الاثنين، 8 يوليو 2024

  بعيداً عن السياسة اللعينة:

مُناسباتُ محرّم الحرام!؟

قال الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم

(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) [سورة التوبة].

وقال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:

(إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) حديث صحيح، أخرجه البخاريّ ومسلم.

وقال الله تبارك وتعالى:

(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) [سورة يوسف].

وقال لنا الله تعالى (فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ).

«الاعتبار: هُوَ النّظر فِي الثَّابِتِ أَنّه لأيِّ مَعنىً ثَبت، وإلحاقُ نَظِيره بِهِ...

بَيَانُ ذَلِك أَنّ اللهَ تَعَالَى ذكرَ هَلَاكَ قومٍ بِنَاءً على سَبَبٍ، ثمَّ قَالَ: (فاعتبروا) بِالْفَاءِ الَّتِي هِيَ للتَّعْلِيلِ، أَي: اجتنبوا عَن مِثلِ هَذَا السَّبَب، لأنّكم إِنْ أتيتم بِمثلِهِ؛ يَتَرَتَّب عَلَيْكُم مثل ذَلِك الْجَزَاء، إِذْ الِاشْتِرَاك فِي الْعلَّة يُوجب الِاشْتِرَاك فِي الْمَعْلُول، فالنظر والتأمل فِيمَا أصَاب من قبلنَا بِأَسْبَاب نقلت عَنْهُم» يجب أن يقودَنا إلى أخذِ العِظَة من أنْ نقعَ بمثلِ ما وقعوا به!

وفي شهرِ محرّم الحرامِ، من عام إحدى وستين من هجرة الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى بخمسينَ سنّةً فحسب؛ قتلَ المسلمونَ ابنَ بنت الرسولِ وريحانتَه من الدنيا، الحسينَ بنَ عليِّ بن أبي طالبٍ عليهم السلام، بدعوى خروجِه على إمامِ الوقتِ الفاسق الفاجرِ يزيدَ بنِ معاويةَ، عليهما من الله تعالى سخَطُه وأليمُ عقابه!

وإنّ أهمّ ما يجبُ علينا تذكُّره في شهرِ الله المحرّم هذا، أنّ الحقَّ الموكَلَ إلى الأمّةِ إقامتُه؛ لا ينتصر ولا يتحقّق إلّا بالقوّةِ المكافئةِ للباطلِ وأهله.

وأنّ تقويمَنا لحِقبةٍ زمنيّةٍ من تاريخِنا، قريبةٍ من عهد النبوّةِ؛ لا يعني الإساءَةَ إلى الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولا يعني الإساءَةَ إلى الجيلِ الذي بلّغه الرسولُ رسالةَ ربّ العالمين.

قال الله تعالى:

(إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) [القصص].

(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (272) [البقرة].

(إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37) [النحل].

(يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) [المائدة].

(ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) [يوسف].

فإذا كانت الهدايةُ توفيقاً من الله تعالى، والرسولُ قد بلّغ رسالته إلى الناس؛ فلا يلحقه أدنى لومٍ إذا هم انحرفوا، أو انحرف بعضهم عن سواء السبيل!

والصحابةُ بشرٌ من البشر، ينطبق عليهم ما ينطبق على سائر البشر!

(وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً) [الجنّ]. 

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) [فاطر].

(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12) [التغابن].

والذي يتتبّع جملة (يا أيّها الذين آمنوا) في القرآن الكريم؛ يظهر له جيلُ الصحابة جيلاً بشريّاً، لا يختلف عن أيّ جيلٍ بشريٍّ آخر!

قال الله تعالى:

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) هذا يعني أنّ توقّع حصولِ المنّ والأذى من بعضِ الصحابةِ واردٌ، وممكن!

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَر).

وهذا يعني أنّ بعضَ الصحابةِ قد اتّخذوا بطانةً من المنافقين وغير المنافقين!

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِيناً).

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ).

(مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

(حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ).

(وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).

وعن جابر بن عبدالله الأنصاريّ قال: (أَقْبَلَتْ عِيرٌ وَنَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجُمُعَةَ، فَانْفَضَّ النَّاسُ، إِلَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً؛ انْفَضُّوا إِلَيْهَا، وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) [الجمعة: 11] وهي سورةٌ مدنيّة باتّفاق!

إنّ ما حدثَ في واقعةِ كربلاءَ، وما حدث بعدها في وقعةِ الحرّةِ؛ يدلُّ دلالةً واضحةً لا لبس فيها؛ أنّ الكثرةَ الكاثرةَ من المسلمين؛ كانت تتبع صاحبَ السلطةِ والثروةِ!

وأنّ خِيارِ الأمّة - بعد نصف قرنٍ من عمر الإسلام - كانوا ضعفاءَ، لاحولَ لهم ولا قوّة، يقبلون أن يحكُمهم فاسقٌ فاجر ماجن!

وهذا يعني أنّ العلمانيّةَ كانت مبكّرةً جدّاً في تاريخنا الإسلاميّ، ولعُمقِها في تاريخنا الإسلاميّ؛ فإنّ أهلَ السنّة يقبلون بولايةِ أيّ فاسقٍ فاجرٍ، يحقق لهم مصالحهم الدنيويّة، ويرفضون أيّ حكومةٍ دينيّة، حتى لو كان تديّنها ظواهرَ يسيرةً، كتديُّن الإخوان المسلمين المصريّين، قبل عشر سنواتٍ من اليوم!

وإذْ كان الأمرُ كذلك؛ فإنّ قتلَ الإمامِ الحسينِ وأولادِه وأولاد إخوانِه وبني عمومته؛ لم يُحدِثْ ردودَ فعلٍ كبيرةً، تزلزلُ الأرضَ تحت أقدام الطغاةِ الفاسدين!

لكنْ هل من الدينِ؛ أن نجعلَ من ذكر استشهادِ سيّد الشهداءِ موسماً للنحيبِ والعويلِ وضربِ الصدور وشقّ الجيوبِ والتطبير والمسيراتِ الطائفيّةِ المثيرةِ للأحقادِ والخصومات؟

وما الذي يجنيه الإمامُ الحسينُ وشهداءُ كربلاءَ من مظاهرِ الأسى والحزن، التي تملأ أيّامَ شهرِ محرّم الحرام من كلّ عام؟

إنّ الله تعالى عابَ على أقوامٍ(قَالُوا: بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)!

(قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ)؟

أجلْ واللهِ، إنّ لديّ خيراً ممّا وجدتم عليه آباءَكم، المتعصّبين لتقاليدَ ما أنزلَ الله بها من سلطانٍ، وليس لها أيّ فائدةٍ دينيّةٍ ولا دنيويّة البتّة!

أنا لا أقول: لا تحيوا مأساةَ كربلاء، ولا أقول: لا تلعنوا يزيدَ وأنصارَ يزيد في السابق والحاضر، بل عليهم لعنة الله أجمعين!

إنّما أقول لكم ما يأتي:

- النفقاتُ الماليّةُ الهائلةُ التي تنفقونها في كلّ عام؛ يمكن أن نبني منها في كلّ عامٍ مصنعاً في كلّ مدينةٍ من مدن العراقِ، يعمل به العاطلون عن العملِ وما أكثرهم!

وفي ظروفِ أهلنا الحاليّةِ في غزّةَ؛ دفعُ هذه النفقات إلى أهل غزّةَ الذين لا يجدون ما يأكلون، أليس أولى من إهدار هذه النفقاتِ في أمور مشكوكٍ في مشروعيتها، في الحدّ الأدنى؟

- بدلاً من مسيراتِ التطبير وإثارة النعرات؛ نجتمع في مساجدنا، نتلوا القرآن الكريمَ، ونذكرَ الله تعالى، ونتدارس سيرةَ آل البيت عليهم السلام، ونقوّم مسيرتهم العلميّة والسياسيّة، ونبيّن ما أصابوا فيه فنتّبعه، وما أخطأوا فيه فنجتنبه، ثم نهدي ثواب ذلك إلى الإمامِ الحسين وشهداء كربلاء، أوليس هذا أحبَّ إلى الله تعالى، وأحبَّ إلى الحسين عليه السلام؟

في هذا القدر كفايةٌ، فقد تعبت، والله المستعان.

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق