(مسائل حديثيّة (13
أجرؤكم على الفُتيا !؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
أرسل إليّ أحد الإخوة الأفاضل رابطاً لأنضمّ إلى
إحدى المجموعات السنيّة!
وفي واحدٍ من شروط الانضمام؛ أن لا تفتي، وأن
تقبل بفتاوى الشيوخ الذين نصّبوهم، أو نصّبوا أنفسهَم مُفتين!
واستدلّوا على حرمةِ التسرّع بالفتوى، بحديثٍ،
نسبوه كذباً إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (أجرؤكم على الفتيا؛ أجرؤكم
على النار)!
أقول وبالله التوفيق:
المتفقّه المذهبيّ؛ لا يُدعَى فقيهاً، ولو حفظ
الهدايةَ وسبعةً من شروحها، ولا يجوز في الأصل أن يكون مفتياً؛ لأنّه لا يعلم من
الفقه غالباً، إلا بعضَ مذهبه، وبالتالي فهو لا يَدري ما إذا كان الحقّ في مذهبه،
أم في مذهب غيره.
أمّا الحديث إيّاه؛ فقد أخرجه الإمام الدارميّ في مقدمة سننه (157) قال: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيا؛ أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ).
ولم ينسبه ابن حجر في إتحاف المهرة (19: 219) إلي
غير الدارمي!
ونسبه ابن بطّة الحنبليّ في كتابه إبطال الحِيَلِ
(ص: 62) إلى عمر، فقال: « رُوِيَ
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «أَجْرَؤُكُمْ
عَلَى الْفُتْيَا أَجْرَؤُكُمْ
عَلَى النَّارِ» وهذه أطمّ من تلك!
المقصود: لا يوجد هذا الحديثُ في أيٍّ من كتب
الحديث المعروفة، في غير مقدمة سنن الدّارميّ، وقد عزاه عددٌ من شرّاح الحديث،
فقال: أخرجه الدارميّ مرسلاً!
والمرسلُ في اصطلاح أهل الحديث: هو الحديث الذي
سقط من إسناده الصحابيّ!
أمّا هذا الحديث؛ فهو معضل، إذ إنّ عبيدالله بن
أبي جعفر الأمويّ (ت: 132- 136 هـ) في
مصر.
لم يرو عن أحدٍ من الصحابةِ، رضي الله عنهم، ولم
يذكر المزيّ في تهذيبه (19: 18) له أيّ روايةٍ عن واحدٍ من صغار الصحابة، فبينه
وبين الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم رجلان، فالحديث ضعيف بالانقطاع «الإعضال».
وأنت أيها المفتي الفقيه «على أساس!» حين تنسب
هذا الخبر المعضل إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وتحتجّ به؛ فأنت جاهل
بالحديث، ولست بفقيه ولا نيلة على دماغك، بل أنت تكذب على رسول الله صلّى الله
عليه وآله وسلم جهلاً، وستنسب إليه صلّى الله عليه وآله وسلم أدلّة مذهبك الصحيحة
والضعيفة، لأنّ فقهاءك السابقين جهّال في الحديث مثلك!
فمَن أذن لك بالفتوى من شيوخك، من دون شكٍّ؛ هو في
مثل جهالتك في الحديث، أو أجهل
منك!
والله تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله،
وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق