الجمعة، 7 يونيو 2024

       التصوّف العليم (25):

الصلاةُ الوصفيّة عند السادة الكسنزانيّة!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

اعتراضاتُ الناسِ على الطريقةِ الكسنزانيّة؛ كثيرةٌ، ومتنوّعةٌ، ومتعارضةٌ في أحيايين كثيرةٍ، فهذا يعترضُ على ضربِ الدفِّ مطلقاً، وذاك يعترض على ضرب الدفِّ مع ذكر الله تعالى، وذاك يجوّزه مع المديح والنشيد!

وذاك يصف شيخ الطريقة بابتداع صلواتٍ على الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وفي هذا المنشور؛ سأشرح وجهةَ نظر السادةِ الكسنزان في (ابتكارِ) الصلاة الوصفيّة المعتمدة لديهم شعاراً للطريقةِ، فأقول وبالله التوفيق:

من المقطوع به لدى السادةِ الكسنزان وغيرهم من الصوفيّة (السُنيّة) أنّ الصلاةَ على الرسولِ في التشهّدِ الأخير؛ هي الصلواتُ الإبراهيميّة الواردةُ في حديثِ كعبِ بنِ عُجرةَ أنّ الرسولَ صلّى الله عليه وآله وسلّم علّم الصحابة كيفيّة الصلاة عليه، فقال: (قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) أخرجه البخاري (3370) ومسلم (406) وهو مرويّ عن عددٍ من الصحابة.

وأهلُ السنّة أجمعون «الصوفية وغيرهم» يختصرون الصلوات الإبراهيمية، ويقتصرون خارجَ الصلاةِ على جُزءٍ منها، فيقولون: (صلّى الله عليه وسلّم) فإذا أرادوا أنْ يصلّوا على الآل؛ حشروا معهم الصحابةَ على طول الخطّ (صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم).

فأهل السنّة بعملهم هذا؛ أجازوا الاقتصارَ على بعضِ الصلوات الإبراهيمية المأثورة، وأجازوا الزيادةَ عليها.

وما داموا قد جوّزوا ذلك - بأيّ تأويلٍ لديهم - فليس من حقِّهم الاعتراضُ على السادةِ الكسنزان أن يُنقصوا من الصلواتِ الإبراهيميّة، أو يزيدوا عليها؛ لأنهم مشتركون بهذا التجويز!

على أنَّ أهلَ السنّةِ أجمعين - ومنهم السادة الكسنزان - لا يَستعملون صيغةً للصلاة والسلام على الرسولِ، ثابتةً في صحيح البخاريّ (3369) وصحيح مسلمٍ (407) من حديثِ أبي حُميدٍ الساعديّ أنّ الرسولَ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: (قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ.

وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد) لأنّ أهلَ السنّة درجوا في تاريخهم كلّه على عدمِ تخصيص ذريّة الرسولِ بأيّ امتياز!

وإذْ كنتُ أعرف دوافعَ أهلِ السنّة المعاصرينَ لنا؛ فإنني لا أفْهَم لماذا يعرضُ السادةُ الصوفية - ومنهم السادةُ الكسنزان - عن هذه الصيغة الصحيحة المباركة؟

وقِصّةُ الصلاةِ الوصفيّة الكسنزانيّة؛ بدأت معي أنا الفقير عداب!

ذاتَ ليلةٍ من ليالي الجمعةِ، من عام (1996) وبعد انتهاء مجلسِ الذكر العام؛ قال لي حضرةُ الشيخ محمّد بن عبدالكريم الكسنزان، رضي الله عنهما: يا سيّد بُلّغتُ بصيغةِ صلاةٍ على جدّك الرسول، هي (اللهم صلّ على سيّدنا محمّدٍ الوصفِ والوحيِ والرسالةِ والحكمة، وعلى آله وصحبه وسلِّمْ تسليماً) فيا ليت تَشرحُ للدراويشِ هذه الصيغةَ غداً في خُطبةِ الجمعة.

نظرتُ في هذه الصلاة الوصفيّة؛ فوجدتها شطرين:

الشطر الأوّل: متّفق عليه بين أهلِ السنة أجمعين:  (اللهم صلّ على سيّدنا محمّدٍ، وعلى آله وصحبه وسلِّمْ تسليماً) ما عدا الذين يتوقّفون عند لفظة التسويد.

والشطر الثاني: (الوصفِ والوحيِ والرسالةِ والحكمة) صفاتُ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:

- صاحب الوصفِ الأسمى (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).

- (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَي).

- (يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).

- (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ).

فشرحتُ الصلاةَ الوصفيّةَ هذه، في أربعِ خُطَبِ جمعةٍ متوالياتٍ، جمعتُ فيها ما فتح الله تعالى به عليّ من كمالاتِ سيّدنا رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثم غدت هذه الصيغةُ شعارَ الكسنزانِ منذ ذلك التاريخِ وإلى يومنا هذا.

هذه هي الصلاةُ الوصفيّة، وهي متّفقةٌ تماماً مع المتداوَلِ لدى أهل السنّة أجمعين (اللهم صلّ على سيّدنا محمّدٍ، وعلى آله وصحبه وسلِّمْ تسليماً) مع إضافةِ تعظيمٍ وتكريمٍ مشروعَيْن تجاه الرسولِ الأعظم.

والسادة الكسنزان لا يقتصرون على الصلاة الوصفيّة أبداً، وليست هي بديلَ الصلاةِ المتداولة بين أهلِ السنّة، بل وليست هي صيغةَ الورد اليوميّ من الصلاة على الرسولِ، إنّما صيغةُ الورد اليوميّ لديهم:

(لا إله إلّا الله - محمد رسول الله - صلّى الله تعالى عليه وسلّم).

وأنا أقترح على السادةِ الكسنزان أنْ يجعلوا وِردهم من الصلاةِ على الرسول، هذه الصيغةَ المباركةَ الجامعة: (اللهم صلّ وسلّم وبارك على محمّد وآله وأزواجه وذريّته).

والله تعالى أعلم.

والحمد لله ربّ العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق