مَسائلُ حديثيّةٌ (72):
سَعَةُ عِلْمِ عائشة!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
في حوارٍ مع أحدِهم قال: «الرسول
صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: (خذوا دينكم عن الحميراء - يعني عائشة - وهؤلاء
الكفرة يتّهمونها بالفاحشة، وأنت تقول: لا بدّ من التعايش معهم»؟
أقول وبالله التوفيق:
مَن يتّهم أمَّ المؤمنين
عائشةَ رضي الله عنها بالفاحشة؛ كافرٌ إن كان من أهل السنّة، وفاسق قاذفٌ كلبٌ، إن
كان من غيرهم.
أمّا موضوع التعايش مع
الرافضة - فضلاً عن الشيعة - فأمر لا بدّ منه، إذا كنتم حريصين على وحدةِ العراق،
ووحدة سوريّا، ووحدة اليمن، ووحدة لبنان!
إذ هم يشكّلون في كلّ بلدٍ
من هذه البلدان؛ نسبةً لا يمكن تجاهلها، وإن كنتم تصرّون على إقصائهم - فلم تعودوا
قادرين على ذلك - لكنّ هذا يقود إلى تقسيم البلاد.
ومعنى «التعايش» الذي
أقصده؛ هو التعايش القائم على إشاعةِ أسباب الوِفاقٍ، وإماتة أسباب الشقاق، وفي
طليعة ذلك؛ سنّ قانونٍ يجرّم سبَّ الصحابة ورموز أهل السنة، ويجرّم القول بتحريف
القرآن الكريم، ويحصر مسألةَ المتعة في يد الدولة وَفقَ قانون دقيقٍ خاصٍّ، وأئمّة
الشيعة جميعهم محترمون لدى أهل السنّة، بل يعدّونهم نظريّاً من أئمتهم أيضاً!
أمّا عن الحديثِ المشار
إليه (خذوا دينكم عن الحميراء) يعني عائشة؛ فهو من جملة الرواياتِ الباطلة التي
ربما كانوا يُلهّون بها العوامَّ، أو يحرّضونهم بها على قتل مخالفيهم!
وقد ورد هذا النصّ بلفظ
(خذوا شطر دينكم عن الحميراء) و(خذوا نصفَ دينكم عن الحميراء) و(خذوا ثلث دينكم من
بيت عائشة) أورده الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب (2828) من دون إسنادٍ.
وأورده ابن الأثير في
نهاية الغريب (1: 438) من دون إسناد أيضاً، وقال: المقصود عائشة.
قال الحافظ ابن كثير في
تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب (54):
«هو حديثٌ غريبٌ جدّاً، بل
هو منكر.
سألتُ عنه شيخنا الحافظَ
أبا الحجّاج المزيّ، فلم يعرفه، وقال:
لم أقف له على سند إلى
الآن.
وقال شيخنا أبو عبد الله
الذهبيّ: هو من الأحاديث الواهية التي لا يعرف لها إسناد».
وقال السخاوي في المقاصد
الحسنة (432): حَدِيث: (خُذُوا شَطْرَ دِينِكُمْ عَنِ الْحُمَيْرَاءِ) قال شيخنا الحافظ
ابن حجر في تخريج ابن الحاجب من إملائه: لا أعرف له إسناداً، ولا رأيته في شيء من
كتب الحديث، إلا في النهاية لابن الأثير ذكره في مادة (ح م ر) ولم يذكر من خَرّجه،
ورأيتُه أيضاً في كتاب الفردوس، لكن بغير لفظه، وذكره من حديث أنس بغير إسناد أيضا
ولفظه: خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء، وبيض له صاحب مسند الفردوس، فلم يخرّج له
إسناداً.
قال عداب: وأورده الفتّني
في تذكرة الموضوعات له (ص: 100) وملّا علي القاري في موضوعاته (185) وقال في أواخر
الكتاب (ص: 434): «كُلُّ حَدِيثٍ فِيهِ يَا حُمَيْرَاءُ، أَوْ ذِكْرِ
الْحُمَيْرَاءَ؛ فَهُوَ كَذِبٌ مُخْتَلَقٌ».
وقال في كتابه الآخر
المصنوع (ص: 98): لا أصل له.
وأورده القاوقجي في اللؤلؤ
المرصوع في الحديث الموضوع (ص: 226).
فالحديث كذبٌ موضوع، لا
يعرف له نقّادُ الحديث إسناداً.
ولا ريبَ في أنّ أمّنا
عائشة؛ هي أكثر صحابيّة نقلت لنا أحاديثَ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم،
إذ بلغت أحاديثها عند البخاريّ (849) حديثاً بالمكرّراتِ.
بينما بلغت أحاديثها عند
مسلم (630) حديثاً بالمكررات.
قال
الذهبي في النبلاء (3: 139): مُسْنَدُ عَائِشَةَ؛ يَبْلُغُ أَلْفَيْنِ
وَمائَتَيْنِ وَعَشْرَةِ أَحَادِيْثَ، اتَّفَقَ لَهَا البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
عَلَى: مائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَسَبْعِيْنَ حَدِيْثاً، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ
بِأَرْبَعَةٍ وَخَمْسِيْنَ، وَانْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّيْنَ حديثاً» فيكون مجموع
أحاديثها في الصحيحين (297) حديثاً.
والله تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد
لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق