الأربعاء، 17 أغسطس 2022

  المشكلة الشيعيّة (2):

أصول العقائد عند الشيعة الإمامية!؟

بِسمِ اللهِ الرَحْمنِ الرَحيمِ

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

أصول العقائد عند الشيعة الإماميّة: التوحيد والعدل والرسالة والبعث والنشور والإمامة.

ولا يعنينا في المشكلة الشيعيّة؛ الكلام على التوحيد والعدل والرسالة والبعث فكلامهم في هذه الاعتقاداتِ؛ متوافقٌ في أكثره مع مدرسة التوحيد والعدل، مدرسة آل البيت، التي يعتقد بأصولها: الزيدية والإسماعيليّة والإماميّة والمعتزلة والإباضيّة.

إنّما يعنينا هنا أصلُ الإمامة، الذي انفردوا به عن مدرسة آل البيت، وعن مدرسة الصحابة.

والإمامةُ عندهم تعني وجودَ قائدٍ واحدٍ لأمّة الإسلام، في كلّ زمانٍ، متميّزٍ عن بقيّة البشر بكلّ شيء!

هؤلاء الأئمة المتميّزون عن البشر؛ هم أولوا الأمر على الحقيقةِ تِباعاً، وليسوا الخلفاءَ الذين يختارهم الناس، ولا المتغلّبين الظلمةَ الذين ظلموا الناسَ، وظلموا أولي الأمر.

قال الشيخ تقيّ الدين المدرّسيّ في كتابه «الوجيز في أصول العقائد» الفصل الرابع (ص: 26) فما بعدها باختصارٍ يسير:

«وأولوا الأمرِ؛ هم الامتدادُ الطبيعي للرسولِ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِه وسَلّمَ، وهم أهل بيته، من بعده؛ العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه، الأكفاء على القيام بأمره، الصابرون المتّقون، وبالتالي هم أكثرُ الناس طاعة لله، وأقربهم إلى نهج رسوله».

وإذا سألتَ: مَن يُعيّن الإمامَ؟

الجواب: «كما أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يمكن أن يُعَيّنَ مِن قبل الناس أنفسهم، لأنه وسيلة متصلة بين الله والانسان؛ فإنّ الإمام لا يمكن أن يعين إلاّ من قبل الله أيضاً.

وبتعبير آخر: إن الإمام ينبغي أن يكون مؤيداً بالغيب، عارفاً بالله ودينه ومعارفه، بعيداً عن تأثيرات المادة، وبعيداً عن ظروفها الضيّقة.

ولا يؤيد اللهُ مَن يَختاره الناس، بل مَن يصطفيه هو سبحانه، وليس للناس الخِيَرَةُ، إذا قضى الله أمراً.

ذلك لأنهم عباد مربوبون، يجب أن يسلموا بالحاكمية المطلقة للهِ في كلّ الشؤون.

وأوّل الأئمة إبراهيمُ عليه السلام، ثم الصالحون المختارون من قِبلِ الله تعالى من ذريّته.

قال الله تعالى: (وإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَاَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً) قال الخليل عليه السلام سروراً بها: (وَمِنْ ذُرِّيَتِي؟ قَالَ: لاَ يَنالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ)

فأبطلتْ هذه الآيةُ إمامةَ كل ظالم الى يوم القيامة وصارت في الصفوة.

فلم تزل ترثها ذريته عليه السلام بعضٌ عن بَعضٍ، قرناً فقرناً، حتى ورثها النبيّ محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم فقال الله: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا) فكانت لهم خاصة.

فقلّدها النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً عليه السلام، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم العلم والإيمان.

وذلك قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ اُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ، وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).

على رسم ما جرى، وما فرضه الله في ولدِه الى يوم القيامة، إذ لا نّبيَّ بعد مُحمّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، فمن أين يختار الجهّالُ هذه الإمامةَ بآرائهم؟

إنّ الإمامة منزلة الأنبياءِ، وإرثُ الأوصياء.

إنّ الإمامةَ خلافةُ الله، وخلافة رسوله صلى الله عليه وآله، ومقامُ أمير المؤمنين عليه السلام، وخلافةُ الحسن والحسين عليهما السلام.

إن الإمامَ زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعِزُّ المؤمنين.

الإمام أسّ الإسلام النامي، وفرعه السامي.

بالإمام تمامُ الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف.

الإمام يحلل حلال الله، ويحرّم حرامَه، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله، ويدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة.

الإمام كالشمس الطالعة المجلِّلة بنورها العالمَ، وهو بالأفق حيث لا تناله الأبصار ولا الأيدي.

الإمام البدر المنير والسراج الزاهر والنور الطالع والنجم الهادي في غيابات الدجى والدليل على الهدى والمنجي من الردى.

الإمام النار على اليَفاع التلّ المرتفع - الحارّ لمن اصطلى، والدليل في المهالك، من فارَقَه؛ فهالكٌ.

الإمام السحاب الماطر والغيث الهاطل والسماء الظليلة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة.

الإمام الأمين الرفيق، والوالد الشفيق والأخ الشقيق وكالأم البرة بالولد الصغير ومفزع العباد.

الإمام أمين الله في أرضه وخلقه، وحجته على عباده وخليفته في بلاده والداعي الى الله والذاب عن حريم الله.

الإمام مُطَهَّر مِن الذنوب، مُبرّأٌ من العيوب، مخصوص بالعلم، موسوم بالحلم، نظام الدين، وعزّ المسلمين، وغيظُ المنافقين، وبوار الكافرين.

الإمام واحدُ دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادلُه، عالم ولا يوجد له بدل، ولا له مثل ولا نظير!

مخصوص بالفضل كلّه، من غير طلب منه ولا اكتساب، بل اختصاص من المتَفضّلِ الوهّاب، فمن ذا يبلغ معرفةَ الإمامِ، أو كُنْهَ وَصْفِه؟

هيهات هيهات، ضلت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وحَصِرَت الخطباء، وكلت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعَيّتِ البلغاء، وأُفحمت العلماء عن وصف شأنٍ مِن شأنه، أو فضيلة من فضائله، فأقرت بالعجز والتقصير، فكيف يوصف بكليته، أو ينعت بكيفيته، أو يوجد من يقوم مقامه، أو يغني غناه؟

وأنى وهو بحيث النجمُ عن أيدي المتناولين ووصف الواصفين، أيظنون أنه يوجد ذلك في غير آل رسول الله صلى الله عليه وعليهم؟

كَذَبَتْهُم والله أنفسُهم، ومنّتهُم الأباطيل، إذ ارتقوا مرتقى صعباً ومنزلاً دحضاً!

زلّت بهم إلى الحضيض أقدامُهم، إذ راموا إقامةَ إمام بآرائهم، وكيف لهم باختيار إمامٍ، والإمام عالم لا يجهل، وراع لا يمكر، معدن النبوةِ، لا يغمز فيه بنسب، ولا يدانيه ذو حسب!

فالبيتُ من قريش، والذروة من هاشم، والعترة من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

شرفُ الأشرافِ، والفرعُ من عبد مناف، نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالأمر، عالم بالسياسة، مستحق للرئاسة، مفترض الطاعة، قائم بأمر الله، ناصح لعباد الله».

وقد اقتبس الشيخُ المدرّسيُّ معظم كلامه السابق، من أصول الكافي (ص: 136- 137) ولم يُشر إلى ذلك.

 أقول: بهذا الكلام الإنشائيّ الخطابيّ العاطفيّ، الذي لا يثبتُ حقّاً، ولا يُبطلُ باطلاً؛ قدّم الشيخ تقيّ المدرّسيّ عقيدةَ الإمامة من القرآن الكريم والعقلِ.

وليس في الآيات التي ساقها دلالةٌ ظاهرةٌ على الإمامةِ السياسيّة من قريبٍ ولا بعيدٍ!

بل إنّ أوّل الأئمة «إبراهيم» عليه السلام؛ كان مستضعفاً طريداً عن وطنه وعشيرته.

وليس في الآيتين اللتين ساقهما الشيخ المدرّسُ أيُّ إشارةٍ إلى إمامةٍ سياسيّةٍ، منحصرة في آل البيت (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا).

ولو افترضنا جدلاً أنّ في هذه الآية دلالةً على الإمامةِ؛ فالذين آمنوا شركاءُ فيها بنصّ (وَالَّذِينَ ءَامَنُوا).

وأين في قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ اُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ: لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ، وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).

هل يَفهم رجلٌ فيه ذرّةٌ من عَقلٍ، من هذه الآية الكريمة إمامةً، أو ولايةً، أو خلافةً، أو وِصايةً.

سبحانَ مانحِ الناس العقولَ والقلوب؛ ليفقهوا عن الله تعالى بها، وليس بغرائزهم وعواطفهم وما يشتهون!

أمّا عن أدلّة الإمامة من السنّة النبويّة وآثارِ آل البيت؛ فستكون في منشورٍ تالٍ، إنْ أعانني الله تعالى على ذلك.

واللهُ تَعالَى أعْلَمُ.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

السبت، 13 أغسطس 2022

 المشكلة الشيعيّة (1):

هَل التَشيُّعُ مُشكِلةٌ؟!

(إعادةُ نَشرٍ)

بِسمِ اللهِ الرَحْمنِ الرَحيمِ

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

أيها الإخوةُ المؤمنون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أمّا بعد: سبق لهذه الحلقات الأربعِ أن نشرتُها في فتراتٍ متباعدة، وقد نظرتُ فيها، وسأعيد نشرَها تِباعاً، حتى تكون تصوُّر المسألةِ أقربَ وأهدى.

وسأستغلّ هذا الشهرَ المبارَك «محرّم الحرام» للكلام على المشكلة الشيعيّة وخطورتها على أمّة الإسلام، في هذا العصر، فأرجو الانتباهَ إلى ذلكَ، والاحتفاظَ بهذه المنشوراتِ، عن هذه المشكلة!

هَل التَشيُّعُ مُشكِلةٌ؟!

إنّ قيامَ الدولةِ الشيعيّة الكبرى المعاصرة في إيران، وممارساتِها التوسعيّة الواضحة في «الأهواز، والبحرين، والمنطقة الشرقية من جزيرة العرب، وفي العراق، وسوريا ولبنان، واليمن».

وإنّ تشابه المنهج العسكريّ «المليشياويّ» والسياسيّ الطائفيّ، في كلّ بلدٍ من هذه البلدان؛ يحتّم على المراقبِ المحايِدِ أن يجيب نفسه على السؤال الملحّ منذ نصفِ قَرنٍ: هل التشيّع مشكلة؟!

إذا قُصِد بالتشيّعِ؛ حبُّ الإمام عليّ وأسرتِه وذريّتهِ، عليهم السلامُ، ونصرتهم والإحسان إليهم؛ فالتشيّع محمدةٌ ومكرمةٌ، وقيامٌ بواجبٍ دينيّ من وجهة نظري!

وأكثرُ ذريّةِ الإمامِ عليّ، المحفوظةِ أنسابهم؛ هي ذاتها ذريّة الرسول صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِه وسَلّمَ، ليس للرسول الأكرم ذريّةٌ باقيةٌ سواها.

(قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) [الأنعام].

 يُلاحَظ في هذه الآية الكريمةِ؛ أنّ الرسولَ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِه وسَلّمَ ينفي أن يكون طالباً لأيّ أجر، وسورة الأنعام مكيّة، كما هو معلوم!

وحين أُذن بالقتالِ، وأباح اللهُ تعالى الغنائم للمسلمين؛ كان للرسولِ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِه وسَلّمَ خمسها:

(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ (41) [الأنفال].

وحين قَويت دولة النبوّة و استقرّت نسبيّاً؛ صار ثمة فيء وركاز وأموال عامّة، فشرع اللهُ تعالى لرسولِه التصرّف في الفيء:

(مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ (7) [الحشر].

فسياسةُ توزيع الفيء؛ إلى الرسول صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِه وسَلّمَ، بإذن ربّه تعالى وتوجيهه.

وتأكيداً لهذا المعنى؛ جاء قولُ اللهِ تبارك وتعالى:

  (قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ، إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) [سبأ].

أجلْ كان رسول اللهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِه وسَلّمَ  يوظّف الفيءَ في مصالح عامّة المسلمين وضعفائهم (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ).

فلمّا وَضحَ كلّ شيء أمام المسلمين؛ أراد اللهُ تعالى أن يوضحَ للأمةِ ما يتوجّب عليها تجاهَ رسولها صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِه وسَلّمَ بعد وفاته!

فكان من جملة ذلك؛ مودّةُ قراباتِ الرسول صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِه وسَلّمَ!

(قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى (23) [الشورى].

ومهما حاولنا تأويل كلمة (الْقُرْبَى) وتوسيعَ دائرتها؛ فإنها لا تنطبقُ على شيءٍ، أكثرَ من انطباقِها على أولادِ رسول اللهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِه وسَلّمَ وبناتِه، ثمّ على أحفاده وأسباطِه.

فأحفادُه وأسباطُه؛ أقربُ إليه من إخوانه، ومن أعمامه وأخواله؛ لأنهم امتدادٌ لنسبه الخاصّ!

أمّا إن قُصِدَ بـ «التشيّعِ» أيَّ شيءٍ وراءَ ذلك؛ فهو مشكلةٌ حقيقيّةٌ مؤلمة!

خاصّةً منهاجَهم السياسيَّ الغريبَ العجيبَ، الذي يؤمن به أكثرُ من (200) مليون مسلمٍ شيعيٍّ إماميّ، وليس عليه دليلٌ واحدٌ من كتاب اللهِ تعالى، وسنّة رسوله صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِه وسَلّمَ!

ولو أننا فتّشنا كتبَ الشيعةِ من أوّلها إلى آخرها، صحيحها ومقبولها عندهم؛ فلن نجدَ دليلاً واحداً صالحاً للحجيّة، على أيّ مسألةٍ من مسائل الإمامةِ السياسيّة الاعتقاديّة «النصِّ، والتعيينِ، والعصمةِ، والإمامةِ الاثني عشريّة الوراثيّة، وانحصارها وتسلسلها في ذرية الحسين عليه السلام، والبداءِ، والرجعةِ، والمهديّ».

وإذ كانت هذه المسائلُ كلّها اعتقاديةً لديهم؛ فإنك ستقف في المعسكَر المُقابلِ لهم فتكون مًباشرةً في مواجهتهم، ومن دون أدنى تفكير؛ لأنّ مسائل الاعتقاد ليست قابلةً للتفاوضِ، أو التنازلِ، أو المجاملة، أو التعايش!

وإذْ كان المرجعُ الدينيُّ؛ هو نائبَ الإمام المعصوم، والمعصوم متحدّثٌ باسم اللهِ تبارك وتعالى؛ فقد صار للمرجع الدينيّ قدسيّةُ المعصوم تماماً، على مدى قرون!

ولذلك تجد في خطابهم إياه: «الإمام المقدّس، الجناب المقدّس، المرجعيّة المقدّسة»!

بل إنّ فتاواه تغدو مقدّسة، والناتجُ عن تلك الفتاوى؛ يأخذ عظمةَ القداسة ذاتها «الكتائب الشيعية المقدسة، الحشد الشعبيّ المقدس، قاسم سليماني الشهيد المقدس».

ويترتّب على بعضِ ما تقدّم أنّ «الحاكم الشرعيَّ» هو المرجع الدينيّ الحَوزويّ، وهو الذي يَمنح الشرعيّة للحاكم السياسيّ!

وإذا كان النظام ديمقراطيّاً مثلاً؛ فلا يكتسب أدنى شرعيّة باختيار الناسِ إيّاه، وتغدو أموالُ الأمةِ التي تحوزها وتحوطها وتحميها الدولة «مالاً مجهول المالك»!

يحقّ لكلّ سابقٍ قادرٍ أن يحوزه، ثمّ يذهب إلى المرجع «الحاكم الشرعيّ» ليأخذ منه الخُمسَ، فيطهّره له بذلك!

وبهذه الفتوى الشائعة في كتب الإمامية؛ نَهبَ القادرون على الوصولِ إلى مالِ الأمة، من الساسة العراقيين «مِليارات الدولاراتِ» بوجهٍ مشروعٍ، ليس من حقّ أحدٍ أن يحاسبَهم عليه!

وبمثل هذه الفتاوى الإجراميّة الباطلة؛ لا يمكن أن تقومَ دولةٌ أصلاً، ولا يمكن أن يسودَ التوزيعُ العادلُ للثرواتِ بين سوادِ الأمّة، إلا تساويهم في الفقر والذلّ والحاجة!

ختاماً: نحن سنتناولُ على هذه المدوّنة «المشكلةَ الشيعيّة» بآفاقِها وأبعادها، بموضوعيّة وعُمقٍ، محاولين الوصولَ إلى فهم صحيح دقيقٍ لها، وساعين في تصوّرِ حلٍّ واقعيّ لأكبر مشكلةٍ في حياةِ الأمّة المعاصرةِ والمستقبلَة!

واللهُ تَعالَى أعْلَمُ.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

         بَعيداً عن السياسةِ (29):

ديمقراطيّةُ العَرَبِ!؟

بسم اللهِ الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

الديمقراطية بجميع تجاربها - في نظري - ضَحِكٌ على العوامّ من الناس، وهي في جميع صورها؛ حُكْم النُخبَة!

ومع كونها ضحكاً على العوامّ؛ إلّا أنها خيرٌ من الحكم الفرديّ الاستبداديّ!

ومَفهوم الشورى الإسلامي؛ ليس متماشياً مع النظام الديمقراطيّ، وليس مقابلاً له، ولا بَديلاً عنه.

قال الله تعالى:

(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ؛ أَذَاعُوا بِهِ!؟

وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ، وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ؛ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (83) [النساء].

فمنطوق هذه الآية الكريمةُ؛ يكادَ يكون نصّاً في (نظرية النخبة) المجتمعية!

ففي جميع ظروف الأمن وظروف الخوف؛ القادرون على الاجتهاد (النخبة) هم الذين يقررون نيابةً عن العامّة، الذين لا يحسنون توجيهَ الأمة ولا إدارتها.

قال الله تعالى:

(وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ، وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ، وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) [الشورى].

الله تعالى ذكر من صفات المؤمنين في هذه الآية الكريمة الاستجابة لأوامر الله تعالى، وإقامةَ الصلاةِ كنايةً عن الطاعة في العبادات، والإنفاق في سبيل الله، والشورى!

لكنّ آليّة الشورى مطلقة «مبهمة»:

فلو شاور صاحبُ الأمر الشعبَ كلّه؛ فقد طبّق مفهوم الشورى!

ولو شاور صاحبُ الأمر أصحابَ الاختصاص؛ فقد طبق مفهوم الشورى!

ولو شاور صاحبُ الأمر رجلاً واحداً من الشعبَ كلّه؛ فقد طبق مَفهوم الشورى!

ولهذا؛ فإنّ تطبيقَ مفهوم الشورى في الإسلام؛ تحكمه المصلحة الشرعية ومقاصد التشريع!

وبجميع الصور الممكنة؛ فإنّ النخبة هي التي تتحكم بالسلطة والحكم والشورى!

قال الله تعالى:

(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) [آل عمران].

ومن سيرة الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ يتبيّن لنا أنه كان يشاور الواحد والاثنين والرهط من أصحابه، ولم يكن يجمع أهل المدينة رجالاً ونساءً، ممّن بلغوا الثامنةَ عشرةَ، أو الحاديةَ والعشرين؛ ليأخُذَ آراءهم فيمن يولّيه على هذه السريّة، أو على هذه القرية!

ممّا يعني أنّ الشورى؛ هي استطلاعُ آراء النخبةِ في الأمور المهمّة!

وفي شبابي كتبت بحثاً مُطوّلاً بعنوان «الشورى بين الإلزام والاختيار» فما وجدتُ نصّاً صريحاً يدلّ على وجوب التشاور مع جميع النخبة، ولا وجدت نصّاً أو حدَثاً ثابتاً يدلّ على إلزاميّة الامتثال لنتيجةِ الشورى!

ومع هذا رجّحت يومَها وجوبَ الالتزام بنتيجة التشاور، بدعوى قلّة العلم وقلة التقوى، في عصرنا، بخلاف العصور السابقة!

وهذا كلام إنشائيّ؛ لا يساوي بصلة!

لكنْ قولوا لي بالله عليكم: كيف يصلح النظام الديمقراطيّ في مجتمع عشائريٍّ، أو في مجتمع دينيٍّ يرى طاعةَ المرجع من طاعة الله تعالى، أو في مجتمع طبقيٍّ، يقدّس الزعيم الفلانيّ، ويأتمر بأمره حتى الموت؟!

بمعنى أوضح:

هل يختلف غوغاءُ التيّار الصدريّ، عن غوغاء الإطار التنسيقيّ؟

هؤلاء يصدرون عن رأيٍ واحدٍ، هو رأي السيّد مقتدى!

وهؤلاء يصدرون عن رأي كبير الإطار التنسيقيّ، وهو نوري المالكيّ!

فتكون الديمقراطية قد طارت مع الريح، إنما هو رأيُ واحدٍ في مقابل رأيِ واحدٍ، أو عشرة!

والشعوبُ بوجهٍ عامٍّ؛ لا تعرفُ في السياسة شيئاً - وأنا منهم - لأنّ في السياسةِ أسراراً، هي التي تحكم سياسةَ البلد، وتُوَجِّهها، ويكتمها الساسةُ عنِ الشعب، رحمةً به، أو تآمراً عليه، ولا يعرف العامّة عنها شيئاً!

فمن أين سيكون موقفي السياسيّ صحيحاً، ومتوافقاً مع مصلحة الأمة في اللحظة الحاضرة، وأنا جاهلٌ بأسرار الدولة تلك ؟

إنّ أمتنا العربية جاهلة بدينها، وجاهلة بما يُصلحها ويَصلح لها من أنظمة الحكمِ المعاصرة، وشعوبنا منافقةٌ تطبّل للحاكم الذي تخافُ منه، وكلّما كان الحاكم أظلمَ؛ كان النفاق أكبرَ!

لهذا أقترح على شعوبنا العربيّة؛ النظامَ الرئاسيّ، الذي يمنح الحاكمَ كثيراً من الصلاحيّات، ويسمح له باتّخاذ القرارات المهمة، بعدَ أن يكون من أهلِ الدينِ والعلم والأخلاق، ويكون متخصّصاً بالشؤون السياسيّة.

ريثما تنضج شعوبنا، وتعرف دينها - وهيهاتَ هيهاتَ، فهي في كلّ يوم تبتعد عن الدين خطواتٍ - ومن ثمّ تختار نظاماً يتلاءم مع واقعها الحقيقيّ، بعيداً عن النظام القبلي، والنظام الطبقيّ، والنظام الاستبداديّ، والنظام المشيخيّ المرجعي!

والله تعالى أعلم

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى اللهُ على سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كل حال.

الخميس، 11 أغسطس 2022

        مَسائلُ حَديثيّةٌ (46):

جانبٌ من صُلحِ الإمام الحَسنِ مع مُعاوية ابن هند!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

كتب إليّ أحدُ الإخوة الأصدقاء، يسألُ عن لقاء عبدالله بن عامر بن كُريز القرشيّ مع الإمام الحسن، أصحيح هذا الحديث؟

أقول وبالله التوفيق:

بإسنادي إلى الإمام البخاريّ في كتاب الصلح من صحيحه (2704) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ «الجُعفيُّ»: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ «بن عيينة» عَنْ أَبِي مُوسَى «إسرائيل بن موسى البصريّ»قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ «البصريَّ» يَقُولُ:

اسْتَقْبَلَ وَاللهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الْجِبَالِ!

فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لَا تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا؟!

فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ، وَكَانَ وَاللهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ: أَيْ عَمْرُو، إِنْ قَتَلَ هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ، مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ؟ مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ؟ مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ؟

فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، وَعَبْدَاللهِ بنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، فَقَالَ: اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَاعْرِضَا عَلَيْهِ، وَقُولَا لَهُ، وَاطْلُبَا إِلَيْهِ!؟

فَأَتَيَاهُ، فَدَخَلَا عَلَيْهِ، فَتَكَلَّمَا، وَقَالَا لَهُ، فَطَلَبَا إِلَيْهِ!

فَقَالَ لَهُمَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا!

قَالَا: فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا، وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ، وَيَسْأَلُكَ!

قَالَ: فَمَنْ لِي بِهَذَا؟ قَالَا: نَحْنُ لَكَ بِهِ!

فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئاً، إِلَّا قَالَا: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَصَالَحَهُ!

قَالَ الْحَسَنُ «البصريُّ»: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ «نُفيعَ بن الحارثِ االثقفيّ» يَقُولُ:

رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً، وَعَلَيْهِ أُخْرَى، وَيَقُولُ: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ).

قَالَ أَبُو عَبْداللهِ البخاريُّ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللهِ: إِنَّمَا ثَبَتَ لَنَا سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ!

وأعاد البخاريّ الحديث بطوله في كتاب الفتن (7109) وأعاد الطرفَ المرفوع منه في كتاب المناقب (3629، 3746).

 وأخرج الطرف المرفوعَ منه فحسب؛ الإمامُ أحمد في مسنده (20392، 20448، 20499، 20516) وأبو داود (4662) والنسائيّ في المجتبى (1410) و الترمذي (3773) وقال: حسن صحيح.

قال الفقير عداب:

مدار حديث الباب على الحسن البصريّ، رواه عنه:

إسرائيل بن موسى البصري، عند البخاري (2704، 3629، 3746) ومواضع.

والأشعث بن عبدالملك الحمراني، عند الترمذي (3772).

وعلي بن زيد بن جُدعان، عند أحمد (20499) وأبي داود (4662).

ومبارك بن فضالة، عند أحمد (20448، 20516).

وقد اتّفق الرواة  الأربعةُ على الحديثِ المرفوعِ، وانفرد إسرئيل بن موسى البصري وحده، بالقصة التي حدّث بها عن الحسن البصري.

وإسرائيل هذا قد وثّقه عددٌ من العلماء، لكن:

قال أحمد: مقارب الحديث، كما في موسوعة أقوال أحمد في الجرح والتعديل (143).

وقال الذهبي في الميزان (819) وثقه أبو حاتم وابن معين، وشذّ الأزديّ، فقال: فيه لين، زاد في التاريخ (3: 815): وهو مُقلّ.

وانتصر ابن حجر لتوثيقه، فقال في مقدمة الفتح (ص:390): وثّقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وغيرهم، وقال أبو الفتح الأزدي: "فيه لين"، والأزدي لا يُعتمَد إذا انفرد، فكيف إذا خالف؟

وقال في موضع آخر منه (ص: 461): ضعفه الأزدي بلا حجة!

قال الفقير عداب: لم يشذّ الأزديّ أبداً، فقد يكون الرجل فاضلاً صالحاً، لكن هو مقلٌّ، ليس له عند البخاريّ سوى هذا الحديث، وليس له في الكتب التسعة، سوى هذا الحديث، وحديثٌ آخر.

فهل يتأتّى سبرُ حديثِه من روايته حديثين أو ثلاثة؟

وتوثيق ابن معين وغيره؛ مبنيٌّ على قَبولهم لحديثه هذا، إذ فيه ثناء على معاوية حبيب المحدثين، وإلّا فهم ليسوا معاصرين له!

وأنا لا أريد أن أثير مسألةَ عدالةِ أبي بكرة الثقفيّ، إذ ردّ عمر بن الخطابِ شهادته طيلةَ حياته، ناهيك عن أنّ عدداً من أولاده كانوا ولاةً وأعوانا لظلمة بني أمية!

ختاماً: الحديث المرفوع يحتاج إلى وقفة نقدية، نؤجّلها، أما قصة الحديث؛ فضعيفةٌ غير صحيحة؛ لتفرد أبي موسى البصري بها.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

الأحد، 7 أغسطس 2022

 مسائل فكرية (٤٣):

كَيفَ خَرَج الحُسَينُ عليه السلام على إمامه يَزيدَ؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).

اتّصل بي أحدُ الإخوةِ وقال لي:

«نقل غير واحدٍ من أهل العلم الإجماعَ على حرمةِ الخروجِ على السلطان الفاجر!

فما تفسيرك الخروج الإمامِ الحسين على أمير المؤمنين يزيدَ بن معاوية، وقد كان عبدالله بن عمر يناديه: يا أمير المؤمنين»؟

أقول وبالله التوفيق:

ليس في المسألة إجماعٌ ولا اتّفاق، فالزيدية والإسماعيليّةُ والإباضيّة؛ يوجبون الخروج على السلطان الجائر، بشروطٍ معروفةٍ لدى كلّ فرقةٍ منهم!

وحتى بين أهل السنّة أنفسهم؛ لا يوجد اتّفاق أصلاً، فالإمام ابن حزم!

قال الإمامُ أبو بكر الجصّاص االحنفيُّ في كتابه «أحكام القرآن» (1: 83):

«قَوْله تَعَالَى: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً): إِنَّ الْإِمَامَ مَنْ يُؤْتَمُّ بِهِ فِي أُمُورِ الدِّينِ، مِنْ طَرِيقِ النُّبُوَّةِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ أَئِمَّةٌ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ؛ لِمَا أَلْزَمَ اللهُ تَعَالَى النَّاسَ مِنْ اتِّبَاعِهِمْ وَالِائْتِمَامِ بِهِمْ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ.

وَالْخُلَفَاءُ أَئِمَّةٌ; لِأَنَّهُمْ رُتِّبُوا فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَلْزَمُ النَّاسَ اتِّبَاعُهُمْ، وَقَبُولُ قَوْلِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ، وَالْقُضَاةُ وَالْفُقَهَاءُ أَئِمَّةٌ أَيْضاً.

وَلِهَذَا الْمَعْنَى: الَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ يُسَمَّى إمَاماً; لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ؛ لَزِمَهُ اتِّبَاعُه وَالِائْتِمَامُ بِهِ.

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ إمَاماً؛ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ؛ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ؛ فَاسْجُدُوا)

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَخْتَلِفُوا عَلَى إمَامِكُمْ)

فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ اسْمِ الْإِمَامَةِ مُسْتَحَقٌّ لِمَنْ يَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي أُمُورِ الدِّينِ، أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْها.

وَقَدْ يُسَمَّى بِذَلِكَ مَنْ يُؤْتَمَّ بِهِ فِي الْبَاطِلِ، إلَّا أَنَّ الْإِطْلَاقَ لَا يَتَنَاوَلُهُ.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) [القصص: 41] فَسُمُّوا أَئِمَّةً; لِأَنَّهُمْ أَنْزَلُوهُمْ بِمَنْزِلَةِ مِنْ يُقْتَدَى بِهِمْ فِي أُمُورِ الدِّينِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَئِمَّةً يَجِبُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: (فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ) [هود: 101].

وَقَالَ: (وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً) [طه: 97] يَعْنِي فِي زَعْمِكَ وَاعْتِقَادِكَ وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي؛ أَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ)

وَالْإِطْلَاقُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَنْ يَجِبُ الِائْتِمَامُ بِهِ فِي دِينِ اللهِ تَعَالَى، وَفِي الْحَقِّ وَالْهُدَى.

أَلَا تَرَى أَنَّ قوله تعالى: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً) قَدْ أَفَادَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ، وَأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَئِمَّةَ الضَّلَالِ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ: (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) [البقرة: 221] .

وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ اسْمِ الْإِمَامَةِ يَتَنَاوَلُ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَالْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ فِي أَعْلَى رُتْبَةِ الْإِمَامَةِ، ثُمَّ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ الْعُلَمَاءُ وَالْقُضَاةُ الْعُدُولُ وَمَنْ أَلْزَمَ اللهُ تَعَالَى الِاقْتِدَاءَ بِهِمْ، ثُمَّ الْإِمَامَةُ فِي الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا.

فَأَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ جَاعِلُهُ لِلنَّاسِ إمَاماً، وَأَنَّ إبْرَاهِيمَ سَأَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ وَلَدِهِ أئمة بقوله: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)؟

لِأَنَّهُ عُطِفَ عَلَى الْأَوَّلِ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ «وَاجْعَلْ مِنْ ذُرِّيَّتِي أَئِمَّةً»!

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) مَسْأَلَتَهُ اللهَ تعالى تَعْرِيفَهُ: هَلْ يَكُونُ مِنْ ذُرِّيَّتِي أَئِمَّةٌ؟

فَقَالَ تَعَالَى فِي جَوَابِهِ: (لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فَحَوَى ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ:

- أَنَّهُ سَيَجْعَلُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ أَئِمَّةً، إمَّا عَلَى وَجْهِ تَعْرِيفِهِ مَا سَأَلَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ إيَّاهُ.

- وَإِمَّا عَلَى وَجْهِ إجَابَتِهِ إلَى مَا سَأَلَ لِذُرِّيَّتِهِ، إذَا كَانَ قَوْلُهُ: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) مَسْأَلَتَهُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ أَئِمَّةً.

وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعاً:

- وَهُوَ مَسْأَلَتُهُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ أَئِمَّةً.

- وَأَنْ يُعَرِّفَهُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ أجابَه إلَى مَسْأَلَتِهِ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ إجَابَةٌ إلَى مَسْأَلَتِهِ؛ لَقَالَ: لَيْسَ فِي ذُرِّيَّتِك أَئِمَّةٌ، أو قَالَ: «لَا يَنَالُ عَهْدِي مِنْ ذُرِّيَّتِك أَحَدٌ»!

فَلَمَّا قال: (لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) دَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِجَابَةَ قَدْ وَقَعَتْ لَهُ، فِي أَنَّ فِي ذُرِّيَّتِهِ أَئِمَّةً.

ثُمَّ قَالَ: (لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فَأَخْبَرَ أَنَّ الظَّالِمِينَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ لَا يَكُونُونَ أَئِمَّةً، وَلَا يَجْعَلهُمْ مَوْضِعَ الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ السُّدِّيِّ فِي قَوْله تَعَالَى: (لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أَنَّهُ النُّبُوَّةَ.

وَعَنْ مُجَاهِدٍ؛ أَنَّهُ أَرَادَ: أَنَّ الظَّالِمَ لَا يَكُونُ إمَاماً.

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِعَهْدِ الظَّالِمِ، فَإِذَا عَقَدَ عَلَيْك فِي ظُلْمٍ؛ فَانْقُضْهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَ لَهُمْ عِنْدَ اللهِ  عَهْدٌ، يُعْطِيهِمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فِي الْآخِرَةِ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: جَمِيعُ مَا رُوِيَ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي؛ يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهُ مُرَادًا للهِ تَعَالَى، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَنا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الظَّالِمُ نَبِيًّا، وَلَا خَلِيفَةً لِنَبِيٍّ وَلَا قَاضِيًا، وَلَا مَنْ يَلْزَمُ النَّاسَ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي أُمُورِ الدِّينِ: مِنْ مُفْتٍ، أَوْ شَاهِدٍ، أَوْ مُخْبِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَراً.

فَقَدْ أَفَادَتْ الْآيَةُ أَنَّ شَرْطَ جَمِيعِ مَنْ كَانَ فِي مَحَلِّ الِائْتِمَامِ بِهِ فِي أَمْرِ الدِّينِ؛ الْعَدَالَةُ وَالصَّلَاحُ.

وَهَذَا يَدُلُّ أَيْضاً عَلَى أَنَّ أَئِمَّةَ الصَّلَاةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا صَالِحِينَ، غَيْرَ فُسَّاقٍ، وَلَا ظَالِمِينَ لِدَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى شَرْطِ الْعَدَالَةِ لِمَنْ نُصِبَ مَنْصِبَ الِائْتِمَامِ بِهِ فِي أُمُورِ الدِّينِ; لِأَنَّ عَهْدَ اللهِ؛ هُوَ أَوَامِرُهُ، فَلَمْ يَجْعَلْ قَبُولَهُ عَنْ الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ، وَهُوَ مَا أَوْدَعَهُمْ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ وَأَجَازَ قَوْلَهمْ فِيهِ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِقَبُولِهِ مِنْهُمْ، وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِيهِ.

أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ؛ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) يَعْنِي أُقَدِّمُ إلَيْكُمْ الْأَمْرَ بِهِ؟ وَقَالَ تَعَالَى: (الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنَا).

وَمِنْهُ عَهْدُ الْخُلَفَاءِ إلَى أُمَرَائِهِمْ وَقُضَاتِهِمْ، إنَّمَا هُوَ مَا يَتَقَدَّمُ بِهِ إلَيْهِمْ لِيَحْمِلُوا النَّاسَ عَلَيْهِ، وَيَحْكُمُوا بِهِ فِيهِمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عَهْدَ اللهِ إذَا كَانَ إنَّمَا هُوَ أَوَامِرُهُ؛ لَمْ يخل قوله: (لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) مِنْ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الظَّالِمِينَ غَيْرُ مَأْمُورِينَ، أَوْ أَنَّ الظَّالِمِينَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا بِمَحَلِّ مَنْ يُقْبَلُ مِنْهُمْ أَوَامِرُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحْكَامُهُ وَلَا يُؤْمَنُونَ عَلَيْهَا!

فَلَمَّا بَطُلَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ؛ لِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ أَوَامِرَ اللهِ تَعَالَى لَازِمَةٌ لِلظَّالِمِينَ كَلُزُومِهَا لِغَيْرِهِمْ، وَأَنَّهُمْ إنَّمَا اسْتَحَقُّوا سِمَةَ الظُّلْمِ لِتَرْكِهِمْ أَوَامِرَ اللهِ؛ ثَبَتَ الْوَجْهُ الْآخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُؤْتَمَنِينَ عَلَى أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأنّهم غَيْرُ مُقْتَدًى بِهِمْ فِيهَا، فَلَا يَكُونُونَ أَئِمَّةً فِي الدِّينِ.

فَثَبَتَ بِدَلَالَةِ هَذِهِ الْآيَةِ؛ بُطْلَانُ إمَامَةِ الْفَاسِقِ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ خَلِيفَةً، وَأَنَّ مَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ فِي هَذَا الْمَنْصِبِ - وَهُوَ فَاسِقٌ - لَمْ يَلْزَمْ النَّاسَ اتِّبَاعُهُ وَلَا طَاعَتُهُ.

وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ)

وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَكُونُ حَاكِماً «قاضياً» وَأَنَّ أَحْكَامَهُ لَا تَنْفُذُ إذَا وَلِيَ الْحُكْمَ، وَكَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا خَبَرُهُ، إذَا أَخْبَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا فُتْيَاهُ إذَا كَانَ مُفْتِياً، وَأَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ لِلصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ لَوْ قُدِّمَ وَاقْتَدَى بِهِ مُقْتَدٍ؛ كَانَتْ صَلَاتُهُ مَاضِيَةً، فَقَدْ حَوَى قوله: (لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) هَذِهِ الْمَعَانِي كُلِّهَا.

وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجْوِيزُ إمَامَةِ الْفَاسِقِ وَخِلَافَتِهِ، وَأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَاكِمِ فَلَا يُجِيزُ حُكْمَهُ، وَذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَهُوَ الْمُسَمَّى «زُرْقَانَ)([1]) وَقَدْ كَذَبَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ بِالْبَاطِلِ، وَلَيْسَ هُوَ أَيْضًا مِمَّنْ تُقْبَلُ حِكَايَتُهُ!

وَلَا فَرْقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الْقَاضِي وَبَيْنَ الْخَلِيفَةِ، فِي أَنَّ شَرْطَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعَدَالَةُ، وَأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَكُونُ خَلِيفَةً، وَلَا يَكُونُ حَاكماً، كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَلَا خَبَرُهُ لَوْ رَوَى خَبَراً عَنْ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَكَيْفَ يَكُونُ خَلِيفَةً، وَرِوَايَتُهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَأَحْكَامُهُ غَيْرُ نَافِذَةٍ؟

وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُدّعَى ذَلِكَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ أَكْرَهَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي أَيَّامِ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى الْقَضَاءِ، وَضَرَبَهُ فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَحُبِسَ، فَلَجَّ ابْنُ هُبَيْرَةَ، وَجَعَلَ يَضْرِبُهُ كُلَّ يَوْمٍ أَسْوَاطاً.

فَلَمَّا خِيفَ عَلَيْهِ؛ قَالَ لَهُ الْفُقَهَاءُ: فَتَوَلَّ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِهِ، أَيَّ شَيْءٍ كَانَ، حَتَّى يَزُولَ عَنْك هَذَا الضَّرْبُ، فَتَوَلَّى لَهُ عَدَّ أَحْمَالِ التِّبْنِ الَّذِي يَدْخُلُ، فَخَلَّاهُ!

ثُمَّ دَعَاهُ الْمَنْصُورُ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ؛ فَأَبَى، فَحَبَسَهُ حَتَّى عَدَّ لَهُ اللَّبِنَ الَّذِي كَانَ يُضْرَبُ لِسُورِ مَدِينَةِ بَغْدَادَ.

وَكَانَ مَذْهَبُهُ مَشْهُورًا فِي قِتَالِ الظَّلَمَةِ وَأَئِمَّةِ الْجَوْرِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: «احْتَمَلْنَا أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى جَاءَنَا بِالسَّيْفِ - يَعْنِي قِتَالَ الظَّلَمَةِ، فَلَمْ نَحْتَمِلْهُ - وَكَانَ مِنْ قَوْلِهِ: «وُجُوبُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ؛ فَرْضٌ بِالْقَوْلِ، فَإِنْ لَمْ يُؤْتَمَرْ لَهُ، فَبِالسَّيْفِ» عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«أنّه قَالَ: (كَلَّا وَاللهِ! لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيْ الظَّالِمِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْراً، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْراً) أخرجه أحمد وابن ماجه وأبو داود في الملاحم (4336) وهذا لفظه، والترمذيّ في جامعه (3047) وقال: حسن غريب.

 وَسَأَلَهُ إبْرَاهِيمُ الصَّائِغُ، وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ خُرَاسَانَ، وَرُوَاةِ الْأَخْبَارِ وَنُسَّاكِهِمْ عَنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، فَقَالَ أبو حنيفةَ: هُوَ فَرْضٌ.

وَحَدَّثَهُ بِحَدِيثٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إلَى إمَامٍ جَائِرٍ، فَأَمَرَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَاهُ عَنْ الْمُنْكَرِ فَقُتِلَ).

فَرَجَعَ إبْرَاهِيمُ إلَى مَرْوَ، وَقَامَ إلَى أَبِي مُسْلِمٍ صَاحِبِ الدَّوْلَةِ، فَأَمَرَهُ، وَنَهَاهُ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ ظُلْمَهُ وَسَفْكَهُ الدِّمَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَاحْتَمَلَهُ مِرَاراً، ثُمَّ قَتَلَهُ.

وَقَضِيَّةُ «أبي حنيفةَ» فِي أَمْرِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ؛ مَشْهُورَةٌ، وَفِي حَمْلِهِ الْمَالِ إلَيْهِ، وَفُتْيَاهُ النَّاسَ سِرّاً فِي وُجُوبِ نُصْرَتِهِ، وَالْقِتَالِ مَعَهُ!

وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ مَعَ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ ابْنَيْ عَبْدِاللهِ بْنِ حَسَنٍ!

وَقَالَ لِأَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ حِينَ قَالَ لَهُ: لِمَ أَشَرْت عَلَى أَخِي بِالْخُرُوجِ مَعَ إبْرَاهِيمَ حَتَّى قُتِلَ؟ قَالَ: مَخْرَجُ أَخِيكَ؛ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ مَخْرَجِك.

وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ قَدْ خَرَجَ إلَى الْبَصْرَةِ.

وَ«مذهبه» هَذا؛ إنَّمَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ أَغْمَارُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، الَّذِينَ بِهِمْ فُقِدَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ، حَتَّى تَغَلَّبَ الظَّالِمُونَ عَلَى أُمُورِ الْإِسْلَامِ.

فَمَنْ كَانَ هَذَا مَذْهَبَهُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ؛ كَيْفَ يَرَى إمَامَةَ الْفَاسِقِ»؟

وقال الإمام ابن حزم في مراتب الإجماع (ص: 177) ما نصّه:

«وَرَأَيْت لبَعض مَن يَنْسب نَفسه للإمامة وَالْكَلَام فِي الدَّين، وَنُصب لذَلِك فصولاً ذكر فِيهَا الإجماعَ، فأتى بِكَلَام لَو سَكت عَنهُ؛ لَكَانَ أسلم لَهُ فِي أخراه، بل الخَرَسُ كَانَ أسْلَمْ لَهُ، وَهُوَ ابْن مُجَاهِد البصرى الطَّائِي، لَا الْمُقْرِئ.

فإنه أَتَى فِيمَا ادّعى فِيهِ الإجماع؛ أَنهم أَجمعُوا على أن لَا يُخرجَ على أَئِمَّة الْجور، فاستعظمت ذَلِك، ولعمري إنّه عَظِيم أن يكون قد عَلِمَ أنّ مُخَالفَ الإجماع كَافِر، فيلقي هَذَا إلى النَّاس، وَقد علم أَن أفاضل الصَّحَابَة وَبَقِيَّةَ النَّاس يوم الْحرَّة خَرجُوا على يزِيدَ بن مُعَاوِيَة وَأَنّ ابْن الزبير وَمن تابعه من خيار الناس خرجوا عليه، وأنّ الحسينَ بنَ عليّ ومن تابعهُ من خِيَار الْمُسلمين خَرجُوا عَلَيْهِ أَيْضاً.

رَضِي الله عَن الخارجين عَلَيْهِ، وَلعن قَتلتهمْ.

وَأَنّ الْحسنَ الْبَصْرِيّ وأكابر التَّابِعين خَرجُوا على الْحجَّاج بسيوفهم أَتَرَى هَؤُلَاءِ كفرُوا؟ بل وَالله مَن كفّرهم أَحَق بالْكفْر مِنْهُم!

ولعمري لَو كَانَ اخْتِلَافا يخفى؛ لعذرناه، وَلكنه أَمر مَشْهُور يعرفهُ أَكثر الْعَوام فِي الأسواقِ، والمخدرات فِي خُدُورهنَّ لاشتهاره».

وقال ابن حجر في ترجمة الحسن بن صالح بن حيّ الهَمْدانيّ، من تهذيب التهذيب (2: 288) ما نصّه:

«قولهم: «كان يَرى السَيْفَ: يعني كان يَرى الخروجَ بالسيف على أئمّةِ الجَوْرِ، وهذا مَذهبٌ للسلفِ قديمٌ!

لكن استَقَرّ الأمرُ على تَركِ ذلك؛ لما رَأَوه قد أفضى إلى أشدَّ منه ففي وَقعةِ «الحَرّةِ» ووقعة ابن الأشعثِ، وغيرِهما؛ عِظَةٌ لمَن تَدَبّرَ. وبمثلِ هذا الرأيِ؛ لا يُقدَحِ في رَجلٍ قد ثَبَتَتْ عدالتُه واشتُهِر بالحفظ والإتقان والورع التام.

وأمّا تَركُه الجمعةَ؛ ففي جُملةِ رأيه ذلك أنْ لا يُصلي خَلفَ فاسقٍ ولا يُصحّح ولايةَ الإمامِ الفاسق.

فهذا ما يُعتذر به عن الحسن، فهو إمام مجتهد» انتهى باختصار.

فإذا كان أبو حنيفةَ المتوفى سنة (150 هـ) كان لا يُجوّز خلافَةَ مَن ليس بعدلٍ؛ أفتريد من الإمام الحسين (ت: 61 هـ) أن يقبل بخلافة فاجرٍ مجرمٍ، قد لا يكون على دين الإسلام أصلاً ؟!

ترجم الإمام الذهبيّ يزيد بن معاويةَ في النبلاء (4: 37) فقال: «كانَ نَاصِبِيّاً، فَظّاً، غَلِيْظاً، جَلْفاً، يَتَنَاوَلُ المُسْكِرَ، وَيَفْعَلُ المُنْكَرَ، افْتَتَحَ دَوْلَتَهُ بِمَقْتَلِ الشَّهِيْدِ الحُسَيْنِ، وَاخْتَتَمَهَا بِوَاقِعَةِ الحَرَّةِ، فَمَقَتَهُ النَّاسُ، وَلَمْ يُبَارَكْ فِي عُمُرِه».

وفي تاريخ الإسلام للذهبيّ (2: 731) ما نصّه: «قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السري: حدثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غُنْيَةٍ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَذَكَرَ رَجُلٌ يَزِيدَ، فَقَالَ:

قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ!

فَقَالَ عُمرُ: تَقُولُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟

وَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ عِشْرِينَ سَوْطًا».

فهذا إمامُكم المقدّس عندكم، عمر بن عبدالعزيز؛ لا يرى يزيدَ لعنه الله تعالى خليفةً للمسلمين!

وفي هذا كفايةُ، لمَن لم يخالط النصبُ قلبَه!

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(.

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلَّم تَسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.



[1] زُرْقان: لقبُ محمد بْن شدّاد بْن عِيسَى، أبو يَعْلَى المِسْمَعي المتكلم المعتزلي (ت: 278 هـ) ترجمه الذهبيّ في تاريخ الإسلام (6: 609) ونقل عن االدارقطنيّ قوله: «لا يكتب حديثه».

الأربعاء، 3 أغسطس 2022

     قطوف من الآلام (14):

    وَليدُ بنُ نايفٍ في ذمّةِ اللِه تَعالى!؟

          بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ.

وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ).

بَلغني قبلَ قليلٍ نَبأُ وفاة أخي الحبيب الكريم النبيل وليدِ بنِ نايفٍ السُرَيحينيِّ الحمويّ [وسُرَيحين: قريةٌ مجاورةٌ لقريةِ آل الحمش «نُقَيْرينَ» تُعَدّانِ أقربَ ضواحي مدينةِ حماة إليها].

وسيصلّى على جِنازته يومَ غدٍ الخميس، بعدَ صلاةِ الظهرِ، في جامع «باشاك شهير المركزيّ» في مدينة استانبول.

ترجع معرفتي بالفقيد - عليه رحمةُ الله ورضوانُه - إلى عام (1981م) في مكّة المكرّمة؛ إذ كان أحد ثلاثةِ شركاء، في «سوبرماركت» العائلة، التي كانت مشهورةً في مكّة المكرّمة.

وشريكاه: فضيلة الدكتور الشيخ المقرئ «محمّد حاتم» الطبشيّ الحمويّ.

         والأخ الفاضل النبيل: وليد بن سعد الدين الزعيم، الحمويّ، ثمّ الحلبيّ.

وقد كان لسوق العائلة الكبير، ممثّلاً بشركائه الأفاضل الثلاثةِ هؤلاء؛ إسهاماتٌ خيريّةٌ نادرة الوجود، إذ كانوا يخصّون طلّاب العلم في مكة المكرمة بسيّاراتِ شحنٍ من الموادّ الغذائيّة.

وكنت أنا الفقير عداب المشرفَ والحمّالَ، الذي يقوم بتوزيعها على طلبة العلم، منذ العام (1981) وحتى العام (1986).

وعندما أصبت بالانزلاق الغضروفيّ (1982 - 1985) لم يقف بجانبي أحدٌ من الناس، سوى هؤلاء الأفاضل الثلاثةِ، جزاهم االلهُ خير الجزاء.

كان الأخ أبو نايف مثالَ التهذيب والأخلاق وطول الصمتِ والحياء.

ولو كان المقامُ يسمح بتعداد المآثر والمناقبِ؛ لأفضت في ذلك.

اللهم إني أسألك، وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرحمةِ؛ أن ترحمَ أخي وليدَ بنَ نايفٍ، وأن تغفر له مغفرةً عامة تامّة شاملة.

اللهم اغسله من ذنوبه بالماء والثلج والبرد.

اللهم نقّه من الذنوب والخطايا، كما ينقّى الثوبُ الأبيضُ من الدَنَس.

اللهم إنّه فقير إلى عفوك ورحمتك وغفرانك، وأنت خيرُ مَرجوٍّ ومأمولٍ ومسؤولٍ.

اللهم فاغفر له وارحمه وتجاوز عن سيئاتِه؛ إنّك أنت أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين.

إنّ العين لتدمع، وإنّ القلبَ ليحزن، ولا نقول إلّا ما يرضي ربَّنا تبارك وتعالى.

إنّا لله وإنا إليه راجعون.

وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ولا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم.

وأتقدّم من أهلِه وإخوانه وأولاده وأحبابه؛ بخالص العزاء.

راجياً لهم من الله تعالى الصبرَ الجميل، والثوابَ الجزيل.

وأنتم إخواني القرّاء الكرام: أرجو أن تخصّوا أخانا وليداً بدعواتكم الأخويّة الصادقة بالعفو والمغفرة والرحمة.

وعظّم الله أجورنا وأجوركم أيها الأحباب الكرام.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.