الاثنين، 18 يوليو 2022

       مَسائلُ حَديثيّةٌ (44):

التوسّل بقبر الرسول !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

كتب إليّ يسألُ عن حديثِ عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها، في استسقاء المسلمين على عهدها بقر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؟

أقول وبالله التوفيق:

بإسنادي إلى الإمام الدارميّ في سننه، باب ما أكرم الله تعالى به نبيّه بعد موته (92) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ «محمد بن الفضل السدوسيّ»: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ «الجهضميُّ أخو حمّاد»: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ النُّكْرِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْجَوْزَاءِ أَوْسُ بْنُ عَبْدِاللهِ «الرَبعيّ» قَالَ: قُحِطَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَحْطًا شَدِيدًا، فَشَكَوْا إِلَى عَائِشَةَ؟

فَقَالَتْ: (انْظُرُوا قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاجْعَلُوا مِنْهُ كُوىً إِلَى السَّمَاءِ، حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ سَقْفٌ).

قَالَ أبو الجوزاء: فَفَعَلُوا، فَمُطِرْنَا مَطَراً، حَتَّى نَبَتَ الْعُشْبُ، وَسَمِنَتْ الْإِبِلُ، حَتَّى تَفَتَّقَتْ مِنْ الشَّحْمِ، فَسُمِّيَ عَامَ الْفَتْقِ» الكُوى: جمع مفرده كُوّة، وهي النافذة الصغيرة

ولم يخرّجه أحدٌ غير الإمام الدارميّ، في حدود علمي، وكلّ من استشهد بالحديث، أو احتجّ به؛ أحال على سنن الدارميّ، وممّا يرجّح هذا؛ أنّ ابن حجرٍ في إتحاف المهرة (16: 1054) لم يعزُه إلى غير الدارميّ.

وفي إسنادِ الحديثِ إشكالاتٌ عديدة، أبرزها ضعفُ عمرِو بنِ مالكٍ النكريّ البصريّ، ترجمه ابن عديّ في الكامل (6: 258) وقال: «منكر الْحَدِيث عَن الثقات، وَيَسْرِقُ الحديث، سمعت أبا يَعْلَى يَقُولُ: عَمْرو بْن مالك النكري كَانَ ضعيفاً» وختم ترجمته بقوله: «وَلِعَمْرٍو غَيْرُ مَا ذَكَرْتُ أَحَادِيثُ مَنَاكِيرٌ، بَعْضُهَا سَرَقَهَا مِنْ قَوْمٍ ثقات» وقال ابن حجرٍ: صدوق له أوهام.

قال الفقير عداب: تفرّد الصدوق بأصلٍ يجعل حديثَه منكراً، كما ذكرت ذلك غيرَ مرّة، وحديثُ صاحب الأوهام يكون أشدّ نكارةً.

وقد حاول أحد المعاصرين تقويةَ الحديثِ بما لا طائلَ تحته، فلا نطوّل بذلك.

أمّا عن نكارة متن الحديث، ففي (اجعلوا منه كُوىً إلى السماء) وقبر الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم في بيت عائشةَ، وهو مسقوفٌ من دون شكٍّ، فهل تأمرهم أن يجعلوا نوافذَ صغيرةً في سقف بيتها؟

وكلامي هذا؛ لا يعني عدمَ جواز التوسّل بالرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، إنّما يعني أنّ هذا الحديثَ ضعيف.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق