الأحد، 30 نوفمبر 2025

 فَضائِلُ الصَحابَةِ رضي الله عنهم:

من فضائل عمر بن الخطّاب رضي الله عنه.

بسمِ اللهِ الرَحمنِ الرَحيمِ

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ؛ رَضِيَ اللهُ  عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) [التوبة].

(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا، وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8).

وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ؛ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ - وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ - وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ؛ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) [الحشر].

أمّا بعد: فلا تخفى مكانةُ عمرَ بن الخطّاب رضي الله عنه، عند أهل السنة والإباضيّة على طالب علم، وقد وردت في فضله أحاديث كثيرة جدّاً، بعضها في صحاح البخاري ومسلم وابن حبان، وبعضها في المسانيد، وبعضها في كتب السنن، وبعضها في كتب العلل والموضوعات.

وثمّة كتابٌ جمع أصحَّ أربعين حديثاً في فضل عمر بن الخطّاب، وسمه مؤلّفه الإمامُ الحافظ عبدالغني المقدسيّ (ت: 600 هـ) «من فضائل عمر بن الخطّاب».

وقولي: أصحّ أربعين حديثاً؛ لا يعني أنها كلّها صحيحة، إنما فيها الصحيح والضعيف والواهي.

وكتب الإمام يوسف بن حسن المعروف بابن عبدالهادي الحنبلي (ت: 909 هـ) كتاباً في فضائل عمر، سمّاه «محض الصوابِ في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب» نشرته عمادة البحث العلميّ في الجامعة الإسلامية، في المدينة المنورة، عام (2000م) في ثلاثة مجلّدات، كان من الأنفع أن يرقّم لنا أحاديثَ الكتاب.

قال محقّقه الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عبدالمحسن في خاتمة كتابه (ص: 1010): «لم يكن المؤلّف قد التزم فيما يورده من الأحاديث والآثار الصّحة، ولذا كان في الكتاب جملة وافرة من الأحاديث الضّعيفة، بل والشّديدة الضّعف».

وثمّة كتابٌ جمع أصحَّ أربعين حديثاً في فضل عمر بن الخطّاب، وسمه مؤلّفه الإمامُ عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطيّ (ت: 911 هـ) «الغرر في فضائل عمر».

   وفي زماننا هذا؛ كُتبت ونشرت أبحاثٌ وأطروحاتٌ كثيرة جدّاً، تناولت جوانب من سيرة عمر بن الخطّاب، من أهمّها في نظري، أطروحة الدكتور اه الموسومة «دراسةٌ نقديّة في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب، وسياسته الإداريّة» للدكتور عبدالسلام بن محسن آل عيسى.
نشرتها عمادة البحث العلميّ بالجامعة الإسلامية، في المدينة المنورة، عام (2002م).

وقد جاءت هذه الأطروحة في مجلّدين، عدد صفحاتهما (1414) صفحة.

وإليك أخي القارئ الكريم خمسةَ أحاديثَ غير صحيحة في فضائل عمر:

(1) عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: «يا محمّد: قد استبشر أهل السماء بإسلام عمر» وقد ورد نحوُه عن الحسن البصريّ والزهريّ وداود بن الحصين، وجميعها ضعيفة، انظر محض الصواب (1: 168).

(2) وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من نبي إلا وله وزيران من أهل السماء، ووزيران من أهل الأرض، فأما وزيرايَ من أهل السماء فجبريل وميكائيل، وأما وزيرايَّ من أهل الأرض فأبو بكر وعمر) وإسناده ضعيف جدّاً، ومثله سائر الأحاديث التي تشير أنّ أبا بكر وعمر وزيرا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

إذ الوزير الوحيد للرسول؛ هو الإمام عليّ عليه السلام.

قال موسى عليه السلام: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) [سورة طه].

وقال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: (أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي) أخرجه البخاري ومسلم، وأخرج الترمذي في جامعه (3730) حديث جابر بن عبدالله، ثم قال: «وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص، وزيدِ بن أرقم، وأبي هريرة، وعائشة» رضي الله عنهم.

كان هارون وزيرَ موسى، وكان عليّ وزيرَ محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

(3) عن معروف بن خرّبوذَ المكيّ مولى عثمان رضي الله عنه قال: «كانت السّفارة إلى عمر بن الخطاب في الجاهلية، إن وقعت حرب بين قريش وغيرهم بعثوه سفيراً، أو نافرهم منافر، أو فاخرهم مفاخر، بعثوه منافراً ومفاخراً، ورضوا به» معروف تابعيّ لم يدرك الجاهليّة، ولم ينسب هذا الكلامَ إلى أحدٍ أقدمَ منه، وهو ذاته ضعيف، ضعّفه يحيى بن معين، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه.

(4) عن عقبة بن عامر الصحابي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ؛ لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) أخرجه الترمذيّ في جامعه (3686) وقَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ».

قال عداب: مشرح بن هاعان المصريّ هذا؛ ترجمه ابن حبان في الثقات (5: 452) وقال: يخطئ ويخالف!

وأعاد ترجمته في المجروحين (3: 28) وقال: «يروي عَن عقبَة بن عَامر أَحَادِيث مَنَاكِير لَا يُتَابع عَلَيْهَا...وَالصَّوَاب فِي أمره؛ تركُ مَا انْفَرد من الرِّوَايَات، وَالِاعْتِبَار بِمَا وَافق الثِّقَات» وههنا قد انفرد.

(5) لقبُ الفاروق، وردت عدة رواياتٍ تالفةٍ أنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم لقّب عمر بالفاروق.

انظر دراسة نقدية في مرويات شخصية عمر (1: 79) وقد ضعّفها كاتب الأطروحة جميعاً.

وقال في الموضع نفسه: «وقد اختلف فيمن لقّبه بهذا اللقب، فقيل: إن الذي لقّبه بذلك؛ هم أهل الكتاب.

قال الزهري رحمه الله: «وكان المسلمون يَأثرون ذلك من قولهم، ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر من ذلك شيئا».

وفي خاتمة أطروحته (2: 1145) قال: «لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لقب عمر رضي الله عنه بالفاروقِ، وهو رضي الله عنه جدير بهذا اللقب».

ختاماً: إنّ من أفضل ما أكرم الله تعالى به عمر بن الخطّاب؛ أنّ الصحابةَ في زمن خلافتِه لم يقتتلوا فيما بينهم، ولم يختلفوا اختلافاً مفرّقاً، رضي الله عنه وأرضاه.

والله تعالى أعلم.

والحمدُ لله على كلّ حال.

الثلاثاء، 25 نوفمبر 2025

 فَضائِلُ الصَحابَةِ رضي الله عنهم:

من فضائل أبي بكرٍ الصدّيق رضي الله عنه.

بسمِ اللهِ الرَحمنِ الرَحيمِ

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ؛ رَضِيَ اللهُ  عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) [التوبة].

(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا، وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8).

وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ؛ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ - وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ - وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ؛ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) [الحشر].

أمّا بعد: كتب أخونا الزميل الفاضل الأستاذ الدكتور سالم أحمد سلامة الغَزيّ ، حفظه الله تعالى وأهلَ غزّةَ أجمعين، رسالته للحصول على درجة الماجستير، من كلية الشريعة بجامعة أمّ القرى (1981م) بعنوان «الآياتُ والأحاديث الواردةُ في شأن أبي بكرٍ الصديق».

وقد جاءت رسالته في (512) صفحة، تناول فيها شخصيّة أبي بكرٍ وفضائله، وأرّخ لحياته من يوم ولادته، إلى يوم وفاته، وسأفيد من هذه الرسالةِ في هذا المنشورِ، مع عزو ما أفيده إليها.

قال الزميل الفاضل الدكتور سالم سلامة في التمهيد لرسالته (ص: ك): «وليس فيما انحدر إلينا من الروايات عن حياة الصدّيق الأولى، ما يساعد على التعرّف إلى شخصيّته في مرحلة طفولته حتى صباه، فما يُروى عن طفولته وصباه؛ لا غناء فيه، وما يُروى عن أبيه وأمّه؛ ذكر اسميهما ونسبيهما، وذكر ما كان منهما بعدما أصبح أبو بكر رجلاً من كبار المسلمين، له في حياة والديه أثر، وليس لهما أثر في حياته».

وسأختار خمسةَ أحاديثَ ضعيفةً وردت في فضائل أبي بكرٍ، من دون النظر إلى وجودها في هذه الرسالة، وبمعزلٍ عن أحكام الزميل الفاضل على أحاديث رسالته.

(1) عَنْ عَطِّيَةَ الْعَوْفِيّ،ِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ عِلِّيِّينَ؛ لَيُشْرِفُ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَتُضِيءُ الْجَنَّةُ لِوَجْهِهِ، كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمِنْهُمْ، وَأَنْعِما) أنعِما: أنعم بهما.

أخرجه ابن ماجه في السنن (96) وأبو داود في سننه (3987) والترمذي (3658) وقال: «هذا حديث حسن، روي من غير وجه عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري».

قال الفقير عداب: عطية العوفيّ: ضعّفه أحمد وأبو داود وأبو زرعة وأبو حاتم.

(2) عن عبدالله بن عمر، رضي الله عنهما؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ وَهُوَ آخِذٌ بِأَيْدِيهِمَا، وَقَالَ: هَكَذَا نُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أخرجه ابن ماجه في السنن (99) والترمذي في الجامع (3669) وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَسَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ بِالْقَوِيِّ.

(3) عن عَبْدِاللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ هَذَانِ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ) أخرجه الترمذي في جامعه (3671) وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْطَبٍ لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي الْبَاب عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.

قال الفقير عداب: في سنده عبدالعزيز بن المطّلب، لم يوثقه أحدٌ، وقال ابن معين وأبو حاتم: صالح الحديث، وقال الدارقطنيّ: يعتبر به.

(4) عن عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ زَوَّجَنِيَ ابْنَتَهُ وَحَمَلَنِي إِلَى دَارِ الْهِجْرَةِ وَأَعْتَقَ بِلَالًا مِنْ مَالِهِ، رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ يَقُولُ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا، تَرَكَهُ الْحَقُّ وَمَا لَهُ صَدِيقٌ، رَحِمَ اللَّهُ عُثْمَانَ تَسْتَحْيِيهِ الْمَلَائِكَةُ، رَحِمَ اللَّهُ عَلِيًّا اللَّهُمَّ أَدِرْ الْحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ) أخرجه الترمذي في الجامع (3714) وقَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْمُخْتَارُ بْنُ نَافِعٍ شَيْخٌ بَصْرِيٌّ كَثِيرُ الْغَرَائِبِ» قول الترمذي: غريب؛ يعني ضعيف.

(5) عَنْ أَنَسٍ بن مالك، رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَهُمْ جُلُوسٌ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَلَا يَرْفَعُ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَصَرَهُ، إِلَّا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَإِنَّهُمَا كَانَا يَنْظُرَانِ إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمَا، وَيَتَبَسَّمَانِ إِلَيْهِ، وَيَتَبَسَّمُ إِلَيْهِمَا) أخرجه الترمذي في جامعه (3668) وقَالَ:

«هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ عَطِيَّةَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ فِيه».

قال الفقير عداب: الحكم بن عطيّة: ضعّفه تلميذه أبو داود الطيالسيّ.

ختاماً: وردت في مناقب أبي بكرٍ أحاديث صحيحةٌ عديدة في صحاح البخاري ومسلم وابن حبّان، تجدها مجموعة من دون عناء، في كتاب «تحفة الصَديقِ في فضائل أبي بكر الصديق» لعلاء الدين الفارسي المعروف بابن بلبان (ت: 739 هـ).

والله تعالى أعلم.

والحمد لله على كلّ حال.

الأحد، 23 نوفمبر 2025

 فَضائِلُ الصَحابَةِ رضي الله عنهم:

من فضائل الإمام عليّ عليه السلام

بسمِ اللهِ الرَحمنِ الرَحيمِ

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ؛ رَضِيَ اللهُ  عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) [التوبة].

(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا، وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8).

وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ؛ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ - وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ - وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ؛ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) [الحشر].

أما بعد: بدأتُ بسردِ بعض الأحاديث الضعيفةِ، الواردة في فضائل الإمام عليّ، بخلاف المعتاد من البَدْءِ بأبي بكر ابن أبي قُحافةَ رضي الله عنهما؛ حتى لا يتحسّسَ بعض الإخوةِ الأمويين، بذكرِ بعضِ الأحاديث الضعيفةِ، في فضائل أبي بكر قبلَه.

وقد كتب الزميلُ الدكتور نهاد عبدالحليم عبيد الطرابلسيّ السَلَفيّ - رحمه الله تعالى - أطروحته للحصول على درجة الدكتوراه، من جامعة أمّ القرى بمكة المكرمة (1987م) بعنوان: (الأحاديث المرفوعة الواردة في فضل الإمام علي ودراستها بين أهل السنة والشيعة الإمامية) وقد صحبني الزميل الفاضل من لحظة تقديم خطّة الأطروحة، إلى يوم مناقشتها.

وقد كان عددُ الأحاديثِ التي درسها الزميل الفاضل (751) حديثاً (انظر ص: 1145).

كانت الأحاديث الصحيحةُ منها (58) حديثاً، بعضها مكرّر، والأحاديث الباقيةُ وعددها (693) حديثاً، جاءت بين ضعيف، وضعيف جدّاً، ومنكرٍ، وباطلٍ، وموضوع!

ومن الصعوبةِ بمكانٍ أن أسردَ  (693) حديثاً في هذا المنشور، إنما سأذكر خمسة أحاديث من أواخر الأطروحة، ثمّ أعقّب بما يفتح الله تعالى به.

(747) عن عبدالله بن العباس رضي الله عنهما، عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: (إنّ الله آخى بيني وبين عليّ بن أبي طالبٍ، وزوّجه ابنتي من فوق سماواته، وأشهد على ذلك مقرّبي ملائكته، وجعله لي وليّاً ووصيّاً، فعليٌّ مني وأنا منه، محبّه محبّي، ومبغضه مبغضي، وإن الملائكة لَتَتَقرّب إلى الله بمحبّته) انتهى.

قال الزميل نهاد: كذب مختلق، أخرجه ابن بابويه الصدوق في أماليه (ص: 76).

(748) عن الحسين بن عليّ بن أبي طالبٍ، عليهم السلام، عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: (نزل عليّ جبريل صبيحةَ يومٍ فرحاً مسروراً مستبشراً، فقلت: حبيبي! ما لي أراك فرحاً مسروراً؟

قال جبريل عليه السلام: يا محمد، كيف لا أكون فرحاً مستبشراً، وقد قرّت عيني بما أكرم الله أخاك ووصيك وإمام أمّتك علي بن أبي طالب؟

قال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: وبم أكرم الله أخي ووصيّي وإمام أمتي؟

قال جبريل: باهى الله بعبادته البارحة ملائكته وحملة عرشه، وقال: يا ملائكتي انظروا إلى حُجّتي في أرضي على عبادي، بعد نبيّي محمد، قد عفّر خدّه في التراب، تواضعاً لعظمتي!

أشهدكم أنّه إمام خلقي، ومولى بريّتي) انتهى.

قال الزميل الدكتور نهاد: موضوع، أخرجه أخطب خوارزم في المناقب (ص: 228).

(749) عن عبدالله بن العباس رضي الله عنهما، عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: (يا عليّ: أنا مدينة الحكمة وأنت بابها، ولن تؤتى المدينة إلا من قِبَل الباب، وكذبَ مَن زعم أنّه يُحبّني ويُبغضك، لأنك مني، وأنا منك، لحمكَ من لحمي، ودمُك من دمي، وروحك من روحي، و سريرتك سريرتي، وعلانيتك علانيتي، وأنت إمام أمتي وخليفتي عليها بعدي، سَعِدَ مَن أطاعك، وشقي من عصاك، وربح من تولّاك،

وخسر من عاداك، وفاز من لزمك، وهلك من فارقك، مَثَلُك ومثل الائمة من ولدك بعدي؛ مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، ومَثَلُكم مَثل النجوم، كلما غاب نجمٌ؛ طلع نجم إلى يوم القيامة) انتهى.

قال الزميل الدكتور نهاد: كذب موضوع، أخرجه ابن بابويه الصدوق في أماليه (ص: 162) وفي إكمال الدين (ص: 235).

(750) عن عبدالله بن عباسٍ، رضي الله عنهما قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبرَ، فخطبَ، واجتمع الناس إليه، فقال: يا معشر المؤمنين: إنّ الله عزوجل أوحى إلي أني مَقبوضٌ، وأنّ ابن عمي عليّاً مقتولٌ، وإني أيّها الناسُ أخبركم خبراً، إن عملتم به؛ سلمتُم، وإنْ تَركتموه؛ هَلَكتم!

إنّ ابنَ عمّي عليّاً هو أخي، وهو وزيري، وهو خليفتي، وهو المبلغ عني، وهو إمام المتقين، وقائد الغُرِّ المحجّلين.

إن استرشدتُموه؛ أرشدكم، وإن تَبعتموه؛ نجوتُم، وإنْ خالفتموه؛ ضللتُم وإنْ أطعتموه؛ فاللهَ أطعتم، وإنْ عَصيتموه؛ فاللهَ عَصيتم، وإن بايعتموه؛ فاللهَ بايعتُم، وإنْ نَكثتُم بيعتَه؛ فبيعةَ اللهِ نَكثتم!

إن الله عزوجل أنزل علي القرآنَ، الذي مَن خالفه؛ ضلَّ، ومَن ابتغى علمَه عند غير عليٍّ؛ هلَكَ!

أيها الناس: اسمعوا قولي، واعرَفوا حقَّ نَصيحتي، ولاتُخلفوني في أهل بيتي، إلّا بالذي أُمرتم به، مِن حِفظِهم؛ فإنهم حامَتي وقَرابتي وإخوتي وأولادي ، وإنّكم مجموعون ومساءَلون عن الثَقلين، فانظروا كيف تُخلفوني فيهما...) الحديث بطوله.

قال الزميل الدكتور نهاد: كذب مختلق، أخرجه الصدوق في أماليه (ص: 40) وهو في بحار الأنوار (34: 94) و(38: 94).  

(751) عن أبي الطُفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن اليمان، رضي الله عنهما، عن عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: (يا حذيفةُ: إنّ حجّةَ الله عليكم بعدي علي بن أبي طالب، الكفر به؛ كفرٌ باللهِ، والشركُ به؛ شرك بالله، والشكّ فيه؛ شك في الله، والإلحادُ فيه؛ إلحادٌ في الله، والإنكارُ له؛ إنكارٌ لله، والإيمانُ به؛ إيمانٌ بالله، لأنه أخو رسولِ اللهِ، ووصيُّه وإمامُ

أُمتِه ومَولاهم، وهو حبلُ الله المتينُ، والعُروةُ الوُثقى، التي لا انفصام لها، وسيهلك فيه اثنان، ولاذنب له : مُحبٌّ غالٍ، ومُقصّرٌ!

يا حذيفةُ: لا تُفارقَنَّ عليّاً، فتُفارقني، ولا تُخالِفَنَّ عليّاً، فتخالفني.

إنّ علياً مني وأنا منه، مَن أسخطه؛ فقد أسخطني، ومَن أرضاه؛ فقد

أرضاني) انتهى.

قال الزميل الدكتور نهاد عُبيد، رحمه الله تعالى: موضوع سنداً ومتناً، أخرجه الصدوق في أماليه (ص: 138) وهو في البحار (34: 97).

ختاماً: انظُرْ أخي القارئ الكريم، إلى هذا التضليلِ البغيض (693) حديثاً، بين ضعيف، وضعيف جدّاً، ومنكرٍ، وباطلٍ، وموضوع، كيف سيعرف العاميّ الشيعيّ غير المختصّ بأنّ أئمّته الكليني والصدوق وغيرهما؛ يضلّلونه ويكذبون عليه، وأنّ أكثرَ تلكَ الأحاديثِ التي أودعوها في مصنّفاتهم؛ باطلةٌ مكذوبة؟

لهذا وغيره أقول لإخواني المسلمين من أهل السنّة والزيديّة والإباضيّة: ارحَموا عامّة الشيعة الإماميّة، فهم مُضَلَّلون، واعذروهم في غلوّهم؛ فهم بنقد الروايات جاهلون!

وإنّا لله وإنا إليه راجعون.

والحمد لله على كلّ حال.

السبت، 22 نوفمبر 2025

  فَضائِلُ الصَحابَةِ رضي الله عنهم:

 بسمِ اللهِ الرَحمنِ الرَحيمِ

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ؛ رَضِيَ اللهُ  عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) [التوبة].

(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا، وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8).

وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ؛ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ - وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ - وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ؛ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) [الحشر].

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ  عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) [الفتح].

(لَقَدْ تَابَ اللهُ  عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ، مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ؛ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) [التوبة].

(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ، إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ، حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ، وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ، مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا، وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ.

ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللهُ  ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152).

إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ، وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ، فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ؛ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ، وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) [آل عمران].

(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ  فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ، فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا، وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ  سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا، وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) [التوبة].

(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: مَا وَعَدَنَا اللهُ  وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) [الأحزاب].

(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ، وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ، لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ، سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101).

وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ، خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، عَسَى اللهُ  أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ؛ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) [التوبة].

أمّا بعد: هذه هي أحوال الصحابةِ في عصر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم:

فيهم الذين سبقت لهم من الله تعالى الحُسنى.

وفيهم الذين رضي الله تعالى عنهم ورضوا عنه.

وفيهم الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، والمرجوّ من الله تعالى أن يعفو عنهم.

وفيهم قوم يريدون الله والدار الآخرة.

وفيهم قوم يريدون الدنيا.

وفيهم الذين هربوا في بعضِ المعارك أمام المشركين.

وفيهم المنافقون الذين يشككون بأقوال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وفيهم قومٌ مَرَدوا على النفاق.

وفيهم أناسٌ ارتّدوا في حياةِ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وفيهم أناسٌ ارتدّوا بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وفيهم قلّة من العلماء، لا يتجاوز عددهم ثلاثين صحابيّاً، وفق أكثر الإحصائيات تسامحاً.

والكثرة الكاثرةُ منهم من العوامّ، الذين يتكلّم بأسمائهم أمراء عشائرهم، وهؤلاء لا نعلم شيئاً عن كيفيّة إسلامِ أكثرهم، إلّا بورود أسمائهم في كتب الروايات.

فتصوير الصحابةِ بأنهم ذروة الدين والتقوى والإخلاص والعلم والمعرفة؛ غير صحيح أبداً، وتصويرهم بأنهم قومٌ لا عهدَ لهم ولا وفاءَ ولا إخلاصَ؛ جريمةٌ فكريّة، وحَيدةٌ فظيعةٌ عن ميزان العدلِ والتقوى!

إنما هم مجتمع إنسانيّ، الأصل فيه:

(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6).

[التين].

(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) [يوسف].

(وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ؛ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ، إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) [الأنعام].

قال الإمام أبو عمر ابن عبدالبَرِّ في مقدمة كتابه الاستيعاب (1: 2):

«قَالَ الله تعالى ذِكرُه: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ  وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ  وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) [الفتح].

فهذه صفةُ مَن بادر إلى تصديقهِ - صلّى الله عليه وآله وسلّم - والإيمانِ به، وآزره ونصره، ولصق به وصحبه، وليس كذلك جميعُ مَن رآه، ولا جَميع مَن آمن به.

وسترى منازلهم من الدينِ والإيمانِ، وفضائلَ ذوي الفضل والتقدم منهم».

وقد امتلأت كتبُ الروايةِ عند أهل السنة والشيعة الإمامية خاصّةً بروايات الفضائل والمناقب الباطلة، حتى بلغت الألوف، ساهمت في تعصّب كلّ فريقٍ من المسلمين المتباغضين لقادتهم وكبارهم، ضدّ قادة خصومهم ورموزهم، وخاصّة الأربعة الخلفاءَ «أبا بكر وعمر وعثمان وعليّ، رضي الله تعالى عنهم».

ومن ينظر في روايات الفضائل لدى الفرقاءِ؛ يتبادر إلى ذهنه أنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، لم يكن لديه شُغلٌ، سوى تعداد مناقب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي!

قَالَ أبو عمر ابنُ عبدالبَرِّ: «فضل رسول الله صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ جماعة من أصحابه بفضائلَ، خص كل واحد منهم بفضيلةٍ وسَمَه بها، وذكَرَه فيها، ولم يأت عنه عليه السلام أنه فضل منهم واحدًا على صاحبِه بعينِه، من وَجهٍ يَصحُّ، ولكنه ذكر من فضائلهم ما يُستدل به على مواضعهم ومنازلهم من الفضل والدين والعلم، وكان صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أحلمَ وأكرم معاشرةً، وأعلم بمحاسن الأخلاقِ؛ من أن يواجهَ فاضلاً منهم بأن غيره أفضلُ منه، فيجد من ذلك في نفسه.

بل فضّل السابقين منهم وأهلَ الاختصاص به؛ على من لم ينل منازلهم فقال لهم: (لو أنفق أحدُكم مثل أحد ذَهَبًا؛ مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ) أخرجه البخاريّ (3673) ومسلم (2541).

وهذا من معنى قول الله تعالى: (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ، أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ الله الْحُسْنى (95) [النساء]

ومحالٌ أن يستويَ من قاتلَ رسولَ الله صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، مع من قاتل عنه».

وهدفي من سردِ أشهرِ وأبرز الأحاديثِ التي يتمسّك بها كلّ فريق، ويبني عليها ولاءه وبراءه، وهي غير صحيحة أصلاً؛ أن يتبيّن للقارئ الكريم؛ أنّ تعصّبه للأشخاص - مهما كانت منزلتهم - باطلٌ، إذ القدوة والأسوة هو الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وجميعُ أمّته من بعده خطّاؤون!

ومن الضروريّ أن يتنبّه عوامُّ المسلمين إلى أنّ الحبَّ والبغضَ، والخصومة والانحياز؛ طبائع بشريّة، لا ينفك عنها حتى الأنبياء!

ولولا أنها كذلك؛ ما اقتتل الصحابة فيما بينهم، ولما لعن فريق منهم الفريقَ الآخر.

وإذا أردنا العدلَ والإنصافَ؛ فنحن نتابع أخطاءَهم، ونكرّس عداواتهم، حتى صارت حروب المسلمين فيما بينهم؛ أكثرَ وأعظمَ شرّاً من حروبهم مع الكافرين الأصليين!

لا بل ذهبنا - في هذا العصر - أبعدَ من ذلك؛ فنحن نحاربُ المسلمين المتطرّفين المخطئين، جنباً إلى جنبٍ مع أعداء الإسلام والمسلمين!

ونسعى جاهدين لننالَ رضاهم، ونستجدي عفوهم ورحمتهم!

إنّ الشيعة الإماميّة اليومَ؛ ليسوا شرذمةً ضعيفة منبوذةً في هذا العالم!

إنما هم مئاتُ الملايين من المسلمين الموحّدين، الذين أضلّتهم رواياتٌ باطلةٌ، أوغرت صدورهم تجاه صحابة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم، وتجاه مُعظِّمي الصحابة من بعدهم!

وإذا لم يقم علماؤهم وشيوخهم بنقد تراثهم الروائيّ الواهي، لأسباب سياسيّة وعنصريّة؛ فيتوجّب علينا نحن أن ننقدها مرّتين:

المرّة الأولى: نوجّه إليها النقدَ وَفقَ معاييرهم النقدية التي سطروها في كتب الدرايةِ، وفي مكتبتي منها أكثر من عشرين مجلّداً.

والمرة الثانية: وفق المتّفق عليه من منهج المحدّثين.

وعلى قادةِ أهل السنّة الملتزمين بدينهم؛ أن يعدّوا هذا العمل الشاقّ الطويلَ؛ باباً من أبواب الدعوةِ إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة!

والله تعالى أعلم

والحمد لله على كل حال.

 

الجمعة، 21 نوفمبر 2025

  وَقَفاتٌ مَعَ الأدَبِ والشِعْرِ:

  بَيتٌ شعريّ مضطرب!

 بسم اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

(الْحَمْدُ اللهِ، وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى).

أمّا بعد: تواصل معي أحد أصدقاء صفحتي يقول: «بصفتك شاعراً، أرجو بيان الصواب في قراءة هذا البيت الشعريّ الذي قرأتُه في مصنّف ابن أبي شيبة:

لَا يَزَالُ جَوَادِي تَلُوحُ عِظَامُهُ

زَوَى الْحَرْبَ عَنْهُ أَنْ يُجَنَّ فَيُقْبَرَا

وشكراً لكم»

أقول وبالله التوفيق:

أوّلاً: أنا الفقير لستُ بشاعرٍ، إنما أقول الشعرَ، وأكتب النظمَ فحسب!

ثانياً: صَدْرُ هذا البيت من الشعر؛ مكسورُ الوزن، ولم أجدْه فيما تحتَ يديَّ من كتب الأدبِ ودواوينِ الشعرِ، إنما وَرَد كثيراً في كتب الحديثِ والروايات، بصيغ متعدّدة، أكثرها غيرُ واضح المعنى.

ثانياً: هو في مصنّف ابن أبي شيبة (7: 526) بلفظ:

لَا يَزَالُ جَوَادِي تَلُوحُ عِظَامُهُ

زَوَى الْحَرْبَ عَنْهُ أَنْ يُجَنَّ فَيُقْبَرَا.

وهو في مسند أحمد (33: 24) والمعجم الأوسط للطبراني (7: 133) بلفظ:

لَا يَزَالُ حَوَارِيٌّ تَلُوحُ عِظَامُهُ

زَوَى الْحَرْبَ عَنْهُ أَنْ يُجَنَّ فَيُقْبَرَا

وهو في مسند البزّار (9: 303، 310) وأحاديث الشعر (ص: 113) بلفظ:

تَرَكْتُ حَوَارِيًّا تَلُوحُ عِظَامُهُ

زَوَى الْحَرْبَ عَنْهُ أَنْ يُجَنَّ فَيُقْبَرَا

وهو مستقيمُ الوزن، كما ترى، وعند البزّار أنّ هذا البيتَ قيلَ في حمزةَ بن عبدالمطّلب رضي الله عنهما.

وهو في مسند أبي يعلى الموصليّ (13: 429) بلفظ:

يَزَالُ حَوَارٍ مَا تَزُولُ عِظَامُهُ

زَوَى الْحَرْبُ عَنْهُ أَنْ يُجَنَّ فَيُقْبَرَا

وهو مستقيمُ الوزن، كما ترى!

وهو في المعجم الكبير للطبرانيّ (11: 38) بلفظ:

ولَا يَزَالُ حَوَارِيٌّ تَلُوحُ عِظَامُهُ

زَوَى الْحَرْبُ عَنْهُ أَنْ يُجَنَّ فَيُقْبَرَا

وهو في إتحاف الخيرةِ المهرة للبوصيريّ (6: 278) بلفظ:

لايزال جواري لاتلوح عظامه

ذوى الحرب عنه أن يخر فيقبرا

وفي المطالب العالية لابن حجر (11: 538) بلفظ:

لَا يَزَالُ جَوَارِيَّ لَا يَلُوحُ عِظَامُهُ

زَوَى الْحَرْبُ عَنْهُ أَنْ يُجَنَّ فَيَقبُرَا

ورُويَ على غيرِ هذا النَظْمِ، وفي هذا كفاية.

وسبب ورود هذا الحديثِ؛ أنّ الصحابيين القُرَشيين اللذين نُسبَ إليهما هذا الكلامَ؛ تمثّلاً به عندما كانا يشربان الخمرةَ قبل تحريمها، تشفّيا في قتل أسدِ الله الحمزة رضي الله عنه وأرضاه.

وصواب هذا البيت الشعريّ وزناً ومعنى، من وجهةِ نظري.

تَرَكْتُ حَوَارِيًّا تَلُوحُ عِظَامُهُ

زَوَى الْحَرْبَ عَنْهُ أَنْ يَخِرَّ، فَيُقْبَرَا

أوْ: زَوَى الْحَرْبَ عَنْهُ أَنْ يُحَزَّ، فَيُقْبَرَا

إذْ معنى الحواريِّ: النصير والمؤازر، وهكذا كان حمزة!

ومعنى أنْ يخرّ: أن يتهاوى صريعاً بعدَ أنْ طُعن!

ومعنى أنْ يُحزَّ: أن يُفلقَ جسمه أو عنقه بالسيف.

أمّا بقيّةُ ألوان الرسمِ الذي شاهدناه؛ فهي أخطاء من نُسّاخِ المخطوطاتِ، أو من المحققين، الذين لا يعرفون نظم الشعر ولا أوزانَ بحوره.

والله تعالى أعلم.

والحمد لله على كلّ حال.

الأربعاء، 5 نوفمبر 2025

 المُشْكِلَةُ الشيعيّة:

ما رأيك بصحيح الكافي !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

سألني أحدُ الإخوةِ أصدقاء صفحتي - وأظنّه من الشيعة الإمامية - قال: هل اطّلعتَ على كتاب «صحيح الكافي» للشيخ محمد الباقر البَهدوديّ، وما رأيُك بنقدِه، وهل نقدُه أفضلُ، أو نقدُ المجلسيّ أفضل، وهل يسع الواحدَ منّا أن يتابعَه في أحكامه النقديّةِ هذه، وأن يفرّعَ على مضمون تلك الروايات عقائدَ وأحكاماً؟

أقول وبالله التوفيق:

مضى زمانٌ طويلٌ، لم أنشر شيئاً يتعلّق بفكر الطائفة الإماميّة أو ثقافتها بوجه عام، مع ورود أسئلةٍ عديدةٍ إليّ في هذا الاتّجاه.

وقد وجدتُ لديَّ بعضَ القوّةِ، وتراجع الآلام المبرحة؛ فأجبت على هذا السؤال، على النحو الآتي:

أوّلاً: معرفتي بالشيخ محمد الباقر البهبوديّ، رحمه الله تعالى؛ قليلةٌ جدّاً، إذ للرجل كتب كثيرةٌ، لم أطّلعْ أنا الفقير منها، إلّا على كتابين:

الأوّل: معرفة الحديثِ وتاريخُ نشره وتدوينه وثقافته عند الشيعة الإماميّة، ويقع الكتاب في (380) صفحة طباعيّة، سوى فهارس الكتاب (381 - 400) صدر عن دار الهادي، عام (2006م) تناول فيه مباحث مهمّة:

- منها ترجمة (150) راوياً من الضعفاء والمتروكين.   

- ومنها تعريفه بعشرةِ كتبٍ من المختلفِ بين نُسخها ونسبتها ونحو ذلك.

- ومنها خمسةَ عشر كتاباً وجُزءاً من الكتبِ المنسوبةِ كّذباً إلى الثقات.

والثاني: «صحيح الكافي» من سلسلة صحاحِ الأحاديث عند الشيعة الإمامية.

وهو كتابٌ اجتهد مؤلّفه بأنّ الأحاديث التي أودعها فيه؛ هي صحيحةٌ، وفق المنهج الذي اختاره للحكم على الحديث.

ثانياً: صدرت طبعة الكتاب الأولى، عام (1981) عن الدار الإسلامية للنشر والتوزيع في بيروت، في ثلاثة مجلّداتٍ، احتوت على (4428) حديثاً.

اختارها المؤلّف من كتاب «الكافي» لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني (ت: 328 هـ) وقد زادت أحاديث الكافي على (16000) حديث!

وهذا يعني أنّ نسبة الصحيح في هذا الكتابِ، من وجهة نظر الشيخ البهبودي؛ لا تتجاوز (27%) من جملة أحاديث الكتاب.

ثالثاً: من وراءِ المقارنةِ الجزئيّة بين أحكامِ العلّامة المجلسيّ، وأحكام الشيخ البهبودي؛ تبيّن لي أنّ الشيخ البهبوديّ وافقَ المجلسيَّ في أكثرِ أحكامِه على الأحاديثِ، وخالفه في بعضها.

وهذا يعني أنّه مستقلٌّ في نقدِه، وليس مقلّداً للمجلسيّ.

وتوضيح ذلك ببعضِ الأمثلة؛ أدعى إلى الطمأنينة!

كأنّنا جئنا إلى باب «البَداء» في مرآة العقولِ شرح الكافي للمجلسي (2: 41 - 65) وهو في صحيح الكافي للبهبوديّ (1: 17).

أورد الكليني في باب البداء هذا (17) حديثاً، حكم المجلسي على ثلاثة أحاديث (1، 10، 12) بالصحيح، وعلى أربعة أحاديث (3، 4، 5، 16) بالحسن، وحكم على عشرة أحاديث بالجهالة أو الضعف!

بينما أورد البهبوديُّ في باب البداء هذا ثمانية أحاديثَ (1، 2، 3، 4، 7، 8، 9، 10) حكم عليها بالصحة!

وقد توافق البهبوديُّ والمجلسيّ في حكمهما على أربعة أحاديثَ (1، 3، 4، 10) فيكون البهبوديّ حكم على تسعة أحاديثَ بالضعف!

ونظراً لمخالفةِ البهبوديّ للمجلسيّ كثيراً، كما ترى؛ فقد ردّ عليه غير واحدٍ من علماء الشيعة، من الأخباريين والأصوليين على حدٍّ سواء!

وأنا أدعو القرّاء الكرامَ إلى قراءة شرحِ المجلسيّ لباب «البداء» حتى يطّلع على حقيقة مذهب الإماميّة في هذه المسألة الشائكة!

رابعاً: لا أستطيع أن أفضّل أحكام المجلسيّ على أحكام البهبوديّ، ولا أحكام البهبوديّ على أحكام المجلسيّ، حتى أخرّج الروايات التي صحّحها كلّ واحدٍ منهما، وعسى أن يكون في منشورٍ تالٍ.

خامساً: من الطبيعيّ أنني لا أعتمد تصحيح المجلسيّ، ولا تصحيح البهبوديّ، لأسباب عديدة:

(أ) ليس في باب البداء حديثٌ واحدٌ عن أهل الكساء (الرسول - علي - فاطمة - الحسن - الحسين) عليهم الصلاة والسلام، إنما هي رواياتٌ مَقطوعةٌ على الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام، وأنا لا أرى صحّةَ مقولةِ (حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديثُ جدّي).

إنّما إذا صحّت الروايةُ عن الباقر أو الصادق، أقول: قال الباقر عليه السلام، ولا أعدّ الحديث مسنداً إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، إنما هو قوله وفقهه!

(ب) الإمامية يقولون: إنّ الأئمة المعصومين المتأخرين؛ لم يتلقّوا العلمَ إلّا عن الأئمة المعصومين المتقدّمين، وهذا مسوّغ اعتبار كلام الباقر، هو ذاتُه كلامَ الرسول!

وهذا غير صحيح أبداً.

ففي ترجمة الإمام محمد بن علي بن الحسين الباقر (ت: 118 هـ) في تهذيب الكمال (26: 137) أورد له المزيُّ ثلاثةً وعشرين شيخاً، منهم خمسةٌ من آل البيتِ، وثمانية عشر شيخاً ليسوا من أهل البيت، منهم:

- إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص.

- حرملةُ مولى أسامة بن زيد.

- سعيد بن المسيب.

- عبيدالله بن أبي رافع.

وهذا يعني أنّ أئمّة أهل البيت تلقَّوا بعضَ علومهم عن أناسٍ غير معصومين، فكيف أعدّ كلّ ما نُقل عنهم تشريعاً؟

(ج) مسألة العصمةِ لم تثبت لأحدٍ من علماءِ آل البيت، ولا ادّعاها واحدٌ منهم، إنّما هي خصّيصاً للرسل والأنبياء، وأدلّة الإماميّة في هذه المسألةِ؛ عموماتٌ واحتمالاتٌ، لا تصلح لأن تكون دليلاً ملزماً لأحد!

وإذْ كان قولِ علماءِ آل البيتِ؛ هو اجتهاداتِهم في فهم هذا الدين الحنيف؛ فأنا لا أستطيع أن ألزم المسلمين به، مثلما لا أستطيع نسبتَه إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

فلو صحّ عندي - وليس عند المجلسيّ أو البهبوديّ - قولُ الصادق عليه السلام: (ما عُظّم اللهُ بمثل البَداءِ) لقلتُ: هذا اجتهادُه وفهمه، وعليّ البحثُ عن موافقته أو مخالفته!

خلاصة الكلام: صحيح الكافي للشيخ محمد باقر البهبوديّ، رحمه الله تعالى؛ جهد فرديّ قابلٌ للصواب والخطأ.

ومن يرى فيه الاجتهادَ في النقدِ الحديثيِّ، من عامّة الإماميّة ومثقفيهم؛ فله متابعتُه في أحكامه، من غير أن يكون هذا حجّةً على مخالف!

والله تعالى أعلم.

والحمد لله على كلّ حال.

الأربعاء، 8 أكتوبر 2025

      التصوف العليم:

الكفُّ عن الموتى!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(الحمدُ للهِ، وسَلامٌ على عِبادِه الذين اصْطَفى(.

أمّا بعد: من آدابِ الإسلامِ الحنيفِ؛ الكفُّ عن نَبْشِ مساوئ المسلمِ متى توفي!

قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم: (لا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ؛ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّموا) أخرجه البخاري وغيره، من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً.

وقال صلى الله عليه وآله وسلّم: (إذا مات صاحبكم؛ فدعوه، ولا تقعوا فيه) أخرجه ابن حبّان في صحيحه (3019) والدارمي في سننه، وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

وقد سمعتُ عدداً من أهلي يقولون: «الموتُ ينهي الخلافَ، ويوجبُ الرحمة»!

ومن أجمل عاداتِ العراقيين؛ أنّهم يترحّمون على المتوفّى، ويكفّون عن ذكر مساوئه وإساءاته، مهما كانت الخصومة شديدةً مع المتوفى.

أمّا مشايخنا الصوفيّة؛ فكانوا يقولون لنا: «متى مات المسلم؛ يتعيّن على الصوفيّ أن يسامحه، وأن يدعو له خاصّةً عقبَ دفنه، لما جاء عن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّه إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ؛ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: (اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ؛ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ) أخرجه جمع من المحدثين، منهم أبو داود (3221) وفي إسناده خلاف.

وكانوا يوصوننا بأن ندعو لكلّ المسلمين في صلواتنا، بدعاء أبينا إبراهيم عليه السلام (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي، رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) [سورة إبراهيم].

وممّا جرى معي شخصيّاً، عقب رفضِ أطروحتي للدكتوراه في العراق؛ أنني غدوتُ أدعو على لجنة المناقشةِ في كلّ صلاة، أزيدَ من أربعين يوماً - فيما أتذكّر -

فسمعتُ في المنام صوتَ رجلٍ عالياً جدّاً ومرعباً، يتلو قوله تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، أَوْ يُعَذِّبَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) [آل عمران].

فعدلتُ عن الدعاء عليهم، إلى الدعاء لهم، بهذه الصيغة: «اللهم أحسن إلى كلِّ من أحسن إليّ، وسامحني، وسامح من أساء إليّ من المسلمين».

بعضُ مشايخي وأساتذتي الذين ظلموني، قد يصعب علي الصفح عنهم، بيد أنّ أدعيتي السابقَةَ تشملهم، والله يغفر لنا ولهم.

والحمد لله على كلّ حال.

الأحد، 28 سبتمبر 2025

       التصوف العليم:

التَصوُّفُ العَليمُ ما هوَ !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(الحمدُ للهِ، وسَلامٌ على عِبادِه الذين اصْطَفى(.

أمّا بعد: قال لي صاحبي: «أكثرتَ علينا من الكلامِ تحتَ عنوان «التَصوُّفُ العَليمُ» حبّذا لو تشرحُ لنا مفهومَ «التصوّفِ العليم» بكلماتٍ قليلاتٍ!

أقول وبالله التوفيق:

في الحديثِ المعروفِ بحديثِ جبريلَ عليه السلام؛ أنّه سألَ الرسولَ محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلم قائلاً: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ،  وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.

قَالَ جبريلُ: صَدَقْتَ!

قَالَ عمر: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ!

قَالَ جبريلُ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ؟ قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. قَالَ جبريلُ: صَدَقْتَ.

قَالَ جبريلُ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِحْسَانِ؟ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ؛ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) الحديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم والترمذيُّ وقال: حديث حسن صحيح.

وجوابُ سؤالِك الوجيزُ - أخي السائلُ - هو الالتزامُ بتطبيق نصوص الكتاب الكريم والحديثِ النبويّ الصحيح، والاسترشادُ بفتوى فقيهٍ سالكٍ!

أمّا الجوابُ الموسّع قليلاً: فالتصوف العليم يشمل كلَّ توجيه قرآنيّ نحو العبادةِ العامّةِ والخاصّةِ، المفروضةِ والمندوبةِ، وكلَّ صيغةِ ذِكْرٍ ودعاءٍ وضراعةٍ وتوبةٍ واستغفارٍ واردةٍ في القرآن الكريم!

عندما يُرغّبُ القرآن الكريم بتلاوتِه؛ تطبيق ذلك من التصوّف العليم.

عندما يُرغّبُ القرآن الكريم بقيامِ الليلِ؛ تطبيق ذلك من التصوّف العليم.

عندما يُرغّبُ القرآن الكريم بالإنفاق في سبيل الله؛ تطبيق ذلك من التصوّف العليم.

عندما يُرغّبُ القرآن الكريم بالأمر بالمعروف؛ تطبيق ذلك من التصوّف العليم.

عندما يُرغّبُ القرآن الكريم ببرّ الوالدين؛ تطبيق ذلك من التصوّف العليم.

عندما يُرغّبُ القرآن الكريم بحسن الخلق؛ تطبيق ذلك من التصوّف العليم.

وهكذا كلّ خيرٍ أراد الله تعالى منّا أن نأتيَه؛ تطبيقه من التصوّف العليم.

بعيداً عن التنطّعِ والغلوِّ والتشدّدِ، إذ «التشدّدُ يُحسنه كلُّ أحدٍ، وإنما الفتوى رخصةٌ من عالم» كما يقول الإمامُ سفيان الثوريّ!

قيل للإمام عليّ عليه السلام: هؤلاء يصلّون الضحى، ويصلّون التراويحَ جماعةً، أفلا ننهاهم؟

قال: «دعوا الناسَ وما ألِفوه، فإنّ الله تعالى لا يُعاقبُ على الصلاةِ».

وفي روايةٍ أخرى قال: «ويحكم! أفلا تقرؤون قول الله تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) [سورة العلق].

والله تعالى أعلم.

والحمد للهِ على كلِّ حالٍ.

الاثنين، 22 سبتمبر 2025

        التصوف العليم:

الحَمدُ للهِ على نعمةِ التَصوّفِ !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(الحمدُ للهِ، وسَلامٌ على عِبادِه الذين اصْطَفى(.

أمّا بعد: أعتذرُ من جميع قرّائي وأصدقائي الكرامِ، إذا صرّحتُ بأنني لا أتابعُ أحداً منهم البتّةَ، ولذلك أسباب عديدةٌ عندي، أيسرها اجتنابُ سبّ بعضهم أو سبّ قرّائه إيّاي، جهلاً أو حُمقاً أو لؤماً أو هوى!

وجميعُ تعليقاتي التي ترونها على صفحات «الفيس» أسطُرها عندما تمرّ بي صفحةُ أحدهم!

وإذا علّقتُ ناصحاً، وشتمني أحدُ السفهاءِ؛ لا أعلّق على كلامه غالباً، لأنني أعذر الناسَ بالجهلِ، كما أعذرهُم بالاجتهاد!

وقد ظَهرتْ أمامي صفحةُ «دكتور» في الحديث النبويّ الشريف، شتم فيها عدداً من أكابرِ علماء المسلمين شتائمَ قميئةً، يستحيي المسلمُ العاقلُ - فضلاً عن العالم - أن يقذف بها أحدَ سفهاءِ العوام، وممّا قال: «الكوثريّ على وساختِه».

كنت في الرابعةِ أو الخامسةِ من عمري - تقريباً - عندما استأذنتُ والدتي لأشتري حلوى من دكان الحيّ القريبة من بيتنا.

سمعتُ أحدَ الصغارِ يشتمُ صغيراً آخر، يقول له: «أخو القــــ..ح، ابن القــــ..ح» ويضربُ أحدُهما الآخرَ.

عندما رجعتُ أحملُ الحلوى؛ خَلّصتني إحدى بناتِ عمّي الأكبرِ مني سنّاً قليلاً الحلوى، وراحت تقضمها بسرعةٍ حتى لا يُشاركها بها أحدٌ من صغار الدار!

غضبتُ منها كثيراً، وشتمتها «رَشّاً» عدداً من تلك الشتيمةِ التي سمعتها في «الحارة» وأنا لا أعرف من معناها، إلّا أنها تعبيرٌ عن الغضب والاستنكار!

والدةُ بنتِ عمّي؛ هي أمّي من الرضاعِ، عندما سمعتني أشتم ابنتها بتلك الشتائم؛ ضربت وجهها بكفّيها، وأقبلت عليّ، وأطبقت بكفّها على فمي، وهي تقول: «عيب يا عداب، لو سمعك جدُّك، سيسلخُ جلدَك» وكنّا نهابُه هيبةً عجيبةً رحمه الله تعالى.

لست أدري من الذي أبلغَ جدّي تلك المصيبةَ، فأجرى معي تحقيقاً مطوّلاً، وأنا «مثل الأطرش في الزّفّة» فلما استيقنَ من أنني لا أعرف معنى تلك الشتيمةِ؛ قال لي: «هذه الشتيمة تستوجبُ حدّ القذفَ ثمانين جلدةً» وأنا لا أعرف معنى القذفِ، ولا حتى معنى الجَلد!

كان لدى جدّي أنواع وأحجامٌ من أعواد «الخيزران» فاستلّ عوداً رفيعاً جدّاً، وضربني على كفيّ وقدميّ عشرين جلدةً، غدوت أصرخ حتى كاد يغمى عليّ!

ثمّ بعد عدّةِ أيّام جلدني على كتفيّ عشرين جلدةً أخر، حتى أتمّ ثمانين جلدةً في أسبوع، كما قال لي!

بعد هذه العقوبةِ؛ لا أتذكّر أنني شتمت مخلوقاً، أيّ شتيمةٍ جارحة!

وعلى كثرةِ الصراعاتِ الشخصية والحزبية والسياسيّة في أيّام شبابنا؛ كنت ربما ضربت خصمي بقسوة بالغةٍ، بيد أنني لا أتذكّر أنني شتمتُ أحداً منهم أيّ شتيمة!

كان شيخنا ومُربّينا الشهيد مروان حديد، رحمه الله تعالى رأساً في عفّة اللسان، مهما غضب وأثير، وأفظع شتيمة سمعتها منه طيلةَ أحد عشر عاماً من صحبته، جملة «هذا ابن الستّة عشر»!

حتى عندما شتمه الرئيس «أمين الحافظ» شتيمةَ «ابن شوارع» أجابه الشهيد مروان:

«ويلاك أمين: خلّ خصومتك شريفة، عيب عليك»!

سألته بعد سنواتٍ: شيخنا هو اسمه مركّب «محمّد أمين» لم خاطبته بأمين فحسب؟

قال مستاءً من سؤالي «الساذج»: هل يليق أن أذكر اسم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ أقول: «ويلاك... خلّ خصومتك شريفة»؟

في دُورِ الفقراء «الشاذليّة والنقشيّة والخلوتية والقادريّة والرفاعيّة» كانوا يربّوننا على احتمال الإخوان، والاستغفار لهم، والصبر على السفهاءِ والدعاء لهم.

ولعلّي سمعت جملة «ما فازَ من فاز إلّا بالأدب» وجملةَ «الأخلاقُ قبل العلم والذكر» وجملة «من عَلم أنّ كلامَه من عمله؛ قلّ كلامُه وكثر صمته» مئاتِ المرّات!

وأنا أسألُ ذاك الدكتور والمعلّقين على صفحتِه: «كم حسنةً تُسجّل في صحيفته» عندما جعل العلّامةَ الكوثريَّ - رحمه الله تعالى - «وَسخاً»؟

الصحابةُ رضي الله عنهم اختلفوا وقتلَ بعضُهم بعضاً، ولعنت طائفة منهم أنبلَ المسلمين وأتقاهم!

ونحن نختلف كثيراً، ولا يقتل بعضنا بعضاً، والحمد لله ربّ العالمين، أفلا نتذكّر تلك المعاني الساميةَ، فلا نفجر في خصوماتنا؟

ألم يسمع أولئك الإخوة الشتّامين قول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم (لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا.

الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) أخرجه البخاري ومسلم، وهذا لفظه.

ألم يسمعوا قول الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) أخرجه البخاري ومسلم.

وهل كلمة «فاسق» هيّنة لديهم، بل هل يليق بعالم أن يكون فاسقاً؟

ألم يسمعوا قول رسول اللهِ، صلى الله عليه وآله وسلم: (لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ؛ أَحْسَنّا، وَإِنْ ظَلَمُوا؛ ظَلَمْنا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ؛ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا؛ فَلَا تَظْلِمُوا) أخرجه الترمذي، وقَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ».

ختاماً: أخطأَ فلانٌ، وتطاولَ فلانٌ، وشتم علّان، وشنّع علتانٌ، إنّما يُهمّك نجاتُك - أخي المسلم - في الدرجة الأولى.

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ، لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا، فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) [المائدة].

والحمد لله على كلّ حال.