضح لنا مقصوده من الرياضة فيقول:
سمعتُ
الأستاذَ الحسنَ بنَ عليٍّ أبا عَلِيٍّ الدقاقَ (ت: 405 هـ) يقول: «الكَيّسُ مَن
كَانَ يُحْكِمُ وقتَه:
-إِنْ
كَانَ وقتُه الصَحْوَ؛ فقيامُه بالشريعةِ.
-وإنْ
كَانَ وقتُه المحْوَ؛ فالغالبُ عَلَيْهِ أحكامُ الحَقيقةِ، ومِن ذَلِكَ المَقامُ.
والمَقامُ:
مَا يَتحقّق بِهِ العبدُ بمنازلَتِه مِن الآدابِ، بِمَا يَتوصّلُ إِلَيْهِ بنوعِ تَصرّفٍ،
ويَتحقّق بِهِ بضربِ تَطَلُّبٍ ومُقاساةِ تَكَلّفٍ.
فمقامُ
كُلّ أحدٍ؛ مَوضعُ إقامته عِنْدَ ذَلِكَ، وَمَا هُوَ مُشتغِلٌ بالرياضةِ لَهُ.
وشَرطُه
أَنْ لا يَرتقيَ مِن مَقامٍ إِلَى مَقامٍ آخرَ؛ مَا لَمْ يَستوفِ أحكامَ ذَلِكَ
المقامِ.
فإنّ
مَن لا قَناعةَ لَهُ؛ لا يَصحُّ لَهُ التَوكُّلُ.
ومَن
لا توَكُّلَ لَهُ؛ لا يَصِحَّ لَهُ التَسليمُ.
وَكَذَلِكَ
مَن لا تَوبةَ لَهُ؛ لا تَصِحَّ لَهُ الإنابةُ.
ومَن
لا وَرعَ لَهُ؛ لا يَصِحُّ لَهُ الزُهدُ.
والمَقامُ؛
هُوَ الإقامةُ، كالمُدْخَلِ بمعنى الإدخالِ، والمُخْرَجِ بمعنى الإخراجِ.
ولا
يَصحُّ لأحدٍ مُنازلةُ مَقامٍ؛ إلا بشهودِ إقامةِ اللَّهِ تَعالَى إيّاه في ذَلِكَ
المقامِ؛ ليَصِحَّ بناءُ أمْرِه عَلَى قاعدةٍ صَحيحة».
هذا نموذجٌ من طُرقِ
التصوّف، الذي نرجو أن يوفّقنا الله تعالى إلى سلوكِه، وندعو طالبي رضوانَ الله
تعالى من الناس إليه، وهو الذي من شأنه أنْ يُصلِحَ النفوسَ، ويلين القلوب، ويؤلّف
بين قلوبِ المسلمين.
والله تعالى
أعلم.
والحمد لله على
كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق