الخميس، 28 يوليو 2022

      مِنْ عِبَرِ التاريخِ (14):

الحُسينُ بن عليٍّ عليهما السلام

وفتوى ابن العِمادِ الحنبليّ!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

النصبُ في الحنابلةِ؛ ظاهرٌ - كما يقول أبو الفرج بن الجوزيّ - هذا صحيح!

بيد أنّ في الحنابلة علماءَ أفاضلَ قديماً وحديثاً، يحبّون الرسولَ صلّى االله عليه وآله وسلّم وأهلَ بيته، منهم أبو الفلاح عبدُ الحيّ بن أحمد العُكبريّ، المعروف بابن العماد الحنبليّ (ت: 1089 هـ) رحمه الله تعالى.

ترجم للإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام، في كتابه الشهير «شذرات الذهب» (1: 273 - 280) ترجمةً ضافيةً، صافيةً، نبيلةً، فقال:

(سَنَةُ إحدى وسِتّينَ:

استشهد فيها، في يوم عاشوراء أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالب، سبطُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وريحانتُه بكربلاءَ، عن ستٍّ وخمسين سنة.

ومِن أسباب ذلك؛ أنّ الحسينَ كان قد أبى من البيعة ليزيد، حين بايع له أبوه النّاس، رابعَ أربعةٍ: عبدُالله بن عُمَر، وعبد الله بن الزّبير، وعبد الرّحمن بن أبي بكر.

فلمّا مات معاويةُ؛ جاءت كتبُ أهل العراق إلى الحسينِ، يسألونه القدوم عليهم!

فسار بجميع أهله، حتى بلغ كربلاءَ، موضعاً بقرب الكوفة.

فعَرَض له عُبيدالله بنُ زياد، فقتلوه، وقتلوا معه ولديه عليّا الأكبر، وعبد الله، وإخوتَه محمّداً وجعفراً، وعتيقاً، والعبّاسَ الأكبر، وابن أخيه قاسم بن الحسن، وأولاد عمّه محمّداً، وعوناً، ابنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ومسلمَ بن عقيل بن أبي طالب، وابنيه عبد الله، وعبد الرّحمن.

ومختصر ذلك أن يزيدَ لمّا بويع له بعد موت أبيه، وكان أبوه بايع له الناس، فأرسل يَزيدُ إلى عامله بالمدينة الوليدِ بن عتبةَ، يأخذ له البيعة، فأرسل إلى الحسين، وعبد الله ابن الزّبير، فأتياه ليلاً، وقالا له: مُثلنا لا يُبايِع سرّاً، بل على رؤوس الأشهاد.

ثم رجعا، وخرجا من ليلتهما، في بقيةٍ مِن رجب، فقدم الحسين مكّة، وأقام بها، وخرجَ منها يومَ الترويةِ إلى الكوفة.

فبعث عبيدُالله بنُ زيادٍ لحربِه عُمرَ بنَ سعدِ بن أبي وقّاص.

وقيل: أرسل عبدَالله بنَ الحارثِ التميميّ، أنْ جَعْجِعْ بالحسين، أي: احْبِسْه.

والجعجاع: المكان الضيّق.

ثم أمر عُمَرَ بنَ سَعدٍ في أربعة آلاف، ثم صار عبيدُالله بن زياد، يَزيدُ في العسكر، إلى أن بلغوا اثنين وعشرين ألفاً، وأميرُهم عُمر بن سعد ابن أبي وقّاص.

واتّفقوا على قتله يومَ عاشوراءَ، قيل: يومَ الجمعة، وقيل: السبتَ، وقيل: الأحدَ.

بمَوضعٍ يُقال له: الطَفُّ، وقتل معه اثنان وثمانون رجلاً، فيهم عبداللهِ بنُ الحارثِ بن يزيد التّميميّ، لأنه تاب آخراً، حين رأى مَنْعَهم للحسينِ مِن الماء، وتضييقَهم عليه.

قيل: ووُجد بالحسينِ رضي الله عنه ثلاثٌ وثلاثون طعنة، وأربعٌ وثلاثون ضربة، وقتل معه من الفاطميين سبعةَ عَشرَ رجلاً.

وقال الحسن البصريّ: أُصيب مَع الحسينِ سِتّة عشرَ رَجلاً مِن أهل بيته، ما على وجه الأرض يومئذ لهم شَبيهٌ، وجاءَ بعضُ الفَجَرةِ برأسه إلى ابن زيادٍ، وهو يقول:

(أَوقِرْ رِكابي فضّةً وذَهبا ... إني قتلتُ الملكَ المُحجّبا

قَتلت خيرَ النّاسِ أمّاً وأباً ... وخيرَهم، إذ يُنسبون نسباً)

فغضِب لذلك، وقال: إذْ علمت أنه كذلك؛ فلِمَ قَتَلتَه؟ والله لألحقنك به!

وضربَ عنقَه، وقيل: إن يَزيدَ هو الذي قتلَ القائلَ.

ولما تَمّ قَتْلُه؛ حُمِل رأسُه، وحُرَمُ بيتِه، وزَينُ العابدين معهم إلى دمشق، كالسبايا!

قاتل اللهُ فاعِلَ ذلك، وأخزاه، ومَنْ أمَرَ به، أو رَضيَه.

والصحيحُ أنّ الرأسَ المُكرَّم دُفِن بالبقيعِ، إلى جَنب أمّه فاطمةَ، وذلك أن يزيدَ بعث به إلى عامله بالمدينة عَمرِو بنِ سعيدٍ الأشدقِ، فكفّنَه ودَفَنَه.

والعُلماءُ مُجمعونَ على تَصويبِ قتالِ عليٍّ «عليه السلام» لمخالفيه؛ لأنّه الإمامُ الحَقُّ!

ونُقِل الاتفاقُ أيضاً على تَحسينِ خروجِ الحُسينِ على يَزيدَ، وخروجِ ابنِ الزّبيرِ، وأهلِ الحرمينِ على بني أمية، وخروجِ ابنِ الأشعثِ، ومَن مَعه مِن كبارِ التابعين وخيارِ المسلمين على الحجّاج.

ثم إنّ الجمهورَ رَأوا جوازَ الخروجِ على مَن كان مثل يزيدَ، والحجّاجِ، ومنهم من جوّزَ الخروجَ على كُلِّ ظالم.

وعَدّ ابنُ حزمٍ خُرومَ الإسلامِ أربعةً: قتلَ عثمانَ، وقتلَ الحسينِ، ويومَ الحرّة، وقتلَ ابن الزّبير.

ولعلماءِ السلفِ في يزيدَ وقَتَلَةِ الحُسينِ خلافٌ في اللَعْنِ والتَوقّفِ.

قال أبو عمرو ابنُ الصّلاح: «والنّاس في يزيد ثلاثُ فَرق:

فرقةٌ تحبّه وتتولّاه!

وفرقة تسبّه وتلعنه!

وفرقة متوسطة في ذلك، لا تتولّاه ولا تلعنه!

قال ابن الصلاح: وهذه الفرقةُ هي المصيبة، ومذهبُها هو اللائقُ، لمن يَعرفَ سِيَر الماضين، ويعلمُ قواعد الشريعةِ الظاهرةِ». انتهى كلامه.

قال ابن العِمادِ: ولا أظن الفِرقةَ الأولى توجدُ اليوم!

وعلى الجملةِ، فما نُقل عن قتلةِ الحسينِ والمتحاملين عليه؛ يَدْلُّ على الزندقةِ وانحلالِ الإيمانِ مِن قلوبهم، وتَهاونِهم بمنصبِ النّبوّة، وما أعظمَ ذلك!

فسبحان من حفظ الشريعة حينئذٍ وشيّد أركانَها حتى انقضت دولتهم!

وعلى فِعْلِ الأمويين وأمرائهم بأهلِ البيتِ؛ حُمِلُ قولُه صلى الله عليه وسلم: (هلاك أُمتي على أيدي غِلْمَةٍ مِن قريش) قال أبو هريرة: «لو شئت أن أقول: بَني فُلانٍ، وبني فُلانٍ؛ لفعلت» أخرجه البخاري (3605) ومسلم (2917).

ومثلُ فِعل يزيدَ؛ فِعلُ بُسر بن أرطاةَ العامريِّ أميرِ معاوية، في أهل البيتِ، من القَتلِ والتَشريد، حتى خدَّ لهم الأخاديدَ، وكانت له أخبارٌ شنيعة في عليٍّ «عليه السلام» وقتلِ وَلَدَي عُبيدِالله بن عبّاس وهما صغيران على يَدَي أمّهما، ففقدت عَقلَها، وهامَت على وَجْهِها.

فدَعا عليه عَليٌّ «عليه السلام» أن يُطيلَ الله عُمُرَه، ويُذْهِبَ عقلُه، فكان كذلك،  خَرفَ في آخر عمره، ولم تَصِحّ له صحبةٌ، وقال الدّارقطنيُّ :

كانت له صُحبةٌ، ولم تكن له استقامةٌ، بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم.

وقال التّفتازانيُّ في «شرح العقائد النسفية» (ص: 381): «وبعضهم أطلق اللعن على يزيدَ لما أنّه كفرَ حينَ مرَ بقتل الحسين، واّتفقوا على جَواز اللَعنِ على مَن قتلَ الحسينَ، أو أمرَ به، أو أجازَه، أو رَضِيَ به.

قال التّفتازانيُّ: والحقُّ إنّ رِضا يَزيدَ بقتلِ الحسينِ، واستبشارَه بذلك، وإهانتَه أهلَ بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مما تَواتر معناه، وإن كان تَفصيله آحاداً.

قال: فنحنُ لا نتوقف في شأنِه، بل في كُفرِه وإيمانِه، لعنةُ الله عليه وعلى أنصارِه وأعوانِه» انتهى كلام التفتازاني، وقد عدّلتُ النصّ من العقائد النسفية فليُعْلَم.

وقال الحافظُ ابن عساكر: نُسب إلى يَزيدَ قَصيدةٌ مِنها:

ليتَ أشياخي ببدرٍ شهدوا ... جَزَعَ الخزرجِ مِن وَقْعِ الأَسَلْ

لَعبت هاشمُ بالملكِ، فلا ... مَلَكٌ جاءَ، ولا وَحيٌ نَزَلْ

فإن صحّت عنه؛ فهو كافرٌ، بلا ريب» انتهى بمعناه.

وقال الذّهبيّ «في النبلاء» (4: 37): «كان ناصبيّاً، فَظّاً، غَليظاً، يتناول المسكر ويَفعَل المُنْكَر، افتتح دولتَه بقتل الحسين، وختمها بوقعة الحرّة، فمقته النّاس، ولم يُبارَك في عُمره، وخرج عليه غيرُ واحدٍ بعد الحسين» وذكر من خرج عليه.

وقال فيه في «الميزان» (4: 440): «مَقدوح في عدالته، ليس بأهلِ أَن يُروَى عنه، وقال أحمد بن حنبلٍ: لا ينبغي أن يُروَى عنه».

وقال رجل في حضرة عمر بن عبد العزيز: أمير المؤمنين يزيد، فضربه عمر عشرين سوطاً.

واستُفتي الكِيا الهرّاسي فيه؟ فذكر فصلاً واسعاً مِن مخازيه، حتى نَفِدَت الورقةُ!

ثم قال: ولو مُدِدْتُ بِبياضٍ؛ لمددتِ العِنان في مخازي هذا الرجل».

وأشار الغزاليُّ إلى التَوقّف في شأنه، والتنزّهِ عن لَعنه، مع تَقبيح فِعْله.

وقال اليافعيُّ: وأمّا حُكم مَن قتلَ الحسينَ أو أمرَ بقتلِه، مَن استحلّ ذلك؛ فهو كافر، وإن لم يَستحلَّ؛ فهو فاسق فاجرٌ، والله أعلم» انتهى كلام ابن العماد، رحمه الله تعالى.

ختاماً: إنّ تجويزَ لعن يزيدَ، أو عدم تجويزه؛ ليس هو المهمّ عندي أبداً!

إنّما المهمُ؛ هو الانتباهُ إلى حال الأمة المتردّي، بعد خمسين عاماً من وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم!

علماء الإسلام يتورّعون عن لعن ظالم فاسق فاجر وسخ!

ولا يستعظمون ما فعله يزيدُ في واقعة الحرّةِ السُبّةِ، ولا يستعظمون دماءَ الحسين وأهل بيته وأنصاره الذين ضحّوا بأرواحهم ليقولوا للناس: نُقتَلُ ولا نجوّزُ لفاجر قذرٍ أن يتولى أمر أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم!

والله المستعان.

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

الثلاثاء، 26 يوليو 2022

 مِنْ شِعْرِ الحِكْمةِ (1):

لا خُلودَ في الدُنيا !؟

سَلِ الأيّامَ عَنْ أُمَمٍ تَقضّتْ

سَتُخبركُ المعالمُ والرُسومُ

ترومُ الخُلْدَ في دارِ المَنايا

فكَمْ قدْ رامَ مثلُكَ ما ترومُ

تنامُ ولم تنَمْ عنك المنايا

تَنَبّهْ للمنيّةِ يا نؤومُ

لهوتَ عن الفناءِ، وأنت تَفنَى

فما شيءٌ من الدنيا يدومُ

تَموتُ غداً، وأنت قريرُ عينٍ

مِنَ الغَضِلاتِ، في لُجَجٍ تَعومُ

من شعر الإمام عليّ عليه السلام

---------------

الَغَضِلاتُ: جمع مفرده غَضلِةٌ، وهو الشجرة الملتفّةُ الكثيرة الأوراق، كنايةٌ عن الجنّة.

اللجج: جمع مفرده لُجّة، وهو النهر العظيم، أو البحر.

والحمد لله على كلّ حال.

الاثنين، 18 يوليو 2022

       مَسائلُ حَديثيّةٌ (45):

مَن قال ابن حجر فيه «مقبول» فحديثه حسن!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

كتب إليّ أحد الإخوة يقول: قرأتُ لك كلاماً قديماً ترفضُ فيه ما قاله بعضُ زملائك من أهل العلم: «مَن قال ابن حجر فيه في التقريب «مقبول» فحديثه حسن».

فهل ما زلتَ عند رأيِك هذا، أم تغيّر اجتهادُك في دلالةِ هذا المصطلح، الذي أكثر ابن حجر من استعماله في كتابه «تقريب التهذيب» خاصّة؟

أقول وبالله التوفيق:

أظنّ أنّني كتبت منشوراً في مصطلح «مقبول» هذا، أو تكلّمت عليه في بعض كتبي، لم أعد أتذكّرُ، وللأسف!

بيد أنني سألخّص ما كتبتُه في هذه السطور القليلة:

أوّلاً: من الشائع لدى كثيرين من أهل العلم؛ أنّ العالم إذا قال في مسألةٍ واحدةٍ قولين، وعُلِم المتأخّرُ منهما؛ فالمتأخّر الناسخ، والمتقدّم المنسوخ، ويعمّمون هذا في كلّ مسائل العلم، ويحشرون تحته جميع العلماء!

وفي هذا الكلام عندي نظر كبيرٌ!

لأنّ العالم ربما يكون حرّر مسألةً من المسائلِ تحريراً جيّداً، وتوصّل في نتيجتها إلى رأيٍ مؤيّد بالبرهان والدليل، ثمّ يطول به الزمان، فيُسأل عن  تلك المسألة ذاتها، فيجيب بجوابٍ مختلفٍ، ربما لأنّه تسرّع في الجواب، أو لأنّه لم يستحضر ما كان حرّره في تلكم المسألة، فلا ينبغي أن تكون قاعدة النسخ هذه شاملةً لكلّ العلوم، ولكلّ العلماء، وخاصّةً المكثرينَ من الكتابة منهم.

والذي أوجّه إليه بالنسبة إلى كتاباتي أنا الفقير؛ أن لا يسارع أولادي وتلامذتي بعد موتي؛ فيقدّمون ما في المنشوراتِ الثقافيّة المتأخّرة، التي أكتبها من رأس القلم؛ على الكتابات العلميّة المكنوزة في بطون المؤلّفاتِ والبحوث العلميّة، المطبوعة والمخطوطة، إنّما عليهم أن يقرؤوا المسألةَ ههنا وههنا، ثم يرجّحون ما هو الأليق بمنهجي العلميّ في تلك المسائل!

مع التذكير بأمرٍ مهم جدّاً، يتعلّق بالأرقام والتواريخ، فكلّ ما يتعلّق بالأرقام والتواريخ؛ فالمتقدّم هو الراجح، والمتأخّر هو المرجوح؛ لأنّ ذاكرتي ضعفت كثيراً عمّا كانت عليه منذ خمس سنواتٍ، وهي عمّا كانت عليه قبل عشر سنواتٍ أضعف!

على أنّ المقصودَ من التواريخ والأرقام؛ أخذ العبرةِ، لا ذات التاريخ والرقم، على كلّ حال.

مثال ذلك: ذكرت في أحد المنشوراتِ أنني حين ضربت على رأسي؛ كان عمري ستّة أشهر، وفي منشور آخر، قلت: كان عمري في حدود سنة ونصف!

وأنا الآن أحفظ بأنني ضربت، وأثر الضربة لا يزال في رأسي حتى اليوم، لكنني ما عدت أتذكّر متى كانت هذه الضربة المشؤومة.

ففي مثل هذه الحال؛ يُؤخَذ بالتاريخ الأقدم؛ لأنّ الذاكرة كانت أقوى وأضبط!

ثانياً: الحافظ ابن حجر عالمٌ موسوعيٌّ كبير، وليس محدّثاً شارحاً فحسب، كما يظنّ بعضُ المستهترين، وهو مكثرٌ من التأليف.

ومن كان هذا شأنه؛ فمن المحتمل أن تختلف أقواله المتقدمة والمتأخّرة؛ للأسباب التي ذكرتها قبل قليل!

ومنذ العام (1399 هـ) نبّهت إخواني طلبةَ العلم في جامعة أمّ القرى على خطئين شائعين بينهم:

الأوّل: اعتمادُهم على كتاب «تقريب التهذيب» وعدّه نهايةَ اجتهاداتِ ابن حجرٍ، في رواة الكتب الستّة.

والثاني: جعلهم اختصارات الذهبيّ لأحكام الحاكم النيسابوريّ موافقةً للحاكم، فيقولون: قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبيّ!

وهذا خطأٌ فاحشٌ، لا يقع فيه جميعُ من درس عليّ العلم، منذ ذلك التاريخ، وحتى اليوم!

وقد ذكرتُ لعميد كليّة الشريعةِ والدراسات الإسلامية، الدكتور الفاضل محمد بن سعد الرشيد أنّ هذا المنهج خطأ، ويقود إلى نتائج غير دقيقةٍ، وأحياناً غير صحيحة.

وفي مرحلة متأخّرة قدّمت تقريراً موسّعاً لرئيس قسم الدراسات العليا، أستاذنا السيّد سابق، تناولت فيه هاتين المسألتين.

ثالثاً: لم يحرّر الحافظ ابن حجر مصطلح «حسن» ولم يطبّقه تطبيقاً صحيحاً في تخريجاته أبداً، كما لم يحرّر مصطلح «مقبول» أبداً!

فهو يُدخل تحته ضعيف الحفظ والمستور ومجهول الحال والمستور، وغير هؤلاء ممّن يَقبلُهم هو في المتابعة والشاهد، وما كان ينبغي له أن يستعمل هذا المصطلح بتاتاً!

وإليك الأدلة على ذلك!

رابعاً: من قال فيه في التقريب «مقبول» وقال في موضع آخر عنه مجهول!

(1) جُمْهان الأسلمي مدني قديم، قال في التقريب «مقبول» (ق).

وقال في كتاب الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2: 75): «مجهول».

(2) حَشْرج بن زياد الأشجعي، أو النخعي، قال في التقريب: «مقبول» (د س) بينما قال التلخيص الحبير (3: 222): «مجهول».

(3) حُكَيمُ بن عبدِالرحمن أبو غسان المصري، قال في التقريب: «مقبول» (قد) بينما قال في لسان الميزان (8: 268): «مجهول».

خامساً: مَن قال فيه في التقريب «مقبول» وقال في موضع آخر عنه: لا يُعرَف!

(1) بُرْمة الأسديّ، واسم أبيه ليث، في التقريب «مقبول» (بخ).

وفي اللسان (8: 230): «تابعي لا يعرف».

(2) بَشير بن ربيعة البجليّ الكوفي، في التقريب «مقبول» (عس).

وفي اللسان (9: 100): «لا يعرف» ولأنّه لا يعرف، فقد ترجمه هنا باسم محمد بن ربيعة!

(3) بَشيرُ بنُ المُحَرّر، حجازي، في التقريب «مقبول» (د) وفي اللسان (8: 235): «لا يعرف».

سادساً: مَن قال فيه في التقريب «مقبول» وقال في موضع آخر عنه: لا يُدرى من هو!

(1) جابان غيرُ مَنسوب، في التقريب «مقبول» (س) وفي اللسان (8: 245): «لا يُدْرَى مَن هو».

(2) عبد الله بن أبي رزين مسعود بن مالك الأسدي الكوفي، في التقريب «مقبول» (عس) وفي اللسان (8: 436): «وثقه ابن حِبّان، ولا يُدْرَى مَن هو».

(3) أبو أفلح الهَمْداني المِصري، في التقريب «مقبول» (د س ق) وفي اللسان (8: 220): «لا يُدْرَى مَن هو».

سابعاً: مَن قال فيه في التقريب «مقبول» وضعّفه في موضع آخر!

(1) حُبَيش بنُ شُرَيح الحَبَشيّ الشامي، في التقريب «مقبول، ووهم من ذكره في الصحابة (د) وفي الإصابة تمييز الصحابة (6: 378): «ضعيف».

(2) عُمَير بنُ إسحاق، أبو محمد مولى بني هاشم، في التقريب «مقبول» (بخ س) وفي المطالب العالية (4: 376): «ضعيف».

(3) مِصْدع أَبو يحيى الأعرج المُعَرْقَب، في التقريب «مقبول» (م 4) وفي موافقة الخُبر الخَبَر (2: 174) «ثقة تابعي» وفي التلخيص (2: 372): «ضعيف، وقد ثقه العجليّ».

ثامناً: مَن قال فيه في التقريب «مقبول» ووثّقه في موضع آخر!

(1) الحارثُ بن أسدٍ المحاسبي الزاهد المشهور، أبو عبد الله، في التقريب «مقبول» (تمييز) وفي النكت على علوم الحديث (2: 584): «من أئمة الحديث والكلام».

(2) حسّان بن عبدالله الأمويّ، مولاهم، المصريّ، في التقريب  «مقبول» (س) وفي فتح الباري (13: 291): «ثقة» وفيه أيضاً (13: 92): «أحد ثقات التابعين».

(3) عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولاهم الكوفي، في التقريب «مقبول» (خت د س) وفي نتائج الأفكار (2: 59): «ثقة» وفيه (2: 402): «هو حسن الحديث» كما قال الإِمام أحمد».

واختلاف أحكام الحافظ ابن حجرٍ؛ ليست في مصطلح «مقبول» فحسب، بل هي في سائر المصطلحات، لكنّها في مصطلح «مقبول» كثيرةٌ جدّاً؛ لعموميّة هذا المصطلح عنده، رحمه الله تعالى.

ختاماً: معظم الذين وصفهم الحافظ ابن حجر بمصطلح «مقبول» هم ممّن قال فيهم في مواضع أخرى: مجهول، لا يعرف، لا يدرى من هو، فيه جهالة.

لكنْ لأنّ علم نقد الحديثِ كلّه اجتهاديٌّ نسبيٌّ؛ لا أجازف فأقول: كلّ من قال فيه ابن حجر «مقبول» فهو مجهول، أو هو ضعيف، أو هو ضعيف الحديث.

إنما الواجب أن نطالعَ أقواله في الراوي محلّ البحث في كتبه الأخرى، ثمّ نوازن بين أقواله، مستعينين بأقوال المتقدمين من الحفّاظ، فهم أقعد بالنقد من ابن حجرٍ، ومن سائر المتأخّرين.

وقد قام عددٌ من الباحثين بجمع أقوال ابن حجر في الرجال، من كتبه، ومناهجهم في الجمع مختلفة.

لكنّ كتابَ «تُحفةُ اللَبيب بمن تَكَلّم فيهم الحافظ ابن حجر مِن الرواة في غير «التقريب» لمؤلّفه أبي عَمرو نور الدين بن عليّ بن عبد الله السدعي الوصابي» كتابٌ جيّد في بابه، وقد أفدتُ منه في كتابة هذا المنشور، ويسع كلَّ صديقٍ أن يقتنيه، فهو متاحٌ على الموسوعة الشاملة، ومتاح على شبكة الإنترنيت، جزى الله مؤلّفه خير الجزاء.

والله المستعان.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

       مَسائلُ حَديثيّةٌ (44):

التوسّل بقبر الرسول !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

كتب إليّ يسألُ عن حديثِ عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها، في استسقاء المسلمين على عهدها بقر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؟

أقول وبالله التوفيق:

بإسنادي إلى الإمام الدارميّ في سننه، باب ما أكرم الله تعالى به نبيّه بعد موته (92) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ «محمد بن الفضل السدوسيّ»: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ «الجهضميُّ أخو حمّاد»: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ النُّكْرِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْجَوْزَاءِ أَوْسُ بْنُ عَبْدِاللهِ «الرَبعيّ» قَالَ: قُحِطَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَحْطًا شَدِيدًا، فَشَكَوْا إِلَى عَائِشَةَ؟

فَقَالَتْ: (انْظُرُوا قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاجْعَلُوا مِنْهُ كُوىً إِلَى السَّمَاءِ، حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ سَقْفٌ).

قَالَ أبو الجوزاء: فَفَعَلُوا، فَمُطِرْنَا مَطَراً، حَتَّى نَبَتَ الْعُشْبُ، وَسَمِنَتْ الْإِبِلُ، حَتَّى تَفَتَّقَتْ مِنْ الشَّحْمِ، فَسُمِّيَ عَامَ الْفَتْقِ» الكُوى: جمع مفرده كُوّة، وهي النافذة الصغيرة

ولم يخرّجه أحدٌ غير الإمام الدارميّ، في حدود علمي، وكلّ من استشهد بالحديث، أو احتجّ به؛ أحال على سنن الدارميّ، وممّا يرجّح هذا؛ أنّ ابن حجرٍ في إتحاف المهرة (16: 1054) لم يعزُه إلى غير الدارميّ.

وفي إسنادِ الحديثِ إشكالاتٌ عديدة، أبرزها ضعفُ عمرِو بنِ مالكٍ النكريّ البصريّ، ترجمه ابن عديّ في الكامل (6: 258) وقال: «منكر الْحَدِيث عَن الثقات، وَيَسْرِقُ الحديث، سمعت أبا يَعْلَى يَقُولُ: عَمْرو بْن مالك النكري كَانَ ضعيفاً» وختم ترجمته بقوله: «وَلِعَمْرٍو غَيْرُ مَا ذَكَرْتُ أَحَادِيثُ مَنَاكِيرٌ، بَعْضُهَا سَرَقَهَا مِنْ قَوْمٍ ثقات» وقال ابن حجرٍ: صدوق له أوهام.

قال الفقير عداب: تفرّد الصدوق بأصلٍ يجعل حديثَه منكراً، كما ذكرت ذلك غيرَ مرّة، وحديثُ صاحب الأوهام يكون أشدّ نكارةً.

وقد حاول أحد المعاصرين تقويةَ الحديثِ بما لا طائلَ تحته، فلا نطوّل بذلك.

أمّا عن نكارة متن الحديث، ففي (اجعلوا منه كُوىً إلى السماء) وقبر الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم في بيت عائشةَ، وهو مسقوفٌ من دون شكٍّ، فهل تأمرهم أن يجعلوا نوافذَ صغيرةً في سقف بيتها؟

وكلامي هذا؛ لا يعني عدمَ جواز التوسّل بالرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، إنّما يعني أنّ هذا الحديثَ ضعيف.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

الأحد، 17 يوليو 2022

  مَسائِلُ فكريّةٌ (37):

لا تَحزَنْ لمواقِف الآخَرين!؟

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

في حِوارٍ مع أحدِ إخواني الأعزّاء؛ أبدى ألَمَه من انتقاصِ الناس إيّايَ، وتشويه سمعتي، و و و !!

وكان ممّا قال: ألا تتألّم مما يقوله الناس عنك؟

قلت له: كيف لا أتألّم، وأنا على يقينٍ جازمٍ أنّهم مفترون كذّابون، عليهم من الله ما يستحقّون!

قال: تكلّم بالمَقبولِِ من الناس، واجتنب ما ينكرونه؛ تسلمْ!

قلت له: إذا انتهج العلماء هذا المسلك؛ فلا يبقونَ علماءَ أصلاً، إنما يتنزّلون إلى درجة العوامّ الرعاع، وطبّقنا ما يصنعه بعض علماء الشيعة (التقيّة من العوام)!

والله تعالى يقول لنبيّه محمد صلى الله عليه وآله وسلّم: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ، إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) [النحل]. 

وقال تعالى للذين أوتوا عِلمَ الكتاب (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ؛ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ، وَلَا تَكْتُمُونَهُ، فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) [آل عمران].

وقال لبقيّة الذين يدّعون الإسلام (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ؛ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ؛ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.

وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ؛ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) [النساء].

ألست أنا الفقير من (الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)؟

فبدلاً من أن يردّوا إليّ وإلى أمثالي قضايا اختلافهم؛ يرموننا بالعظائم؟

قال: ولكنّ الذين ينالون منك؛ هم من أهل العلم أيضاً!

قلت: أبداً، ليسوا من أهل العلم، وليسوا من أهل الأدب أيضاً!

ولو كانوا من أهل العلم؛ لردّوا بأدب، وفنّدوا بعلم!

وليس بـ«قال فلانٌ من السلف» و«فلان من الخلف» وقال المذهب الفلاني، فهذا ليس علماً أبداً، ولا يلزم أحداً من أهل العلم اتّباعُه.

وعلى كلّ حالٍ يا أخي: الموعدُ الله!

ألا ترى كيف همّش أهل السنّة قاطبةً علومَ أجدادي من آل البيتِ، وتركوها لمَن ضعّفوهم وكفّروهم من أتباع آل البيت؟

ألا ترى كيف كفّروا أبا حنيفة، حتى قال التقيّ الورع سفيان الثوري: استتبناه من الكفر مرّتين؟

ألا ترى كيف فعل «أهل السنّة» أنفسهم بالإمام الشافعيّ؟

اتّهموه بالرفض، وضربوه وأهانوه، وكان بعض كبارِهم يقنت عليه في صلاته، وفي بعض الروايات أنهم قتلوه!

ألا ترى ما فعله «أهل السنّة» أنفسهم بالإمام البخاريّ، سيّد المحدّثين اليوم؟

طردوه من كلّ بلدٍ دخلها، وحكم عليه الذهليّ المتعصّب بالتجهّم، وتركه أبو حاتمٍ وأبو زرعة!

ألا ترى ما فعله «أهل السنّة» أنفسهم بالإمام النسائيّ؟

ضربوه على خصيتيه، حتى ماتَ من ضربهم وسفاهتهم في دمشق!

ألا ترى ما فعله «أهل السنّة» أنفسهم بالإمام ابن جريرٍ الطبريّ؟

طيّنوا عليه باب بيته، ومنعوه من الخروج من بيته حتى مات؟

ولمّا مات؛ منعوا من دفنه في مقابر المسلمين، فدفنوه في بيته، وأحرقوا ما وجدوه فيه من كتبه!

ألا ترى ما فعله «أهل السنّة» أنفسهم بالإمام ابن حبّان؟

شهدت عليه مائة عمامةٍ سنيّةٍ من عمائم سجستان؛ بأنه زنديق!

واستصدروا أمراً من الخليفة المقتدر بقتله على الزندقة، فوافق الخليفة الجاهلُ، وأمر بقتل ابن حبّان على الزندقة!

ولكنّ ابن حبّان لجأ إلى الله تعالى؛ أن لا يفضحه، فمات وهو ساجدٌ، ليلةَ تنفيذ حدّ الردّة فيه!

يكفي هذا يا أخي، أم نستمرّ إلى ابن حزمٍ، وابن القطّانِ، وابن تيمية، وغيرهم وغيرهم؟

أليس أبو محمّد البربهاريّ يقول: «اللهَ اللهَ فِي نفسك، وعليك بالآثار وأصحاب الأثر والتقليد؛ فإنّ الدينَ إنّما هُوَ التقليدُ!

يَعني للنَبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأصحابه رضوان اللهَ عليهم أجمعين.

ومَن قَبْلَنا لم يَدَعونا فِي لَبْسٍ، فقلِّدْهم واسْتَرحْ».

هذا ما يدعوني إليه جميعُ من ينتقدني، وأنا لا أرى أحداً يجب عليّ تقليدُه، سوى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ.

هذا ما أمرني الله تعالى به بقوله: (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ، فَإِنْ تَوَلَّوْا؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) [آل عمران].

فقال الطائعون: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ، وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ؛ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) [آل عمران].

وأحتاط لديني، فلا أخالف حكماً فقهيّاً أجمع عليه المسلمون «السنة بمذاهبهم، والشيعة بمذاهبهم، والإباضيّة) إن شاء الله تعالى.

فصار الدينُ الذي أدين الله تعالى به؛ هو:

كتاب الله تعالى، حسب فهمي أنا الفقير.

وسنّة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، التي تصحّ عندي، وعلى حسب ما أفهمه منها، وليس على حسب ما يفهمه السلف أو الخلف، أو فلان وعلّان!

والإجماع المتقدّم.

وأنا لا أنكر القياسَ، ولا أغيّب المصلحة الشرعيّة ومقاصدَ الدين أبداً !

لكنّ نتائج القياس والمصالح والمقاصد؛ اجتهاداتٌ ظنيّة لا يُلزم أحدٌ من المسلمين أبداً بالتزامها!

ختاماً: سلّمتِ الأمّة لكثيرٍ من العلماء السابقين اجتهاداتِهم، وعذرتهم في كثيرٍ مما انفردوا به، ولا يوجد إمام مجتهد، لم ينفرد بمسائل لا يوافقه عليها غيره.

ومن المعلوم لدى طلبة العلم؛ أنّ هناك كتباً مصنّفةً في «مفردات المذاهب»:

مفردات الحنفية، ومفردات المالكية، ومفردات الشافعية ومفردات الحنابلة، ومفردات الإمامية!

فلماذا نقبلُ ممن ماتوا؛ ما لا نقبلُ مثلَه من الأحياء؟

والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(.

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلَّم تَسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

السبت، 16 يوليو 2022

       مِنْ عِبَرِ التاريخِ (13):

عيدُ الغَديرِ الأكبَرُ !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

سألني أحد الإخوةِ الكرام عن مشروعيّة «عيد الغدير» فأجبتُه، وإليكم خلاصة الجوابِ.

أقول وبالله التوفيق:

في حوادثِ سنة (352 هـ) قال ابن كثير في البداية والنهاية (15: 261):

«وَفِي ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ مِنْهَا أَمَرَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ بِإِظْهَارِ الزِّينَةِ بِبَغْدَادَ، وَأَنْ تُفْتَحَ الْأَسْوَاقُ بِاللَّيْلِ، كَمَا فِي الْأَعْيَادِ، وَأَنْ تُضْرَبَ الدَّبَادِبُ وَالْبُوقَاتُ، وَأَنْ تُشْعَلَ النِّيرَانُ بِأَبْوَابِ الْأُمَرَاءِ، وَعِنْدَ الشُّرَطِ; فَرَحاً بَعِيدِ الْغَدِيرِ، فَكَانَ وَقْتاً عَجِيبًا وَيَوْمًا مَشْهُودًا، وَبِدْعَةً ظَاهِرَةً مُنْكَرَةً» وانظر نهايةَ الأرب للنويريّ (1: 184).

وقال المقريزيّ في خططه (2: 254): «اعْلَمْ أنّ عيد الغدير؛ لم يكن عيداً مَشروعاً، ولا عَمِلَه أحدٌ مِن سالفِ الأمّة المقتدى بهم.

وأوّلُ ما عُرفَ في الإسلام بالعراقِ، أيامَ معز الدولة عليّ بن بويه، فإنه أحدثه في سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة، فاتخذه الشيعةُ من حينئذ عيداً.

وأصلهم فيه، ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده الكبير (18479) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَنَزَلْنَا بِغَدِيرِ خُمٍّ، فَنُودِيَ فِينَا: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، وَكُسِحَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَتَيْنِ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، وَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: (أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)؟ قَالُوا: بَلَى!

قَالَ: (أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ)؟ قَالُوا: بَلَى!

قَالَ البراءُ: فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: (مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ؛ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ).

قَالَ البراءُ: فَلَقِيَهُ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: «هَنِيئًا يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ، أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ».

قال المقريزيّ: «وغدير خُمٍّ؛ على ثلاثة أميال من الجُحْفَة، يَسْرَةَ الطريق، تَصبّ فيه عينٌ، وحولَه شجر كثير.

ومن سنّةِ الشيعة في هذا العيد -وهو أبداً يومَ الثامن عشر من ذي الحِجّة - أن يُحيُوا ليلته بالصلاة، ويصلّوا في صبيحته ركعتين قبل الزوال، ويلبسوا فيه الجديد، ويُعتقوا الرقاب، ويكثروا من عمل البرّ، ومن الذبائح».

وقال أيضاً: «وقال ابن زولاق: وفي يوم ثمانية عشر من ذي الحجة سنة اثنتين وستين وثلثمائة - وهو يوم الغدير -  تجمّع خلق من أهل مصر والمغاربة ومَن تبعهم، للدعاءِ لأنّه يوم عيد؛ لأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عَهِدَ إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب فيه، واستخلفه، فأعجَبَ المُعِزَّ ذلك مِن فِعلِهم، وكان هذا أوّلَ ما عُمِلَ بمصر».

ووصف المقريزيّ مُجرياتِ «عيد الغدير» في مصر، وصفاً دقيقاً واسعاً، لا يحتمله هذا المنشور.

بيد أنّ الشيعةَ لا يقرّون بأنّ معزّ الدولة بن بويه هو الذي ابتدع هذا العيد، عام (352) ونسبوا إلى الإمام جعفرٍ الصادقِ، والإمام عليٍّ الرضا أنّهما عيّداً هذا العيد، وأخبرا الناس بمشروعيّته.

ولا يصحّ عندي أيّ أثرٍ عن الصادق والرضا عليهما السلام، ولا عن غيرهما في ذلك على الإطلاق!

بيد أنّ الشيعةَ لا يرون ما يحدثونه بِدَعاً، بل يجعلون ما يستحسنونه، ولو لغرض سياسيّ أمراً مشروعاً، ويصرّون عليه، مثلما عملوا في الشهادةَ الثالثة، فمع أنّ إمامهم الصدوق لعن المفوّضة الذين ابتدعوها؛ إلّا أنّ الشيعة لا يزالون يرددونها في الأذان، بل ويضيفون عليها إضافاتٍ أخرى، غيرَ التي ابتدعها المفوضة الملعونين من شيخهم الصدوق!

إنّ حديثَ غدير خمّ متواترٌ عندي، بهذا القدر (مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ؛ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ).

وإنّما أعرض البخاريُّ ومسلم عن تخريجه؛ لأنّه لا يخدم مذهب أهل السنّة، مثلما أعرضا عن تخريج حديث (حيَّ على خير العمل) وهو على شرطهما، وقد خرّجا بسنده أحاديثَ في صحيحيهما، بل إنّهما خرّجا عشرات الأحاديثِ عن المجاهيل والوحدان؛ لأنّها وافقت ما به يدينان!

لكنْ هل اتّخاذُ هذه الذكرى عيداً؛ أمرٌ مشروع، وما وَجْهُ كونه عيداً، والأمّة كلّها من الأنصار والمهاجرين؛ لم تعمل بمضمونه، بل أجهضتْه في مهده، وجعلت رغبةَ قريشٍ، بعد رغبة الأنصار؛ هي المعمولَ بها، حتى انتزع السلطةَ منهم العجَم!

إنّ العيدَ يومُ فرح وسرور، وذكرى يوم الغدير؛ ذكرى حزنٍ وألم ومعصيةٍ لله تعالى وللرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وأيّام العيد توقيفيّة، لا يجوز اختراع أعيادٍ سوى الأعيادِ التي سنّها لنا الرسولُ صلّى الله عليه وآله وسلّم.

لكني لا أرى بأساً  بتذكير الناس بذكرى مولد الرسول، وذكرى وفاته صلّى الله عليه وآله وسلّم، وذكرى الإسراء والمعراج، وذكرى الوقائع الكبرى في تاريخ الإسلام، ومنها يوم الغدير.

لا على أنّها أعيادٌ، ولا على أنّها عباداتٌ، لها صلاةٌ مخصوصةٍ، أو خطبةٌ مخصوصة، فهذا لم يأذن به الله تعالى، ولم يشرعه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وإنما هي ذكرياتٌ تُذكّر المسلمين بمواطن الحقّ والعدل والفخر ليتمسّكوا بها، وتذكّرهم بمواطن الإخفاق في تاريخهم ليجتنبوها.

قال المقريزيّ في كتابه الخطط والآثار (2: 256) يصف مراسم عيد الغدير في مصر:

«ثم يعودون، ويدخلون من ذلك الدهليز إلى الإيوان الكبير... وقد نصب فيه كرسيُّ الدَعوة، وفيه تِسعُ درجاتٍ لخطابَةِ الخطيب في هذا العيد، فيجلس القاضي والشهود تحته، والعالَم من الأمراء والأجناد والمتشيعين، ومن يرى هذا الرأي من الأكابر والأصاغر. فيدخل الخليفة من باب العيد إلى الإيوانِ، إلى باب المَلِك، فيجلس بالشباك، وهو ينظر القوم، ويخدمه الوزير عندما ينزل، ويأتي هو ومن معه، فيجلس بمفرده على يسار منبر الخطيب، ويكون قد سَيّر لخطيبه بدلةَ حَريرٍ يَخطُب فيها، وثلاثون ديناراً، ويُدفع له كرّاسٌ محرّر من ديوان الإنشاء، يَتضمن نصّ الخلافة من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه ورضي عنه، بزعمهم.

فإذا فرغ ونزل؛ صلّى قاضي القضاة بالناس ركعتين، فإذا قضيت الصلاة؛ قام الوزير إلى الشبّاك، فيخدم الخليفة، ويَنفضُّ الناسُ بعد التهاني من الإسماعيليةِ، بعضِهم بَعضاً.

وهو عندهم أعظمُ من عيد النحر، وينحر فيه أكثرهم».

ختاماً: يجب علينا أن نعترفَ بأنّ مذهب أهل السنّة؛ هو مذهبُ السلطة الأمويّة، ثم العباسية، ثمّ السلجوقيّة، ثمّ الأيوبية، ثم المملوكيّة، ثم السلطة العثمانية التي حكمت أهلَ السنة أربعَ مائة عام تقريباً!

ولا يخفى على عالمٍ أنّ السلطةَ تتصرّف في استعمالِ الحقِّ وتقييده وتعطيله، على حسب ما تراه مصلحةً لدوام سلطتها، واستقرار مجتمعها.

أمّا الآخرون؛ فكثيرٌ من تصرّفاتهم وبِدَعهم؛ هي ردودُ أفعالٍ وإثبات وجود، ومكايدة للسلطة الحاكمة!

ومن المهمّ هنا أن أن أوضحَ رأيي في الصراعاتِ التي جرت بين أجدادنا الطالبيّين، وبين أعمامنا العباسيين، ومِن قبلهم الأمويّين، تنبيهاً لأولئك الذين يعيدونَ الصراعاتِ الدمويّة صراعاتٍ كيديّة على وسائل التواصل الاجتماعيّ!

إنّ كثيراً من الصراعاتِ المسلحة والحروب التي نشبت بين الطالبيين والأمويين، وبين الطالبيين والعباسيين؛ هي صراعاتٌ سياسيّة، اعتقد العلويون أنّهم أحقّ بالسلطة من غيرهم، واعتقدوا أنهم مخوّلون بإزاحة الأمويين والعبّاسيين عن السلطة بقوّة السلاح، وهذا غير صحيح أبداً!

فليس لدينا في الكتاب والسنّة نصٌّ واضحُ الدلالةِ على أنّ السلطة السياسيّة لا تكون إلّا بيد العلويين مثلاً!

نعم كانت بعضُ الثوراتِ مشروعةً، مثل ثورة الإمام الحسين، وثورة الإمام زيد عليهما السلام، قامتا اضطراراً، ودعتا إلى إزالة الظلم عن العباد، وإعادة الالتزام الصحيح بالدين، وعدم تمكين الفجرة والفسّاق من رقاب المسلمين.

وها قد قامت دولةٌ للشيعة في إيران، وقامت دولةٌ أخرى لهم في العراق، فأين سادةُ آل البيتِ، من كلّ ما يجري؟

هذا يعني أنّ الدعوة إلى (آل البيت) استغلالٌ موقوتٌ، وصوليّ ليس غير!

رئيس دولة العراق كردي، ورئيس الوزراء عربي، وقائد الجيش سني، والوزراء أكثرهم ليسوا من آل البيت، فأين هم آل البيت عندكم اليوم؟

ثمّ إنّ الشيعةَ اليومَ طائفيّون بَمقتٍ، فهم لا يَعترفون بالسادةِ من آل البيت، ولا يقيمون لهم وزناً، ولا يمدون يدَ العون إليهم، إذا لم يكونوا رافضةً مثلهم!

فلا تخدعوا أنفسكم معاشرَ المسلمين، السياسةُ لا دينَ لها، والساسةُ من أقلّ الناس ديناً، وأكثرهم خبثاً وروغاناً، وحرصاً على سلب الأمة ونهبها.

أمّا نحن آلَ البيتِ؛ فالجميع متّفقون على منعنا حقوقنا الشرعية التي فرضها الله تعالى لنا، حتى لو كنّا أعلمَ الناسِ، وأتقى الناس، وأوفى الناس لأمّتنا وأطاننا.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

السبت، 9 يوليو 2022

   اجتماعيات (98):

وللشِعْرِ في الأضحى كلمةٌ!؟

العيدُ عادَ، وعادت الأفراحُ

وانزاحت الآلامُ والأتراحُ

يا إخوتي بشرى لكم في عيدكم

فاستبشروا، ولْيَظْهَر الأقحاحُ

ضحّوا ضحاياكم قرابينَ الرضا

ولتُنفقوا، ولتَسعَد الأرواحُ

زوروا الأقارب، أوْصلوا أرحامكم

ولتسمحوا، وليصفح التيّاحُ

لا تُغْفِلوا المحتاجَ في أحيائكم

فيصيبكم من حزنه أشباحُ

وتزمّلوا بالبذل حُسبانَ الرضا

وتدثّروا بالحلم، لا ينزاحُ

لتكبّروا اللهَ الكبير لفضله

وليختفِ الشنآنُ والتِجْراحُ

وتسامحوا، إنّ السماحةَ قوّةٌ

وشجاعةٌ، وترفّعٌ، ورَباحُ

وتذكّروا صبرَ الرسولِ وحِلْمَه

فذوى الضلالُ، وغُيّبت أقراحُ

صلّوا على الهادي البشير وآله

فهو الشفيعُ، وهذه الأفراحُ

والحمد لله على كلّ حال. 

الخميس، 7 يوليو 2022

 اجْتِماعِيّاتٌ (97):

التَهاني بعيد الأضحى المبارك!؟

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

مهما ادلهّمت الخُطوبُ، وجمحت الرُعوب، وجحظت الندوبُ، وخفتت الرغوب؛ فيبقى الفرحُ حاجةً ملحّةً في حنايا النفس الإنسانيّة، يستلهم الأمل الباعثَ، والروحَ النافث!

سبحانك اللهم وبحمدك!

أنت تحيي وتميت، بيدك الخير، إنك على كلّ شيء قدير!

سبحانك اللهم وبحمدك!

أنتَ الذي بندى رحمتك نأمل، وبغيث كرمك نعيش، ولا قوّة إلّا بك!

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

لا إله إلّا الله.

الله أكبر، الله أكبر.

ولله الحمد.

الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله وبحمده بكرةً وأصيلاً.

اللهم صلّ على سيّدنا محمّد، وعلى آل سيّدنا محمّد، وعلى أزواج سيّنا محمد، وعلى أصهار سيّدنا محمد، وعلى أصحاب سيّدنا محمّد، وعلى أنصار سيّدنا محمّد، وعلى ذريّة سيّدنا محمّد، وسلّم تسليماً كثيراً.

ربّ اغفر ولوالديّ، ربّ ارحمهما كما ربياني صغيراً.

نحن في رحمة الله نحيا، وفي لطفه نبقى، وبتقديره ننتقل إلى الحياةِ الأخرى.

لا تقنطوا من رحمة الله، ولا تيأيسوا من رَوحِه، ولا تحبطكم ذنوبكم؛ فإنّ الله يغفر الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم.

لا تأسوا على ما فاتكم من الدنيا، فليست هي بدار قرار، ولا تحزنوا على فراقها، فأمامكم الجنان والرضوان، متى آمنتم بالله تعالى، ومُتّم على ذلك!

برّوا آباءَكم،  وعودوا مرضاكم، وصلوا أرحامكم، وواسوا فقراءكم، وامسحوا بكرمكم دموع المحرومين والمساكين والأرامل واليتامى البائسين!

(إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا، وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) [النساء].

(إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ، وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا؛ يُضَاعَفُ لَهُمْ، وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) [الحديد].

(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ، فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ، وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ، وَ اللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261).

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى؛ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262).

قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ؛ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى، وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) [البقرة].

أيّ كرمٍ إلهيٍّ هذا، وأيّ اقتدارٍ ربّانيٍّ ذلك، أنت تنفق درهماً من المال، والله تعالى يكافؤك بسبع مائة ضعف!

والله يضاعف أكثرَ أكثر، متى شاء!

كلّ عام وأنتم بخير.

كلّ يومٍ وأنتم إلى الله أقرب.

عيدكم سعيدٌ مبارك.

جعلكم الله تعالى من عُوّادِه، في عافية وستر وعمل صالح مبرور.

سامحوني أيها الإخوةُ المؤمنون، بكلّ ما لكم عليّ من حقوق!

وأنا أسأل الله تعالى أن يسامحني ويسامحكم، ويجمعني وإياكم (فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) [القمر].

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلَّم تَسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.