مَسائِلُ عَقَدِيّةٌ (18):
جَميعُ الناسِ مُؤمِنونَ،
وجَميعُهم كافِرونَ !؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
استمعتُ إلى حوارٍ قديمٍ
على إحدى القنواتِ المصريّة، قال فيه أحدُ الشيوخ الأزهريين: كلّ إنسان غير مسلمٍ؛
فهو كافر!
فقدّم محاوره بلاغاً إلى
النائبِ العامِّ على الهواء مباشرةً، يتّهمه بازدراء الأديان، وإشاعة الفكر
الإرهابيّ!
أقول وبالله التوفيق:
علينا أن نشرح بإيجاز
كلمةَ «مؤمن» وكلمة «كافر» لنصل من وراء ذلك إلى مصاديق قول الله تعالى (هُوَ
الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(2) [التغابن].
قال الراغب في المفردات
(ص: 90): «أمن: أصل الأَمْن: طُمأنينةُ النفسِ، وزوالُ الخوف.
والأَمْنُ، والأَمَانَةُ،
والأَمَانُ في الأصل: مَصادر، ويُجعَلُ الأمانُ تارةً اسماً للحالةِ التي يكون
عليها الإنسانُ في الأمنِ، وتارةً اسماً لما يُؤمن عليه الإنسان.
وآمَنَ:
إنما يُقال على وجهين:
-
أحدهما: مُتعدٍّ بنفسه، يقال: آمنته، أي: جعلت له الأمن، ومنه قيل للهِ تعالى: المؤمن.
-
والثاني: غَيرُ مُتعدٍّ، ومعناه: صار ذا أمْنٍ.
والإِيمانُ:
يُستعمل تارةً اسماً للشريعةِ التي جاء بها محمّد عليه الصلاة والسلام، ويوصَف به
كلُّ مَن دَخل في شريعته، مقرّاً بالله تعالى، وبنبوته صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وتارةً
يُستعملُ على سبيل المَدْحِ، ويُراد به إذعانُ النَفسِ للحَقِّ على سبيل التصديق،
وذلك باجتماع ثلاثةِ أشياء:
تَحقّقٌ
بالقَلب، وإقرارٌ باللسانِ، وعَملٌ بحسب ذلك بالجوارح، وعلى هذا قوله تعالى: (وَالَّذِينَ
آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ؛ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ (19) [الحديد].
ويقال
لكلّ واحد مِن الاعتقادِ والقولِ الصادقِ والعمل الصالح: إيمانٌ.
قال
تعالى: (وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ (143) [البقرة].
أي:
ما كان الله ليحبط صلاتكم.
وجعل
الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم (الحياءَ وإماطة الأذى؛ من الإيمان) انتهى
باختصار.
أقول:
الإيمان في المصطلح الشرعيّ إذنْ: هو الاعتقاد بدين الإسلام عقيدةً وشريعةً
وأخلاقاً.
فمَن
لا يؤمن بدين الإسلام على هذا النحو؛ فهو مؤمنٌ بدينٍ آخرَ، كافرٌ بدين الإسلام، ليس
مؤمناً به.
وقال
الراغب في مفرداته (ص: 714):
الكُفْرُ
في اللّغة: سَترُ الشيءِ، ووُصِف الليلُ بِالْكَافِرِ لستره الأشخاصَ، وسمّي
الزَرّاع بالكافر لسَتره البذرَ في الأرض.
وكُفْرُ
النّعمة وكُفْرَانُهَا: سَترُها بتركِ أداءِ شُكرها، قال تعالى: فَلا كُفْرانَ
لِسَعْيِهِ [الأنبياء: 94].
وأَعظمُ
الكُفْرِ: جُحودَ الوَحدانيّةِ، أو النّبوّة، أو الشريعة.
والكُفْرَانُ
في جحود النّعمةِ؛ أكثرُ استعمالاً، والكُفْرُ في الدّين؛ أكثر، والكُفُورُ فيهما
جميعاً، قال الله تعالى: (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً) [الإسراء: 99]
وقال: (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) [الفرقان: 50] ويقال لكلٍّ منهما:
كَفَرَ؛ فهو كَافِرٌ.
قال
تعالى في الكفران: (لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ، وَمَنْ شَكَرَ
فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)
[النمل:40] وقال: (وَاشْكُرُوا لِي وَلا
تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152].
ولمّا
كان الكفران يقتضي جحود النّعمةِ؛ صار يستعمل في الجحود العقديّ، قال تعالى: (وَلا
تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) [البقرة:41] أي: جاحدٌ له وساتر.
والكَافِرُ
عندَ الإطلاقِ: مُتعارَفٌ فيمن يَجحَدُ الوَحدانيّةَ، أو النّبوّةَ، أو الشريعةَ،
أو ثلاثتَها، وقد يقال: كَفَرَ، لمن أخلّ بالشّريعةِ، وتَرَكَ ما لَزمَه مِن شُكر
الله عَليه.
قال
الله تعالى: (مَنْ كَفَرَ؛ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) [الروم: 44].
توضّح
ممّا سبق أنّ كلمة (مؤمن) وكلمة (كافر) مصطلحان شرعيّان إسلاميّان، يستعملان في
إطار دائرة الإسلام.
وكلّ
مؤمن؛ هو كافر في الوقت ذاته، قال الله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ
تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ، فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ، وَيُؤْمِنْ بِاللهِ؛
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) [البقرة].
وقال
تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي
الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5) [المائدة].
وتفصيله
في قول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ
وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ
قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136) [النساء].
فنحن
عندما نقول: كلّ إنسانٍ غير مسلمٍ؛ هو كافر، بمعنى أنّه لا يؤمن بالله الذي يؤمن
به المسلمون، أو لا يؤمن بالرسول محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، أو لا يؤمن
بالقرآن الكريم، أو لا يؤمن بالشريعة الإسلاميّة، أو لا يؤمن بهذه الأمور مجتمعةً.
هل
اليهوديّ يؤمن بنبوّة الرسول محمدّ وبالقرآن وبالسنّة النبويّة؟
هل
النصرانيّ يؤمن بنبوّة الرسول محمدّ وبالقرآن وبالسنّة النبويّة؟
هل
البوذيّ يؤمن بنبوّة الرسول محمدّ وبالقرآن وبالسنّة النبويّة؟
إذا
كان مصطلح الإيمان إسلاميّاً، يعني هذه الأمورَ، وهم لا يعتقدون بها؛ فلماذا
يغضبون من وصفهم بالكفر؟
هل
المسلم يؤمن بألوهيّة المسيح، وصلب المسيح، وجلوس المسيح عن يمين الربّ؟
هل
المسلم يؤمن بأنّ عزيراً ابن الله، أو يؤمن بهذه التوراةَ التي تنسب إلى الله
تعالى التجسيم، وتنسب إلى الأنبياء شرّ القبائح؟
كلّا
بل المسلم كافر بذلك قطعاً!
فإذا
قال اليهوديّ أو النصرانيّ أو البوذيّ للمسلم: أنت كافرٌ بما نعتقد نحن؛ فهذا
صحيح، والمسلم لا يغضب من ذلك!
ولا
أريد أن أسوق الآياتِ التي تكفّر غير المسلم، حتى لا يحظرني «الفيس بوك» وجميعكم
يعرفها.
بقي
أن أشير إلى أمرٍ مهمٍّ، يخشاه المواطنون غيرُ المسلمين في بلادنا العربية، هو
ارتباط القتل بالكفر في أذهانهم، وهو ارتباط خاطئ قطعاً، إذ لو كان المسلمون
يعتقدون بأنّ عليهم قتلَ كلّ غير المسلمين؛ لما كان في البلاد العربية ملايين
النصارى واليهود اليوم!
قال
الله تبارك وتعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ
وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) [البقرة].
وقال
عزّ شأنه: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا
اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
(194) [البقرة].
وقال
جلّ جلاله: (لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي
الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا
إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ
عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ
وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ
فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) [الممتحنة].
والله
المستعان.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد
لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق