مَسائِلُ مِن الفِقْهِ والأُصولِ (6):
بِطاقةُ الائتمان!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ،
وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).
كتبت تقول: «أنا راتبي التقاعدي يكفيني ويكفي أولادي للعيش
في إحدى الدول الإسلامية أو العربية، بل ويمكنني التوفير والادّخار منه عندئذٍ!
ولكنني وأولادي نعيش في أمريكا وليس لأولادي عملٌ، وراتبي
لا يكفينا للعيش فيها، مما يضطر أبنائي لأن يشتروا بالبطاقات الائتمانية، حيث يأخذ
البنك منهم فوائدَ ربويّة، باستخدام هذه البطاقات.
وأنا أمّهم، فماذا أفعل، أفتوني مأجورين، بارك الله بكم».
أقول وبالله التوفيق:
كنت أودّ أن يكون جوابي كلمتين وجيزتين: «أنا لست محيطاً
بقوانين شركات الائتمان، فاسألي من هو أعلم مني بذلك، من علماء البلد الذي تقيمين
فيه».
بيد أني آثرت أن أجيبَ؛ لأنّ السؤالَ ذو فروعٍ متعدّدة،
ولأنني لست مقلّداً لأيّ مجلس إفتاء علميّ، ولا أؤمن بالترقيع الفقهيّ السائد في
تلك المجامعِ بتاتاً!
أوّلاً: الأصلُ الفقهي لدى فقهاء الإسلام عامّةً؛ أنّ هجرةَ
المسلمِ بغرض الإقامة في ديار غير المسلمين، من دون ضرورةٍ؛ لا تجوز شرعاً، لأنّ
المقيمَ عندهم مضطر للتعامل بقوانينهم، التي لا تراعي فقه الإسلام في منطلقاتها
الحياتيّة بتاتاً.
فإذا كان يمكنُ للإنسان المسلم أن يقيم في بلاد المسلمين
آمناً غير مضطهدٍ، مع تأمين كفايتِه المعيشيّة والعلمية والصحيّة؛ فلا يجوز له
الهجرةُ للإقامةِ في بلاد غير المسلمين، إذ ليست الرفاهية مطلباً شرعيّاً في
الإسلام.
فعلى هذه المرأة وأولادها – إذا كانت تستطيع
العيشَ في أيّ بلدٍ عربيّ أو إسلاميّ، من دون اضطهادٍ – أن تهاجر إلى بلد
مسلم؛ لأنّ إقامتها في تلك البلاد من دون اضطرارٍ؛ حرام أصلاً.
ثانياً: بطاقات الائتمان – على اختلاف
قوانين شركاتها – جميعها ربويّة!
وأنا شخصيّاً لا أجوّز التعامل الربويّ في بلاد المسلمين، أو
في بلاد غير المسلمين، وقد كتبت ثلاثَ مقالاتٍ طويلةً عام (1978) في مجلّة البلاغ
الكويتية، ردّاً على الذين يجوّزون التعامل الربويّ في بلاد غير المسلمين، من
أمثال الشيخ القرضاوي، والشيخ عبدالفتّاح أبو غُدّة، والسادةِ الحنفيّةِ عموماً.
وأظهرتُ يومها بأن ليس لهم أدنى دليلٍ شرعيّ، يصلح مخصصاً
لآيات تحريم الربا وأحاديثه.
وأن هذا القولَ باطلٌ، جملةً وتفصيلاً.
ختاماً: أنتِ أيتها الأختُ السائلةُ؛ لست مضطرةً إلى العيش
في أمريكا، ولو عشتِ في بلادِ الإسلام؛ لكفاك مرتّبك للعيش الكريم لك ولأولادك،
فما الذي يسوّغ لك العيش في بلادٍ غريبة غربةً تامةً عن دين الإسلام وأخلاق
الإسلام وأمان الإسلام وروحانية الهواء في ديار المسلمين؟
لا شيءَ البتّةَ، سوى قلّة تمسّك أولادك – فيما يبدو – بدينهم، والرغبة
في الحياة على النمط الغربيّ الفاسد.
والله
تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه
وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق