الجمعة، 21 نوفمبر 2025

  وَقَفاتٌ مَعَ الأدَبِ والشِعْرِ:

  بَيتٌ شعريّ مضطرب!

 بسم اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

(الْحَمْدُ اللهِ، وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى).

أمّا بعد: تواصل معي أحد أصدقاء صفحتي يقول: «بصفتك شاعراً، أرجو بيان الصواب في قراءة هذا البيت الشعريّ الذي قرأتُه في مصنّف ابن أبي شيبة:

لَا يَزَالُ جَوَادِي تَلُوحُ عِظَامُهُ

زَوَى الْحَرْبَ عَنْهُ أَنْ يُجَنَّ فَيُقْبَرَا

وشكراً لكم»

أقول وبالله التوفيق:

أوّلاً: أنا الفقير لستُ بشاعرٍ، إنما أقول الشعرَ، وأكتب النظمَ فحسب!

ثانياً: صَدْرُ هذا البيت من الشعر؛ مكسورُ الوزن، ولم أجدْه فيما تحتَ يديَّ من كتب الأدبِ ودواوينِ الشعرِ، إنما وَرَد كثيراً في كتب الحديثِ والروايات، بصيغ متعدّدة، أكثرها غيرُ واضح المعنى.

ثانياً: هو في مصنّف ابن أبي شيبة (7: 526) بلفظ:

لَا يَزَالُ جَوَادِي تَلُوحُ عِظَامُهُ

زَوَى الْحَرْبَ عَنْهُ أَنْ يُجَنَّ فَيُقْبَرَا.

وهو في مسند أحمد (33: 24) والمعجم الأوسط للطبراني (7: 133) بلفظ:

لَا يَزَالُ حَوَارِيٌّ تَلُوحُ عِظَامُهُ

زَوَى الْحَرْبَ عَنْهُ أَنْ يُجَنَّ فَيُقْبَرَا

وهو في مسند البزّار (9: 303، 310) وأحاديث الشعر (ص: 113) بلفظ:

تَرَكْتُ حَوَارِيًّا تَلُوحُ عِظَامُهُ

زَوَى الْحَرْبَ عَنْهُ أَنْ يُجَنَّ فَيُقْبَرَا

وهو مستقيمُ الوزن، كما ترى، وعند البزّار أنّ هذا البيتَ قيلَ في حمزةَ بن عبدالمطّلب رضي الله عنهما.

وهو في مسند أبي يعلى الموصليّ (13: 429) بلفظ:

يَزَالُ حَوَارٍ مَا تَزُولُ عِظَامُهُ

زَوَى الْحَرْبُ عَنْهُ أَنْ يُجَنَّ فَيُقْبَرَا

وهو مستقيمُ الوزن، كما ترى!

وهو في المعجم الكبير للطبرانيّ (11: 38) بلفظ:

ولَا يَزَالُ حَوَارِيٌّ تَلُوحُ عِظَامُهُ

زَوَى الْحَرْبُ عَنْهُ أَنْ يُجَنَّ فَيُقْبَرَا

وهو في إتحاف الخيرةِ المهرة للبوصيريّ (6: 278) بلفظ:

لايزال جواري لاتلوح عظامه

ذوى الحرب عنه أن يخر فيقبرا

وفي المطالب العالية لابن حجر (11: 538) بلفظ:

لَا يَزَالُ جَوَارِيَّ لَا يَلُوحُ عِظَامُهُ

زَوَى الْحَرْبُ عَنْهُ أَنْ يُجَنَّ فَيَقبُرَا

ورُويَ على غيرِ هذا النَظْمِ، وفي هذا كفاية.

وسبب ورود هذا الحديثِ؛ أنّ الصحابيين القُرَشيين اللذين نُسبَ إليهما هذا الكلامَ؛ تمثّلاً به عندما كانا يشربان الخمرةَ قبل تحريمها، تشفّيا في قتل أسدِ الله الحمزة رضي الله عنه وأرضاه.

وصواب هذا البيت الشعريّ وزناً ومعنى، من وجهةِ نظري.

تَرَكْتُ حَوَارِيًّا تَلُوحُ عِظَامُهُ

زَوَى الْحَرْبَ عَنْهُ أَنْ يَخِرَّ، فَيُقْبَرَا

أوْ: زَوَى الْحَرْبَ عَنْهُ أَنْ يُحَزَّ، فَيُقْبَرَا

إذْ معنى الحواريِّ: النصير والمؤازر، وهكذا كان حمزة!

ومعنى أنْ يخرّ: أن يتهاوى صريعاً بعدَ أنْ طُعن!

ومعنى أنْ يُحزَّ: أن يُفلقَ جسمه أو عنقه بالسيف.

أمّا بقيّةُ ألوان الرسمِ الذي شاهدناه؛ فهي أخطاء من نُسّاخِ المخطوطاتِ، أو من المحققين، الذين لا يعرفون نظم الشعر ولا أوزانَ بحوره.

والله تعالى أعلم.

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق