التَصَوُّفُ العَليمُ (25):
شدُّ الرِحالِ إلى زيارة الرسول!؟
بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
من المعلومِ أن الشيخ ابن تيميّة الحنبليّ
الحرّاني؛ لا يحرّم زيارةَ الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، إنما يحرّم أن تكون
زيارةُ الرسول هي المقصدَ الأوّل للزائر!
أمّا من نوى زيارةَ المسجد النبويّ، ثمّ زار
الرسولَ تبعاً لذلك؛ فلا مانع من ذلك عنده!
وعندما كنت أعلّم في كليّةِ التربيةِ بالطائفِ، فرع
جامعة أمّ القرى؛ كنت أنادي على بعضِ طلابيّ بأعلى صوتي: يا فلان! أنا مسافرٌ إلى
زيارة الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم أوّلاً، ثمّ إلى زيارة المسجد النبويّ!
قال الإمام الذهبيّ رحمه الله تعالى في سير أعلام
النبلاء (4: 484) ما نصّه:
(مَنْ وَقَفَ عِنْدَ الحُجْرَةِ المُقَدَّسَةِ
ذَلِيْلاً، مُسَلِّماً، مُصَلِيّاً عَلَى نَبِيِّهِ، فَيَا طُوْبَى لَهُ، فَقَدْ
أَحْسَنَ الزِّيَارَةَ، وَأَجْمَلَ فِي التَّذَلُّلِ وَالحُبِّ، وَقَدْ أَتَى
بِعِبَادَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ فِي أَرْضِهِ، أَوْ فِي
صَلاَتِهِ، إِذِ الزَّائِرُ لَهُ أَجْرُ الزِّيَارَةِ، وَأَجْرُ الصَّلاَةِ
عَلَيْهِ، وَالمُصَلِّي عَلَيْهِ فِي سَائِرِ البِلاَدِ؛ لَهُ أَجْرُ الصَّلاَةِ
فَقَطْ!
فَمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَاحِدَةً؛ صَلَّى الله
عَلَيْهِ عَشْراً، وَلَكِنْ مَنْ زَارَهُ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ - وَأَسَاءَ
أَدَبَ الزِّيَارَةِ، أَوْ سَجَدَ لِلْقَبْرِ، أَوْ فَعَلَ مَا لاَ يُشْرَعُ؛
فَهَذَا فَعَلَ حَسَناً وَسَيِّئاً، فَيُعَلَّمُ بِرفْقٍ، وَاللهُ غَفُوْرٌ
رَحِيْمٌ.
فَوَاللهِ مَا يَحْصَلُ الانْزِعَاجُ لِمُسْلِمٍ،
وَالصِّيَاحُ، وَتَقْبِيْلُ الجُدْرَانِ، وَكَثْرَةُ البُكَاءِ، إِلاَّ وَهُوَ
مُحِبٌّ للهِ وَلِرَسُوْلِهِ، فَحُبُّهُ - صلّى الله عليه وآله وسلّم - المِعْيَارُ وَالفَارِقُ بَيْنَ أَهْلِ
الجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ، فَزِيَارَةُ قَبْرِهِ - صلّى الله عليه وآله وسلّم -
مِنْ أَفَضْلِ القُرَبِ!
وَشَدُّ الرِّحَالِ إِلَى قُبُوْرِ الأَنْبِيَاءِ
وَالأَوْلِيَاءِ، لَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُوْنٍ فِيْهِ، لِعُمُوْمِ
قَوْلِهِ - صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ -: (لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ، إِلاَّ إِلَى
ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ) فَشَدُّ الرِّحَالِ إِلَى نَبِيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مُسْتَلْزِمٌ لِشَدِّ الرَّحْلِ إِلَى مَسْجِدِهِ، وَذَلِكَ مَشْرُوْعٌ
بِلاَ نِزَاعٍ، إِذْ لاَ وُصُوْلَ إِلَى حُجْرَتِهِ، إِلاَّ بَعْدَ الدُّخُوْلِ
إِلَى مَسْجِدِهِ، فَلْيَبْدَأْ بِتَحِيَّةِ المَسْجِدِ، ثُمَّ بِتَحِيَّةِ
صَاحِبِ المَسْجِدِ - رَزَقَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ ذَلِكَ آمِين) انتهى.
انتبهوا - أيها القرّاء الكرام - إلى قول الإمام
الذهبيّ، الذي يحكي حال الصوفيّة المحبّين للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ولأهل
بيته وللصالحين: (فَوَاللهِ مَا يَحْصَلُ الانْزِعَاجُ لِمُسْلِمٍ، وَالصِّيَاحُ،
وَتَقْبِيْلُ الجُدْرَانِ، وَكَثْرَةُ البُكَاءِ، إِلاَّ وَهُوَ مُحِبٌّ للهِ
وَلِرَسُوْلِهِ.
فَحُبُّهُ، صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ المِعْيَارُ وَالفَارِقُ بَيْنَ أَهْلِ
الجَنَّةِ، وَأَهْلِ النَّارِ) انتهى.
والله تعالى أعلم
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق