مَسائل حديثية (101):
هل عذابُ القبر ثابت ؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
مسألة عذابِ القبرِ ونعيمِه؛
من المسائلِ التي يجادلُ بها كثيرون، في أيّامنا هذه، وهذا ممّا أستغربه حقّاً؛
لأنّ على المؤمنِ أن يكونَ مستعدّاً لأيّ طارئٍ بعد الموت؛ لأنّ سعيَه الذاتيَّ قد
انتهى بخروج روحه، فسواءٌ كان في القبر عذابٌ، أم كان العذاب بعدَ يوم الحساب؛ فهو
إن لم ينجُ صائرٌ إلى العذاب!
وممّا يُستدلُّ به على وقوعِ
العذابِ ببعضِ الظالمين في أثناء لحظات الموت وما بعده، قَولُ اللَّهُ
جَلَّ ثَنَاؤُهُ:
)وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا
الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ، وَذُوقُوا عَذَابَ
الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ
لِلْعَبِيدِ)[الأنفال: 51].
وَقَالَ تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ
فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ: أَخْرِجُوا
أَنْفُسَكُمُ، الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ
عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ، وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ "}
[الأنعام: 93].
وَقَالَ جلَّ وعلا فِي آلِ فِرْعَوْنَ: (النَّارُ
يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ:
أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر: 46].
قال البيهقيُّ في كتابه إثبات عذاب القبر (ص: 70): «حَكَمَ
اللهُ عَلَيْهِمْ بِضَرْبِ الْمَلَائِكَةِ وُجُوهَهَمْ وَأَدْبَارَهُمْ حِينَ
تَتَوِفَّاهُمُ، وَإِنْ كُنَّا لَا نُشَاهِدُهُ.
وَبِمَا تَقُولُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ
الْمَوْتِ وَهُمْ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَسْمَعُهُ.
وَعَلَى آلِ فِرْعَوْنَ بِعَرْضِهِمْ عَلَى
النَّارِ غُدُوًّا وَعَشِيًّا، مَا دَامَتِ الدُّنْيَا، وَإِنْ كُنَّا لَا نَقِفُ
عَلَيْهِ».
وسأقتصر في هذا المنشور على ذكرِ
الإثبات العامّ لعذاب القبر، فأقول:
(1) أخرج البخاري في صحيحه
(833) ومسلم في صحيحه (589) من حديث عائشةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاَةِ: (اللَّهُمَّ
إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ
المَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا، وَفِتْنَةِ
المَمَاتِ) الحديث.
وهذا الحديثُ من مشاهير حديثِ أمّ المؤمنين عائشة
رضي الله عنها رواه عنها عروة بن الزبير، ومسروق بن الأجدع، وأبو سلمة بن
عبدالرحمن، وطاووس بن كيسان.
(2) وأخرج البخاريّ (2822) والترمذي (3567) من حديث
سعدِ بن أبي وقاص أنّه كانَ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا
يُعَلِّمُ الْمُعَلِّمُ الْغِلْمَانَ الْكِتَابَةَ، وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُنَّ دُبُرَ
الصَّلَاةِ:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ،
وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ
فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ).
رواه عن سعدٍ عمرو بن ميمون الأودي ومصعب بن سعد بن
أبي وقاص، وكلاهما ثقتان.
(3) وأخرج البخاريّ (2823)
ومسلم (2706) من حديث أنس بن مالك قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ
وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا
وَالْمَمَاتِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ).
وهذا الحديث من مشاهير أحاديث
أنس بن مالك، رواه عنه سليمان بن طرخان التيميّ، وعمرو بن ميسرة مولى المطّلب بن
حنطب، وحميد بن أبي حميد، وقتادة بن دعامة السدوسيّ، وشعيب بن الحبحاب، وغيرهم.
(4) أخرج البخاريّ (1377) ومسلم (588) من حديث أبي
هريرة قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو
وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ
عَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ
الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ).
وهذا الحديث من مشاهير أحاديث أبي هريرة، رواه عنه
أبو سلمةَ بن عبدالرحمن بن عوف، وعبدالرحمن بن هرمز الأعرج، وحميد بن عبدالرحمن بن
عوف، ومحمد بن أبي عائشة، وطاوس بن كيسان، وغيرهم.
(5) وأخرج البخاريّ (1376) من حديث موسى بن عقبةَ
عن أمة بنت خالد بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ (يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ).
وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين، موسى بن عقبة
إمام، وابنة خالدٍ صحابيّة رضي الله عنها.
هذه خمسةُ أحاديثَ نصّت على تعوّذ الرسول صلّى الله
عليه وآله وسلّم من عذاب القبر.
فمن لا يكتفي بخمسةِ أحاديثَ لإثباتِ وجود عذابٍ في
القبر، فلن يقتنع بسردِ سبعةٍ أو عشرة؛ لأنه يكون لديه رأيٌ مسبقٌ، أو عقيدةٌ
مذهبيّة تقليديّة، والمسلمون أسرى المذهبيّة المفرّقةِ وللأسف!
والله تعالى أعلم
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا
محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق