الأربعاء، 16 أكتوبر 2024

  مسائلُ فكريّةٌ:

لماذا لا تَكتبُ عن الإباضيّة !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

عَقب ردِّ لجنة المناقشةِ الأنباريّة أطروحتي للدكتوراه في جامعة بغداد؛ أشاع بعض العراقيين النواصبِ - وما أكثرهم في العراق - أنني تشيّعتُ!

- وأنني أطعن في الصحابةِ، ويقصدون معاوية وحزبَه الفئةَ الباغيةَ، وهو عندهم مقدّسٌ، مثلَ عجل بني إسرائيل!

- وأنني أطعن بأمّ المؤمنين عائشة - غفر الله لها - واستغلّوا كلمة (باغية) فجعلوهاً (بغيّاً) عامدين، عاملهم الله تعالى بعدله، وقد فعل!

وأنني أطعن في الصحيحين، الذين لا يعرفون عنهما شيئاً يومئذٍ، وقد اعترف الدكتور حارث الضاري بأنه لم يقرأ صحيح البخاري ولا صحيح مسلم!

صارت سمعتي في العراق أسودَ من «السخامِ» بالباطل، وقد ظللت أدعو على هؤلاء العراقيين أكثر من سنتين، حتى إذا كنت في سجودِ قيامِ إحدى الليالي؛ قرعَ سمعي بعنفٍ قول الله تعالى:

(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ).

ثمّ جاءني واردٌ قلبيّ يقول: «ادع بهذا الدعاء: اللهم أحسن إلى مَن أحسن إليّ، وسامحني وسامح من أساء إليّ من المسلمين».

فاتّخذت هذا الدعاء وِرداً لي أدعو به في كلّ صلاةِ فريضةٍ أو نافلةٍ، منذ ذلك اليوم!

في عام (2002م) غادرتُ العراق، باحثاً عن عملٍ، بعدما أيقنتُ أنْ لا عملَ لي في العراقِ بتاتاً!

وحين كتبتُ إلى الرئيس صدّام حسين: «أنني انتظرت سنواتٍ لتضعني في الموقع المناسبِ، لكنني لم يصلني منك أيّ جوابٍ بهذا الخصوص، لذا أستأذنك في مغادرة العراق، بحثاً عن عمل».

وخشيةَ أن يظنَّ بي سوءاً؛ كتبتُ إليه: «وقد تركت أولادي تحتَ رعايتك، وفي ظلّ حمايتكَ، فهم هاهنا آمنون» وتركتهم فعلاً، وغادرتُ إلى الأردن!

وكان مِن عاقبةِ هذا التصرّف المَخوف؛ أنني لم أر بناتي منذ عام (2002) حتى هذا اليوم!

في الأردنّ الهاشميّ، الذي يرتع فيه النواصب؛ قَبلتُ أن أعملَ في مدرسةٍ ابتدائيّة معلمّاً للغة العربية والدين، بيد أنّ المخابرات الأردنيّة (السامية) رفضت مزاولتي أيَّ عملٍ في الأردنّ، حتى أتعاونَ معهم، ورفضت ذلك بالتأكيد!

بقيتُ في الأردنّ منذ العام (2002) حتى العام (2014م) ولم يُسمح لي بالعمل بتاتاً!

راسلت كثيراً من الجامعاتِ العربية والإسلاميةِ، من دون جدوى، لأنّ الحقدَ السنّي الطائفيّ على رائحةِ التشيّع؛ أشدُّ بكثيرٍ من الحقد السنيّ على الكفّار الأصليين!

يُضاف إلى هذا حقدُ الإخوان المسلمين الحزبيّ، الذي يزلزل الجبال السوداء!

في عام (2003) كتبتُ إلى سماحةِ الشيخ أحمد بن حمد الخليليّ كتاباً، أوضحت له فيه حاجتي الماسّة إلى العمل - وليس إلى مساعدة! - فعمل شهوراً طوالاً، حتى حصل لي على إذنٍ بالعملِ في (سلطنة عُمان) في المعهد الشرعيّ، الذي يشرف هو عليه مباشرة!

عَملتُ في المعهد الدينيّ من اليومِ الأوّلِ لافتتاح الدراسةِ، إلى نهايةِ الفصل الأوّل، يعني أكثرَ من أربعة شهورٍ!

فكنتُ أقترض مصروفي الشخصيّ ومصروفَ أسرتين إحداهما في بغداد، والأخرى في عمّان الأردنّ، من خارجِ (سلطنة عمان) وأنا أنتظر مرتّبات أربعة شهورٍ أو خمسة، من دون فائدة!

تقدمت باستقالتي إلى إدارةِ المعهدِ، فغضبت الإدارةُ منّي، لكنني أصررت على الاستقالة، لاعتقادي أنّني سأتعب معهم كثيراً، وأنا أستحيي جدّاً من الخصومة الماليّة!

بعدَ التفاهمِ على إنهاء عقدي؛ وقّعوني على وثيقةٍ بأنهم هم أنهوا عقدي، مستغنين عن خدماتي زوراً وكذباً، ورفضوا إعطائي استحقاقاتي الماليّة، وقالوا لي: أعطنا عنوانك وحسابك، ونحن نودع فيه استحقاقاتك المالية، عندما تُقَرّ ميزانيّة المعهد، أو كلاماً كهذا.

عندها لجأتُ إلى سماحةِ شيخي الجليلِ، فشكوتهم إليه، فتدخّل حتى صرفوا إليّ مرتّباتي الأصليّة، بعدما ألزموني بالتنازل عن أجور الساعات الإضافيّة التي تقربُ من المرتّبات الأصليّة ذاتها، فلا سامح الله إدارةَ المعهد على هذا الفعل الشائن!

وحسب معتقداتِ الإباضيّة؛ أكلُ أموال الناس بالباطل من الكبائر التي تودي بصاحبها إلى الخلودِ في النار، فأزفّ إلى مدير المعهد هذه البشرى؛ لأنني لن أسامحهم أبداً!

كانت حياتي في (سلطنة عُمان) جميلةً جدّاً، تتناسب مع طبيعتي الصوفيّة، ورغبتي الأكيدةِ في اقتناص الحسناتِ، ومباعدةِ السيئات!

وعندما وصلتُ إلى عمّان الأردنّ؛ سألوني عن حياتي في سلطنة عمان؛ فقلت لهم: «أظنني لم أرتكب في مَسقط سيئةً واحدةً، ولو أنني متُّ هناك؛ فسأكون من أهل الجنّة يقيناً، بفضل الله تعالى ورحمته».

قرأت في مسقط عشراتِ المجلّدات عن الفكر الإباضيّ، والعقيدة الإباضيّة، وأصول الفقه والفقه، وقرأت عدداً من كتب شيخي المفتي أحمد الخليليّ حفظه الله تعالى، واستمعتُ بحياةٍ هادئةٍ صالحةٍ، لم أتناول فيها دواءً للسكّريّ، ولا لغير السكريّ أبداً!

من أجل ذلك كلّه؛ تجنّبتُ نشرَ شيءٍ مما كتبتُ عن (الإباضيّةِ) وفاءً وعرفاناً.

منذ العام (1999) كتبتُ بحثاً مطوّلاً عن الإباضيّة ومسند الربيعِ، أعطيت نسخاً منه لبعضِ طلابي العُمانيين الأحبّة، لكنني لم أنشره حتى هذا اليوم؛ لئلّا أُدخلَ الحزنَ عن قلبِ شيخي الفاضلِ المفتي «أحمد الخليلي» الرجل الصالح الشجاع، صاحب المواقف النبيلة تجاه قضايا الأمّة الكبرى، ولئلّا يتبادر إلى قلبه الطيّب أنني ممن ينكر الجميل!

ربما لا يَفهم كثيرون موقففي هذا، وكثيرون سيرونه خطأً، لكنني مقتنع قناعةً تامّةً أنْ لا ضرورةَ إلى نشر ما كتبته عن «الإباضيّة» وعن «مسند الربيع» وسينشره أولادي بعد وفاتي بكلّ تأكيد!

والله تعالى أعلم.

والحمدُ لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق