مَسائِلُ عَقَديّةٌ (10):
تَوحيدُ الأسماء والصفات
(2) !؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
تناولتُ في المنشور السابق (9) تفسيرَ إضافةِ الوجه
إلى الله تعالى، بإيجازٍ شديدٍ!
وسأتناول في هذا المنشورِ إضافةَ ما زعموه صفةً
ذاتيّةً أخرى لله تعالى!
ثانياً: عَينُ - أَعْيُن الله تعالى!؟
قال الله سبحانه عمّا يصفون:
(وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا)
[هود: 11] و[المؤمنون: 27].
(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)
[الطور: 48].
(وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ
(13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) [القمر].
(وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي
وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) [سورة طَهَ].
والأعيُنُ: جمعٌ مفرده عَيْنٌ، وجميع هذه الآيات
الكريمات، من بابةٍ واحدة، ليس لها صلةٌ بعينٍ حقيقيّة، إنما هي مجاز!
قال الطبريّ في تفسيره (16: 59): «قَوْلِهِ: (وَلِتُصْنَعَ
عَلَى عَيْنِي) قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لِتُغَذَّى وَتُرَبَّى عَلَى
مَحَبَّتِي وَإِرَادَتِي».
وَقَالَ آخَرُونَ: «بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنْتَ
بِعَيْنِي فِي أَحْوَالِكَ كُلِّهَا».
وقال
الراغب في المفردات (ص: 599): (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) أي: بكلاءتي وحفظي.
ومنه: عَيْنُ الله عليك، أي: كنتَ في حِفظِ الله
ورعايَته.
وقيل: جَعلَ ذلك حفظتُه وجنودُه الذين يحفظونَه.
وجمعه: أَعْيُنٌ وعُيُونٌ، قال تعالى: (وَلا
أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ).
وقال فخر الدين الرازي في مفاتيح الغيب (22: 48): قَوْلُهُ:
(وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) قَالَ الْقَفَّالُ: لِتُرَى عَلَى عَيْنِي، أَيْ
عَلَى وَفْقِ إِرَادَتِي.
وَمَجَازُ هَذَا؛ أَنَّ مَنْ صَنَعَ لِإِنْسَانٍ
شَيْئاً، وَهُوَ حَاضِرٌ يَنْظُرُ إِلَيْهِ؛ صَنَعَهُ لَهُ كَمَا يُحِبُّ، وَلَا
يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يُخَالِفُ غرضَه، فكذا هاهنا.
وَفِي كَيْفِيَّةِ الْمَجَازِ قَوْلَانِ:
الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ مِنَ العَينِ؛ العِلْمُ، أي
تُرَى عَلَى عِلْمٍ مِنِّي.
وَلَمَّا كَانَ الْعَالِمُ بِالشَّيْءِ يَحْرُسُهُ
عَنِ الْآفَاتِ، كَمَا أَنَّ النَّاظِرَ إِلَيْهِ يَحْرُسُهُ عَنِ الْآفَاتِ؛
أُطْلِقَ لَفْظُ الْعَيْنِ عَلَى الْعِلْمِ لِاشْتِبَاهِهِمَا مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ.
الثَّانِي: الْمُرَادُ مِنَ الْعَيْنِ؛
الْحِرَاسَةُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّاظِرَ إِلَى الشَّيْءِ؛ يَحْرُسُهُ عَمَّا
يُؤْذِيهِ.
فَالْعَيْنُ كَأَنَّهَا سَبَبُ الْحِرَاسَةِ،
فَأَطْلَقَ اسْمَ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ مَجَازاً، وَهُوَ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى».
وقال
في موضع آخر من تفسيره (17: 344): قوله: (تَجْري بِأَعْيُنِنا) َهَذَا لَا
يُمْكِنُ إِجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا:
أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ للهِ تَعَالَى أَعْيُنٌ كَثِيرَةٌ، وَهَذَا
يُنَاقِضُ ظَاهِرَ قَوْلِهِ تعالى: (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي).
وَثَانِيهَا:
أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَصْنَعَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ الْفُلْكَ
بِتِلْكَ الْأَعْيُنِ، كَمَا يُقَالُ: قَطَعْتُ بِالسِّكِّينِ، وَكَتَبْتُ
بِالْقَلَمِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ.
وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلَائِلِ
الْقَطْعِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، كَوْنُهُ تَعَالَى مُنَزَّهًا عَنِ الْأَعْضَاءِ
وَالْجَوَارِحِ وَالْأَجْزَاءِ وَالْأَبْعَاضِ، فَوَجَبَ الْمَصِيرُ فِيهِ إِلَى
التَّأْوِيلِ، وَهُوَ مِنْ وُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ مَعْنَى بِأَعْيُنِنا: أَيْ
بِعَيْنِ الْمَلَكِ الَّذِي كَانَ يُعَرِّفُهُ كَيْفَ يَتَّخِذُ السَّفِينَةَ.
يُقَالُ: فُلَانٌ عَيْنٌ عَلَى فُلَانٍ، نُصِّبَ
عليه ليكون متفحّصاً عَنْ أَحْوَالِهِ، وَلَا تَحولُ عَنْهُ عَيْنُهُ.
الثَّانِي: أَنَّ مَنْ كَانَ عَظِيمَ الْعِنَايَةِ
بِالشَّيْءِ؛ فَإِنَّهُ يَضَعُ عَيْنَهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ وَضْعُ
الْعَيْنِ عَلَى الشَّيْءِ سَبَبًا لِمُبَالَغَةِ الِاحْتِيَاطِ وَالْعِنَايَةِ؛
جَعَلَ الْعَيْنَ كِنَايَةً عَنِ الِاحْتِيَاطِ.
لِهَذَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَعْنَاهُ
بِحِفْظِنَا إِيَّاكَ؛ حُفِظَ مَنْ يَرَاكَ، وَيَمْلِكُ دَفْعَ السُّوءِ عَنْكَ».
وانظر لفتاتٍ جميلةً في بصائر ذوي التمييز
للفيروزأباديّ (3: 444) والكليّات للكفوي (ص: 317، 642).
وأمّا ما يقولُه المجسّمة في قوله تعالى: (أَلَهُمْ
أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ
أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا) من أنّ نفيَ
هذه الصفاتِ عن آلهةِ المشركين؛ يستلزم أن يمتلك الإله الحقُّ مثلَها؛ غايةُ الجهل
والصفاقة!
إذْ إنّ الآية التي سبقتها تقول: (إِنَّ الَّذِينَ
تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ؛ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ، فَادْعُوهُمْ،
فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) [الأعراف].
سواءٌ كان المشركون يعبدون أصناماً، أو أوثاناً، أو
أشجاراً، أو نجوماً وكواكبَ؛ فجميعُ هذه المخلوقات تعبد الله تعالى، قال جلّ ذكره:
(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً).
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ
وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَكَثِيرٌ
حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ)؟!
(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ
فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ: ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهاً!!
قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين).
المراد من الآيةِ الكريمة التي استدلّوا بها؛ أنه
تعالى يقول للمشركين ما معناه:
إنّ الذين تعبدون من دون الله تعالى؛ هم يعبدون
الله تعالى مثلكم، علاوةً على أنهم أضعفُ منكم، إذ إنهم لا يمتلكون الأرجلَ
والأيدي والأبصارَ والآذانَ، التي تمتلكون.
فكيف تلتمسون القوّةَ والعونَ والرزقَ والنصرَ،
ممّن لا يمتلك من ذلك شيئاً.
ختاماً: تبيّن ممّا سبق أنّ إضافةَ (العين - الأعين)
إلى الله تعالى؛ مجازٌ أو كنايةٌ عن الحفظِ والرعايةِ والتسديد، وليست هي صفة لله
تعالى!
بل إنّ مفهوم الصفةِ مفقودٌ في كلّ ما يقول هؤلاء
المجسّمةُ والمشبّهةُ إنّه صفة!
إنّ الوجه والعين واليد والرجل والساق؛ ليست صفاتٍ،
عند من له أدنى فهم باللغة العربيّة، إنما هي جوارح لذواتِ الأرواح!
الوجه بعض الإنسان، والعين بعضه، واليد بعضه،
وهكذا.
والله تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق