فَضائِلُ الصَحابَةِ رضي الله عنهم:
من فضائل عمر بن الخطّاب رضي الله عنه.
بسمِ اللهِ الرَحمنِ الرَحيمِ
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ؛ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَأَعَدَّ
لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا،
ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) [التوبة].
(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ
أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ
وَرِضْوَانًا، وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ
(8).
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ
مِنْ قَبْلِهِمْ؛ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَجِدُونَ فِي
صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ - وَلَوْ
كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ - وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ؛ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ (9) [الحشر].
أمّا بعد: فلا تخفى مكانةُ عمرَ بن الخطّاب رضي
الله عنه، عند أهل السنة والإباضيّة على طالب علم، وقد وردت في فضله أحاديث كثيرة
جدّاً، بعضها في صحاح البخاري ومسلم وابن حبان، وبعضها في المسانيد، وبعضها في كتب
السنن، وبعضها في كتب العلل والموضوعات.
وثمّة كتابٌ جمع أصحَّ أربعين حديثاً في فضل عمر بن
الخطّاب، وسمه مؤلّفه الإمامُ الحافظ عبدالغني المقدسيّ (ت: 600 هـ) «من فضائل عمر
بن الخطّاب».
وقولي: أصحّ أربعين حديثاً؛ لا يعني أنها كلّها
صحيحة، إنما فيها الصحيح والضعيف والواهي.
وكتب الإمام يوسف بن حسن المعروف بابن عبدالهادي
الحنبلي (ت: 909 هـ) كتاباً في فضائل عمر، سمّاه «محض الصوابِ في فضائل أمير
المؤمنين عمر بن الخطّاب» نشرته عمادة البحث العلميّ في الجامعة الإسلامية، في
المدينة المنورة، عام (2000م) في ثلاثة مجلّدات، كان من الأنفع أن يرقّم لنا
أحاديثَ الكتاب.
قال محقّقه الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عبدالمحسن
في خاتمة كتابه (ص: 1010): «لم يكن المؤلّف قد التزم فيما يورده من الأحاديث
والآثار الصّحة، ولذا كان في الكتاب جملة وافرة من الأحاديث الضّعيفة، بل
والشّديدة الضّعف».
وثمّة كتابٌ جمع أصحَّ أربعين حديثاً في فضل عمر بن
الخطّاب، وسمه مؤلّفه الإمامُ عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطيّ (ت: 911 هـ) «الغرر
في فضائل عمر».
وفي
زماننا هذا؛ كُتبت ونشرت أبحاثٌ وأطروحاتٌ كثيرة جدّاً، تناولت جوانب من سيرة عمر
بن الخطّاب، من أهمّها في نظري، أطروحة الدكتور اه الموسومة «دراسةٌ نقديّة في
المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب، وسياسته الإداريّة» للدكتور عبدالسلام
بن محسن آل عيسى.
نشرتها عمادة البحث العلميّ بالجامعة الإسلامية، في المدينة المنورة، عام (2002م).
وقد جاءت هذه الأطروحة في مجلّدين، عدد صفحاتهما
(1414) صفحة.
وإليك أخي القارئ الكريم خمسةَ أحاديثَ غير صحيحة
في فضائل عمر:
(1) عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: «يا محمّد:
قد استبشر أهل السماء بإسلام عمر» وقد ورد نحوُه عن الحسن البصريّ والزهريّ وداود
بن الحصين، وجميعها ضعيفة، انظر محض الصواب (1: 168).
(2) وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (ما من نبي إلا وله وزيران من أهل السماء، ووزيران من أهل الأرض،
فأما وزيرايَ من أهل السماء فجبريل وميكائيل، وأما وزيرايَّ من أهل الأرض فأبو بكر
وعمر) وإسناده ضعيف جدّاً، ومثله سائر الأحاديث التي تشير أنّ أبا بكر وعمر وزيرا
رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
إذ الوزير الوحيد للرسول؛ هو الإمام عليّ عليه
السلام.
قال موسى عليه السلام: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا
مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ
فِي أَمْرِي (32) [سورة طه].
وقال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: (أَلَا
تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ
لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي) أخرجه البخاري ومسلم، وأخرج الترمذي في جامعه (3730) حديث
جابر بن عبدالله، ثم قال: «وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص، وزيدِ بن أرقم، وأبي
هريرة، وعائشة» رضي الله عنهم.
كان هارون وزيرَ موسى، وكان عليّ وزيرَ محمّد رسول
الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
(3) عن معروف بن خرّبوذَ المكيّ مولى عثمان رضي
الله عنه قال: «كانت السّفارة إلى عمر بن الخطاب في الجاهلية، إن وقعت حرب بين
قريش وغيرهم بعثوه سفيراً، أو نافرهم منافر، أو فاخرهم مفاخر، بعثوه منافراً ومفاخراً،
ورضوا به» معروف تابعيّ لم يدرك الجاهليّة، ولم ينسب هذا الكلامَ إلى أحدٍ أقدمَ
منه، وهو ذاته ضعيف، ضعّفه يحيى بن معين، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه.
(4) عن عقبة بن عامر الصحابي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ؛ لَكَانَ عُمَرَ
بْنَ الْخَطَّابِ) أخرجه الترمذيّ في جامعه (3686) وقَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ،
غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ».
قال عداب: مشرح بن هاعان المصريّ هذا؛ ترجمه ابن
حبان في الثقات (5: 452) وقال: يخطئ ويخالف!
وأعاد ترجمته في المجروحين (3: 28) وقال: «يروي عَن
عقبَة بن عَامر أَحَادِيث مَنَاكِير لَا يُتَابع عَلَيْهَا...وَالصَّوَاب فِي
أمره؛ تركُ مَا انْفَرد من الرِّوَايَات، وَالِاعْتِبَار بِمَا وَافق الثِّقَات»
وههنا قد انفرد.
(5) لقبُ الفاروق، وردت عدة رواياتٍ تالفةٍ أنّ
الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم لقّب عمر بالفاروق.
انظر دراسة نقدية في مرويات شخصية عمر (1: 79) وقد
ضعّفها كاتب الأطروحة جميعاً.
وقال في الموضع نفسه: «وقد اختلف فيمن لقّبه بهذا
اللقب، فقيل: إن الذي لقّبه بذلك؛ هم أهل الكتاب.
قال الزهري رحمه الله: «وكان المسلمون يَأثرون ذلك
من قولهم، ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر من ذلك شيئا».
وفي خاتمة أطروحته (2: 1145) قال: «لم يثبت أن
النبي صلى الله عليه وسلم لقب عمر رضي الله عنه بالفاروقِ، وهو رضي الله عنه جدير
بهذا اللقب».
ختاماً: إنّ من أفضل ما أكرم الله تعالى به عمر بن
الخطّاب؛ أنّ الصحابةَ في زمن خلافتِه لم يقتتلوا فيما بينهم، ولم يختلفوا
اختلافاً مفرّقاً، رضي الله عنه وأرضاه.
والله تعالى أعلم.
والحمدُ لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق