مَسائِلُ مِن الفِقْهِ والأُصولِ (16):
زكاةُ الفِطْرِ طعامٌ أم نُقود !؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
ممّا لا يختلف عليه المسلمون؛ أنّ مَنْ أخرج زكاةَ
فِطْرِه، ممّا ورد في لفظ الحديث الشريف؛ فقد قامَ بما أوجبه عليه الشارعُ الحكيم.
أمّا مَن أخرجَ قيمةَ ذلك نقوداً، فهل يجزؤه ذلك؟
أخرج البخاريّ (1506) ومسلم (985) من حديث أبي
سعيدٍ الخدريّ قال:
(كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ
طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ
أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ) والمقصود بالطَعام عند كثيرين: القَمحُ، وعند
كثيرين أيضاً غالبُ قوتِ أهل البلد، وأنّ كلمة (طعام) مجملة، وما بعدها تفسير.
ولم يصحّ عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم
ذِكْرُ صاعٍ من بُرٍّ، أو نصفُ صاعٍ البتّة، كما قاله البيهقيّ في السنن الكبير
(4: 170) ربما لأنّ البُرّ لم يكن معظمَ طعامهم أصلاً.
وقد قدّر بعضُ علماء الشافعية المعاصرينَ الصاعَ
بالغرامات، فكان (2167) وقدّره بعض الحنفيّة بالغراماتِ، فكان (3250) غراماً.
بيد أنّ الحنفية يوجبون نصفَ صاعٍ من القمح، وصاعاً
من بقيّة المذكورات، فتكون صدقةُ الفطر عندهم (1625) غراماً من القمح.
وإذْ لم يصحّ في التفريقِ بين القمح وغيره عن
الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم شيءٌ؛ فيكون الحنفيّة اعتمدوا فتوى معاويةَ بن
أبي سفيانَ، فهو الذي جعل صاعَ القمحِ صاعين من غيره، وأنكره أبو سعيدٍ الخدريّ،
رضي الله عنه.
فقد أخرج الطحاوي في معاني الآثار له (2: 42) من
حديث عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِاللهِ العامريّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ
الخدريّ, وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ؟
قَالَ: لَا أُخْرِجُ إِلَّا مَا كُنْتُ أُخْرِجُ
عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَاعًا مِنْ تَمْرٍ,
أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ, أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ, أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ.
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ؟
فَقَالَ: لَا, تِلْكَ قِيمَةُ مُعَاوِيَةَ , لَا
أَقْبَلُهَا , وَلَا أَعْمَلُ بِهَا) والأَقِط: والهِقِط: هو اللبن المجمّد بطريقة
معلومةٍ، ويدعى في أيّامنا (الجَميد).
والذي يقول به الفقير عداب: أنّ مقصودَ الشارعِ غالبُ
قوتِ المكلَّفِ نفسه، وقوتُ أهل البلدِ؛ ليس ببعيدٍ عنه، ولا يزالُ خُبزُ القمحِ
والأرزّ هما أشهر قوتِ بلاد الشام.
فتكون زكاةُ فطر المسلم الواحدِ، الذي يجب عليه
إخراجها عن نفسه، أو عمّن يعول (2250) غراماً من القمحِ أو دقيقهِ، أو من الرزّ.
والمطلوبُ في زكاة الفِطْر؛ طعامُ نفسه، وليس مطلقَ
الطعام، في اجتهادي!
فأنا أطبخ في بيتي (أرزّ بسمتي) وفي السوق أرزّ
جميل المنظر بنصف قيمتِه مثلاً!
فهل أخرج من مطلقِ الرزّ، أو من طعامي أنا؟
الراجح عندي أنّ الواجبَ عليَّ إخراجُ مثلِ طعامي
أنا، وهذا تكليفي الشرعيّ فيما أفهم، ودائما أتّبع في مسائلِ الخلافِ مصلحة الفقير.
ولا يخفى عليكم إخواني الكرام أنّ من أخرجَ قيمةَ
نصابِ زكاةِ الفطرِ؛ فلا يقال: إنّه لم يزكِّ أبداً، إنما يقال: أخرجَ زكاةَ فطره
نقوداً أو قيمةً.
والمسألةُ خلافيّةٌ بين أهل العلم - كما هو معلومٌ
- والأحاديثُ الصحيحةُ الواردةُ عن الصحابةِ رضي الله عنهم، تحكي الحالَ التي
كانوا عليها في أيّام الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وليس عن الرسولِ أيُّ
حديثٍ صحيحٍ أو ضعيفٍ، ينهى عن إخراج القيمةِ، فتكونُ السنّة العمليّةُ إخراجَ
المسلمِ زكاة فطره من مثل قوته هو، ويكون إخراج قيمةِ ذلك جائزاً، لا حرج فيه إنْ
شاء الله تعالى.
وإذْ إنّ زكاةَ الفِطر قدرٌ يسيرٌ من مال المسلم
المقتدر في زماننا هذا؛ فالأولى أن يزّكي من مثلِ قوتِ أهل بيته، ويخرج مثلَ
قيمتها، على سبيل التطوّع أيضاً.
وإنْ اقتصر على إحداهما؛ أجزأتْه إن شاء الله
تعالى.
وأنا الفقير مذْ صار لي دخْلٌ، وغدوتُ أخرج زكاةَ
فطري بنفسي، وذلك عام (1963م) فأنا أجمع بين عَينِ زكاةِ الفطرِ وبين قيمتها
النقديّة، لا خروجاً من الخلافِ، فالمسألةُ أيسر من ذلك، وإنّما تعبيراً عن شكري
لله تعالى، إذْ أعانني على صيامِ شهر رمضان، وعلى تمكيني من أداء زكاة فطره.
مع اعترافي بأنني كنتُ في بعض السنين؛ لا أمتلك
قيمة زكاةِ الفطر عن نفسي وأهلِ بيتي، فكنتُ أقترضُ وأخرجها.
وتَجبُ زكاةُ الفطر على المسلمِ عند غروب شمسِ آخر
يومٍ من رمضان، بعد إعلانِ المختصّين في البلدِ الذي تقيم فيه؛ أنّ غداً أوّلُ
أيّأم شوّال.
هذا عن وَقتِ وجوبها، أمّا عن جوازِ وقتِ أدائها؟
فلا يجوز تقديمُ إخراجِ زكاةِ فطر رمضان عليه؛
لأنّه سببها، إنما يجوز تقديمها أو تأخيرها في رمضان، على حسب حاجة الفقير.
والاختيار عندي أنْ لا يخرجَها إلّا بعد (27) رمضان.
وقد رأيتُ بعضَ العلماءِ يتشدّد في مسألةِ تقديم
إخراجِ زكاة الفطرِ عن ليلةِ يومِ الفطر، أو طلوع فجره، لحديثَ عبدالله بن عمر
مرفوعاً (أغْنوهم عن السؤالِ في هذا اليوم) أو (أغنوهم عن طوافِ هذا اليوم) وهو
حديثٌ ضعيفٌ لا يثبت!
وكلُّ زكاةٍ مفروضةٍ فهي عبادةٌ، فلا يجزئ إعطاؤها
لغير المسلمين؛ لقول الرسولِ صلى الله عليه وآله وسلم: (تُؤخَذُ من أغنيائهم، وتُرَدّ
على فقرائهم) أخرجه البخاريّ (1395) ومسلم (19) إنما يُعطَى غيرُ المسلمين من
الصدقات.
ومسألةُ (المؤلّفة قلوبهم) ومسألة (كفاية الذميّين)
من اختصاص الدولة المسلمة، أو من يقوم مقامَها، وليس من شأنِ الأفراد!
ومهما اختلفنا؛ فلن نختلف على أنّ إعطاءَ غير
المسلم، مع وجود المسلمِ المحتاجِ؛ مخالفٌ لمقاصدِ الشريعة في تقديري (أفنجعل
المسلمين كالمجرمين)؟
هذا ما خطر في بالي، مما نحتاج الحديثَ عنه في هذه
المسألة، فإنْ كنتُ نسيتُ شيئاً مهمّاً؛ فذكّروني.
واللهُ
تَعالى أَعلمُ
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق