المُشْكِلَةُ الشيعيّة:
ما
رأيك بصحيح الكافي !؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا:
افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
سألني
أحدُ الإخوةِ أصدقاء صفحتي - وأظنّه من الشيعة الإمامية - قال: هل اطّلعتَ على
كتاب «صحيح
الكافي» للشيخ محمد الباقر البَهدوديّ، وما رأيُك بنقدِه، وهل نقدُه أفضلُ، أو
نقدُ المجلسيّ أفضل، وهل يسع الواحدَ منّا أن يتابعَه في أحكامه النقديّةِ هذه، وأن
يفرّعَ على مضمون تلك الروايات عقائدَ وأحكاماً؟
أقول
وبالله التوفيق:
مضى
زمانٌ طويلٌ، لم أنشر شيئاً يتعلّق بفكر الطائفة الإماميّة أو ثقافتها بوجه عام،
مع ورود أسئلةٍ عديدةٍ إليّ في هذا الاتّجاه.
وقد
وجدتُ لديَّ بعضَ القوّةِ، وتراجع الآلام المبرحة؛ فأجبت على هذا السؤال، على
النحو الآتي:
أوّلاً:
معرفتي بالشيخ محمد الباقر البهبوديّ، رحمه الله تعالى؛ قليلةٌ جدّاً، إذ للرجل
كتب كثيرةٌ، لم أطّلعْ أنا الفقير منها، إلّا على كتابين:
الأوّل:
معرفة الحديثِ وتاريخُ نشره وتدوينه وثقافته عند الشيعة الإماميّة، ويقع الكتاب في
(380) صفحة طباعيّة، سوى فهارس الكتاب (381 - 400) صدر عن دار الهادي، عام (2006م)
تناول فيه مباحث مهمّة:
-
منها ترجمة (150) راوياً من الضعفاء والمتروكين.
-
ومنها تعريفه بعشرةِ كتبٍ من المختلفِ بين نُسخها ونسبتها ونحو ذلك.
-
ومنها خمسةَ عشر كتاباً وجُزءاً من الكتبِ المنسوبةِ كّذباً إلى الثقات.
والثاني:
«صحيح الكافي» من سلسلة صحاحِ الأحاديث عند الشيعة الإمامية.
وهو
كتابٌ اجتهد مؤلّفه بأنّ الأحاديث التي أودعها فيه؛ هي صحيحةٌ، وفق المنهج الذي
اختاره للحكم على الحديث.
ثانياً:
صدرت طبعة الكتاب الأولى، عام (1981) عن الدار الإسلامية للنشر والتوزيع في بيروت،
في ثلاثة مجلّداتٍ، احتوت على (4428) حديثاً.
اختارها
المؤلّف من كتاب «الكافي» لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني (ت: 328 هـ) وقد زادت
أحاديث الكافي على (16000) حديث!
وهذا
يعني أنّ نسبة الصحيح في هذا الكتابِ، من وجهة نظر الشيخ البهبودي؛ لا تتجاوز
(27%) من جملة أحاديث الكتاب.
ثالثاً:
من وراءِ المقارنةِ الجزئيّة بين أحكامِ العلّامة المجلسيّ، وأحكام الشيخ
البهبودي؛ تبيّن لي أنّ الشيخ البهبوديّ وافقَ المجلسيَّ في أكثرِ أحكامِه على
الأحاديثِ، وخالفه في بعضها.
وهذا
يعني أنّه مستقلٌّ في نقدِه، وليس مقلّداً للمجلسيّ.
وتوضيح
ذلك ببعضِ الأمثلة؛ أدعى إلى الطمأنينة!
كأنّنا
جئنا إلى باب «البَداء» في مرآة العقولِ شرح الكافي للمجلسي (2: 41 - 65) وهو في صحيح
الكافي للبهبوديّ (1: 17).
أورد
الكليني في باب البداء هذا (17) حديثاً، حكم المجلسي على ثلاثة أحاديث (1، 10، 12)
بالصحيح، وعلى أربعة أحاديث (3، 4، 5، 16) بالحسن، وحكم على عشرة أحاديث بالجهالة
أو الضعف!
بينما
أورد البهبوديُّ في باب البداء هذا ثمانية أحاديثَ (1، 2، 3، 4، 7، 8، 9، 10) حكم
عليها بالصحة!
وقد
توافق البهبوديُّ والمجلسيّ في حكمهما على أربعة أحاديثَ (1، 3، 4، 10) فيكون
البهبوديّ حكم على تسعة أحاديثَ بالضعف!
ونظراً
لمخالفةِ البهبوديّ للمجلسيّ كثيراً، كما ترى؛ فقد ردّ عليه غير واحدٍ من علماء
الشيعة، من الأخباريين والأصوليين على حدٍّ سواء!
وأنا
أدعو القرّاء الكرامَ إلى قراءة شرحِ المجلسيّ لباب «البداء» حتى يطّلع على حقيقة
مذهب الإماميّة في هذه المسألة الشائكة!
رابعاً:
لا أستطيع أن أفضّل أحكام المجلسيّ على أحكام البهبوديّ، ولا أحكام البهبوديّ على
أحكام المجلسيّ، حتى أخرّج الروايات التي صحّحها كلّ واحدٍ منهما، وعسى أن يكون في
منشورٍ تالٍ.
خامساً:
من الطبيعيّ أنني لا أعتمد تصحيح المجلسيّ، ولا تصحيح البهبوديّ، لأسباب عديدة:
(أ)
ليس في باب البداء حديثٌ واحدٌ عن أهل الكساء (الرسول - علي - فاطمة - الحسن -
الحسين) عليهم الصلاة والسلام، إنما هي رواياتٌ مَقطوعةٌ على الإمامين الباقر
والصادق عليهما السلام، وأنا لا أرى صحّةَ مقولةِ (حديثي حديث أبي، وحديث أبي
حديثُ جدّي).
إنّما
إذا صحّت الروايةُ عن الباقر أو الصادق، أقول: قال الباقر عليه السلام، ولا أعدّ
الحديث مسنداً إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، إنما هو قوله وفقهه!
(ب)
الإمامية يقولون: إنّ الأئمة المعصومين المتأخرين؛ لم يتلقّوا العلمَ إلّا عن الأئمة
المعصومين المتقدّمين، وهذا مسوّغ اعتبار كلام الباقر، هو ذاتُه كلامَ الرسول!
وهذا
غير صحيح أبداً.
ففي
ترجمة الإمام محمد بن علي بن الحسين الباقر (ت: 118 هـ) في تهذيب الكمال (26: 137)
أورد له المزيُّ ثلاثةً وعشرين شيخاً، منهم خمسةٌ من آل البيتِ، وثمانية عشر شيخاً
ليسوا من أهل البيت، منهم:
-
إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص.
-
حرملةُ مولى أسامة بن زيد.
-
سعيد بن المسيب.
-
عبيدالله بن أبي رافع.
وهذا
يعني أنّ أئمّة أهل البيت تلقَّوا بعضَ علومهم عن أناسٍ غير معصومين، فكيف أعدّ
كلّ ما نُقل عنهم تشريعاً؟
(ج)
مسألة العصمةِ لم تثبت لأحدٍ من علماءِ آل البيت، ولا ادّعاها واحدٌ منهم، إنّما هي
خصّيصاً للرسل والأنبياء، وأدلّة الإماميّة في هذه المسألةِ؛ عموماتٌ واحتمالاتٌ،
لا تصلح لأن تكون دليلاً ملزماً لأحد!
وإذْ
كان قولِ علماءِ آل البيتِ؛ هو اجتهاداتِهم في فهم هذا الدين الحنيف؛ فأنا لا
أستطيع أن ألزم المسلمين به، مثلما لا أستطيع نسبتَه إلى الرسول صلّى الله عليه
وآله وسلّم.
فلو
صحّ عندي - وليس عند المجلسيّ أو البهبوديّ - قولُ الصادق عليه السلام: (ما عُظّم
اللهُ بمثل البَداءِ) لقلتُ: هذا اجتهادُه وفهمه، وعليّ البحثُ عن موافقته أو
مخالفته!
خلاصة
الكلام: صحيح الكافي للشيخ محمد باقر البهبوديّ، رحمه الله تعالى؛ جهد فرديّ قابلٌ
للصواب والخطأ.
ومن
يرى فيه الاجتهادَ في النقدِ الحديثيِّ، من عامّة الإماميّة ومثقفيهم؛ فله
متابعتُه في أحكامه، من غير أن يكون هذا حجّةً على مخالف!
والله
تعالى أعلم.
والحمد
لله على كلّ حال.