السبت، 22 نوفمبر 2025

  فَضائِلُ الصَحابَةِ رضي الله عنهم:

 بسمِ اللهِ الرَحمنِ الرَحيمِ

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ؛ رَضِيَ اللهُ  عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) [التوبة].

(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا، وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8).

وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ؛ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ - وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ - وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ؛ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) [الحشر].

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ  عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) [الفتح].

(لَقَدْ تَابَ اللهُ  عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ، مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ؛ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) [التوبة].

(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ، إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ، حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ، وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ، مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا، وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ.

ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللهُ  ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152).

إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ، وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ، فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ؛ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ، وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) [آل عمران].

(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ  فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ، فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا، وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ  سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا، وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) [التوبة].

(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: مَا وَعَدَنَا اللهُ  وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) [الأحزاب].

(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ، وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ، لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ، سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101).

وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ، خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، عَسَى اللهُ  أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ؛ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) [التوبة].

أمّا بعد: هذه هي أحوال الصحابةِ في عصر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم:

فيهم الذين سبقت لهم من الله تعالى الحُسنى.

وفيهم الذين رضي الله تعالى عنهم ورضوا عنه.

وفيهم الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، والمرجوّ من الله تعالى أن يعفو عنهم.

وفيهم قوم يريدون الله والدار الآخرة.

وفيهم قوم يريدون الدنيا.

وفيهم الذين هربوا في بعضِ المعارك أمام المشركين.

وفيهم المنافقون الذين يشككون بأقوال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وفيهم قومٌ مَرَدوا على النفاق.

وفيهم أناسٌ ارتّدوا في حياةِ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وفيهم أناسٌ ارتدّوا بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وفيهم قلّة من العلماء، لا يتجاوز عددهم ثلاثين صحابيّاً، وفق أكثر الإحصائيات تسامحاً.

والكثرة الكاثرةُ منهم من العوامّ، الذين يتكلّم بأسمائهم أمراء عشائرهم، وهؤلاء لا نعلم شيئاً عن كيفيّة إسلامِ أكثرهم، إلّا بورود أسمائهم في كتب الروايات.

فتصوير الصحابةِ بأنهم ذروة الدين والتقوى والإخلاص والعلم والمعرفة؛ غير صحيح أبداً، وتصويرهم بأنهم قومٌ لا عهدَ لهم ولا وفاءَ ولا إخلاصَ؛ جريمةٌ فكريّة، وحَيدةٌ فظيعةٌ عن ميزان العدلِ والتقوى!

إنما هم مجتمع إنسانيّ، الأصل فيه:

(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6).

[التين].

(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) [يوسف].

(وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ؛ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ، إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) [الأنعام].

قال الإمام أبو عمر ابن عبدالبَرِّ في مقدمة كتابه الاستيعاب (1: 2):

«قَالَ الله تعالى ذِكرُه: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ  وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ  وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) [الفتح].

فهذه صفةُ مَن بادر إلى تصديقهِ - صلّى الله عليه وآله وسلّم - والإيمانِ به، وآزره ونصره، ولصق به وصحبه، وليس كذلك جميعُ مَن رآه، ولا جَميع مَن آمن به.

وسترى منازلهم من الدينِ والإيمانِ، وفضائلَ ذوي الفضل والتقدم منهم».

وقد امتلأت كتبُ الروايةِ عند أهل السنة والشيعة الإمامية خاصّةً بروايات الفضائل والمناقب الباطلة، حتى بلغت الألوف، ساهمت في تعصّب كلّ فريقٍ من المسلمين المتباغضين لقادتهم وكبارهم، ضدّ قادة خصومهم ورموزهم، وخاصّة الأربعة الخلفاءَ «أبا بكر وعمر وعثمان وعليّ، رضي الله تعالى عنهم».

ومن ينظر في روايات الفضائل لدى الفرقاءِ؛ يتبادر إلى ذهنه أنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، لم يكن لديه شُغلٌ، سوى تعداد مناقب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي!

قَالَ أبو عمر ابنُ عبدالبَرِّ: «فضل رسول الله صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ جماعة من أصحابه بفضائلَ، خص كل واحد منهم بفضيلةٍ وسَمَه بها، وذكَرَه فيها، ولم يأت عنه عليه السلام أنه فضل منهم واحدًا على صاحبِه بعينِه، من وَجهٍ يَصحُّ، ولكنه ذكر من فضائلهم ما يُستدل به على مواضعهم ومنازلهم من الفضل والدين والعلم، وكان صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أحلمَ وأكرم معاشرةً، وأعلم بمحاسن الأخلاقِ؛ من أن يواجهَ فاضلاً منهم بأن غيره أفضلُ منه، فيجد من ذلك في نفسه.

بل فضّل السابقين منهم وأهلَ الاختصاص به؛ على من لم ينل منازلهم فقال لهم: (لو أنفق أحدُكم مثل أحد ذَهَبًا؛ مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ) أخرجه البخاريّ (3673) ومسلم (2541).

وهذا من معنى قول الله تعالى: (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ، أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ الله الْحُسْنى (95) [النساء]

ومحالٌ أن يستويَ من قاتلَ رسولَ الله صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، مع من قاتل عنه».

وهدفي من سردِ أشهرِ وأبرز الأحاديثِ التي يتمسّك بها كلّ فريق، ويبني عليها ولاءه وبراءه، وهي غير صحيحة أصلاً؛ أن يتبيّن للقارئ الكريم؛ أنّ تعصّبه للأشخاص - مهما كانت منزلتهم - باطلٌ، إذ القدوة والأسوة هو الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وجميعُ أمّته من بعده خطّاؤون!

ومن الضروريّ أن يتنبّه عوامُّ المسلمين إلى أنّ الحبَّ والبغضَ، والخصومة والانحياز؛ طبائع بشريّة، لا ينفك عنها حتى الأنبياء!

ولولا أنها كذلك؛ ما اقتتل الصحابة فيما بينهم، ولما لعن فريق منهم الفريقَ الآخر.

وإذا أردنا العدلَ والإنصافَ؛ فنحن نتابع أخطاءَهم، ونكرّس عداواتهم، حتى صارت حروب المسلمين فيما بينهم؛ أكثرَ وأعظمَ شرّاً من حروبهم مع الكافرين الأصليين!

لا بل ذهبنا - في هذا العصر - أبعدَ من ذلك؛ فنحن نحاربُ المسلمين المتطرّفين المخطئين، جنباً إلى جنبٍ مع أعداء الإسلام والمسلمين!

ونسعى جاهدين لننالَ رضاهم، ونستجدي عفوهم ورحمتهم!

إنّ الشيعة الإماميّة اليومَ؛ ليسوا شرذمةً ضعيفة منبوذةً في هذا العالم!

إنما هم مئاتُ الملايين من المسلمين الموحّدين، الذين أضلّتهم رواياتٌ باطلةٌ، أوغرت صدورهم تجاه صحابة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم، وتجاه مُعظِّمي الصحابة من بعدهم!

وإذا لم يقم علماؤهم وشيوخهم بنقد تراثهم الروائيّ الواهي، لأسباب سياسيّة وعنصريّة؛ فيتوجّب علينا نحن أن ننقدها مرّتين:

المرّة الأولى: نوجّه إليها النقدَ وَفقَ معاييرهم النقدية التي سطروها في كتب الدرايةِ، وفي مكتبتي منها أكثر من عشرين مجلّداً.

والمرة الثانية: وفق المتّفق عليه من منهج المحدّثين.

وعلى قادةِ أهل السنّة الملتزمين بدينهم؛ أن يعدّوا هذا العمل الشاقّ الطويلَ؛ باباً من أبواب الدعوةِ إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة!

والله تعالى أعلم

والحمد لله على كل حال.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق