الثلاثاء، 23 ديسمبر 2025

 فَضائِلُ الصَحابَةِ رضي الله عنهم:

مِن فَضائلِ الإمامِ عليّ الصحيحةِ، عليه السلام!؟

بسمِ اللهِ الرَحمنِ الرَحيمِ

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ؛ رَضِيَ اللهُ  عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) [التوبة].

(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8).

وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ؛ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ - وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ - وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ؛ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) [الحشر].

أمّا بعدُ: كتب أخونا الدكتور نهاد عبدالحليم عُبيد الطرابلسيّ أطروحتَه للحصول على درجة الدكتوراه في الحديثِ وعلومه، من جامعة أمّ القرى المباركة، في مكّة المكرّمة بعنوان (الأحاديث المرفوعة في فضل الإمام عليّ رضي الله عنه بين السنة والشيعة) عام (1987).

وقد صحبني في إعداد رسالتيه الماجستير والدكتوراه، من ساعة وضع خطّتيهما، إلى حين نوقشتا، وحصل بها على الدرجتين بتقدير (جيّد جدّاً).

والأخ الفاضل نهادٌ، رحمه الله تعالى؛ سلفيٌّ معتدٌّ بنفسه كثيراً، كان يأتيني بالفصل من رسالته «الماجستير» يكتب فيه: «وهذا ممّا مَنّ الله تعالى به عليّ، ولم يسبقني إليه أحد»!

فأبيّن له أنّه مسبوقٌ من واحدٍ أو أكثر، وطال الوقتُ حتى اقتنع بحذف هذه الجملة من كتاباته!

عندما انتهى من رسالته «الماجستير» وطبعها؛ قال لي: أتبشّرني شيخي بالحصول على درجة الامتياز؟ قلت له: سيعطونك «جيّد جدّاً» فتغيّر لونه، وقال لماذا طيّب؟

قلت له: لأنك عنيد للغاية، وهناك عشرات المواضع، التي أصررت فيها على رأيك الخطأ!

وعندما ناقشته اللجنة؛ منحته درجة «جيّد جدّاً» مع التعديل!

والأمر ذاته حصل في أطروحة الدكتوراه، رفض فيها رأيي في نقدِ أكثرَ من ثلاثين حديثاً، فمنحوه درجة «جيّد جدّاً» مع التعديل!

جاءت أطروحة أخينا الفاضل، في (1156) صفحةً علميّة، سوى الفهارس التي بلغت (143) صفحة.

درس فيها (751) حديثاً، صحّح منها (58) حديثاً، فيكون الضعيف والواهي والمنكر والموضوع في أطروحته البديعة هذه (693) حديثاً، اتّفقتُ معه على تصحيح (24) حديثاً، وانفرد هو بتصحيح أربعةٍ وثلاثين حديثاً.

هذا يعني أنّني لست شيعيّاً زيديّاً ولا إماميّاً - كما يشيعُ الجهّال - إذ لو كنت كذلك؛ لوافقت تلميذي هذا على تصحيح (58) حديثاً في الحدّ الأدنى، وسكتُّ!

قال الدكتور نهاد عبيد في خاتمة أطروحته (ص: 1147) ما نصّه: «لعلّ أبرز النتائجِ التي توصّلت إليها في دراستي هذه تتلخّص بكلمة واحدة، هي أنّ الفرقاء جميعاً لم ينصفوا الإمامَ عليّاً وأهل بيته إنصافاً حقيقيّاً، بل كان بعضهم جانحاً في تعظيمه وتعظيم أهل بيته، والقول بعصمتهم، والسموِّ بهم إلى درجة الملائكة، بل إلى درجة الآلهة، والعِياذُ بالله!

وبعضُهم حاول أن يردّ غلوَّ هؤلاء، فذهب يقارن بين عليّ وغيره من أكابر الصحابة، رضوان الله تعالى عليهم، فوقع من حيث لا يدري في انتقاص الإمام عليٍّ، والتهوين من بعض شأنه، قياساً على أولئك الأفاضل، من إخوانه الصحابة!

وراح بعضهم يردّ أحاديثَ صحيحةً بأدلّة لا تقوى على الصمودِ، ولا تصلح عللاً تعلّ بها الأحاديث، فوقعوا في تجريدِ عليٍّ من خصالٍ، لو أنهم تجرّدوا وأنصفوا؛ لأثبتوها له، ولما ضرّ إخوانَه الصحابةَ شيئاً».

وقال في (ص: 1151): «ومع أنني أعترف بأنّ أهل السنّةِ كانوا أكثر إنصافاً واعتدالاً في حبّ آل البيت، إلّا أنني وجدت بعض علمائهم، لم يوقّروهم حقَّ توقيرهم، ولم يقفوا عندَ وصيّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيهم».

وقال في (ص: 1154) من خاتمة أطروحته:

1-«لقد تواتر عندي حديث (مَن كنت مولاه؛ فعليّ مولاه).

قال الفقير عداب: تواتر هذا الحديث عندي ثلاث مرّات:

الأولى: على منهاج الأصوليين.

والثانية: على منهاج المحدثين.

والثالثة: عن الإمام عليّ نفسه، عليه السلام.

وليس هذا الثبوت لأيّ حديثٍ ورد عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، في حدود ما لدينا من مصادر أهل السنّة، وفي حدود معرفتي الحديثيّة واجتهادي.

2- وصحّ عندي أيضاً زيادةُ (اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله) خلافاً لمن ذهبَ إلى وضعها أو ضعفها!

وقد بيّنت في موضع تخريج هذا الحديث من الأطروحة؛ أنّ ما قاله ابن حزمٍ من أنّ هذا الحديث لم يثبت من طريق الثقات أصلاً؛ فيه غُلوٌّ لا يقلّ عن غُلوّ الشيعة بالمقابل!

3- لقد تواتر عندي حديثُ إعطاء الراية لعليٍّ رضي الله عنه يومَ خيبر!

قال عداب يقصد حديث سعدِ بن أبي وقّاص، وحديث سلمة بن الأكوع.

بإسنادي إلى الإمام مسلم في كتاب فضائل الصحابة، بابٌ من فضائل عليِّ بن أبي طالبٍ، رضي الله عنه (2404) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ - وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ - قَالَا: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ «وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ» عَنْ بُكَيْرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَمَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَعْدًا فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا التُّرَابِ؟ فَقَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتُ ثَلَاثًا، قَالَهُنَّ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَلَنْ أَسُبَّهُ، لَأَنْ تَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ، وقد خَلَّفَهُ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ: خَلَّفْتَنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نُبُوَّةَ بَعْدِي)؟

وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لَهُ يَوْمَ خَيْبَرَ: (لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ» قَالَ «سعدٌ»:فَتَطَاوَلْنَا لَهَا، فَقَالَ: (ادْعُوا لِي عَلِيًّا) فَأُتِيَ بِهِ أَرْمَدَ، فَبَصَقَ فِي عَيْنِهِ، وَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيْهِ، فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ!

وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (فَقُلْ: تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ) [آل عمران: 61] دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا، فَقَالَ: (اللهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي) وأخرج البخاري منه جملة (أنتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبيَّ بَعْدِي)!

قال الفقير عداب: هذا حديثٌ مشهورٌ، رواه عن سعد بن أبي وقّاصٍ عند مسلمٍ أولاده الثلاثةُ: إبراهيم وعامرٌ ومصعبُ، وأخرجه البخاري (4416، 3706) من طريق إبراهيم ومصعبٍ عن والدهما سعد بن أبي وقّاصٍ رضي الله عنه، وله شاهدٌ من حديث سلمةَ بن الأكوع، رضي الله عنه، أخرجه البخاريّ في الباب نفسه (3702) ومسلم (2407).

4- وقد تواتر عندي أيضاً حديث (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي) قال عداب: أخرجه البخاري (3706) ومسلم (2404).

5- وتواتر عندي أيضاً حديثُ سدّ الأبوابِ إلى المسجد، إلّا باب عليّ!

قال الفقير عداب: أخرجه أحمد (2903) والحاكم والترمذي (3732) وقال: حديث غريب من حديث شعبة.

هذه الأحاديثُ السابقةُ؛ بعضُ ما صحّ، ممّا لم يصحّحه كثيرٌ من علماءِ أهل السنّة، كابن حزمٍ وابن تيمية وغيرهما، ناهيك عن الأحاديث الصحيحة الكثيرةِ الواردةِ في فضله، والتي بلغت ثمانية وخمسين حديثاً، من غير المكرّرةِ.

وهي تنقسم إلي قسمين:

- فضائل مقرونةٌ بغيره من الصحابةِ، وعددها عشرةُ أحاديثَ.

- وفضائلُ مفردة «خاصّة بالإمام» وعددها ثمانيةٌ وأربعون حديثاً.

ثمّ إنّ الفضائل المفردة تنقسم إلى قسمين:

أ-فضائل عامّةٌ: وعددها سبعةٌ وثلاثون حديثاً.

ب-وفضائل خاصّة «وهي الخصائص» وعددها أحدَ عشرَ حديثاً».

وقال في (ص: 1153) من خاتمة أطروحته:

6- «لقد صحّ عندي حديثُ الطائر.

7- وصحّ عندي حديث (أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها).

8- وصحّ عندي حديثُ (من أحبَّ عليّاً؛ فقد أحبّني، ومن أبغض عليّاً؛ فقد أبغضني)».

9- وصحّ عندي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بشّر عليّاً بالشهادةِ، وأنّه يُقتَلُ قتلاً»

 وقال في (ص: 1155): «إنّ كثيراً من الرواياتِ التاريخيّة الواردة في خصومة عليّ مع البغاةِ عليه؛ صحيحةٌ، وفيها من السوءِ الشيءُ الكثير، الذي لا يجوز تبريره «تسويغُه» مهما حاول الناس التماس المعاذير، وينبغي بيانُ أنّه خطأ وسوءٌ وقبيحٌ، إلى جانب أنّه واجبٌ شرعيٌّ، ما دام خالياً عن الشتم والسبِّ والتشفيّ؛ فأنّه يفوّتُ الفرضة على الشيعةِ في دعواهم تحزّبَنا لخصوم عليٍّ، وكراهيتنا لأهل بيته.

 وإنني أدعو علماءَ الشيعةِ الذين اتّصلتُ بهم في العراق ولبنان وفي مكّةَ المكرّمةِ القادمين لأداء فريضة الحجّ - وخاصّةً الإيرانيين - أو الذين لم أتّصل بهم في أصقاع العالم إلى كتابةِ أبحاثٍ في نقدِ الحديثِ، وبيانِ دخائلِ كتبِ الشيعةِ، وما فيها من موضوعاتٍ ومنكراتٍ وأباطيل، هم أنفسهم يعتقدون كذبها وبطلانها، ولكنّهم لا ينبّهون على ذلك.

ممّا يؤثّر تأثيراً سلبيّاً على عقول عوامّهم وجهلتهم - وما أكثرهم! - وبالتالي يحول بينهم وبين رؤيةِ الحقّ.

وأخيراً أدعو علماء أهلِ السنّةِ المتخصّصين ليقوموا بدراسات علميّة متجرّدةٍ منصفةٍ، يوازنون فيها بين مناهج نقّادنا ومناهج علماء الحديث من الشيعةِ، ليكون ذلك سبيلاً لأن ينظر الشيعةُ بعين الإنصاف والعدلِ إلى علمائنا، بدلاً من نظرتهم الحانقة الحاقدةِ إليهم!

كما أدعو علماءنا الأفاضل «من أهل السنّةِ» إلى هجر العباراتِ القاسيةِ والكبيرةِ، التي يرمون بها الشيعة؛ لأننا دعاةٌ إلى الله تعالى، ولسان الداعية أنظف من لسان الخصم الحاقد أو المحارب» انتهى المرادُ نقله عن الدكتور نهادٍ، رحمه الله تعالى.

قال الفقير عداب: بعد هذا البيان الطويلِ نسبيّاً؛ لا حاجة بي إلى أيّ بيانٍ، ويكفينا هذه الأحاديث التسعةُ التي تواتر عند الدكتور الفاضل نهاد عبيد أربعةٌ منها، وصحّح خمسةٌ أُخَر.

ونترك نقدَ خمسين حديثاً أخرى، سأقوم بها في تحقيقي وتخريجي أحاديثَ كتاب «خصائص علي» عليه السلام، للإمام أحمد بن شعيب النسائيّ، إنْ شاء الله تعالى.

والحمد لله على كلّ حال.

الاثنين، 22 ديسمبر 2025

 فَضائِلُ الصَحابَةِ رضي الله عنهم:

مِن فَضائلِ الإمامِ عليّ الصحيحةِ، عليه السلام!؟

بسمِ اللهِ الرَحمنِ الرَحيمِ

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ؛ رَضِيَ اللهُ  عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) [التوبة].

(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا، وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8).

وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ؛ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ - وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ - وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ؛ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) [الحشر].

أمّا بعدُ: كتب أخونا الدكتور نهاد عبدالحليم عُبيد الطرابلسيّ أطروحتَه للحصول على درجة الدكتوراه في الحديثِ وعلومه، من جامعة أمّ القرى المباركة، في مكّة المكرّمة بعنوان (الأحاديث المرفوعة في فضل الإمام عليّ رضي الله عنه بين السنة والشيعة) عام (1987).

وقد صحبني في إعداد رسالتيه الماجستير والدكتوراه، من ساعة وضع خطّتيهما، إلى حين نوقشتا، وحصل بها على الدرجتين بتقدير (جيّد جدّاً).

والأخ الفاضل نهادٌ، رحمه الله تعالى؛ سلفيٌّ معتدٌّ بنفسه كثيراً، كان يأتيني بالفصل من رسالته «الماجستير» يكتب فيه: «وهذا ممّا مَنّ الله تعالى به عليّ، ولم يسبقني إليه أحد»!

فأبيّن له أنّه مسبوقٌ من واحدٍ أو أكثر، وطال الوقتُ حتى اقتنع بحذف هذه الجملة من كتاباته!

عندما انتهى من رسالته «الماجستير» وطبعها؛ قال لي: أتبشّرني شيخي بالحصول على درجة الامتياز؟ قلت له: سيعطونك «جيّد جدّاً» فتغيّر لونه، وقال لماذا طيّب؟ قلت له: لأنك عنيد للغاية، وهناك عشرات المواضع، التي أصررت فيها على رأيك الخطأ!

وعندما ناقشته اللجنة؛ منحته درجة «جيّد جدّاً» مع التعديل!

والأمر ذاته حصل في أطروحة الدكتوراه، رفض فيها رأيي في نقدِ أكثرَ من ثلاثين حديثاً، فمنحوه درجة «جيّد جدّاً» مع التعديل!

جاءت أطروحة أخينا في (1156) صفحةً علميّة، سوى الفهارس التي بلغت (143) صفحة.

درس فيها (751) حديثاً، صحّح منها (58) حديثاً، فيكون الضعيف والواهي والمنكر والموضوع في أطروحته البديعة هذه (693) حديثاً، اتّفقت معه على تصحيح (24) حديثاً، وانفرد هو بتصحيح أربعةٍ وثلاثين حديثاً.

هذا يعني أنّني لست شيعيّاً زيديّاً ولا إماميّاً، إذ لو كنت كذلك؛ لوافقت تلميذي هذا على تصحيح (58) حديثاً في الحدّ الأدنى، وسكتُّ!

قال الدكتور نهاد عبيد في خاتمة أطروحته (ص: 1147) ما نصّه: «لعلّ أبرز النتائجِ التي توصّلت إليها في دراستي هذه تتلخّص بكلمة واحدة، هي أنّ الفرقاء جميعاً لم ينصفوا الإمامَ عليّاً وأهل بيته إنصافاً حقيقيّاً، بل كان بعضهم جانحاً في تعظيمه وتعظيم أهل بيته، والقول بعصمتهم، والسموِّ بهم إلى درجة الملائكة، بل إلى درجة الآلهة، والعِياذُ بالله!

وبعضُهم حاول أن يردّ غلوَّ هؤلاء، فذهب يقارن بين عليّ وغيره من أكابر الصحابة، رضوان الله تعالى عليهم، فوقع من حيث لا يدري في انتقاص الإمام عليٍّ، والتهوين من بعض شأنه، قياساً على أولئك الأفاضل، من إخوانه الصحابة!

وراح بعضهم يردّ أحاديثَ صحيحةً بأدلّة لا تقوى على الصمودِ، ولا تصلح عللاً تعلّ بها الأحاديث، فوقعوا في تجريدِ عليٍّ من خصالٍ، لو أنهم تجرّدوا وأنصفوا؛ لأثبتوها له، ولما ضرّ إخوانَه الصحابةَ شيئاً».

وقال في (ص: 1151): «ومع أنني أعترف بأنّ أهل السنّةِ كانوا أكثر إنصافاً واعتدالاً في حبّ آل البيت، إلّا أنني وجدت بعض علمائهم، لم يوقّروهم حقَّ توقيرهم، ولم يقفوا عندَ وصيّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيهم».

وقال في (ص: 1154) من خاتمة أطروحته:

1-«لقد تواتر عندي حديث (مَن كنت مولاه؛ فعليّ مولاه).

2- وصحّ عندي أيضاً زيادةُ (اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله) خلافاً لمن ذهبَ إلى وضعها أو ضعفها!

وقد بيّنت في موضع تخريج هذا الحديث من الأطروحة؛ أنّ ما قاله ابن حزمٍ من أنّ هذا الحديث لم يثبت من طريق الثقات أصلاً؛ فيه غُلوٌّ لا يقلّ عن غُلوّ الشيعة بالمقابل!

3- لقد تواتر عندي حديثُ إعطاء الراية لعليٍّ رضي الله عنه يومَ خيبر!

4- وقد تواتر عندي أيضاً حديث (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي)!

5- وتواتر عندي أيضاً حديثُ سدّ الأبوابِ إلى المسجد، إلّا باب عليّ!

هذه الأحاديثُ السابقةُ؛ بعضُ ما صحّ، ممّا لم يصحّحه كثيرٌ من علماءِ أهل السنّة، كابن حزمٍ وابن تيمية وغيرهما، ناهيك عن الأحاديث الصحيحة الكثيرةِ الواردةِ في فضله، والتي بلغت ثمانية وخمسين حديثاً، من غير المكرّرةِ.

وهي تنقسم إلي قسمين:

- فضائل مقرونةٌ بغيره من الصحابةِ، وعددها عشرةُ أحاديثَ.

- وفضائلُ مفردة «خاصّة بالإمام» وعددها ثمانيةٌ وأربعون حديثاً.

ثمّ إنّ الفضائل المفردة تنقسم إلى قسمين:

أ-فضائل عامّةٌ: وعددها سبعةٌ وثلاثون حديثاً.

ب-وفضائل خاصّة «وهي الخصائص» وعددها أحدَ عشرَ حديثاً».

وقال في (ص: 1153) من خاتمة أطروحته:

6- «لقد صحّ عندي حديثُ الطائر.

7- وصحّ عندي حديث (أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها).

8- وصحّ عندي حديثُ (من أحبَّ عليّاً؛ فقد أحبّني، ومن أبغض عليّاً؛ فقد أبغضني)».

9- وصحّ عندي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بشّر عليّاً بالشهادةِ، وأنّه يُقتَلُ قتلاً»

 وقال في (ص: 1155): «إنّ كثيراً من الرواياتِ التاريخيّة الواردة في خصومة عليّ مع البغاةِ عليه؛ صحيحةٌ، وفيها من السوءِ الشيءُ الكثير، الذي لا يجوز تبريره «تسويغُه» مهما حاول الناس التماس المعاذير، وينبغي بيانُ أنّه خطأ وسوءٌ وقبيحٌ، إلى جانب أنّه واجبٌ شرعيٌّ، ما دام خالياً عن الشتم والسبِّ والتشفيّ؛ فأنّه يفوّتُ الفرضة على الشيعةِ في دعواهم تحزّبَنا لخصوم عليٍّ، وكراهيتنا لأهل بيته.

 وإنني أدعو علماءَ الشيعةِ الذين اتّصلتُ بهم في العراق ولبنان وفي مكّةَ المكرّمةِ القادمين لأداء فريضة الحجّ - وخاصّةً الإيرانيين - أو الذين لم أتّصل بهم في أصقاع العالم إلى كتابةِ أبحاثٍ في نقدِ الحديثِ، وبيانِ دخائلِ كتبِ الشيعةِ، وما فيها من موضوعاتٍ ومنكراتٍ وأباطيل، هم أنفسهم يعتقدون كذبها وبطلانها، ولكنّهم لا ينبّهون على ذلك، ممّا يؤثّر تأثيراً سلبيّاً على عقول عوامّهم وجهلتهم - وما أكثرهم! - وبالتالي يحول بينهم وبين رؤيةِ الحقّ.

وأخيراً أدعو علماء أهلِ السنّةِ المتخصّصين ليقوموا بدراسات علميّة متجرّدةٍ منصفةٍ، يوازنون فيها بين مناهج نقّادنا ومناهج علماء الحديث من الشيعةِ، ليكون ذلك سبيلاً لأن ينظر الشيعةُ بعين الإنصاف والعدلِ إلى علمائنا، بدلاً من نظرتهم الحانقة الحاقدةِ إليهم!

كما أدعو علماءنا الأفاضل «من أهل السنّةِ» إلى هجر العباراتِ القاسيةِ والكبيرةِ، التي يرمون بها الشيعة؛ لأننا دعاةٌ إلى الله تعالى، ولسان الداعية أنظف من لسان الخصم الحاقد أو المحارب»!

بعد هذا البيان الطويلِ نسبيّاً؛ لا حاجة بي إلى أيّ بيانٍ، ويكفينا هذه الأحاديث التسعةُ التي تواتر عند الدكتور الفاضل نهاد عبيد أربعةٌ منها، وصحّ خمسةٌ أُخَر.

ونترك نقدَ خمسين حديثاً أخرى، سأقوم بها في تحقيقي وتخريجي أحاديثَ كتاب «خصائص علي» عليه السلام، للإمام أحمد بن شعيب النسائيّ، إنْ شاء الله تعالى.

والحمد لله على كلّ حال.

الأحد، 21 ديسمبر 2025

 فَضائِلُ الصَحابَةِ رضي الله عنهم:

مِن فَضائلِ عثمان بن عفّان الصحيحة!؟

بسمِ اللهِ الرَحمنِ الرَحيمِ

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ؛ رَضِيَ اللهُ  عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) [التوبة].

(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا، وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8).

وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ؛ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ - وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ - وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ؛ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) [الحشر].

أمّا بعدُ: أخرج البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم، باب مناقب عثمان بن عفّان رضي الله عنه خمسة أحاديث (3695 - 3699) وافقه مسلم على تخريج الحديث الأول (3695).

بينما أخرج مسلم في كتاب فضائل الصحابة، بابٌ من فضائل عثمان بن عفّان حديثين (2401، 2402، 2403) وافقه البخاريّ على تخريج حديثٍ واحدٍ منهما (2403).

(1) بإسنادي إلى الإمام البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم، باب مناقب عثمان بن عفّان رضي الله عنه (3695) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ «السختيانيّ» عَنْ أَبِي عُثْمَانَ «النهديّ» عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ حَائِطًا وَأَمَرَنِي بِحِفْظِ بَابِ الْحَائِطِ.

فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ؟ فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ.

ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ؟ فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَإِذَا عُمَرُ.

ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ؟ فَسَكَتَ «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» هُنَيْهَةً، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، عَلَى بَلْوَى سَتُصِيبُهُ، فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ) وأخرجه مسلم (2403).

(2) وبإسنادي إلى الإمام البخاريّ في الكتاب والباب نفسيهما (3696) قال: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يُونُسَ «قال» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ «بن الزبير» أَنَّ عُبَيْدَاللهِ بنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قَالَا: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ عُثْمَانَ لِأَخِيهِ الْوَلِيدِ، فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ؟ فَقَصَدْتُ لِعُثْمَانَ حَتَّى خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، قُلْتُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، وَهِيَ نَصِيحَةٌ لَكَ، قَالَ:  يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ «قَالَ مَعْمَرٌ أُرَاهُ قَالَ»: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَانْصَرَفْتُ،فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمْ.

إِذْ جَاءَ رَسُولُ عُثْمَانَ «يعني يستدعيه» فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: مَا نَصِيحَتُكَ؟ فَقُلْتُ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَكُنْتَ مِمَّنْ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَاجَرْتَ الْهِجْرَتَيْنِ، وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ، وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي شَأْنِ الْوَلِيدِ؟

قَالَ «عثمان»: أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ: لَا، وَلَكِنْ خَلَصَ إِلَيَّ مِنْ عِلْمِهِ مَا يَخْلُصُ إِلَى الْعَذْرَاءِ فِي سِتْرِهَا.

قَالَ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، فَكُنْتُ مِمَّنْ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ، وَهَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ - كَمَا قُلْتَ - وَصَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَايَعْتُهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.

ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ مِثْلُهُ، ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُهُ، ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ.

أَفَلَيْسَ لِي مِنْ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لَهُمْ؟ قُلْتُ: بَلَى! قَالَ: فَمَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ؟ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الْوَلِيدِ؛ فَسَنَأْخُذُ فِيهِ بِالْحَقِّ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

 ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا، فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِدَهُ، فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ» انتهى.

(3) وبه إليه فيه (3698) قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ - هُوَ ابْنُ مَوْهَبٍ - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، حَجَّ الْبَيْتَ، فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا فَقَالَ مَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ؟ فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ قُرَيْشٌ.

قَالَ: فَمَنْ الشَّيْخُ فِيهِمْ؟ قَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.

قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ، فَحَدِّثْنِي!

هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ، وَلَمْ يَشْهَدْ؟

قَالَ: نَعَمْ!

قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ.

قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ أُبَيِّنْ لَكَ، أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ؛ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ، وَغَفَرَ لَهُ.

وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ مَرِيضَةً!

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ!

وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ؛ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ.

فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ، بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى «قال = أشار»: هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ، فَقَالَ: هَذِهِ لِعُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: اذْهَبْ بِهَا الْآنَ مَعَكَ».

(4) وبه إليه فيه (3699) قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ «بن مسرهدٍ»: حَدَّثَنَا يَحْيَى «القطّان» عَنْ سَعِيدٍ «هو ابن أبي عروبة» عَنْ قَتَادَةَ؛ أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَدَّثَهُمْ قَالَ:

صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحُدًا، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ «جبلُ أحد» فقال الرسول: (اسْكُنْ أُحُدُ) «قال أنس: أَظُنُّهُ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ» فَلَيْسَ عَلَيْكَ، إِلَّا نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ) وقد تقدّم في فضائل أبي بكر (3675) وفي فضائل عمر (3686).

(5) وبإسنادي إلى الإمام مسلم في فضائل الصحابة، بابٌ من فضائل عثمان رضي الله عنه (2401) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ «بن سعيدٍ» وَابْنُ حُجْرٍ «هو عليّ بن حجر بن إياسٍ» قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا.

وقَالَ الْآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ، عَنْ عَطَاءٍ وَسُلَيْمَانَ ابْنَيْ يَسَارٍ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي، كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ، أَوْ «قالت»: سَاقَيْهِ!

 فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَتَحَدَّثَ!

ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ!

ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَوَّى ثِيَابَهُ!

 قَالَ مُحَمَّدٌ «بن أبي حرملة»: وَلَا أَقُولُ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ!

فَلَمَّا خَرَجَ؛ قَالَتْ عَائِشَةُ «للرسول»: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ «طلاقة الوجه» وَلَمْ تُبَالِهِ!

 ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ، فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ، وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ، فَجَلَسْتَ، وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ؟

فَقَالَ «رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»: (أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ، تَسْتَحيي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ).

وأخرجه مسلم من طريق سعيد بن العاص الأمويّ الصحابيّ عن عائشة مرفوعاً، به نحوه (2401).

قال الفقير عداب: آثرتُ عدم دراسةِ أيّ حديثٍ؛ لأنني قرفتُ تشكيكَ بعضِكم، واتّهامهم النوايا، وعزمهم الأكيد على أنْ لا يخرجوا من الصندوق الطائفيّ المقيت!

والله المستعان.

والحمد لله على كلّ حال.

السبت، 20 ديسمبر 2025

 فَضائِلُ الصَحابَةِ رضي الله عنهم:

من فضائلِ عُمَرَ بن الخطّابِ الصحيحة!؟

بسمِ اللهِ الرَحمنِ الرَحيمِ

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ؛ رَضِيَ اللهُ  عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) [التوبة].

(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا، وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8).

وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ؛ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ - وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ - وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ؛ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) [الحشر].

أمّا بعدُ: أخرج البخاريّ في كتاب فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم، باب مناقب عمر بن الخطّاب أبي حفصٍ القرشيّ العدويّ رضي الله عنه سبعةَ عشر حديثاً (3679 - 3694).

بينما أخرج مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائلِ عمر رضي الله تعالى عنه أحدَ عشر حديثا (2389 - 2399) وافقه البخاريّ على تخريجها، ما عدا الحديثَ (3298).

(1) بإسنادي إلى الإمام البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم، باب مناقب عمر بن الخطّاب (3681) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ أَبُو جَعْفَرٍ الكُوفِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ «بن عبدالله بن عمر» عَنْ أَبِيهِ «عبدالله بن عمر» أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، شَرِبْتُ اللَّبَنَ، حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى الرِّيِّ يَجْرِي فِي ظُفُرِي) أَوْ (فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ نَاوَلْتُ عُمَرَ) فَقَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ؟ قَالَ: (العِلْمَ).

قال الفقير عداب: حسبَ مباني محدّثي أهل السنّة؛ هذا حديث صحيح، لا غبار عليه البتّة!

أمّا حسبَ قواعدي؛ فالزهريّ ناصبيٌّ، كان بمثابة رجلِ شرطة عند بني أميّة، وهو ليس بمحايدٍ البتّة، إنما كان يتماشى مع أهواء طغاةِ بني أميّة!

بدليل أنّه لم يرو حديثاً واحداً، في فضائل الإمام عليّ عليه السلام، الذي رُوي من الأحاديث الصحيحة في فضله أكثر من أيّ صحابيٍّ آخر!

والقاعدة تقول: إذا روى المبتدع ما يؤيّد بدعتَه؛ لم نقبل حديثه هذا.

(2) بإسنادي إلى الإمام البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم، باب مناقب عمر بن الخطّاب (3690) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ: حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَا: سَمِعْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ   عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا الذِّئْبُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَطَلَبَهَا حَتَّى اسْتَنْقَذَهَا، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ فَقَالَ لَهُ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي، فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ الله!

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) وَمَا ثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ!

قال الفقير عداب: إسنادُ هذا الحديث إلى أبي هريرة؛ صحيحٌ، فقد توبع الزهري على روايته، وليس من أفراده، إنّما هو من غرائب أبي هريرة!

ومفاريد أبي هريرة يقبلها المحدثون من أهل السنة، بينما لا يقبلها الحنفية إلا في الترغيب والترهيب غالباً؛ لأنّه ليس بعالمٍ، والفقير عداب يتوقّف في مفاريد أبي هريرة الغريبةِ كهذا الحديث!

(3) بإسنادي إلى الإمام البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم، باب مناقب عمر بن الخطّاب (3692) قال: حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ:

لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ؛ جَعَلَ يَأْلَمُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَكَأَنَّهُ يُجَزِّعُهُ «يخفّف عنه» يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ:

 وَلَئِنْ كَانَ ذَاكَ؛ لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ.

 ثُمَّ صَحِبْتَ أَبَا بَكْرٍ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ.

 ثُمَّ صَحِبْتَ صَحَبَتَهُمْ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ، وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ؛ لَتُفَارِقَنَّهُمْ وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ!

 قَالَ عمرُ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِضَاهُ؛ فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنْ اللهِ تَعَالَى مَنَّ بِهِ عَلَيَّ.

وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَرِضَاهُ؛ فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنْ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ، مَنَّ بِهِ عَلَيَّ. وَأَمَّا مَا تَرَى مِنْ جَزَعِي؛ فَهُوَ مِنْ أَجْلِكَ وَأَجْلِ أَصْحَابِكَ!

وَاللهِ لَوْ أَنَّ لِي طِلَاعَ الْأَرْضِ ذَهَبًا؛ لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ».

قال الفقير عداب: هذا إسنادٌ بصريّ، وأقبح النصب في تلك الأيام؛ نصب أهل البصرة!

وفي قول عمر رضي الله عنه -إن صحّ عنه -: «وَاللهِ لَوْ أَنَّ لِي طِلَاعَ الْأَرْضِ ذَهَبًا؛ لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ» ما ينسف فكرةَ العشرة المبشّرة بالجنّةِ من أصلها، إذْ لو كان مبشّرا بالجنّة؛ لقال غيره المقالة تماماً.

(4) بإسنادي إلى الإمام البخاري في كتاب الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمينُ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: (قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ   : لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إِلَّا مِنْ نَفْسِي!

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ) فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، - وَاللهِ- لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الآنَ يَا عُمَرُ).

قال عداب: انفرد البخاريّ عن بقيّة الستّة بتخريج هذا الحديث.

والغريب أنّ البخاري لمّا ساقه في مكانه المناسب، في مناقب عمر (3694) وفي كتاب الاستئذان (6294) اقتصراً على قصّة الحديث (كنّا مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو آخذٌ بيد عمر) فحسب!

ومدار هذا الحديث على زهرة بن معبدٍ القرشيّ، ترجمه ابن حبّان في الثقات (6: 344) وقال: «يَرْوي عَن سعيدِ بن الْمسيب، وجدِّه عبدِالله بن هِشَام.

روى عَنهُ حَيْوَةُ بنُ شُرَيْح، وَسَعِيد بن أبي أَيُّوب.

يُخطىء ويُخطأ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِمَّن استخير الله فِيهِ».

وأخرج له حديثاً في صحيحه (5220) وقال عقبه: «زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ, مِنْ سَادَاتِ أَهْلِ فِلَسْطِينَ ثقةً» وهذا يعني أنّ ابن حبّانَ رجّح بعد الاستخارةِ؛ أنّ زهرةَ ثقة!

ومع إيجابيّة استخارته تجاهه؛ لم يخرّج له حديثَ البابِ في صحيحه، ممّا يدلّ على أنّه أخطأ فيه عنده.

وللحديث شاهدٌ عند الدارقطنيّ في العلل (2: 74) وفيه: وَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ؛ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَقَالَ: أَطَلَّقَكِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ لِئِنْ كَانَ طَلَّقَكِ؛ لَا كَلَّمْتُكِ حَتَّى تَمُوتِي.

وَفِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وسلم: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ) فَقَالَ عمرُ: فَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي».

فَقَالَ الدارقطنيُّ: يَرْوِيهِ الْأَعْمَشُ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:

فَرَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ،عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ.

وَخَالَفَهُ أَبُو نُعَيْمٍ، فَرَوَاهُ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ مُرْسَلًا عَنْ عُمَرَ.

وَحَدِيثُ أَبِي نُعَيْمٍ أَثْبَتُ» انتهى كلام الدارقطنيّ.

وحديث ابن عمر هذا؛ لم أستطع الوقوف عليه، عند غير الدارقطنيّ في العلل.

(5) بإسنادي إلى الإمام البخاريّ في كتاب فضائل أصحاب النبيّ صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ: قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:

كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ؟

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ) فَفَتَحْتُ لَهُ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، فَبَشَّرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللهَ.

ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ) فَفَتَحْتُ لَهُ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللهَ   .

ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ فَقَالَ لِي افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ - عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ - فَإِذَا عُثْمَانُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللهَ، ثُمَّ قَالَ: اللهُ الْمُسْتَعَانُ».

قال الفقير عداب: انفرد البخاري بهذا الحديث عن بقية التسعة، وهو حديث بصريّ، مُنسجم تماماً مع مذهب أهل السنّة القديم: «أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان» ثمّ يُقفَل باب التفاضل!

إلى أن رجع الإمام أحمد في أواخر حياته إلى التربيعِ، فصار مذهب كثيرين من أهل السنة أن الراشدين أربعة «أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم عليّ» وعندما اعتمد السلطان «الظاهر بيبرس» المذاهب الأربعةَ، دون غيرها؛ جادوا على الإمام عليّ عليه السلام، فجعلوه رسميّاً رابعَ الراشدين «مسكين سيّدي علي»!!

رضي الله عن الراشدين، وعن العشرة، وعن السابقين الأولين، وأهل بدر وأهل بيعة العقبة الأولى، ونسأل الله تعالى لهم الجنة، بيد أنّ الأحاديث كما رأيت!!

والأحاديث المظنونة مثل هذه؛ لا يثبت بها عقيدة، ولا يُجزم بها لأحدٍ بأنه من أهل الجنّة، إلّا إنْ جاءت أحاديثُ صحيحةٌ مَشهورةٌ صريحةٌ بذلك.

ختاماً: من المُحزن أنّ أربعةَ عشر عاماً على هذا «الفيسبوك» ولا يزال كثير منكم على عقليّته الطائفيّة المذهبية، تشكيك بأهداف عداب، ورفضٌ لقبولِ النقدِ، وإصرارٌ على تقديسِ موروثٍ صُنع بتوجيه الساسةِ، الذين ليسوا من أهل العلم والدين أوّلاً، ويُهمّهم بقاء الأمّةِ ممزّقةً؛ لتشعر الرعيّة بأنّ هذا الحاكم حاميها.

والأمر ليس خاصّاً بأهل السنّة، فباقي مذاهب المسلمين؛ ليس لديها حديثٌ أصلاً، كُتبهم واهيةُ الأسانيدِ، لا يجوز اعتمادها في أيّ جانبٍ من جوانب العقائد السياسيّة البتّة.

وإلى الإخوةِ الذين استغربوا قولي: «لا يوجدُ في فضائل الرجال والأمكنة حديثٌ ليس له علّة» إليك هذا النصّ من عالم عصره في الحديث النبويّ، دون منازع.

قال أبو عبدالله الحاكم النيسابوريّ في صفحة (1) من كتابه المستدرك على الصحيحين:

«وَقَدْ نَبَغَ فِي عَصْرِنَا هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ، يَشْمَتُونَ بِرُوَاةِ الْآثَارِ؛ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا يَصِحُّ عِنْدَكُمْ - أهلَ السنّة - مِنَ الْحَدِيثَ لَا يَبْلُغُ عَشْرَةَ َآلَافِ حَدِيثٍ!

وَهَذِهِ الْأَسَاَنيِدُ الْمَجْمُوعَةُ، الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى أَلْفِ جُزْءٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، كُلُّهَا سَقِيمَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ!

وَقَدْ سَأَلَنَيِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا أَنْ أَجْمَعَ كِتَابًا يَشْتَمِلُ عَلَى الْأَحاَديِثِ الْمَرْوِيَّةِ بِأَسَانِيدَ، يَحْتَجُّ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ بِمِثْلِهَا، إِذْ لَا سَبِيلَ إِلَى إِخْرَاجِ مَا لَا عِلَّةَ لَهُ، فَإِنَّهُمَا رَحِمَهُمَا اللهُ لَمْ يَدَّعِيَا ذَلِكَ لِأَنُفِسِهِمَا».

وأخرج الحاكم في مستدركه هذا أكثرَ من (8800) حديثٍ، لا يصحّ منها ثلثُها، ونصف هذا الثِلثِ قد أخرجه البخاريّ ومسلمٌ أو أحدهما، لكنّ الحاكم أخرجه من طرقٍ أخرى أحياناً، وفي أحيانٍ أخرى وَهِم بأنّهما لم يخرّجاه أو أحدهما، بينما هو عندهما.  

والله تعالى أعلم

والحمد لله على كلّ حال.

الأربعاء، 17 ديسمبر 2025

 فَضائِلُ الصَحابَةِ رضي الله عنهم:

من فضائلِ أبي بكر الصحيحة!؟

بسمِ اللهِ الرَحمنِ الرَحيمِ

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ؛ رَضِيَ اللهُ  عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) [التوبة].

(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا، وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8).

وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ؛ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ - وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ - وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ؛ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) [الحشر].

أمّا بعد: أخرج البخاري في جامعه الصحيح - كتابِ فضائلِ أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم ستّةً وعشرين حديثاً، من فضائل أبي بكر رضي الله عنه (3652 - 3678) فيها عددٌ من الأحاديثِ المكرّرة، حتى في الكتاب نفسه!

بينما أخرج مسلم في فضائل أبي بكر عشرةَ أحاديثَ (1028، 2381 - 2388).

وافقه البخاريّ عليها، ما عدا ثلاثةً (1028، 2383، 2385) فقد انفرد بها مسلم عن البخاري.

واختصاراً للوقتِ؛ فقد رأيتُ تخريج خمسة أحاديث من فضائل أبي بكرٍ، التي أخرجها البخاريّ ومسلم، أو أحدهما، ونبّهتُ على بعض عللِ الأحاديثِ؛ ليعلمَ القارئ الكريم أنّه لا يوجد حديث واحدٌ في الفضائل، يخلو من علّة!

وقد خرّج البخاريّ ومسلم في فضائل الصحابة وغيرهِم أحاديثَ؛ لا تصحّ أسانيدها بحالٍ من الأحوال، إنّما كان القومُ يتساهلون برواية أحاديثِ الفضائل، ترغيباً للناسِ باحترام الصحابة رضي الله عنهم، ولم يكونوا يظنّون - فيما أحسب - أنّ الناس سيعدّون أحاديثَ الفضائل هذه عقائدَ، يوالون ويعادون عليها!

(1) أبو بكر أوّل من أسلم:

بإسنادي إلى الإمام البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم، باب فضل أبي بكرٍ بعدَ النبيّ (3660) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الطَّيِّبِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ، حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارًا، يَقُولُ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا مَعَهُ، إِلَّا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ، وَامْرَأَتَانِ وَأَبُو بَكْرٍ» يريد البخاريّ أنّ أبا بكر أوّلُ من أسلم من الرجال الأحرار.

قال الفقير عداب: هذا الحديثُ أعاده البخاريّ في كتاب مناقب الأنصار (3857) من طريقِ عبدالله بن حمّاد الآمُليّ عن إسماعيل بن مجالد، و هو من أفراده، لم يخرّجه من أصحاب الكتب التسعة سواه، وفي إسناده إسماعيل بن مجالدٍ الكوفي، أثنى عليه بعض نقّاد الحديث، وضعّفه بعضهم:

قال أبو زرعة: « ليس هو ممن يكذب بمرة هو وسط» الضعفاء (2: 521).

وقال النسائيّ في الضعفاء (35): ليس بالقويّ.

وقال العقيلي في الضعفاء (1: 94): لا يتابَع على حديثِه.

ونقل الحاكم عن الدارقطنيّ قوله: «ليس ثمّةَ شكّ في أنّه ضعيف» المغني في الضعفاء (701).

وساق ابن عدي في الكامل (1: 519) حديثَه هذا، ثم قال: « وَهَذَا الْحَدِيثُ لا أَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ بَيَانٍ، غَيْرُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ» يريدُ ابن عديّ أنّه لا يحتجّ بما ينفرد به.

(2) أبو بكر أمنُّ الناس على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم.

بإسنادي إلى الإمام البخاريّ في كتاب فضائل أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم

باب سدّ الأبواب، إلّا بابَ أبي بكر (3654) قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ اللهِ!

 قَالَ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ أَنْ يُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَبْدٍ خُيِّرَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ).

وأخرجه البخاري في كتاب الصلاة (466) الصلاة، باب الخَوخَةِ والممرّ في المسجد (466) من طريق مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وفي هذا الإسناد خطأ نبّه عليه البخاريّ والدارقطنيّ وابن حجر في فتح الباري، وفي متنه زياداتٌ تفرّد بها فليح بن سليمان، قال فيه ابن حجر في التقريب: صدوق كثير الخطأ، وقال ابن معين: ضعيف، وقال أبو حاتم الرازي: ليس بقويّ.

وأعاده البخاري في كتاب المناقب (3904) من طريق حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُبَيْدٍ يَعْنِي ابْنَ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

قال الفقير عداب: وعُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ هذا، ليس له عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عند البخاري ومسلم سوى هذا الحديث، وهذا الحديثُ نفسه، رواه سالم بن أبي أميّة عن عُبَيدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عن بُسر بن سعيدٍ، عن أبي سعيد الخدريّ، وهي علّةٌ لا تضرّ أبداً.

وللحديث شاهدٌ من حديث عكرمة البربريّ عن عبدالله بن عبّاس مرفوعاً، بنحو حديث أبي سعيدٍ، أخرجه البخاريّ في الصلاة (467) وأعاده  3656، 3657، 6738    

وهيب عن أيوب عن عكرمة عن ابن عبّاس مرفوعاً مختصراً: (لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي) بينما لفظ حديثِ يعلى بن حكيم عند البخاري (467) قريب من حديث أبي سعيدٍ المتقدم، وفي إسناده مقال.

وحديثا ابن عبّاس وأبي سعيدٍ، رضي الله عنهم؛ يحتملان من النقدِ الحديثيّ أكثرَ ممّا  ذكرتُ، ولا غرضَ لي في نقدِ أحاديث الفضائل!

(3) أبو بكر صاحبُ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في الغار، ورفيقه في الهجرة:

بإسنادي إلى الإمام البخاري في فضائل أصحاب النبيّ، باب مناقب المهاجرين (3653) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بنُ يحيى العَوذيُّ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي الْغَارِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا فَقَالَ مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا).

وأعاده البخاري في هجرة النبيّ وأصحابه (3922) من طريق مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ التبوذكيّ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ به، ولفظه مقارب.

وأعاده البخاري في تفسير القرآن (4663) باب قوله (ثانيَ اثنينِ) من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الجُعفيّ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ بنُ هلالٍ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ به، ولفظه مقارب أيضاً.

وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة، بابٌ من فضائل أبي بكر الصدّيق (2381) من طريقِ حَبّانِ بن هلالٍ عن همّام به، نحوه.

وهمّامٌ ليس بالمتين في ثابتٍ البُنانيّ، لم يرو البخاريّ ومسلم له عن ثابتٍ، سوى ثلاثة أحاديث اتّفق البخاري ومسلم على حديثين (3393، 3653) وانفرد البخاريّ بالحديث الثالث (3805) بينما أخرجا لهمّام عن قتادة أكثرَ من تسعين حديثاً!

(4) أبو بكرٍ وعائشة؛ أحبّ الخلق إلى رسول الله:

بإسنادي إلى الإمام البخاريّ في كتاب فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر (3662) قال: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ قَالَ: خَالِدٌ الْحَذَّاءُ حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ، قال عمرُو: «فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ!

فَقُلْتُ: ومِنْ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: أَبُوهَا.

قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَعَدَّ رِجَالاً».

وأعاده البخاريّ في المغازي، باب غزوة ذي السلاسل (4358) من طريقِ خالد بن عبدالله المزنيّ عن خالدٍ الحذّاء، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ. قَالَ عمرُو: فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟

قَالَ: عَائِشَةُ؟ قُلْتُ: مِنْ الرِّجَالِ؟ قَالَ: أَبُوهَا!

قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ عُمَرُ) فَعَدَّ رِجَالًا، فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ».

وأخرجه مسلم في صحيحه (2384) من طريق خالد بن عبدالله المزني به، وبمثل لفظ حديثه!

وأخرجه أحمد في مسنده (17811) من طريق عبدالعزيز بن المختار عن خالدٍ الحذّاء، به، وبمثل لفظ حديثِ المزنيّ.
ومن طريقِ أحمد ولفظ حديثه؛ أخرجه الترمذي في جامعه (3885) وقال: حديث حسن صحيح.

وأخرجه الترمذي بعد الحديث السابق (3886) من طريق إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، بنحوه، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، مِنْ حَدِيثِ إِسْمَعِيلَ عَنْ قَيْسٍ» وحديثٌ يرويه ناصبيٌّ عن ناصبيّ؛ إنّما يعتدّ به النواصب!

وكيف يتصوّر مخلوقٌ أن يحبَّ الرسولُ صلّى الله عليه وآله وسلّم زوجتَه أكثر من ابنته سيّدة نساء العالمين، رضي الله عنهما؟

أو يحبّ رجلاً يبكي إشفاقاً على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ أكثرَ من رجلٍ زلزل أركان الشركِ، وفرّج الكروبَ عن وجه الرسول، أكثر من جميع المهاجرين والأنصار والأعراب؟

ويجب أنْ لا تنسوا أبداً أنّ عمرَو بن العاص، قايضَ دينَه معاويةَ بولاية إفريقيّةَ وخراجها.

قال الإمام الذهبيّ في النبلاء (3: 90): «قُلْتُ: وَرِثَ عَبْدُاللهِ «بن عمرو» مِنْ أَبِيْهِ قَنَاطِيْرَ مُقَنْطَرَةً مِنَ الذَّهَبِ المِصْرِيِّ، فَكَانَ مِنْ مُلُوْكِ الصَّحَابَةِ» هنيئاً لعبدالله بهذه القناطير!

(6) أبو بكر أفضل هذه الأمّة:

بإسنادي إلى الإمام البخاريّ في فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم (3655) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: .كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ)

وأعاده البخاريّ في كتاب المناقب، باب مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه (3697)

من طريق عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ عَنْ عُبَيْدِاللهِ بنِ عمرَ بن حفصٍ العمريّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قولَه، بنحوه.

وأخرجه ابن حبّان في صحيحه (7251) من طريق مُحَمَّدَ بْنِ الْمُتَوَكِّلِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مرفوعاً، نحوَه.

وأخرجه الحارث بن أبي أسامة - كما في زوائد مسنده (960) من طريق أَبي النضر هاشم بن القاسم: ثنا اللَّيْثُ بن سعدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ, عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ سَالِمٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا «نُفَاضِلُ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَقُولُ: إِذَا ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ اسْتَوَى النَّاسُ, فَيَسْمَعُ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُنْكِرُهُ عَلَيْنَا».

أقول: يزيد بن أبي حبيب ثقة عندهم، لكنه لم يسمع من الزهريّ، والزهريّ نفسه ناصبيّ، كانت أحاديث الإمام عليّ معروفةً لديه، لم يحدّث هو ولا تلميذه مالك ابن أنس بحديثٍ واحدٍ منها، كما يقول الإمام ابن حبّان في المجروحين (1: 258): «لَسْتُ أَحْفَظُ لِمَالِكٍ وَلا لِلزُّهْرِيِّ فِيمَا رَوَيَا مِنَ الْحَدِيثِ شَيْئًا مِنْ مَنَاقِبِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ أَصْلا».

فقوله: «فَيَسْمَعُ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُنْكِرُهُ عَلَيْنَا» جملة منكرة تفرّد بها يزيد عن شيخه الناصبيّ.

وأخرج الحارث بن أبي أسامة - كما في زوائد مسنده (959) من طريق عُمَرَ بْنِ عُبَيْدٍ الْخَزَّازُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا مَعْشَرَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ مُتَوَافِرُونَ نَقُولُ: «أَفْضَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ نَسْكُتُ» وبمعزل عن سنده؛ فإنّ أبا هريرةَ لم يكن له شأنٌ يذكر في عهد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهو لم يصحبه إلّا قليلاً، قيل: ثلاثَ سنين، وقيل: بل ذهب مع العلاء ابن الحضرميّ إلى البحرين مؤذّناً، ولم يرجع إلى المدينة إلّا بعد وفاة الرسول، وهو كان يقول عن نفسه: إنّه كان يعترضُ كبار الصحابة بأسئلته ليطعموه!

وقال ابن عمر أم لم يَقل، فهو يجلب لنفسه ولوالده نفعاً وفضلاً!

فقد عدَّ نفسَه مع أصحابِ القولِ والرأي من كبار أصحاب الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، بينما كان عمره عند هجرة الرسول عشرَ سنينَ، أو دون ذلك، فأيّ قيمة لقول إنسانٍ ابنِ عشر سنين، أو عشرين سنةً في مجتمع قبليّ، يعظّم الأكبرَ سنّاً؟

وجعل والدَه ثاني أفضلِ رجال هذه الأمّة، رضي الله تعالى عنهم أجمعين!

ولحديث ابن عمر شاهدٌ أخرجه البخاري في فضائل أبي بكر (3671) من حديث محمّد بن عليّ المعروف بابن الحنفيّة قال: قُلْتُ لِأَبِي «عليّ بن أبي طالب»: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ.

وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ: عُثْمَانُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ).

قال الفقير عداب: حديث ابن الحنفية عن أبيه عليهما السلام؛ صحيح الإسنادِ، لا غبار عليه، وهو منسجم مع أخلاق الإمام عليٍّ في السماحةِ، وخفض الجناحِ، ومراعاةِ المعروف لدى العوامّ، فيم لا يترتّب عليه حكم.

ولا يخفى حتى على المغفّلين؛ أنّ عداب الحمش لو قال: أنا أعلم بالحديثِ من جميع علماء سوريا، بمن فيهم السيّد بدر الدين الحسنيّ، والشيخ ناصر الألباني، والشيخ شعيب الأرناؤوط.. إلخ، فلن تجد ذا مِسكَةِ عقلٍ لا يقول: إنّ عداب الحمش مغرور، معجبٌ بذاته، متكبّر، والعياذ بالله تعالى، بمعنى أنّ عداب الحمش أمسى مرتكباً كبيرةً أو كبائر!

لكنّ الجميع من علماء وجهلاء وسخفاء، يعجبهم كثيراً أن يقول عداب: أستغفر الله العظيم، لا يا ولدي، أنا رجل مسكين، من أين لي أن أفهم كلامَ هؤلاء العلماء الفطاحل، فضلاً عن مجاراتهم في العلم؟!

ما أنا إلّا رجلٌ من عامّة المسلمين، ذنوبي كثيرةٌ، وطاعاتي قليلة، وأسأل الله تعالى العفو والعافية وحسن الختام!

أليس هذا سلوكَكم في هذه الحياة، أليس هذا الذي يرضي (الأنا) المتضخّمةَ لديكم؟

هكذا تكلّم الإمام عليّ عليه السلام عندما سئل، وهو الخبير بنفوسِ الناس، والقائل:

« حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ) أخرجه البخاري (127).

والله تعالى أعلم.

والحمد لله على كلّ حال.

الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025

     مَسائِلُ فكريّةٌ:

هَجْرُ المبتدع !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(الْحَمْدُ للهِ، وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى).

أمّا بعدُ: قَرأتُ لأحدِ علماءِ الأشاعرةِ الأفاضلِ كلمةً يقولُ فيها:

«هديةً -ويصحّ: هديّةٌ - إلى دعاةِ جَمع الكلمةِ مع أهلِ التَجسيم والتَكفيرِ!

قال الفُضيلُ بن عِياضٍ، رحمه الله تعالى : «مَن عظّم صاحبَ بِدعة؛ فقد أعان على هَدْم الإسلامِ، ومَن تَبسّم في وَجه مُبتدعٍ؛ فقد استخفَّ بما أنزل الله تعالى على محمد صلّى الله عليه وسلّم، ومَن تبعَ جنازةَ مُبتدعٍ؛ لم يَزل في سَخطِ اللهِ حتَّى يرجع، ومَن زوّج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها» يريدُ الفُضيل: حتى يرجع عَن بدعته.

أقول وبالله التوفيق:

أوّلاً: إنّ أمّتنا ابتُليت بالاختلافِ، في حياة الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم!

وبعد انتقالِه إلى الرفيق الأعلى؛ ذرّ الخلاف قرنه، حتى قتل بعضُ الصحابة بعضاً، ولا أجدُ بدعةً أكبرَ من اقتتال المسلمين بعضهم مع بعض، تحت دعوى الاجتهاد في الوصولِ إلى الصواب!

ثانياً: سأقرّب إليك - أخي القارئ المسلم - المسألة ببعض الأمثلة، بعد تعريف البدعة عمليّاً.

الناس فريقان من جهة الاجتهاد: مجتهد، ومقلّد «متّبع».

فنتائجُ بذل المجتهدِ جهدَه في الوصولِ إلى حكم مسألة ما «أصليّةً كانت أم فروعية» هي تكليفه الشرعيّ الذي لا يلزمه غيره.

واختلاف هذا المجتهدِ مع غيره من المجتهدين؛ سائغ ومفهوم!

أمّا تعصّبُ المقلّد لرأي مَن يقلّده، ونضالُه عنه، وعَقدُ الولاء والبراء، بناءً على اجتهادِ ذاك المجتهد؛ فهذا في نظري اعتداءٌ على العلم والأدب، وهو مذمة لهذا المقلّدِ، مهما طالت لحيته، وقصر ثوبه، وحلق شاربيه!

وهو جنس المثل الحمويّ الشعبيّ (القَرعاءُ تتباهى بشَعْرِ جارتها).

خلاصة الأمر: البدعة اجتهاد مجتهدٍ، أو قاصر عن رتبة الاجتهاد، في الأصولِ أو الفروع، والتفرقة بين الاختلاف في الأصول والفروع؛ لا دليلَ عليه!

 ثالثاً: يقول ابن أبي يعلى الفرّاء الحنبليّ في رسالة الاعتقاد (ص: 43):

«ويجب «انتبه إلى الوجوب» هجران أهل البدع والضلال كالمشبهة والمجسمة والأشعرية والمعتزلة والرافضة والمرجئة والقدريّة والجهميّة والخوارج والسالمية والكرامية، وبقية الفرق المذمومة «يعني ما انتهينا!!» هذا اعتقادي وما أدين به لربي، وهو الذي مضى عليه والدي رحمه الله» تبارك وتعالى.

والسؤال المطروح: إذا كان يجب هجر أتباع هذه الفرق كلّها، فمن بقي من المسلمين، يجوز التواصل معه، ومودّته، والابتعاد عن هجره؟

قال هذا الكلامَ أبو يعلى الفرّاء الحنبليّ، أم قاله أحمدُ ابن حنبلٍ وأبو حنيفة ومالك والشافعيّ وداود الظاهريّ مجتمعين؛ فلا يجوز اعتمادُ هذا المذهب على عمومه وشموله البتة!

رابعاً: عندما يقول الرسولُ صلّى الله عليه وآله وسلّم: (لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا - عِبَادَ اللهِ -  إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) أخرجه البخاري (6065، 6076) ومسلم (2559).

فهل يقصدُ بهذا التوجيهِ الشريف مقلّدي أبي يعلى من الحنابلةِ، أم يقصد مقلّدي أبي الحسن الأشعريّ، أم يقصد مقلّدي أبي منصورٍ الماتريديّ، أم يفرّق الحديث الشريف الصحيح هذا، بين تقليدِ الفروع وتقليد الأصول؟

خامساً: يستدلّ القائلون بوجوب هجر المبتدع، بقول الله تبارك وتعالى:

(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؛ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة].

ويستدلون بهجر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم الصحابيَّ كعبَ بن مالكٍ الأنصاريّ خمسين ليلةً، كما في صحيح البخاري (4418) ومسلم (2769).

وأسأل هؤلاء القائلين بوجوب هجر المبتدع:

هل المبتدع «الحنبليّ» عند الأشاعرةِ، يحادُّ الله تعالى ورسوله؟

وهل المبتدع «الأشعريّ» عند الحنابلة، يحادُّ الله تعالى ورسوله؟

وهل أهل السنة والشيعة والإباضيّة والمعتزلة والقدريّة وغيرهم ممن جعلوهم أهل بدع وضلال؛ جميعهم يحادّون الله تعالى ورسوله، أم إنّ المجتهدَ أوصله اجتهادُه إلى ما عدّه الآخرون بدعةً، وتابعه على اجتهاده جماعةٌ من المسلمين، كثروا مع الزمن بأسبابٍ كثيرةٍ، فغدوا مذهباً أو فرقةً أو طائفة؟

إنّ الحنفيّ يعتقد بأنّ الإمامَ أبا حنيفةَ أعلم خلق الله تعالى بالفروع!

وأنّ أبا منصورٍ الماتريديّ أعلم خلق الله تعالى بالأصول العقدية!

وإنّ المالكيّ والشافعيّ يعتقدان أنّ أبا الحسن الأشعريّ أعلم خلق الله بالأصول.

وإنّ الحنابلة يعتقدون أنّ الإمام أحمدَ ابن حنبلٍ؛ أعلم الخلق بكل علمٍ إسلاميّ، في الأصول والفروع والحديث والتفسير..إلخ.

وواقع حال هؤلاء الأئمة والعلماء؛ ليس على هذا النحوِ من الخيالِ والغلوّ والتعصّب، فلا يوجد بينهم واحدٌ برز بثلاثةِ علومٍ أصلاً، سوى الإمام الشافعيّ رضي الله عنه وعنهم، فقد كان إماماً في اللغة والبيان والأصول والفروع والتفسير والحديثِ والتاريخ..إلخ.

ومع إمامته في اعتقادي؛ فلا يجوز تقليدُه في كلّ اجتهادٍ ذهب إليه.

وقبل الخاتمة أقول: جميع مذاهب أهل الإسلام وطوائفهم وفرقهم؛ كان للسياسة أثر بالغٌ في رواجها، ولا يُنجي أمّةَ الإسلام اليومَ، سوى الساسة والعلماء!

انظروا إلى بلدنا سوريا، كيف غدت أمويّةً بين ليلةٍ وضحاها، وغدا حتى بعض الأشراف يتغنى بأمجاد بني أميّة ورجالاتها.

مع أنّه لا يوجد ملك واحدٌ من بني أميّة، يصلح للاقتداء به في بعض أعماله أو كثير منها، بَدْءاً من عثمان بن عفّان، وانتهاءً بمروان الجعديّ «الحمار».

هل إعراض عثمان عن كبار صحابة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في إمرة الولايات، وتسليمها لشباب بني أمية وحلفائهم؛ أمرٌ مقبول؟

هل جعل جمع المصحف الشريف ونسخه إلى ثلاثة من شباب قريش، مع زيدِ بن ثابت الأنصاريّ، وإعراضه عن عليّ وابن مسعودٍ وأبي بن كعبٍ، رضي الله عنهم؛ أمر مقبول؟

هل حرقه نسخَ المصحف الشريفِ؛ أمر مقبول؟

هل يكون لدى الإنسان وثائق متعدّدة لكتابٍ واحدٍ، مكتوبةٌ بعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، فيقوم بحرقها؟

هل إغداقه المالَ والمناصبَ على بني أميّة؛ أمر مقبول؟

وهل تصدّقون تلك الروايات الساقطةَ التي تقول: إنّ الغوغاء ثاروا على عثمان؟

إنّ الذين ثاروا على عثمان سادةُ المهاجرين، مثل طلحة والزبير وعائشة ومحمد بن أبي بكر.

وسائر الأنصار - كما يقول الإمامُ المزيّ في ترجمته - حتى إنهم منعوا دفنَه في مقبرة البقيع، وانظر ترجمته في تهذيب الكمال!

وجميع من جاءَ بعد عثمان رضي الله عنه من بني أميّة؛ لا يساوي خنصرَ عثمان في الدين والورع.

ما أريد قوله: لا بدّ من أن يقوم سياسيّ مؤمن واعٌ، بإنشاء مؤسسات علمية، تؤهّل العلماءَ للوصولِ إلى درجة الاجتهادِ المقيّدِ والترجيح، ثم يقوم هؤلاء المؤهّلون بالاجتهادِ الجماعيّ في مسائل الخلافِ الأصليّةِ أوّلاً، ثم الفرعيّة بعد ذلك، واعتماد نتائج إجماعِ أولئك المجتهدين ديناً للأمةِ، وجعل ذلك قانوناً، وكتابة الدستور في ضوء ذلك، إذْ من الخطأ العلميّ والتربويّ؛ اعتقاد أنّ الأوّلين أعلم منّا وأتقى منّا وأكثر أدباً وتهذيباً منّا، ولا دليل أبداً على هذا الكلام، وجميع الأحاديث التي تتحدّث عن الخيريّة - إنْ صحّ شيءٌ منها - فالفضل شيٌ والعلم شيءٌ آخر.

ختاماً: أنا الفقير لا أرى جوازَ هجر المبتدع مطلقاً - لا في الأصول ولا في الفروع - لأنّ طبيعةَ البشرِ؛ تقليدُ معظَّميهم، وتقديس أقوالهم.

ولا يعنيني أبداً مخالفتي لأحمدَ ابن حنبلٍ ولغيره من العلماء في هذه المسألةِ التي مزّقت الأمّة واستباح بعضها بها دماء بعض!

إنّما أرى جعلَ تعلّم الدين إلزاميّاً في الأمّة، مثلما تعتمد الحكومات في أكثر دول العالم نظاماً يطلق عليه (التعليم الإلزاميّ).

والله تعالى أسألُ أن يلهمنا رُشدنا، وأن يعلّمنا ما جهلنا، وأن يجمع قلوب المسلمين على الحبّ، وإعذار بعضهم بعضاً.

وأشهد الله تعالى - وأشهدكم - أنني أحبّ المسلم السنيّ والزيديّ والإماميّ والإباضيّ، والأشعريّ والماتريديّ والسلفيّ والصوفيّ، والإخوانيّ والتحريريّ.

بيد أنّ مولاةَ كلّ واحدٍ من هؤلاء المسلمين ومحبّتَه؛ على قدر قُربه من الحقّ والعدلِ.

فإذا انحرف - وعلمت بانحرافه - وجب عليَّ نصحه باللسانِ، والتقرّبُ منه والإحسان إليه، حتى يتقبّل الحقَّ، ويذعن إليه.

أمّا قال السلف، وترك الخلف، وقال أحمد ابن حنبل، وقال ابن تيمية رحمهم الله تعالى؛ فإنما يبكي على تقليدِ هؤلاء وأمثالهم الجهّالُ!

وأخشى أن تتكرّس في حياتنا العلمية والفكرية والسلوكية؛ آثارُ ما ورد في حديثٍ يُصححه الأكثرون، يقول فيه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: (سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً.

سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ «الجدب والقحط» فَأَعْطَانِيهَا.

وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ؛ فَأَعْطَانِيهَا.

وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ؛ فَمَنَعَنِيهَا) أخرجه مسلم (2890).

والله تعالى أعلم.

والحمد لله على كلّ حال.