مَسائِلُ مِن الفِقْهِ والأُصولِ (21):
الشهادةُ الثالثةُ في الأذان
بين الابتداعِ والاتّباع!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
قال لي صاحبي: بصفتكَ محدّثاً تزعم أنّك من أعلم
الخلقِ بالرواياتِ، وبصفتك غدوتَ شيعيّاً،
تركتَ مذهبَ آبائك وأجدادك وراء ظهرك، هل لديك في مذهبك الجديد رواياتٌ صحيحةٌ
تُجيزُ أن نقول في شعيرةِ الأذان: أشهدُ أنّ عليّاً وليّ الله، أشهد أنّ عليّاً
وأولادَه المعصومينَ حُججُ اللهِ؟
وهل يجوزُ نَصْبُ خلافٍ جديدٍ بين السنّة والشيعةِ،
قد تُزْهَقُ بسببه أرواحٌ بريئةٌ بين الطرفين؟
أقول وبالله التوفيق.
لستُ أدري من أن يأتي بعضُ الناس بمعلوماتٍ عنّي،
أنا لا أعرفها!
أوّلاً: أنا لست سُنيّاً، فأنا أخالف أهل السنّةِ
في كثيرٍ ممّا هم عليه مجمعون!
وأنا لست شيعيّاً زيديّاً ولا إماميّاً ولا
إسماعيليّاً، فأنا أخالف هذه الفرق الثلاثةَ في كثيرٍ ممّا هم عليه يختلفون!
ولو كنتُ شيعيّاً - جدلاً - فلن أكون شيعيّاً
إماميّاً بحالٍ من الإحوال، وربما كنت زيديّاً، فالمذهب الزيديّ أفضل مذاهب الشيعة
عندي بيقين!
وقولُ هذا الصَديق: تركتَ مذهبَ آبائك وأجدادك؛
صحيحٌ، فقد تركتُ مِن مذهبِ آبائي وأجدادي ما أراه تقليداً محضاً، واتّباعاً للسوادِ
الأعظم، الذي لم يُحْمَدْ ولم يُمدَحْ في القرآن الكريم أبداً!
ثانياً: إنّ الفرق الإسلاميّة الثلاثَ الكبرى؛
حقيقةٌ قائمةٌ واقعةٌ، لا يلغيها عدمُ اعترافي بشرعيتها، أو بصوابها، أو
بأحقّيتها.
وإذْ هي موجودة؛ فلا بدَّ من الرجوعِ إلى مصادرها،
لمعرفة ما تقول هي تجاهَ مسألةٍ خلافيّةٍ مطروحة!
ثالثاً: في تهذيب الأحكام (1: 206) الأذان (الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا
إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهدُ أن محمّداً رسول الله.
حيَّ على الصلاةِ، حيَّ على الصلاةِ،
حيَّ على الفلاحِ، حيَّ على الفلاحِ، حيَّ على خيرِ العَملِ، حيَّ على خير العمل،
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله).
وهو كذلك في الاستبصار (1: 306) وفي من
لا يحضره الفقيه (1: 290).
وقال هنا: (وقال مصنف هذا
الكتاب رحمه الله: هذا هو الأذان الصحيح، لا يُزاد فيه ولا ينقص منه، والمفوّضةُ
لعنهم اللهُ قد وضعوا أخباراً، وزادوا في الاذان: (محمد وآل محمد خير البرية)
مرتين. وفي بعض رواياتهم، بعد أشهد أن محمداً رسول الله: (أشهد أن عليّاً وليُّ
الله) مرتين، ومنهم من روى بدل ذلك: (أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقاً) مرتين.
ولا شكَّ في أنّ عليّاً وليّ الله، وأنّه
أميرُ المؤمنين حقّاً، وأن محمدا وآله صلوات الله عليهم خير البرية، ولكنْ ليس ذلك
في أصل الأذان، وإنما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض، المدلسون
أنفسهم في جملتنا) انتهى كلامُ الصدوق.
وأنا أقول ما قال الصدوق، رحمه الله تعالى: إنّ
عليّاً عليه السلام وليّ الله تعالى، وولايته حقٌّ له في عنق كلِّ مسلم!
رابعاً: إذا كان الصدوق عدّ زيادةَ الشهادةِ
الثالثةِ في الأذان بدعةً، ولَعَنَ مبتدعيها؛ فكيف يجوزُ لمسلمٍ أنْ يُلزم الناسَ
بهذه البدعةِ ذاتها، بالقوّةِ والتهديدِ والوعيد؟
وما يذكره مراجع الشيعةِ في تسويغ هذه البدعةِ؛
إنما هو تسويغٌ عقليٌّ هدفه تكريس الطائفيّة والمذهبيّة، ولو بتكثير البدع
والمحدثات، وما أكثرها لدى الإماميّة، من قبيل التحسين العقليّ.
خامساً: لا يجوزُ إلزامُ الناسِ بمحدَثٍ قال
العلماءُ الكبارُ: إنّه بدعة، مهما كانت الأسباب السياسيةُ الدافعة إلى ذلك، وفاعلُ
ذلك يتحمّل إثمَ وتبعةَ ما ينتج عن إكراه الناسِ على هذه البدعة، من حزَنٍ وألَمٍ
وخِصامٍ واحترابٍ.
سادساً: لا يجوزُ تغييرُ مثلِ هذه البدعةِ
بالقوّةِ، ولا يحلُّ لمن لا يراها مشروعةً؛ أنْ يؤجّج الصراعَ بين أفراد الشعبِ في
الوطن الواحد، ولا يجوز إراقةُ محجمةِ دمٍ واحدةٍ في معارضةِ هذه البدعة؛ لأنها
ليست بدعةَ ضلالةٍ، مخالفةً لمقرّراتِ الإسلام.
الإمامُ عليٌّ وليّ الله تعالى، ومَن لا يراه
وليّاً لله تعالى؛ فليس من أمّة الإسلام.
وما دام الإمام عليٌّ وليّاً لله تعالى؛ فعلينا أن
نُنْكِرَ إضافةَ هذه الجملةِ في شعيرةِ الأذانِ بالحسنى وحسب؛ لأنّ درء المفسدةِ؛
مقدّم على جلب المصلحةِ، ولا مفسدةَ اجتماعيّةً أكبرُ من أن يتنازع المسلمون
ويتقاتلوا.
خِتاماً: زمانُ مظلوميّة الشيعةِ قد ولّى، فالشيعة
اليومَ يحكمون إيرانَ والعراقَ وسوريّا واليمنَ ولبنانَ، وبدلاً من إكراهِ الناسِ
على بدعةٍ أو بِدَعٍ؛ عليهم أنْ يخفّفوا من بدعهم التي تكادُ تخيّم على صفاءِ
الإسلامِ، وتكادُ تغلبُ الثوابت!
وعليهم قبلَ ذلك وبعدَه أن يراعوا ترتيبَ
الأولويّاتِ، وأُولى وأَوْلَى هذه الأولويّات هي تحبيبُ آل البيتِ عليهم السلام
إلى الناس، وأوّلُ وسيلةٍ من وسائلِ تحبيب آل البيت إلى الناس؛ الاقتصارُ على هديِ
آل البيتِ الثابتِ الصحيحِ، والابتعادُ التامّ عن ثقافة (بحار الأنوار) الفاسدة
الضالّةِ المُضلّة!
ولا أدلّ على ضلال معلوماتِ (البحار) من حكم
العلّامةِ الشيخ آصف محسني على (97%) من رواياتِ البحار بالضعف والنكارة والكذب!
أفيجوزُ في دين الإسلامِ طباعةُ مثل هذا الكتاب،
فضلاً عن عدّه من أعظم كتب الإسلام، وتزيين باطله لدى عامّة الشيعة الإماميّة؟
اتّقوا الله تعالى يا مراجعَ الشيعةِ!
علّموا الشيعةَ الحقَّ والصوابَ؛ لأنّه حقّ وصوابٌ،
وليس من أجلِ الغلبةِ والاحتراب!
والله المستعان
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق