الاثنين، 19 أكتوبر 2020

 

التصوف العليم (١٥):


احذروا الغلو معاشر الصوفية!؟
من المسلم به عند أهل السنة؛ أن الأنبياء والرسل أعلى مراتب، من الصديقين غير الأنبياء، ومن الشهداء والصالحين.
ومن المسلم به عند أهل السنة أيضا؛ أن الصحابة رضي الله عنهم سادة الأولياء.
ومن المسلم به عند أهل السنة أن المنامات والكشف والفتح؛ ليست من مصادر الدين!
هل سمعتم معشر السادة الصوفية بحديث صحيح عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن أبا بكر أو عمر، أو عثمان، أو واحد من العشرة المبشرة بالجنة عندكم...
وهل سمعتم بحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن الإمام عليا أو السيدة فاطمة بنت الرسول، أو السيد الحسن، أو السيد الحسين، عليهم السلام...
هل سمعتم أو قرأتم أو بلغكم أن واحدا ممن تقدم ذكرهم، يحشر يوم القيامة، وهو محاط بعدد من الأولياء أو الصالحين؟
أو سمعتم كتاب الله تعالى يقول:
(وكلهم آتيه يوم القيامة فردا)؟!
قرأت اليوم لأحد طلبة العلم من الأشراف نقلا عن الإمام الرفاعي يقول فيه:
يحشر الولي فلان يوم القيامة، وعن يمينه اثنا عشر ألف فارس، وعن يساره اثنا عشر ألف فارس...إلخ.
يا أيها الناس: مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عن رجل منتفخ الذات، جاهل بعظمة الله تعالى، شديد الجرأة على غيبه!
الإمام الرفاعي من أكثر أولياء الله تعالى تواضعا لله تعالى وخشية منه، ومن المحال أن ينطق بمثل هذا الكلام الجاهل المتطاول!
لست أدري لم تنشرون بين الناس ثقافة الغلو الفارغة هذه!؟
وماذا يفيد المسلمين في صلاحهم واستقامتهم إذا عرفوا أن الشيخ منصورا العراقي البطائحي جلس على تلة، مشرفا على معركة بين جيش مسلم وجيش كافر.
فقبض كفه اليسرى، فهزم جيش الكفر جيش الإسلام!
ثم قبض كفه اليمنى، فهزم جيش الإسلام جيش الكفر.
ثم رجعوا إلى بلادهم مسرورين بالنصر!
ولا أظن كاتب هذا الكلام يجهل أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم تجري على يديه مثل هذه المعجزة، ولا نحوها.
اتقوا الله فيما تنقلون، واتقوا الله حين تنقلون، فأكثر كتب الصوفية دخلها الدس والتحريف والغلو المتطرف!
والله تعالى أعلم
والحمد لله على كل حال.

 اجتماعيات (): العودةُ إلى التواصل مع الأصدقاء!؟

العودةُ إلى التواصل مع الأصدقاء!؟

)رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا، رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(.
نبهني أحد الإخوة الأحباب بسؤاله: (هل انتهى الحظر من الفيسبوك)؟!
أقول وبالله التوفيق:
عقب سؤال هذا الأخ الفاضل؛ دخلت إلى الفيس، وكتبت تعليقاً، فَقَبله السيد الفيسبوك، فتبين أنّ مدة الحظر قد انتهت!
والحقّ أيها الإخوة الأحبة؛ ضعفت رغبتي في الكتابةِ على الفيسبوك، ولولا خوفي من الله تعالى، من حسباني ممن يكتمون العلم والنصحَ للمسلمين؛ ما كتبت منشوراً واحداً؛ لأنّ السفهاء الحقراء الطائفيين الجهّال، قد كوّنوا فيما يبدو عصابة إرهابيةً (لوبي) ضدّ كلّ من يكتب من العلم والنصح ما يخالف أفكارها الخسيسة الدنيئة!
وإنني أرجو من الأخ الفاضل المشرف على صفحاتي على الانترنيت أن يرفع مقالاتي إلى مدوّنة عداب الحمش مباشرة، حتى لا يتمكن أولئك السفلة الأوغاد من الوشاية اللئيمة الجاهلة إلى (الفيسبوك) الذي يستجيب فيما يظهر إلى اللوبيات، من دون تدقيق ولا تحقيق!
والذين يقومون بتلك الوشايات السافلة؛ يرتكبون جرائم متعددة في أعمالهم هذه، وسيكونون يومَ القيامة من أصحاب السعير، بإذن الله تعالى!
ولن يجدوا لهم شفعاء ولا وسطاء، بين يدي الله تعالى؛ لأنّ الشفاعة لله تعالى!
والله تعالى لا يأذن للشفعاء أن يشفعوا لأهل البهتان والافتراء أبداً!
خصوصاً وأنّ الذين يأمل هؤلاء السفهاء منهم الشفاعة؛ هم أهل الحقّ والعدل من جهة، ولأنّ الفقير عداب ولدُهم وأحدُ أعلامهم في هذا العصر البئيس!
وحاشا لأئمة أهل البيت أن يشفعوا للوشاة الأنذال، الذين خذلوا آل البيت على مدار تاريخهم!
والله المستعان على القوم الظالمين.
)رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(.
والحَمْدُ للهِ على كلّ حال.

 

مِنْ وَحْيِ المَوْلِدِ النبويِّ الشَريفِ (2/ 42 هـ):


بسم الله الرحمن الرحيم
) رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ*
رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا، رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(.
(1) (عَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) قال ربّي
بمدحك يا حبيبَ المؤمنينا
(2) فماذا قد أضيفُ عليه مَدحاً؟
إذا قلّدتُ قولَ القائلينا
(3) فواخَجَلي، وشِعري ضاع مني!
وناجاني نِجاءَ الخائفينا
(4) فقال: سُلبتُ أوزاني ولَحني
وضيّعت القوافيَ أجمعينا
(5) لأنّك يا عدابُ قليلُ ذِكْرٍ
فصلّ عليه ألفاً، لا مئينا
(6) ومن يَزدِ الصلاةَ عليه؛ يرقى
رقيَّ المتّقين العارفينا
(7) ومِن جَمْعٍ لآياتٍ حسانٍ
أتّتْ في مدحِه؛ تَغدو مبينا
(8) ألم يقل الفَطاني في خشوع:
لربي الحمدُ، حمدَ الشاكرينا
(9) لقد وُفقتُ في حَمدي ومَدحي
رسولَ اللهِ، واستُرنِجْتُ حينا!
(10) وما استغلقتُ إلا من ذنوبي
وما ذنبي أذاةُ الصالحينا!
(11) وذنبي جُلّه مِنْ «عيلَ صبري»
وقلّةُ حيلتي؛ دامَت سنينا
(12) صَلاةٌ، ثم تسليم كثيرٌ
عليه؛ تُقارب الفتحَ المبينا
(13) صلاةُ اللهِ في أزكى سلامٍ
على الهادي، وآل طاهرينا
)رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(.
هذا.. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
والحمد لله على كلّ حال.

الأحد، 18 أكتوبر 2020

مسائل فكرية ():

 

العصمة في الفكر الإسلامي!؟
 
الشيعة بمذاهبهم الثلاثة الكبرى:
الزيدية والجعفرية والإسماعيلية؛ متفقون على عصمة أهل الكساء عليهم السلام.
ثم يختلفون بعد ذلك.
وأهل السنة بمذاهبهم الكثيرة؛ متفقون على أن لا عصمة لأحد من البشر، سوى النبيين، وموضع إجماعهم؛ هو في حدود تبليغ الرسالة، ثم يختلفون!
وأتباع المذاهب الأربعة وابن حزم يرون ابا بكر وعمر وعثمان، رضي الله عنهم، ثلاثتهم أفضل من أهل الكساء، بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ويرونهم أعلم منهم.
وأكثر أهل السنة يرون الإمام عليا أفضل من معاوية.
لكن معاوية المنافق الطليق؛ أدرى بشؤون الحكم منه!؟
وقد كتب أخي وزميلي الأستاذ الدكتور حسن حميد الغرباوي أطروحته للدكتوراه بعنوان " العصمة في الفكر الإسلامي"
وقرأتها معه كلمة كلمة، يوم كان يعدها.
وعقب انتهائه من كتابتها، وانتهائنا من قراءتها؛ خلصت إلى أن العصمة مقصورة على أنبياء ورسل الله تعالى، فحسب، وفي جوانب معينة، وليس مطلقا.
فإذا خالفت الشيعة في هذه المسألة؛ فلا عتب علي، فأنا لست شيعيا، وأداني اجتهادي إلى ما تقدم!
وإذا خالفني بعض أهل البيت من أهل السنة أو خالفتهم؛ فلا أرى في ذلك مشكلة!
فأنا درست وأشرفت على رسائل عديدة في الحديث والأصول والفقه والاعتقاد والتربية
ولم أجد أحدا من الصحابة رضي الله عنهم كان يرى الإمام عليا معصوما.
حتى ابن عباس الهاشمي، خالفه في حياته وبعد استشهاده، عليه السلام.
ولم يقدم الإمام نفسه معصوما، ولا مفترض الطاعة والاتباع قط!
أظن فيما تقدم كفاية لفهم وجهة نظري في هذه المسألة.
وإن شئتم أن أكتب لكم منشورات فيها؛ فعلت!
لكن اقرؤوا الكتاب الذي أشرت إليه، ففيه كفاية وغنى، ودعوا عنكم التشنج والتعصب وكلامي ليس معصوما، ولا هو صواب كله إنما هو صواب في نظر نفسي.
وأنا أعرض فكري بين أيديكم، ولم أقدم نفسي إماما مفترض الاتباع!
والله تعالى أعلم.
والحمد لله على كل حال.

 
قريباً من السياسة ():
ماذا عن أذربيجان!؟
(رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا، رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
إنّ الحديثَ عن الحرب الدائرةِ بين أذربيجان المسلمة الشيعيّة، وبين أرمينيا الصليبيّة؛ يستدعي استجلاب كلام «بوش الصغير» من أنّ حربه على العراق وأفغانستان؛ هي حربٌ صليبيّة جديدة!
ويجب أن نستدعي كلام «مكرون» من أنّ الإسلام دينٌ مأزوم!
ويجب أن نستدعي وقوفَ الغربِ بأكمله ضدّ تركيّا وإيران، لئلّا تتطوّر البلدان، فتصحبان تهديداً حقيقيّاً للغربِ، من وجهة نظره!
نحن المسلمين «نسالم مَن يسالمُنا، ونعادي مَن يعادينا» ومَن يقتربْ من قدسيّة رسولِنا الأكرم بسوءٍ، بكلامٍ أو فعلٍ؛ فلا ينتظر منّا أنْ نفرشَ له الأرضَ بالسجاد الأحمر، ونرمي على سحنته القذرة النجسة الفلَّ والياسمين الشامي، وليتوقّع من أن نعامله معاملةَ الكلابِ المسعورة، متى استطعنا ذلك!
لأنّ التعرّض لله تعالى، أو للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، أو للقرآن العظيم، بتنقيصٍ؛ يبيح دمَ المتعرّضِ، حتى لو كان مسلماً!
حريّة التعبير المطلقة؛ ليس لها وجودٌ في الإسلام، وحريّة التعبير في أن تنتقدَ مجتمعك وقادتَه وما فيه من انحرافٍ وانحلال، وضلالٍ، أمّا انتقاص تلك المقدساتِ الثلاثةِ وما يستتبعها، من المعلوم من الدين بالضرورة؛ فغير مسموحٍ به البتّة!
ونحن حين نريد الحكم الشرعي تجاه الموقف من أذربيجان؛ يتعيّن أن ننظر إلى قيادتها السياسيّة؛ بالعين ذاتها التي ننظر بها إلى حكامنا العلمانيين، البعيدين عن الدين!
لكنّ تعميمَ هذه النظرةِ لتشمل الشعبَ الأذربيجانيّ؛ فهذا خطأ فادح، سواء كان المجتمع سنيّاً، أم إماميّاً، أم زيديّاً، أم إسماعيليّاً، أم إباضيّاً!
ولو افترضنا اعتداءَ أذربيجان الشيعيّة على تركيّاً المسلمة – افتراضاً – فيتوجّب علينا رَدْعُ المعتدي من دون أن يكون القصدُ متوجّهاً إلى قتله!
وحتى في حال بغيه علينا بقتاله؛ فلا يسوغ لنا قتلُه إذا ارتدع، أو استسلم، أو أُسر!
ولا يحلّ لنا ماله ولا عِرضه!
بخلافِ الحربيّ الكافر، فإنّ له أحكاماً تخصّه، في حال محاربته، أو عهده وذمته، أو مسالمته ومتاركته.
فتكليفنا الشرعيّ؛ هو أن نقف مع أذربيجان المسلمة، بمعزل عن إدارتها السياسية العلمانية!
وما يُقالُ عن وقوفِ إيران إلى جانب أرمينيا وتوريد السلاح لها؛ فهو جريمةٌ فظيعةٌ ذات صلة بالولاء والبراء، ونأمل أن يكون هذا إشاعاتٍ إعلاميةً، وألا يكون له وجود على أرض الواقع. وإن كنّا لا نستبعد على تلك الإدارة الإيرانية المجرمة أيَّ شيءٍ، بعد وقوفها مع جزّار سوريّا!
وربما كان وقوف تركيّا السنية بجانب أذربيجان الشيعية؛ ما يسهم في تخفيف حدّة الصراع بين الطائفتين الكبيرتين، والسماح للعلماء بالدعوة إلى الله تعالى في تلك البلاد.
والله تعالى أعلم.
هذا.. وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
والحمد لله على كلّ حال.
 
 
مِنْ وَحْيِ المَوْلِدِ النبويِّ الشَريفِ (1/ 42 هـ):
(1) قالت: أتى شهرُ الربيع، وقد جرتْ
عاداتُ أهل الشِعرِ أن يتنافسوا
(2) في مدح أحمدَ وادّكارِ مَكارمٍ
قد خصّه منها الكريمُ، فيُؤنِسوا
(3) فأجبتُ وا أسفاً على شعري، دنا
حتى ظننتُ بأنّه يتقاعس!
(4) فأتاني الإلهام من رَهَف الجوى
لا تخشَ مِنْ عَتبٍ، ومَن يتأبّسُ
(5) ماذا يقول عدابُ في غفواتِه
والسابقون الأعظمون تَبَهنَسوا
(6) كَعبٌ وحسّانٌ ونجلُ رَواحةٍ
من صَحبِه، وسواهُم لم يَضرسوا
(7) وتلاهُم الشعراءُ، وابتكروا العُلى
حتى اجتلى «البوصير» إذ يترأس!
(8) نسجوا المعاني، واستثاروا وَشيَها
حتى تَهيّب بعدهم أنْ يلبسوا
(9) وأنا عن الماضينَ؛ جدُّ مقصّرٍ
وجوارَ أهل العصر؛ لا أتجرّس!
(11) عفواً رسولَ الله، لولا أنّني
رَهنُ الذنوب؛ طرقتُ بابَك أَحْمِسُ
(12) ولئِنْ عَجَزت عن الكِفاءِ؛ فإنني
أُزجي الصلاةَ إليكَ، لا أتحندسُ
صلّى عليك الله يا هادي الورى
وشفيعُنا الحاني، فلا نتوجّسُ
___________________
يتأبّس: يصغّر غيره ويحقره.
تبهنسوا: تفوقوا وتبختروا.
التجرّس: التكلّم!
حَمِسَ، يَحمَسُ: اشْتَدَّ وصَلُبَ في الدينِ.
تحندس الرجل: سقط وضعف.
والحمد لله على كلّ حال.

 إعادةُ صياغةِ العقل المسلم (3):



المنهج المتّبع في كتابةِ هذا البحث!؟
أرجو من الإخوةِ المؤمنين من الشيعةِ جميعهم؛ أن يعلموا بأنّ كلامي في هذا البحثِ؛ موجّهٌ إلى أهل السنة وحدهم، وليس موجّهاً إليهم بتاتاً!
ومَن رغب بالاطّلاع والإفادة؛ فمرحباً به وأهلاً، من دون تشويشٍ ولا فلسفة!
(1) وعلى جميع قرائي أن يعلموا بأنني لا أثبتُ من الآية الكريمة ولا أنفي؛ بدلالة الاقتران، ولا بمفهوم المخالفة، ولا بدلالة العدد، ولا بالعمومات.
أثبتُ وأنفي بدلالة النصّ والظاهر فحسب!
فالذي يحتجّ علي بقول الله تعالى:
( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) [المائدة].
الذي يحتجّ عليّ بأنّ هذه الآيةَ تفيدُ ولا يةَ الإمام عليّ عليه السلام؛ فأقول له: هذا عموم لا يختصّ بعليّ وحده، إنما يشمله وغيره، ممن تنطبق عليه هذه الصفات، وهكذا في سائر الآيات التي يحتجّ بها الشيعة على خصوصيات الإمام عليه السلام!
والحديث الوارد في تصدّق الإمام بخاتمه وهو راكع؛ منكر، لا يثبت بمثله شيء!
(2) وأنا الفقير أحتجّ بالحديث المتواتر، وبالمشهور الصحيح، وبالعزيز الصحيح في الإثبات والنفي.
وأثبتُ بالحديث الصحيح الغريب المندوبَ والمكروه فحسب، ولا أثبت به ركناً ولا شرطاً ولا واجباً.
أمّا الحديثُ الحسن لغيره؛ فلا أثبت به، سوى الأولى، وخِلافَ الأولى!
وأهل العلم يعلمون أنّني لست مبتدعاً لهذا الذي أقول، إنما سبقني إليه من أهل العلم كثيرون.
ومن لا يوافقني على منهجي هذا، ويريد أن يردّ عليّ؛ فليفعل ذلك على صفحته، فلا أظنني أجهل شيئاً مما يريد أن يقوله.
(3) أمّا الأحاديثُ الضعيفةُ؛ فليس لها مكانٌ في منهجي العلمي بتاتاً!
ومن أراد مناقشتي في هذا؛ فليقرأ كتابي (ضرورة الاقتصار على الأحاديث الصحيحية في العملية التربوية) ففيه إجاباتُ جميع ما يتساءل عنه.
الفقهاء قالوا بغير هذا؟
ليقل الفقهاء ما شاؤوا، فأنا لست ملزماً بتقليدهم.
الأئمة النووي والذهبي وابن حجر، قالوا بغير هذا؟
ليقولوا ما شاؤوا، فأنا لست ملزماً بتقليدهم، وقد استدركت عليهم ما لا يكاد يحصى من تنقيداتهم الحديثية.
(4) وجود الرواياتِ في كتب الزيدية والإمامية والإسماعيلية والإباضيّة مجتمعةً ومنفردةً؛ لا يعنيني في كثيرٍ ولا قليل، سواء صحّت نسبته إلى بعض أئمة الزيدية، أم لم تصحّ!
فقد درست هذه الكتبَ دراسةً أدين الله تعالى بها، فلم أجد فيها شيئاً يوجب عليّ الالتزام ببعض ما فيها.
(5) أنا الفقير إلى الله تعالى أكتب في الدرجة الأولى لأولادي وتلامذتي، وجميعهم يعلمون أنّني لم أطالبهم يوماً بتقليدي!
إنما بدأتُ بتدريسِ بعضهم قبل عشرين، أو ثلاثين، أو أربعين سنةً، أو خمسين سنةً، وأحبّ أن أتابع التواصلَ العلميّ معهم، وهم يرغبون بذلك بيقين!
فمن تأذّى مما أكتب، أو خالفني فيما أذهب إليه، أو بعضه؛ فليعلم يقيناً أنه غير مخاطَب بكلامي، ومن حقّه أن لا يقرأَه، وإذا قرأه؛ أن يُعرض عنه.
وأخيراً: إنني أرغب أن أكتب هذا البحثَ قبلَ موتي، فأرجو أن لا يشوّش عليّ أحدٌ، ومن أصرّ على التشويش؛ فسأحظره حتى لو كان واحداً من أولادي أو بناتي!
فأنا الفقير أتأثر بالكلمة المؤذية، وتصدّني عن الكتابة.
وليتذكّر كلّ واحدٍ منكم دائماً وأبداً؛ ما كررته مئات المرّات؛ أنّ ما يقودني إليه اجتهادي؛ هو الذي أقرره هنا، وافقت في ذلك أهلَ السنة أم خالفتهم، وحتى لو خالفتهم وخالفتُ الشيعةَ معهم؛ فلا يعني ذلك عندي شيئاً!
كما أرجو أن يتذكروا بأنني أحمل درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية وأنني مجاز إجازاتٍ علمية متعددة.
وأنني كتبت ما لم يكتب بمقداره إلا أفرادٌ قليلون من المعاصرين.
وأنّني أتممت (73) سنةً هجرية، ودخلت في الرابعة والسبعين، منها (67) سنة في طلب العلم.
ومع هذا؛ فليس أحد مطالَباً بمتابعتي، لا من الأقربين، ولا من الأصدقاء.
وعليه فليس بأحدٍ حاجةٌ إلى التشويش على صفحتي، فصفحتُه تتسع لأن يشتمني ويشنع عليّ بما شاء!
والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
والحمد لله على كلّ حال.

الخميس، 15 أكتوبر 2020

 إعادة صياغة العقل المسلم (2)!؟



في المرجعيات، والمصطلحات، والمصادر، والتاريخ!
بين العقل والعاقل!
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
أقول وبالله التوفيق:
العقل: هو القوّة الواعيةُ المُدركة لدى الإنسان.
والتفكير: هو عمل العقل.
والفِكْر: هو ناتج العمل العقلي.
والفكر ينقسم على ثلاثة أقسام:
علم، ومعرفة، وفرضيّة.
والعقل: منحةٌ إلهية يشترك ويتمتع بها جميعُ بني آدم، على تفاوتٍ بينهم في ظهور هذه القوة المدركة، وضمورها.
والعقل: مناط التكليف، فلا يطالَب بأحكام الشريعة فاقدُ العقل، بجنونٍ، أو عَتَهٍ، أو مرضٍ مُعطّل لعمل العقل.
وعلى هذا؛ فكلّ إنسان عاقلٌ، والعبرة بالعموم، والشاذّ لا عموم لحكمه.
وهذه القوّة المُدركةُ؛ تقوى بالعلم والمعرفة والتجارب الحياتية، وتضعف بالجهل والانعزال.
والعلمُ يقود إلى الوجود الحقيقيّ، والجهل يقود إلى العدم المجازيّ.
وتوضيح ذلك: الطفل الصغير لديه قوّة مدركة على قَدْرِه، هي عقل صغير، لكن ليس لديه عِلْم خَلْقيّ، ولم يتسنّ له بعد العلمُ الاكتسابيّ.
قال الله تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) [النحل].
فالعقلُ سابقٌ على العِلم، والعلمُ ناتجٌ من نَواتج عَمَل العَقل.
وكلّ إنسان عاقل: هو إنسان عالم، لكنّ النسبَ تتفاوت بين الناس، وقد تتفاوت النسب كثيراً، فيصبح ما يعلمه إنسان بالنسبة إلى إنسانٍ آخر؛ هو الجهل بعينه، ومن ثمّ قالوا: هناك عالم ومتعلم وجاهل!
لأنّ أجهلَ الخلق يعلم أنه وُلد من بطن أمّه، ويعلم كيف يأكل ويشرب وينام ويعلم كيف يذهب إلى سوق المدينة، أو دكّان القريةِ، وهذا علم من دون ريب!
ويُسهم في تشكيل العقل؛ الصفاتُ الشخصية الخاصة، والقوى الإنسانية الأخرى، والثقافة المتنوعة.
وحين يطلق العرب على الرجل لقب (رجل عاقل) فإنما يعنون بذلك جَودةَ تعامُلِه مع محيطه، وتميّزَ تعاطيه في أمور الخلاف!
ولذلك قالوا: فلان علمه أكبر من عقله، وفلان عقله أنفع من علمه، وفي المحدثين نماذجُ كثيرة، من هذا وذاك.
محنةُ خلق القرآن؛ جعلت من الإمام أحمد ابن حنبل إمامَ أهل السنة، مع أنّ جميعَ أقرانه الكبار؛ أعلمُ منه في تخصصاتهم!
فعليّ بن المدينيّ؛ أعلم منه في علل الحديث.
ويحيى بن معين؛ أعلم منه في الجرح والتعديل.
والشاذكوني أحفظ منه وأجمع!
والإمام إسحاق بن راهويه أفقه منه.
والحارث بن أسدٍ المحاسبيّ أعلى منه في الصلاح والتقوى.
الناس متذمرون من طريقةِ تعاطي الحكام «مع مسألة خلق القرآن»
فأجاب تحتَ الترغيب والترهيب؛ أكثرُ العلماء كما تريد السلطة!
«والناس على دين ملوكهم» وأحمد خالف السلطة الجائرةَ في هذه المسألة فحسب، فغدا عَلَماً.
كان للإمام أحمد زميلان جليلان، أحدهما أوسع دائرة علمية من أحمد ابن حنبل، ومن زميله الآخر؛ هو الإمام حسين بن عليّ الكرابيسيّ.
والثاني: هو الإمام أبو ثور خالد بن يزيد الكلبي.
أبو ثور والكرابيسيّ، كلاهما على مذهب واحدٍ تجاه هذه المسألة، وهو أنّ «القرآن كلام الله» من دون زيادة، ولا نقصان، متابعين في ذلك الإمام جعفر الصادق عليه السلام.
لكنّ الإمامَ أبا ثور؛ لم يجاهر بمذهبه، ولم يناكف الإمامَ أحمد، بل سايره، وساير العامّةَ، فقبله الإمام أحمد، وقبلته العامّة، وانتشر علمه، وعلا شأنه، رغم قلّة علمِه بالنسبة إلى الكرابيسي.
أما حسينٌ الكرابيسيّ؛ فلم يعجبه هذا التعظيم المبالغ فيه للإمام أحمد، وهو زميله، ويعرف حصيلةَ علمه، كما لم يعجبه ذاك التشنجُ في مسألةٍ، لا تستحق عَناءَ التفكير فيها أصلاً!
قال الذهبيّ في تاريخ الإسلام (5: 1024)
«قال أبو نصر بن عبدالمجيد:
«سمعت حُسيناً الصائغَ يقول: قال الكرابيسيّ: لأقولنَّ مقالة حتّى يَقولَ أحمدُ ابن حنبلٍ بخلافِها، فيكفر!
فقال الكرابيسيُّ: لفْظي بالقرآن مخلوق!
فقلت لأبي عبدالله أحمد: إنّ الكرابيسيّ قال: لفْظي بالقرآن مخلوق.
وقال أيضًا: أقول: إنّ القرآن كلام الله غيرُ مخلوق من كلّ الجهات، إلا أنّ لفظيَ بالقرآن مخلوقٌ، ومَن لم يَقُلْ: إنّ لفظي بالقرآن مخلوقٌ؛ فهو كافر!
فقال أبو عبدالله أحمد: بل هو الكافر، قاتَلَه الله!
وأيُّ شيءٍ قالت الْجَهْميّةُ إلا هذا؟
قالوا: القرآنُ كلام الله، ثمّ قالوا: مخلوق!
وما ينفعُه، وقد نقضَ كلامُه الأخيرُ كلامَه الأوّل، حين قال:
«لفظي بالقرآن مخلوق»!
ثمّ قال أحمدُ: ما كان الله لِيدَعَه، وهو يَقصِد إلى التابعين، مثل سليمان الأعمش، وغيره، يتكلَّم فيهم»!
وفي موضع آخر من تاريخ الإسلام (5: 1123):
«قال ابن عديّ: سمعت محمد بْن عبد الله الصَّيرفيّ الشّافعيّ يقول لتلامذته: اعتبِروا بهذين: حُسَيْنِ الكرابيسيّ، وأبي ثور.
فالحسينُ فِي علمه وحِفْظه، وأبو ثور لا يَعشُرُه فِي علمه، فتكلَّم فِيهِ أحمد ابن حنبل فِي باب اللّفظ، فسقط، وأثنى على أَبِي ثور، فارتفع للزومه السنة».
وقد أرّخ الحافظ ابن حبان لهذه الواقعةِ، فقال في ترجمته من الثقات (8: 189):
(حسين بن علي الكرابيسيّ، أبو عليّ، من أهل بغداد، كان ممن جمع وصنّف، وممن يُحسنُ الفقهَ والحديثَ، ولكن أفسده قلّةُ عقله!
فسبحانَ مَن رفعَ مَن شاءَ بالعلمِ اليسيرِ، حتى صار عَلَمًا يُقتدى به (يقصد أبا ثور) ووضع من شاء مع العلم الكثير (يقصد الكرابيسي) حتى صار لا يُلتَفتُ إليه).
وقيل: بل عنى ابنُ حبان بقوله هذا الإمامَ أحمدَ ذاته، مُقارنةً بالكرابيسيّ؛ لأنّ هذا الوصف ينطبق على أحمدَ، أكثرَ من انطباقه على أبي ثور!
وأنا أرجّح ما نقلتُ أوّلاً عن الصيرفيِّ؛ لأنّ ابن حبّان لا يرى الإمامَ أحمدَ قليلَ علم، بل يراه من أكبر العلماء بالسنة، في عصره.
ففي ترجمة أحمد ابن المعدّل البصري من الثقات (8: 16) قال:
«ممّن نصر مذهب مالك بالبصرةِ، فذبّ عنه، ودعا الناس إليه، وناظر عليه، وكان حسن الطريقةِ إلا أن الموتَ عاجله، فلم يُنتَفَعْ بعلمه!
وكان أبو خليفة الجمحيّ (شيخ ابن حبّان) ممن جالسه وتفقه به، وكان يُفخّم في أمره، ويعظم من شأنه رحمة الله عليهما.
وكان أبو خليفة من إعجابه بمذهب مالكٍ، إذا رأى مَن يتفقه من أهل بغداد، يقول:
أحمدنا؛ أفقه من أحمدِكم، يريد أن أحمد ابن المعدّل؛ أفقهُ من أحمد ابن حنبل.
قال ابن حبان: وهيهات!
أفقه الرجلين؛ من كان أعلمَ بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولا شك في أن أحمد ابن حنبل؛ أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مائتين، من مثل أحمد ابن المعدّل، فابن حنبلٍ؛ أفقه الرجلين وأعلمهما» انتهى كلامه.
فقلّة عقل الكرابيسيّ، كما يرى ابنُ حبّان وغيره؛ قد أضاعت على الأمة علمَ الكرابيسيّ، الذي لم يكن أحدٌ في أصحاب الشافعيّ أعلمَ منه في الفقه والحديث!
والمقصود بقلّةِ العَقلِ هنا؛ عَدَمُ مصانعةِ الإمامِ أحمد، وعدمُ مسايرةِ عوامّ أتباعه ببغداد.
بل ومناكفةُ الإمام أحمد، والزمان زمانه، فهو إمام عامّة، ولو أنه حرّك أصبعَه؛ لمزّق له عامّةُ أهلِ بغداد الكرابيسيَّ، ومن يلوذ به!
ولا ريب في أنّ أكثرَ تاريخ أمّتنا؛ قائمٌ على الأفعال ورود الأفعال، وعلى إرضاء العامّة والجهّال.
في بغداد المحروسة؛ كنتُ مَرضيّاً عني من شيوخ الصوفية، وكنت أقدّر جهودَهم في إصلاحِ العامّة، وجمعهم على ذكر الله تعالى، وكان يحترمني الشيوخ والطلاب، لكنني كنت أستغرب كيف يتبعُ الشيخَ منهم هذه الجموعُ الغفيرة من الناس، وبعضُ هؤلاء المشايخ لا يكاد يعرف أساسيّات الدين!
فالعقلُ يَقضي موافقةَ هؤلاءِ، وإظهارَ ولايَتِهم أمام أتباعهم، حتى لا يغضب أولئك الأتباع الجهلة، فربما عجّلوا بك إلى الآخرة، من دون أيّ ذنب!
لكنْ هل يستحقّ الإمام الكرابيسيّ من أمّة الإسلام هذا الذي حصل وانتهى؟
قال الذهبيُّ في ترجمته من تاريخ الإسلام (5: 1123):
«سمع الشّافعيّ وتفقهَ به، وكان فقيهاً فصيحاً ذكياً، صاحبَ تصَّانيف في الفِقْه والأصول، تدلَّ على تَبحُّره».
هذا هو حال أمتنا، لا تحترم الرأي الحرّ، ولا مكان لمخالفة السائدِ لدى في صفوف العلماء العوامّ في الحقيقة!
وبناءً على هذا التعريف للعاقل؛ فأحمد ابن حنبلٍ بجموده، وأبو ثور وأصحابُ المُجاملاتِ؛ عقلاء.
والكرابيسيّ ومن يجاهر بفكره وعقيدته المخالفة للسكون والركود؛ فهو قليل عقل، ومصيره الإقصاء!
ولك أن تُدركَ عقلَ الإمام أحمد ومن تابعه، من هذه الرواية الغريبة!
قال الذهبي في تاريخ الإسلام (5: 1123):
«رَوَى أبو بَكْرٍ بْنُ شاذان عن عبدالله بْن إسماعيل بْن برهانَ، عَنْ أبي الطّيب الماورديّ، قال: جاء رَجُل إلى الْحُسَيْن الكرابيسيّ فقال: ما تقول فِي القرآن؟
قال: كلام اللَّه غير مخلوق!
قال الرجل: فما تَقول فِي لفظي بالقرآن؟
قال حُسَيْنِ: لفظك به مخلوق!
فمضى الرجل إلى أحمد ابن حنبلٍ، فعرّفه ذلك، فأنكره!
وقال: هذه بدعة!
فرجع إلى حُسَيْنٍ، فعرَّفه إنكارَ أبي عبدالله، فقال له حُسَيْنٌ:
تَلَفُّظُك بالقرآن غيرُ مَخلوق!
فرجع إلى أحمدَ، فعرُّفه رجوعَ حُسَيْنٍ، وأنه قال: تَلَفُّظُك بالقرآن غير مخلوق.
فأنكر أحمدُ ذلك أيضاً، وقال: هذا أيضًا بدعة!
فرجع إلى حُسَيْنٍ، فعرَّفه إنكارَ أبي عبد الله أيضاً!
فقال حسينٌ: أيشٍ نعملُ بهذا الصبيّ؟
إنْ قُلْنَا: مخلوق؛ قال: بدعة، وإنْ قُلْنَا: غيرُ مَخلوق؛ قال: بدعة؟
فبلغَ ذلك أَبَا عبدالله أحمدَ، فغضبَ له أصحابُه، فتكلّموا فِي حُسَيْنِ الكرابيسيّ».
وقال الخطيب البغداديُّ: «لمّا بلغ يحيى بْن مَعِين أنّ الكرابيسيَّ يَتكلّم فِي أحمدَ؛ قال: ما أحوجَه إلى أن يُضرَب، ثُمَّ لعنه»!
قال الفقير عداب: لا يظنّن ظانٌّ أنّ الإمام الكرابيسيَّ الحرَّ الفكر، غيّر رأيه في أنّ «لفظي بالقرآن مخلوق أبداً»!
إنما أراد أن يُظهِر جمودَ أحمدَ، وعدم معرفتِه بأدنى شيءٍ من العلوم العقليّة، التي تجعله يتوازن فيما يقول!
قال عداب: إنّ لي زميلاً فاضلاً عاقلاً (انتَبِهْ) هو الأستاذ الدكتور محمد بشار الفيضيّ الموصليّ، كانَ حين يرى اندفاعي في نشر العلم، والتصريح بآرائي، ورغبتي في تخفيف حدّة الطائفيّة في العراق؛ يقول لي: «يا أخي، يا شيخ عداب، نحن في بلد طائفيّ، والعلمُ عندنا قليل، وطروحاتُك هذه؛ لا يقبلها من أهل السنة أحدٌ!
غداً يؤذونك في رسالتك، يشوّهون صورتك، يشيعون عنك أنّك شيعي، ورافضيّ، ويُلصقون بك من التُهَمِ ما لا يَخطر لك على بال!
الشيعة عند جماعتنا أمرُهم منتهٍ، هم كفرةٌ مشركون، ولا مجال لأي حوارٍ في غير هذا، فأنت تضرب في حديدٍ باردٍ ، في العراق.
وقد تحقّقَ كلُّ ما قاله لي الزميل الفاضل، العارف بالشخصية العراقية الغاليةِ بالفطرة، أو بالتربية، لا فرق!
وعقب رفضِ لجنةِ المناقشة الناصبية الطائفية أطروحتي للدكتوراه؛ زارني أخي الفاضل الدكتور السيّد عمر بن عبدالعزيز العاني الحسينيّ، وهو ممن لا تُفارق البسمة شفتيه، فقال لي متلطّفاً: «مشكلتك يا شيخ عداب، أنك لا تجيد تَرقيصَ الماموثِ، ولا دَغدغةَ الديناصور»!
أقول: بلى والله لو شئتُ؛ لأجدتُ، بيد أنني فارسٌ مُقاتلٌ، قبلَ أن أكون عالماً، وأرى المجاملةَ في العلم والفكر من النفاق، ولا أرى مجاملةَ أحدٍ على خطئه، مما يليق بأخلاقي ومروءتي!
فهل هذا يعني أنّ علمَ عداب الحمش؛ أكبرُ من عقله؟
أو هذا يعني أنني لست من أهل العقل أصلاً؟ ربما فمن يدري!
أو هو يعني أنني على خطأ في المجاهرةِ بآرائي، ومخالفةِ السائد؟
أنا بشخصيّتي؛ لا أقبل عقلَ أحمد ابن حنبل، ولا عقلَ أبي ثور، ولا عقل غيرهما من الجامدين والمجاملين والمقلدين، وأرى الجميعَ على خطأ!؟
ولك أن تُعمِلَ دماغَك، أخي القارئ:
إذا كان الإقصاء والإرهاب الفكريّ موجوداً، منذ ذلك التاريخ (200 هـ)!
فكم تراكم لدينا من أكوام الإرهاب الفكريّ، منذ ذلك الزمان، وحتى اليوم؟
ولأنني أعتقد ببعدي عن الإرهاب الفكريِّ، وعن الانصياعِ له؛ فأرى أن كتابةَ عددٍ من المنشوراتِ في إعادة صياغة العقل المسلم «بعقلي الحرّ المحايدِ» من الضرورةِ بمكان!
والله تعالى أعلم.
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليماً كثيراً.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
والحمد لله على كلّ حال.