السبت، 7 مايو 2022

       بَعيداً عن السياسةِ (9):

هَلْ أنتَ مع مِحوَر المقاومةِ؟!

بسم اللهِ الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

في جلسةٍ خاصّةٍ سألني أحد الإخوة الضيوف: يا شيخ عداب، أنت رجل شجاع، تقول ما تعتقد، من دون خوفٍ ولا حسابٍ لأحد، فهل أنت تؤيّد محوَرَ المقاومة؟

أقول وبالله التوفيق:

سيكون جوابي مختصراً جدّاً، ومن دون عرضِ أدلّة على ما أقول غالباً!

أوّلاً: أنا لا أرى أيَّ مشروعيّةٍ إسلاميّةٍ لأيّ نظامٍ علمانيّ يحكم البلادَ العربيّةَ.

وتعريف النظامِ العلمانيّ؛ هو النظام الذي يرأسه حاكم تغلّب على السلطةِ تغلّباً سلميّاً، أم تغلّباً عسكريّاً، وهو لا يمتلك صفات الحاكم الشرعيّ، إنما أعدّ تلك الأنظمةَ أنظمةً اضطراريّة!

فخلافةُ أبي بكر وعمر وعثمان؛ سلطاتٌ مدنيّة علمانيّة قبليّة، إذ ليس واحدٌ من هؤلاءِ الثلاثة، كان عالماً، أو كان قائداً عسكريّاً، أو كان من بيت سيادةٍ ورئاسةٍ، تؤهّله لقيادة الأمَة أو القُطر، بما يتناسب مع دينِ الأمّةِ وقيمها الإسلاميّة التي أراد الله تعالى لها أن تلتزم بها.

وسياسةُ معاويةَ ومن جاءَ بعده؛ ليست شيئاً سوى امتدادٍ لسياسةِ هؤلاء الثلاثةِ الخلفاء، بخلافٍ واحدٍ؛ هو أنّ الثلاثةَ الخلفاء رضي الله عنهم، كانوا أصحاب تديّنٍ في أنفسهم، بينما كان معاويةُ منافقاً بعيداً عن الدين.

وخلافةُ الإمام عليّ؛ هي خلافةٌ دينيّة منقوصةٌ؛ لأنها خَلَفتْ حكوماتٍ علمانيةً بَعُدت بالناس عن قيم الدين، لعدمِ الكفاءةِ، وليس بقصد الإساءة.

خلافة الإمام عليّ دينيّة؛ لأنّ الإمام عليّاً عالم، بل أكبر عالم في الأمة، وهو أعظم وأكبر قائدٍ عسكريّ، وهو الذي حمى الله تعالى به الإسلامَ في جميع المعارك التي خاضها ضدّ المشركين، بينما لم يكن الخلفاء قبلَه علماء ولا فرساناً، ولم يقتلوا دجاجة!

والإمامُ هو من بيت السيادةِ في قريشٍ، التي لا تعرف العربُ السيادةَ عليهم إلّا لها، كما هو تعبير أبي بكر.

إلى جانب صفاتِ اللطف والحكمة والرحمة ولين الجانب، الذي لا يمتلك أحدٌ ممن سبقه شيئاً منها، أو ربما هي ضعيفةٌ جدّاً لديه.

وبفقهه وعلمه وأناتِه؛ هو الذي أسّس فقه الخلاف والاختلاف في النزاعاتِ والصراعات بين المسلمين!

فأبو بكر قاتل المرتدين، ومانعي الزكاة، ومانعي أداء الزكاة إلى المدينة، ورافضي خلافته القرشيّة، على حدّ سواء، ولم يصغِ إلى رأيِ أحد!

بينما لم يبدأ الإمام عليّ قتالَ أصحاب الجمل، حتى حاورهم، وبيّن لهم خطأهم، وكاشف الزبيرَ بأنه ظالم له!

ولم يقاتل نواصبَ الشامِ وطلقاءَها وبغاتِها، حتى بيّن لهم ما يوجبه الله تعالى عليهم.

وحين تدانى الجيشان؛ منع الطغاة البغاة جيشَ الإمام من ارتيادِ الماء وقاتلوهم عليه، فلما انتصر جيش الإمام على الطغاة في مسألة الماء؛ لم يمنعهم الإمام من ارتياده والشرب منه؛ لأنه عاملهم على أنهم مسلمون رَعاع، أتباع كلّ ناعق!

وحتى أهل النهروان الذين كفّروه؛ لم يسارع إلى قتالهم، بل قال لهم: لا نمنعكم من الصلاة في مساجدنا، ولا نقاتلكم حتى تقوموا بما يوجب علينا قتالكم!

هذا هو القائد السياسيّ والعسكريّ الإسلاميّ المجتهد.

ثانياً: إذا غدا هذا واضحاً؛ فليس بعد خلافة الإمام عليّ، ومدّة الإمام الحسن عليهما السلام؛ دولة إسلاميّةٌ، إنما هناك دولٌ مسلمةٌ، يحكمها متغلبون طغاة، لا يطبقون من حدود الله تعالى، سوى حدِّ الخروج على ظلمهم، ويشمل ذلك جميع الممالك والكيانات السياسيّة التي قامت في الوطن العربيّ، من بحرِ العربِ، إلى المحيط الأطلسيّ، منذ ذلك التاريخ، وإلى هذا اليوم!

ومنذ القرن الأوّل قامتْ أنظمة عديدةٌ، كانت تخضع للسلطة المركزية خضوعاً صوريّاً في حقيقة الأمر!

لا تختلف حكوماتُ أهل السنّة، ولا حكوماتُ الشيعةِ، ولا حكومات الخوارج في هذا الأمر.

ثالثاً: إذا كنتَ تراني - أخي القارئ - لا أتعصّب لخلافة أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا عليّ رضي الله عنهم؛ فلا تستغربْ أبداً إذا قلت لك: لا فرق عندي البتّة بين الخلافة العبّاسية في بغداد، والخلافة الفاطمية في إفريقيّة، والخلافة الأمويّة في الأندلس!

جميعها حكومات استبداديّة قبليّة مذهبيّة علمانية ظالمةٌ  همّها الأوّل والأخير؛ هو الحفاظ على السلطان!

وكم أزهقت هذه الأنظمة المجرمة من أرواح المسلمين السنة والنواصب والشيعة والرافضة والخوارج، من دون وجه حقٍّ أبدا؟!

والمذاهب السنيّة الأربعةُ؛ هي مذاهب سياسيّة، نصرها الطغاةُ، وجعلوها دينَ الأمم التي تخضع لسطانهم، وكذلك هي بقيّة المذاهب، تبنّاها الطغاة الظلمة ليسوسوا بها المجتمعات التي يحكمونها، وليس حبّاً بالدين، أو تمسّكاً حقيقيّاً به!

رابعاً: الأنظمة والحكوماتُ العربيّة المعاصرة؛ جميعها حكومات علمانيّة مدنيّة، تعتمد التغلّب في الوصول إلى السلطة، إنما تستخدم الدين لإخضاع رعاياها وحسب، لا فرق في ذلك بين الأنظمة الملكيّة والرئاسيّة والسلطنة والإمارة.

وبالتالي لا فرق عندي بين النظام السوريّ والنظام السعوديّ وأيّ نظام آخر!

جميعُها أنظمة غير شرعيّة، وجميعها، يجب استبدالُها بأنظمة شرعيّة تعتمد الشورى في العمليّة السياسيّة برمّتها، ويكون قادتها علماءَ شرعيين، مزوّدين بمهاراتٍ إضافيّة تُعدّ معياراً للحاكم الشرعيّ الرشيد!

خامساً: أنا الفقير لا أؤمن بشيءٍ اسمه «الوطن» و«الوطنيّة» سوى الوطنِ الإسلامي الكبير، فإن أقمتُ في سوريا؛ فأنا سوريّ، وإن أقمتُ في الحجاز؛ فأنا حجازيّ، على الرغم من أنوف من يأبى ذلك، وهكذا!

وأيما ذكر اسمُ الله في بلدٍ

عددتُ ذلك من أمّاتِ أوطاني.

فأنا وكلّ واحدٍ منكم - معاشر القراء - يعود نسبه إلى قبيلةٍ من القبائل العربيّة؛ لا تخلق جذورها في الموطن الحاليّ الذي تقيم فيه!

فقبيلةُ النعيم موجودة في الحجاز والخليج والشام ومصر، ولا فضل على فروع العشيرة الخليجيّة على فروع القبيلةِ في بلاد الشام ومصر، وهكذا!

فلو اختصمت الأنظمة الطاغية المجرمة في سوريا والعراق مثلاً، هل أصطفّ مع السوريين ضدّ العراقيين، أو ضدّ الحجازيين، أو ضدّ المصريين، وأهلي وعشيرتي حملتَ في تلك البلادِ أسماءَ وألقاباً متعددةً، لا نعرفها أصلاً، وهي تقيم في تلك البلاد العربية المسلمة؟

سادساً: لم تكن سوريا التي أنتمي إليها منذ (400) سنة دولةً إسلاميّةً قطّ، إنما كانت من لدن معاوية الطليق، وحتى بشار الأسد دولةً مدنيّة علمانيّة قوميّة!

وما دامت دولةً علمانيّة لا تطبّق شريعةَ الإسلامِ، إنما تحتكم إلى القانون الفرنسيّ من عام (1920) وحتى هذا اليوم!

فأيّ فرق لديَّ أنا بين أن يحكمني علمانيّ وُلدَ في بيئةٍ سنيّة، وعلمانيٍّ ولد في بيئةٍ علويّةٍ، وعلمانيٍّ ولد في بيئة دُرزيّة؟!

لا فرق لديّ أبداً، فليس أديب الشيشكليّ في شيءٍ أفضل من حسني الزعيم، وليس شكري القوتلي في شيءٍ أفضل من حافظ الأسد!

الكلّ علمانيّ، والكلّ لا يخاف الله تعالى، ولا ينتظر مصيرَه الأخرويّ!

وربما على العكس، فإنّ حافظ الأسد أنقذ طائفته «النصيريّة» العلويّة من الإلحاد والباطنيّة والجهل الأسودِ المتراكب، إلى المذهب الشيعيّ الجعفريّ المسلم!

وحين لم يكن في جبال العلويين كلّها حتى عام (1973) مصلّى أو مسجدٌ أو جامع واحد؛ تمتلئ مدنُ وبلدات وقرى الجبل اليومَ بالمساجد ومقرئي القرآن الكريم.

العقدةُ الوحيدةُ التي جعلت الأكثريّةَ السوريّة تثور على السلطة في سوريا؛ هي الطائفيّة البغيضة، والعزَة بالإثم، والكبرياء الإقطاعيّ الوسخ!

أدركتُ الزمان الذي كان فيه الإنسانُ العلويّ إذا نزلَ إلى مدينةِ حماة، وعرف بعضُ الحمويّون أنّه علويّ؛ عاملوه بمنتهى الخساسة والنذالة، من ضربٍ وبصاق ولعن وسبٍّ وإهانة، وتخريب ما معه من أشياءَ يريد أن يبيعها!

نعم كان يفعل ذلك سفهاءُ الحمويين وسفلتهم، وليس جميع الحمويّين، لكنني شهِدتُ أكثرَ من عَشرِ حوادثَ من هذا النوعِ؛ لم يقم واحدٌ من الحمويين بنصرةِ هذا المظلوم العلويّ على الإطلاق!

وعلمتُ بحادثة أخسّ من هذه الحادثةِ، وحضرت مشهدها الأخير، وخلاصتها أنّ أحد أثرياء حماة في أوّلِ حيّ الشريعة، استخدم شابّةً من جبل العلويين، لحاجة أهلها إلى مرتّبها، فزنى بها أولادُ صاحب البيت، ومنهم اثنان من زملائنا في الصفّ السادس الإبتدائيّ، وقراباتُهم، وبعضُ جيرانهم، حتى حملت البنت وظهر حملها!

ثمّ ههنا أقول ما شاهدته بعينيّ (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ): خرجنا بعد الظهر من مدرسة «توفيق الشيشكليّ» في حيّ الشريعةِ، وفي أثناء الطريق سمعنا صراخاً ونشيجَ رجلٍ يبكي!

وَقفنا أمام المنزل الذي كان الحدثُ أمامَه، ووالدُ الفتاة ممسكاً بيدها، وهما يبكيان!

قال والد الفتاة للآغا الملعون: هكذا تفعلون ببنتي يا آغا، أما تعهدت لي بأنّها ستكون مثلَ بنتك؟

ألستم مسلمين أنتم، ألستم تخافون الله تعالى، ماذا أصنع الآن أمام أهلي وأهل قريتي يا ظلمة؟!

صرخَ به الآغا الحقير، ورمى له خمسين ليرةً سوريّة، وكان مما قال: «خذ هذه خمسون ليرة، دبّر وضعَ بنتك بها، وانقلع، أنا ماذا أفعل لك، إذا كانت بنتك قحبة»!

وحدثني زميلي (م ب) قال: كنّا أمس في قريتنا في «الغاب» - وسمّاها لي ونسيت اسمها - ليتك كنت معنا، كنّا نتدرب على الرماية بالمسدس!

أوقَفْنا الفلاحَ النصيريّ، ووضعنا على رأسه تفّاحة، ورحنا نصوّب على التفّاحة!

اقشعرّ بدني والله الشاهد، وقلت له: كيف تفعلون هذا، وأنتم تتدربون، أما خشيتم أن تقتلوا الرجل!؟

قال: لَهْ «مَهْ» ياشيخ عداب، تعدّ هذا رجلاً، هذا نصيريّ كافر، ديته ديةُ كلب!

وحدّثني الطبيب الدكتور السيّد «م ع» في مكة المكرمة قال: حدثني عميّ فلانٌ - وسمّاه لي - قال: «إنّ لي في جبل العلويين خمسةٌ وثلاثون ولداً» يعني من الزنا!

سابعاً: أدرك العلويّون - أو وُجّهوا لا فرقَ عندي - بأنّ الذلَّ والفقر والجهل الذي هم فيه؛ لن يرفعه عنهم سوى القوّة!

فانخرطوا في زمان الاحتلال الفرنسيّ بأعدادٍ كبيرةٍ بالنسبةِ إلى عددهم، وصار منهم ضبّاطاً كباراً، لم يستغن عنهم الجيشُ السوريّ العلمانيّ، بعد الاستقلال الصوريّ!

بينما كان كثيرٌ من القادرين مالياً من أهل السنة يدفعون «بدل الخدمة» ويحتلفون بتسريح ولدهم من الجيش!

وقد دَفعَ عمّي السيّد محمد حمشو، لولده السيّد حمدو بن السيّد حمشو بن السيّد حمدو بن الشيخ الشريف محمّد الحمش «بدلَ الخدمةِ» ثمّ ظلّ الطبلُ يضرب في حيّنا سبعةَ أيّام، ذبح عمّي للأضياف حينها أكثر من خمسين خروفاً تقديراً، ابتهاجاً بهذا الفوز العظيم!

ثامناً: ما بين عام (1920) وعام (1960) صار لدى العلويين قوّة عسكريّة لا يستهان بها، فانقلبوا على السلطة العلمانية السنية القائمة، وغدا عَبيدُ الأمسِ سادةَ اليوم!

لكنّهم كانوا موتورينَ حاقدين ملاحدةً في الأغلب؛ فراحوا يجاهرون بكفرهم وإلحادهم وشتمهم للدين، فجنّ جنون أهل السنّة، وأخذتهم العاطفةُ الدينيّة والنخوة، فثاروا ثوراتٍ متعددة على العلويين، ثوراتٍ إقطاعيّةً بغطاءٍ دينيّ!

النظامُ السوريّ العلويُّ العلمانيّ، أرادَ أن يحكم سوريّا بقبضةٍ من حديدٍ، وأراد أن تكون سوريّا دولةً غربيّة الأخلاقِ والسلوكِ ملحدةً، وأشاع وأعان على الفجور وسوء الأخلاق، وانتشر الفساد والمحسوبيّة والرشوة في زمان هذا النظام، ولم يُحسن احتواءَ أهل السنّةِ، ولو بالأمور الشكليّة اليسيرة، وكأنّه أراد الانتقام لذلك الماضي البغيض!

هذه هي الحال، فأين أنا من هذا الواقع؟!

تاسعاً: الشعب السوريّ جميعه علمانيّ، حتى الذين يقيمون الصلاةَ، فالذي يعني المتدينين من الإسلام السماح لهم بأداء العبادات، والحفاظَ على الأخلاق، ولا يريدون شيئاً من الإسلام وراء هذا؛ لأنّهم لم يروا في تاريخهم الطويلِ من الإسلامِ أكثر من هذا!

يُستنى من ذلك ثُلّة صغيرة جدّاً، لا يزيد عددها على عشرةِ آلاف نسمةٍ في سوريّا كلّها، هذه الثلّة هي جماعةُ «الإخوان المسلمون».

كانت هذه الجماعةُ منذ نشأتها في الأربعيناتِ، وحتى يومنا هذا؛ تعوّل للوصولِ إلى السلطة على «الديمقراطيّة» وشهادتي بالله العظيم أنني منذ انتسبتُ إلى الإخوان، عام (1963) وإلى أن غادرت سوريّا عام (1975) لم يكن واحدٌ من قادةِ الإخوان يحبّذُ امتلاكَ أفرادِ الإخوان المسلمين السلاحَ الفرديّ، إنّما كان بعضُ الشباب يمتلك السلاح الفرديّ، من دون علم قادة الإخوان، ومن دون إذنهم أيضاً!

عندما عاد الشريفُ الشهيد مروان حديد رحمه الله تعالى، من مصر، في بداية عام (1964) عاينَ ما يسعى إليه إليه النظام من إفساد المجتمع السوريّ، فراح يدعو النظامَ إلى تغيير منهجه، ويذكره بأنّ هذا البلد مسلم، ولن يتخلّى عن دينه أبداً، ولم يكن يمتلك الشهيد مروان حتى السلاحَ الفرديّ، ولجأ إلى مسجد السلطان، وجعل من مئذنته إذاعةً له.

وحين أراد النظامُ هدمَ جامعِ السلطان على رؤوس المعتصمين في المسجد؛ لم يكن لدى الشهيد مروان سوى سيفٍ قصير في حدود (70 سم).

وعند أذان فجر اليوم الذي هَدم فيه النظام الطاغي جامع السلطان؛ لم أشاهد لدى الإخوة المعتصمين، سوى ثلاثِ بنادق، وأربعةَ مسدساتٍ!

فهل يصدّق عاقلٌ أنّ هذا القدرَ الضئيلَ من السلاح؛ يقاوم جيشاً قوامُه ربع مليون جنديٍّ!

لكنّ النظام الموتور الحاقد، الذي أراد تحويلَ الناس عن دينهم حقيقةً إلى العلمانية البحتة؛ استغلّ اعتصام الشهيد مروان في المسجد؛ لينتقم من أهل حماة الذين كانوا يذلّون النصيريين - كما ذكرت من قبل - ويريد أن يثأرَ لكرامة العلويين التي كانت مهدورةً مباحة، فاصطنع هذه المعركة التي كرّست أحقادَ الحمويين، وزادت من تديّنهم وبغضهم للنظام العلمانيّ الفاشيّ، بكل ما تعنيه هذه الكلمة!

واستمرّ صراعُ أهل حماةَ خاصّةً مع النظام، حتى عام (1975) عندما اعتقل النظامُ الشهيد مروان من بيته في دمشق، وعذّبوه في معتقله أشدَّ أنواع التعذيب الوحشيّ، الذي كانت تتسرّب معلوماتٌ عنه، ممّا دفع بعضَ تلامذة الشهيد مروان إلى التسلّح والتدرّب على السلاح!

وفوجئ تلامذة الشهيد مروان بمقتلِه في السجن، في صيفِ عام (1976) رحمه الله تعالى، ورضي عنه؛ فقرّروا الانتقام من النظام!

عندما بلغني أنهم يُعدّون لعمليّة انتقاميّة؛ أرسلتُ إليهم رسالةً، طالبتهم فيها بعدمِ القيامِ بأيّ عمليّةٍ انتقاميّة؛ لأنّه لا يجوزُ فتح معركةٍ عسكريّةٍ مع نظامٍ دمويٍّ، وأنتم لا تمتلكون حتى ثمنَ طعامِكم!

لكنّ الجواب الذي جاءني منهم: «الجواب ما ستسمعه قريباً».

 عاشراً: مسألة الأرض المقدّسةِ، وأقصاها المبارك؛ تُهِمُّ كلَّ مسلمٍ على وجه الأرض!

ونظام سوريا، ونظامُ إيران، وحركة حزب الله، وحركة حماس، وحركة الجهاد؛ تقدّم أنفسها على أنّها محورُ المقاومة!

ومن الثابتِ والواضحِ أنّ سوريّا كانت مقرّاً لحركةِ حماس الإسلاميّة، وأنّ إيران تمدّ حركتي حماس والجهاد بالمال والسلاح والإعلام، بينما تعتقلُ بعض الدول العربيّة عدداً من قادةِ حماس والجهاد الإسلاميّ، وبعضها تصنّفهما منظّمتين إرهابيتين، ولو استطاعت هذه الأنظمة العميلةِ منعَ الماء والهواء عنهما؛ لفعلت!

فأنا في مسألة الأرض المقدّسةِ مع جميعِ مَن يمدّها بالمال والسلاح، كائناً من كان!

أمّا في المواقف الأخرى التي تخرجُ عن الدين قِيدَ أنملة؛ فأنا لستُ مع أحدٍ، فستُ مع النظامِ الإيرانيّ، ولستُ مع فصائلِه الرافضيّة في سوريّا والعراق، ولستُ مع حزب الله البنانيّ، ولست مع النظام السوريّ بالتأكيد!

بيد أنني كنتُ وما زلتُ أرفض رفضاً قاطعاً؛ أن أنضمَّ إلى أيّ حزبٍ أو حركة تعادي سوريا، مستعينةً بأيّ نظام آخر، حتى لو كان مثلَ نظام الخلافةِ الراشدة!

والله تعالى أعلم

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى اللهُ على سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كل حال.

الأربعاء، 4 مايو 2022

      مِنْ عِبَرِ التاريخِ (10):

أصحابُ عَقَبةِ تَبوكَ مِن الصَحابةِ!؟

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

المسلمونَ في مسألةُ الصحابةِ؛ مُتناقضونَ تناقضاً قبيحاً، وأعدل المذاهب في هذه المسألة؛ هو مذهب الزيديّة!

بينما أهل السنّة والشيعةِ على طَرَفَي نقيضٍ من الغلوِّ القبيح!

فبينما يجعلُ أهلُ السنّةِ جميعَ مَن رأى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم عدلاً جليلاً مَقبولَ الرواية، بمن في ذلك الطلقاء والمنافقون والأعراب والمجاهيلُ؛ تجد الشيعةَ الإماميّةَ ساخطين على جميعِ الصحابةِ، إلّا ثُلّةً لا تتجاوزُ (30) صحابيّاً، موالينَ للإمامِ عليّ عليه السلام!

وأهلُ السنّةِ والشيعةُ  الإماميّة معاً؛ يعتمدون على رواياتٍ آحاديّةٍ، بعضها صحيح السندِ، لكنّه من الأفراد المطلقةِ التي لا يثبتُ بها - عندي - حلالٌ ولا حرامٌ، فضلاً عن إثباتِ إيمانٍ وكفرٍ ونفاق، والمسائلُ العقديّةُ تحتاجُ إلى اليقينِ!

ومسألةُ «مُحاوَلةِ قتلِ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم» عَقِبَ عَودَتِه من غزوة تبوك؛ هي إحدى المسائلِ الشائكةِ، التي تَنسِبُ إلى أكابرِ الصحابةِ عند أهل السنّة هذه المحاولةَ الإجراميّة، وتَصِمُهم بالردّةِ والنفاقِ!

وقد سألني عددٌ من الإخوةِ عن هذه المسألةِ - منذ سنواتٍ وإلى هذه السنةِ- وأنا أتجاهَل الجوابَ عنها، وأكتفي بقولي: لا يثبتُ أنّ هؤلاء الصحابةَ الكبارَ رضي الله عنهم؛ همّوا بمثل هذه الكارثةِ الإيمانيّة.

إلى أنْ كانتْ ليلةُ أمس، إذ ظهرَ أمامي مقطعُ فيديو، تحت عنوان «الصحابةُ الذين أرادوا قتل الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم» لرجلٍ رافضيٍّ.

استمعتُ هذا المقطعِ إلى نهايتِه، فوجدتُه مَقطعاً جيّدَ العرضِ والتناول، قويّاً، يُمكن أن يقتنع به جميع المستمعينَ إليه، سوى نقّادِ الحديث!

فرأيتُ من الضروريّ مناقشةَ ما جاء في هذا المقطع، وبيانَ وجه الحقّ في هذه المسألة الوبيئة!

بإسنادي إلى الإمام مسلم في مسنده الصحيح، كتابِ صفاتِ المنافقين (2799) قال رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْكُوفِيُّ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ «عامرُ بنُ واثلةَ الليثيّ الصحابيّ (ت: 110 هـ)» قَالَ:

كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَةِ «يعني ممّن شهدَ غزوةَ تبوك» وَبَيْنَ حُذَيْفَةَ «بن اليمان» بَعْضُ مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ «من اختلافٍ وخصومةٍ» فَقَالَ «حُذيفةُ لمن شهدها»: أَنْشُدُكَ باللهِ، كَمْ كَانَ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ «يعني الذين همُّوا بقتل الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم» فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ «الحاضرون من الصحابةِ»:أَخْبِرْهُ إِذْ سَأَلَكَ!؟

قَالَ «ذاك الرجل»:كُنَّا نُخْبَرُ أَنَّهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ!

«قال حذيفةُ»: فَإِنْ كُنْتَ مِنْهُمْ، فَقَدْ كَانَ الْقَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ!!

وَأَشْهَدُ باللهِ أَنَّ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْهُمْ حَرْبٌ للهِ وَلِرَسُولِهِ، فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ، وَعَذَرَ ثَلَاثَةً قَالُوا: مَا سَمِعْنَا مُنَادِيَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَلِمْنَا بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ!

وَقَدْ كَانَ صلّى الله عليه وآله وسلّم فِي حَرَّةٍ «أرضٍ صخريّة فيها حجارةٌ سوداء!».

فَمَشَى، فَقَالَ: (إِنَّ الْمَاءَ قَلِيلٌ، فَلَا يَسْبِقْنِي إِلَيْهِ أَحَدٌ)!

فَوَجَدَ قَوْماً قَدْ سَبَقُوهُ، فَلَعَنَهُمْ يَوْمَئِذٍ»!

هذا نصُّ رواية الإمام مسلمٍ، وما بين « » توضيحٌ مني لأنّ في سياقِ الروايةِ بعضَ الغموض، وقد حذف مُسلمٌ اسمَ الصحابيّ الذي كان يحاور حذيفة، كعادة كثير من المحدّثين، وللأسف، وهذا الصحابيّ هو أبو موسى الأشعريّ، كما في مصنّف ابن أبي شيبة (37104) (7: 445)!

وأخرج مسلمٌ في صفات المنافقين (2977 مكرّر) من حديث قيسِ بن عبّاد الضُبَعيِّ قال: قُلْتُ لِعَمَّارِ «بنِ ياسرٍ»: أَرَأَيْتُمْ صَنِيعَكُمْ هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ فِي أَمْرِ عَلِيٍّ «عليه السلام» أَرَأْيًا رَأَيْتُمُوهُ، أَوْ شَيْئاً عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

فَقَالَ «عمّار»: مَا عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئاً لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً!

وَلَكِنْ حُذَيْفَةُ «بنُ اليمان»أَخْبَرَنِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فِي أَصْحَابِي اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقاً، فِيهِمْ ثَمَانِيَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ، ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ، تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ).

قال أسودُ بن عامر: «وَأَرْبَعَةٌ: لَمْ أَحْفَظْ مَا قَالَ شُعْبَةُ فِيهِمْ»!  

وجاء تفسير الدُبَيلَةِ في رواية أخرى للحديث ذاته (2977) عند مسلم، وفيه: (ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ: سِرَاجٌ مِنْ النَّارِ، يَظْهَرُ فِي أَكْتَافِهِمْ حَتَّى يَنْجُمَ مِنْ صُدُورِهِمْ) وأخرجه أحمد في أوّل مسند الكوفيين (18885) وفي باقي مسند الأنصار (23319) بنحوه.

لكنّ من المناسب أن أسوق الحديثَ من مسند الإمام أحمد (23792) فهو ههنا أتمّ، وتتوضّح منه قصّةُ عقبة تبوك!

قال أحمد: حَدَّثَنَا يَزِيدُ «بن هارون»: أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ - يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُمَيْعٍ - عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ «عامر بن واثلة» قَالَ: لَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَ مُنَادِياً، فَنَادَى: إِنَّ رَسُولَ اللهِ أَخَذَ الْعَقَبَةَ، فَلَا يَأْخُذْهَا أَحَدٌ!

فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُودُ بِهِ حُذَيْفَةُ، وَيَسُوقُ بِهِ عَمَّارٌ؛ إِذْ أَقْبَلَ رَهْطٌ مُتَلَثِّمُونَ عَلَى الرَّوَاحِلِ، غَشَوْا عَمَّارًا، وَهُوَ يَسُوقُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْبَلَ عَمَّارٌ يَضْرِبُ وُجُوهَ الرَّوَاحِلِ!

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُذَيْفَةَ: (قُدْ، قُدْ) حَتَّى هَبَطَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يعني: من العقبة».

فَلَمَّا هَبَطَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ نَزَلَ، وَرَجَعَ عَمَّارٌ.

فَقَالَ: يَا عَمَّارُ، هَلْ عَرَفْتَ الْقَوْمَ؟ فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ عَامَّةَ الرَّوَاحِلِ، وَالْقَوْمُ مُتَلَثِّمُونَ قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا أَرَادُوا؟ قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ!

قَالَ: أَرَادُوا أَنْ يَنْفِرُوا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَطْرَحُوهُ «عن العقبة!».

قَالَ «أبو الطفيل»: فَسَأَلَ عَمَّارٌ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «انتبه إلى قصّ الإمام أحمد اسمَ الصحابيّ أبي موسى!» فَقَالَ: نَشَدْتُكَ بِاللهِ، كَمْ تَعْلَمُ كَانَ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ فَقَالَ: أَرْبَعَةَ عَشَرَ!

فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ فِيهِمْ، فَقَدْ كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ، فَعَذَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةً قَالُوا: وَاللهِ مَا سَمِعْنَا مُنَادِيَ رَسُولِ اللهِ، وَمَا عَلِمْنَا مَا أَرَادَ الْقَوْمُ!

فَقَالَ عَمَّارٌ: أَشْهَدُ أَنَّ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْبَاقِينَ حَرْبٌ للهِ وَلِرَسُولِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ.

قَالَ الْوَلِيدُ: وَذَكَرَ أَبُو الطُّفَيْلِ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ لَهُ: أَنَّ فِي الْمَاءِ قِلَّةً، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا فَنَادَى: (أَنْ لَا يَرِدَ الْمَاءَ أَحَدٌ قَبْلَ رَسُولِ اللهِ).

فَوَرَدَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ رَهْطًا قَدْ وَرَدُوهُ قَبْلَهُ، فَلَعَنَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ»!

وأخرجه أبو بكرٍ البزّارُ في مسنده (2800) [7: 227] وقال:

«هَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَهَذَا الْوَجْهُ أَحْسَنُهَا اتِّصَالًا، وَأَصْلَحُهَا إِسْنَاداً، إِلَّا أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ، قَدْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ هَذَا؛ فَمَعْرُوفٌ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَتْ فِيهِ شِيعِيَّةٌ شَدِيدَةٌ، وَقَدِ احْتَمَلَ أَهْلُ الْعِلْمِ حَدِيثَهُ، وَحَدَّثُوا عَنْهُ ».

وأعاده في الموضع نفسه (2803) مختصراً، وقال: «قَالَ أَحْمَدُ «البزّار» بَقِيَ فِيهِ كَلَامٌ تَرَكْتُهُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ، إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ».

والكلام الذي تركه فيما يظهر؛ هو ما أورده ابن حزمٍ في المحلّى (12: 160) بقوله:

«وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ؛ فَسَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ، وَهُوَ هَالِكٌ، وَلَا نَرَاهُ يَعْلَمُ مَنْ وَضَعَ الْحَدِيثَ!

فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى أَخْبَارًا فِيهَا أَنَّ «أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؛ أَرَادُوا قَتْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَإِلْقَاءَهُ مِنْ الْعَقَبَةِ فِي تَبُوكَ»!

وَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ الْمَوْضُوعُ، الَّذِي يَطْعَنُ اللَّهُ تَعَالَى وَاضِعَهُ، فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وكلامُ ابن حزمٍ في الوليد غير مقبولٍ أبداً، إنّما الرجل في حيّز أن لا تقبَل مفاريدُه، ويرفضُ من حديثه ما يؤيّد بدعتَه.

قال الفقير عداب:

نحنُ لا نأمَنُ الفتنةَ والانقلابَ على أحدٍ غير رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، لكنّ الله تبارك وتعالى أخبرنا في القرآن الكريم أنّه رضي عن قومٍ من أصحابِ الرسول، فقال تعالى:

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) [التوبة].

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) [الفتح].

ولا يخالفُ أحدٌ في أنّ أبا بكر وعثمان، رضي الله عنهما من السابقين، ولا يماري أحدٌ منهم في أنهم ثلاثتهم ممّن بايعَ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم تحتَ الشجرة! 

فهل سخط الله تعالى عليهم، بعدما رضي، وهل كان غيرَ عالم بردّتهم ونفاقهم، ثمّ ظهر له وبدا؟!

نعوذ بالله من الهوى!

إنّ حديثَ حذيفةَ الوارد في صحيح مسلمٍ ومسندِ أحمدَ ومصنّفاتٍ كثيرةٍ أخرى؛ مداره على الوليد بن عبدالله بن جُميعٍ.

قال العقيليّ في الضعفاء (4: 317): «الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِاللهِ بْنِ جُمَيْعٍ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ اضْطِرَابٌ.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَ يَحْيَى «القطّان» لَا يُحَدِّثُنَا عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ، فَلَمّا كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِقَلِيلٍ، أَخَذْتُ «أحاديثَه» مِنْ عَلِيٍّ الصَّائِغِ , فَحَدَّثَنِي بِهَا , وَكَانَتْ سِتَّةَ أَحَادِيثٍ»

وترجمه ابن حبّان في الثقات (5: 492) قائلاً:

الْوَلِيد بن عبد الله بن جَمِيع الزُّهْرِيّ، يروي عَن أبي الطُّفَيْل، روى عَنهُ وَكِيع وَابْنه ثَابت بن الْوَلِيد، ولم يزدْ.

لكنّه ترجمه في المجروحين (3: 78) وقال: «كَانَ مِمَّن ينْفَرد عَن الْأَثْبَات بِمَا لَا يشبه حَدِيث الثِّقَات، فَلَمَّا فحش ذَلِك مِنْهُ؛ بَطل الِاحْتِجَاج بِهِ.

أَخْبَرَنَا الْهَمدَانِي قَالَ حَدثنَا عَمْرو بن عَلِيٍّ: قَالَ كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ «القطّان» لَا يُحَدِّثُ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ.

وترجمه ابن عديّ في ضعفائه (8: 355) وختم ترجمته بقوله:

«للوليد بن جُمَيعٍ أحاديثُ، وروى عَن أبي سَلَمَة، عن جَابِر.

ومنهم من قَالَ: عَنْهُ، عَن أَبِي سَلَمَةَ، عَن أبي سَعِيد الخدري، حديثَ الجساسة بطوله، ولاَ يرويه غير الْوَلِيد بْن جميع هذا».

كلام ابن عديّ:« لاَ يرويه غير الْوَلِيد بْن جميع هذا» يعني أنّه لا يُقبَل منه ما ينفرد به!

ولخّص ابنُ كثيرٍ أقوال العلماء فيه، في كتابه التَكميل (2: 99) فقال:

«قال ابن معين والعجلي: ثقة.

وقال أحمدُ ابنُ حنبلٍ وأبو داود وأبو زرعة: لا بأس به.

وقال أبو حاتم: صالح الحديث.

وقال الحاكمُ صاحب المستدرك: لو لم يَذكره مُسلمٌ في صحيحه؛ كان أولى».

بينما أخرج له في المستدرك (730) وقال: « «قَدِ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِالْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ وَهَذِهِ سُنَّةٌ غَرِيبَةٌ لَا أَعْرِفُ فِي الْبَابِ حَدِيثًا مُسْنَدًا غَيْرَ هَذَا».

يريد أن يقول: هذا الحديث من مفاريد ابن جُميع!

وأخرج له حديثين (3389، 8685) وقال: صحيح الإسنادِ ولم يخرجاه!

وساق ابن كثيرٍ أيضاً كلام الفلّاسِ وابن حبّان.

خلاصة الكلام في الوليد بن جُميعٍ: أنّ العقيليَّ وابنَ حبّان وابن عديّ ترجموه في الضعفاء.

وهؤلاء ثلاثتهم لا يضعّفون الراوي بتشيّعه، إنّما يضعّفون الراويَ إذا كان ضعيفَ الحفظِ، أو روى ما يؤيّد بدعته.

وبدعةُ هذا الراوي ظاهرةٌ في حديثِه، وهي بغضُ أبي بكرٍ وعمر وعثمان، رضي الله عنهم، وعدّهم من المنافقين!

فتضعيفهم إيّاه؛ يعني أنّه لا يُقبَل منه ما ينفردُ به من الرواياتِ، وقصّة العقبةِ هذه منها.

وقد ثبتَ عن الإمام محمّد عليّ المعروف بابن الحنفيّة عليهما السلامُ أنّه قال:

قُلْتُ لِأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ، بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

قَالَ علي عليه السلامُ: أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ، وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ: عُثْمَانُ فَقُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: «مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» أخرجه البخاري في المناقب (3671) وأبو داود في السنّة (4629).

ومهما حاولنا حملَ الحديثِ على هضمِ الإمامِ عليّ عليه السلامُ نفسَه؛ فلا يجوز بحالٍ من الأحوالِ أنْ يُظَنّ بالإمامُ أنّه يخدع أمّة الإسلام، فيقول عن صحابيين: إنهما خير هذه الأمة، وهما من المنافقين!

وأخرج البخاريّ في المناقب (3685) ومسلم في فضائل الصحابة (2389) منْ حديث عبدالله ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ، فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ، قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي، فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ!

فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ، وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَداً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ!

وَايْمُ اللهِ: إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ!

وَحَسِبْتُ أنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ).

وهذان حديثان صحيحان، لا يوازن بهما حديثُ ابن جُميعٍ ولا أمثالُه.

وقد يقال: نستثني من حديثِ ابن جميعٍ ما جاء عن عليٍّ في حقّ أبي بكرٍ وعمر، ومن تبقّى؛ فهم منافقون!

ونقول: هذا كلام باطلٌ، فما جاء بإسنادٍ واحدٍ، إمّا أن يقبلَ كلّه، أو يرفضَ كلّه، ما دام فرداً مطلقاً!

ورميُ هؤلاء الصحابة الكرام بالنفاق؛ لا يُعرفَ إلّا من طريق الوليد بن جميعٍ هذا!

على أنّ المنافقين يبغضون عليّ بن أبي طالبٍ، وسعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه، كان يثني على الإمام عليّ، وروى من فضائله!

فقد أخرج البخاريّ في المغازي (4416) ومسلم في فضائل الصحابة (2404) من حديث مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سعدِ بن أبي وقّاص؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا، فَقَالَ عليٌّ: أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؟

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي)؟

نحن يمكنُ أن نعتبَ على هذا الصحابيّ أو ذاك، ونقول: أخطأ هذا الصحابيّ وذاك!

لكنْ لا يجوز لنا بحالٍ من الأحوال أن نتركَ صريحَ القرآن العظيم، والأحاديثَ الصحيحة، الواردة في الثناء على إيمانهم وتقواهم، من أجل روايةٍ منكرةٍ، يرويها شخصٌ فيه طائفيّة شديدةٌ كما يقول أبو بكر البزّار، وهو من المترجمين في كتب الضعفاء الأصيلة الثلاثةِ: ضعفاء العقيلي وابن حبّانَ وابن عديٍّ.

رضي الله عن أبي بكرٍ وعمر وعثمان، وعن بقيّة العشرة، وعن سائر صحابةِ رسول الله تعالى المؤمنين، غير المنافقين والمرتدين والطلقاء الطغاةِ الباغين.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

الثلاثاء، 3 مايو 2022

التَصَوُّفُ العَليمُ (16):

هل التواضُعُ صفةٌ إيمانيّة!؟

بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

كثيرٌ من الإخوةِ يطالبني بالتواضعِ، ويرونني مستكبراً، أو مغروراً، أو معتدّاً بنفسي!

أقول وبالله التوفيق: أنا رجل مسكينٌ ضعيفٌ، من أين يأتيني الغُرورُ، وأنا مدينٌ بعلمي الذي هو رأس مالي كلّه، لأناسٍ ساعدوني في مسيرتي العلميّة إداريّاً ومالياً وأدبياً؟

و(الكبر: بطر الحقّ، وغمط الناس) أخرجه مسلم في الإيمان (91).

وبَطرُ الحقّ: إنكارُه، وغمطُ الناس: احتقارُهم والتَعالي عليهم.

وعائذٌ بالله أن  يكون في صدري شيءٌ من هذا، أو ذاك!

لكنّ ثمّةَ فرقاً كبيراً بين أن تكونَ جاهلاً، وتريد مني أن أقول: إنك عالم.

وبين أن تكون عالماً، وأقول: إنك جاهل!

ويَعلمُ متابعو صفحتي أنني إذا قرأت مقالاً جيّداً؛  أثني على صاحبه وأدعو له، وإذا لزم الأمر؛ شاركتُه، حتى لو كان كاتبه من جيل أحفادي.

- أمّا مسألة التواضع هذه؛ فلم ترد آيةٌ واحدةٌ في القرآن الكريم، فيها لفظة «تواضع» أو مشتقاتها.

قال ابن فارس في مقاييسه (وَضَعَ): الْوَاوُ وَالضَّادُ وَالْعَيْنُ: أَصْلٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى الْخَفْضِ لِلشَّيْءِ وَحَطِّهِ... والْوَضِيعُ: الرَّجُلُ الدَّنِيُّ.

- وأمّا الحديث الذي أخرجه مسلمٌ متأخّراً في بابه، ليبيّن علّته في صفة الجنة (2865) من حديث الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ الْحُسَيْنِ بن واقدٍ، عَنْ مَطَرِ بن طهمان: حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِاللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ قَالَ:

قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَطِيبًا فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ: تَوَاضَعُوا، حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ) فلو صحّ الحديث؛ كان التواضع المقصودُ (لَا يَفْخَرْ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ) وليس إظهارَ المسكنةِ، ووضاعة النفس ودناءتها، كما تعنية كلمة التواضع!

وهذا المتن من أوهام مطرِ بن طهمان وزيادته على هشام الدستوائيّ عن قتادة، وهشامٌ ثقة ثبتٌ، ومطرٌ، قال فيه أبو حاتم وأبو زرعة: صالحٌ، يعني إذا توبع، وقال الحافظ ابن حجر: صدوق كثيرُ الخطأ! 

والزيادةُ في المتون والأسانيدِ، إنما تقبلُ من الثقة الحافظ، وليس من كثير الأوهام والأخطاء!

وجميعُ الأحاديثِ التي وردت فيها كلمة (تواضع) ضعيفةٌ، لا يصح منها شيء!

وحديث (من تواضع لله؛ رفعه الله تعالى) إسناده ضعيف، لكنّ تعاملَ العبدِ مع الله تعالى؛ ليس كتعامل العبدِ مع العبد!

فنحن عبادُ الله تعالى وعبيده، وكلّما خضعنا وتذللنا بين يدي خالقنا ورازقنا؛ كان أتمّ لعبوديتنا.

وجميعُ الأحاديثِ التي وردت فيها كلمة (تواضع) ضعيفةٌ، لا يصح منها شيء!

    - نعم جاء في القرآن الكريم:

(لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) [الحِجْر].

قال الراغب (خفض): الخَفْضُ: الدَعَةُ والسير الليّن، وقوله تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) هو حَثٌّ على لين الجانب، والانقياد لطاعتهما.

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ؛ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) [المائدة].

قال الراغب (ذلّ): الذلّ متى كان من جهة الإنسان نفسه لنفسه - من دون قهر الآخرين - فهو محمود، نحو قوله تعالى (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) وتأتي الذِلّة بمعنى اليُسر والسهولة.

أقول: هذا قيدٌ مشروط بــ «مَن» يرتدُّ، والمؤمنون ما زالوا يملأون الوجود!

ومهما يكن تأويلُ الآية؛ فإنّ الذلّة على المؤمنين؛ ليست هي الضَعَةَ والمسكنةَ، وإظهار التماوُتِ حقّاً أو تصنّعاً؛ بدليل قوله تعالى في الباب نفسه (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) [آل عمران].

فلم يكن الصحابةُ رضي الله عنهم بيومِ بَدرٍ ولا بغير بدرٍ، يوصفون بالضَعةِ ولا المسكنةِ!

قال الإمام الطبري في تفسيره (7: 169): (وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ): يعني: قليلون، في غير مَنَعَةٍ من الناس».

فثقافةُ التواضع التي عمّت المجتمعَ الإسلاميَّ كلّه - وللأسف - والتي صارت علماً على الأخلاق الحميدة؛ لم تُبْنَ على آيةٍ قرآنيّة، ولا على حديثٍ صحيح!

وليس هذا فحسب، بل يُعابُ على المسلم إذا كان عزيزَ النفس، يرفض إهانتَها وضعفَها أمامَ أيِّ أحد!

إذا قلتُ: شيخي فلان عالم بالفقه الشافعيّ، لكنّه لا يعرفُ في علم الأصول شيئاً؛ فهذا لا يعني أنني أمدح نفسي بأنني أعلم منه في الأصول!

إذا قلت: ليس في مشايخي السوريين واحدٌ يحسن علم نقدِ الحديث؛ فهذا لا يعني أنني أمدحُ نفسي بأنني أعلم منهم في علم نقد الحديث، كما فهم بعض الناس، إنّما يعني أنهم كذلك!

وأنا لست في حاجةٍ إلى مثل هذا اللفّ والدوران، بل أقول بكلّ وضوح وصراحة: أنا الفقير أعلم من جميع شيوخي المحدّثين في نقد الحديثِ، في سوريا وفي العالم كلّه!

تحدّثاً بنعمة الله تعالى، وليس غروراً ولا كبراً ولا غمطاً للناس الذين علّموني، جزاهم الله خيرَ الجزاء!

والذي يماري في ذلك؛ فليذكر لي اسمَ عالم واحدٍ في سوريا والعراق والحجاز ومصر، أحسنَ في نقد عشرةِ أحاديثَ، من مثل ما نقدتُ به مئاتِ الأحاديثِ، في صحيحي البخاري ومسلمٍ!

وليذكر لي اسم عالمٍ واحدٍ من شيوخي، كتب أكثر من عشرة آلاف صفحة في علومِ الحديث، في سوريا والعراق والعالم!

وإلى المشايخ السوريين الوعّاظِ خاصّةً أقول: أنتم أجهل خلق الله تعالى في علوم الحديثِ، وتمييز الصحيح من الضعيف!

ولهذا فإنّ ثقافة السوريين الإسلاميّة مبنتاةٌ في أكثرها على الأحاديث الضعيفة والمنكرة!

وحتى أولئك الوعّاظ «الدعاة» الذين يَظهرون منكم على شاشات التلفاز، يحفظون من الأحاديث الضعيفةِ والمنكرة وحكايات القُصّاص؛ أكثر ممّا يحفظون من الأحاديث الصحيحة بكثير

فأنتم تسهمون بزيادةِ تشويه ثقافة الأمة، بدعوى فارغة سخيفة:

(الأخذ بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال) جاهلين أو متجاهلين أنّ العاميّ الذي يسمع منكم حديثَكم الباطلَ يظنّ أنه صحيح النسبةِ إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

بل أنتم أنفسُكم في حقيقةِ الأمر لا تحسنون التمييز بين الغثّ والسمين، والصحيح والضعيفِ أصلاً!

والقلّة القليلة من طبقة زملائنا وتلامذتنا؛ نشاطُهم في تصويب ثقافة الأمّة على وسائل التواصل الاجتماعيّ؛ معدومٌ، أو محدودٌ جدّاً.

وسيحاسبكم الله تعالى على الاستمرار في تشويه ثقافة الأمة!

ختاماً: من آداب أهلِ الإسلام، بعضهم مع بعضٍ: اللطفُ والرحمةُ ولين الجانب.

وليس الخضوعَ والخنوعَ، والتماوتَ والمسكنة والمجاراةِ على الباطل، أو المجاملات التي تملأ دنيا المسلمين!

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.


الاثنين، 2 مايو 2022

   مَسائِلُ عَقَدِيّةٌ (10):

مَقولَةُ «لو اعتقدتَ بوثنٍ؛ نفعك»!

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

كتبَ إليّ أحدُ الإخوةِ يقول: «ما صحّةُ هذه المَقولةِ: (لو اعتقدتَ بوثنٍ - أو بصنمٍ؛ لنفعك) وإذا كان جوابُك ببطلانها، فما تفسيرك لعبادةِ أقوامٍ للحجارةـ وأقوامٍ لبعض مظاهر الطبيعة، وأقوام للبقرةِ، وأقوامٍ لأشياءَ أقلَّ قدراً مما ذكرتُ، وشكراً»!؟

أقول وبالله التوفيق:

سيكون جوابي على هذه الرسالة؛ بنقاطٍ محدّدةٍ، غير مطوّلة؛ لأنني متعبٌ، وجواب مثلِ هذه الرسالةِ لا يؤخّر!

أوّلاً: يقول الله تبارك وتعالى:

(أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) [البلد].

(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) [الإنسان].

هاتان الآيتان تدلّان على أنّ الإنسانَ قابلٌ للهدايةِ وقابل للضلالِ!

(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) [فصّلت].

ثانياً: يقول الله تبارك وتعالى:

(حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) [الأعراف].

(وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) [الأحزاب].

هاتان الآيتان تؤكّدان أنّ هناك أئمّة مُضِلُّون، وأتباعٌ مُضَلَّلون!

ثالثاً: يقول الله تبارك وتعالى:

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170) [البقرة].

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104) [المائدة].

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) [لقمان].

(وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55) [الكهف].

هذه الآياتُ وسبعُ آياتٍ نحوُها؛ تؤكّد أنّ أكثرَ ضلالِ الناسِ، بسبب متابعتهم آباءَهم ومحيطَهم، من دون نظرٍ ولا تدبّر.

رابعاً: يقول الله تبارك وتعالى:

(قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) [الشعراء].

(أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) [الأعراف].

(إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) [الأعراف].

هذه الآياتُ الكريمة تدلُّ على أنّ كلَّ ما يُعبَد من دون الله تعالى؛ لا يملك النفعَ لنفسِه أو دفعَ الضرِّ عنها، فضلاً عن أن ينفع غيرَه أو يضرّه!

وهذا يعني أنّك لو اعتقدت بوثن أو صنمٍ؛ لا ينفعك؛ لأنّ فاقدَ الشيء؛ لا يعطيه!

والوَثَنُ: واحدُ الأوثان، وهو ما صُنع من الحجارة!

والصنَم: واحدُ الأصنام، وهو المعبودُ المصنوع من الفضة أو النحاس أو الخشب، أو أيّ معدنٍ آخر!

لكن!؟

الذين وجدوا آباءَهم وأقوامَهم على اعتقادٍ ما، أو كوّنوا لأنفسهم عقيدةً ما؛ قد يشعرون بطمأنينةٍ وسكينةٍ ذاتيّةٍ آنية، عندما يمارسون طقوسهم وشعائرهم، بسببِ الاعتيادِ، وبسبب الإيهامِ والإيحاء النفسيّ.

بيد أنّ هذه الطمأنينةَ ليس باعثَها ذاك الوثنُ الذي اعتقد به ذلك الإنسان الضالّ، إنّما باعثُها النفسُ ذاتها!

والنفعُ الدنيويُّ المؤقّت؛ ليس هو المهمَّ في حقيقةِ الأمرِ، إنما المهمّ هو النجاةُ يومَ الحساب!

(يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) [غافر].

(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13) [الروم].

(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا: مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) [يونس].

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

 اجتماعيّات (57):

في ذِكْرَى مَولِدِ الكَسْنَزان!؟

رضي الله عنه.                    

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد النور المبين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الأكرمين.

سيّدي الجليلُ محمّدُ المحمّدِ الكسنزانِ الحسينيِّ:

السلامُ عليك يوم وُلدتَ عندَ فجر الجمعةِ الرابعَ عشرَ من صفر الخيرِ، من شهور سنةَ ألفٍ وثلاثِ مائةٍ وسبعةٍ وخمسين، من الهجرة النبويّة، الموافق للخامسَ عشرَ من شهر نيسان، من شهور سنةِ ألفٍ وتسعِ مائةٍ وثمانٍ وثلاثين للميلاد.

والسلامُ عليك يوم نشأتَ في كَنفِ العلم والفضل والتقوى، في رحاب الوليّ الصالح الشيخ السيّدِ عبدِالكريم الكسنزانِ الحسينيِّ، رحمه الله تعالى.

والسلامُ عليك يوم انتقلتَ إلى رحابِ الله تعالى وجنّاته، في الرابع من يوليو «تمّوزَ» من شهورِ سنةِ ألفينِ وعشرينَ للميلادِ.

وهذا أملنا ورجاؤنا من الرحمن الرحيم.

والسلامُ عليك يوم نلقاك على حوض جدّك المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم، يومَ يجتمع به أحبابُه، وتذادُ عنه راياتُ المنافقين.

تحيّتي إلى روحِك الطاهرة الحاضرةِ معنا على الدوام، بحولٍ من الله تعالى، ورحمةٍ وبركاتٍ.

1) الأصلُ هاشمُ، والحقيقةُ أحمدُ

نورُ القُداةِ، مُعظّمٌ ومُسدّدُ

2) أعطاه ربُّ العالمين رسالةً

ختَمتْ نُبوّاتِ السماءِ، وتُرشِدُ

3) فيها حلالُ الله قبل حرامِه

فيها المكارمُ والهدى والسُؤْدَدُ

4) فيها المَعاجزُ لا تزالُ نديّةً

تُجلَى على أيدي التقاةِ، فتُسْعِدُ

5) تَهدي إلى اللهِ العظيم، وتصطفي

زُمَراً من الفُرسانِ، لا تتردّدُ

6) فُرسانَِ آلِ البيتِ، ساداتِ الورى

عِلماً وتَقوى، والملائكُ تَشهدُ

7) أخلاقُهم من نورِ أحمدَ وُرّثتُ

ومَكارمُ الكرّارِ فيهم تُحْمَدُ

8) سيماهُم الكَرمُ  التليدُ وطارفٌ

وحَياؤهم يُضفي الجلالَ، يُمَجّدُ

9) تَهواهُم مَذ تَلتقيهم غَدوةً

وتَروحُ في كَنَفِ العشيّ، فتنشِدُ

10) اللهُ كوّنَهم بأجملِ صُورةٍ

وحَباهُم الإحسانَ أنّى يُورَدُ

11) وسقاهُم الصبرَ الجميلَ بأكْؤسٍ

مُزجَتْ بحبّ الناسِ، لا تَتَبَغْدَدُ

12) إنْ قلتُ: أَهواهم؛ فإنّي منهم!

أو قلتُ: أُفديهم؛ فذلك أَرشدُ

13) شُمٌّ، كِرامٌ، طاهرونَ، أعزّةٌ

شُجعانُ، فرسانٌ، إليهِم أَحْفِدُ

14) في كلِّ جيلٍ منهم آسادُهم

مِلءُ الدنى، وَهُمُ المَلاذُ الأجوَدُ

15) أدركتُ منهم في زماني ثُلّةً

فَوقَ الثُريّا، لا تَطالُهمُ يدُ   

16) منهم، ومنهم مُرشدون وقادةٌ

والمُرشدُ الأسْمى، العَميدُ مُحمّدُ

17) الكُسنزانُ بجمعهم وجموعهم

في شخصه الأسنى، تَكادُ تَجسّدُ

18) إنْ قلتَ: أينَ الكَسنزانُ؟ فإنّه

رَهْطٌ يَقومُ بأمّةٍ، لا يَقعُدُ

19) أعطاه ربُّ العالمينَ وضاءَةً

ظَلّتْ تَغَلْغَلُ في القُلوب، وتُحْمَدُ

20) تَعْلُوه هيبةُ صالحٍ مُتجرِّدٍ

وَوَقارُ صنديدٍ،  وَمِقوَلُ مُرشدُ

21) كُلُّ المكارِم في «المُحَمّدِ» أُتْرِعَتْ

ورُواؤها الكرمُ العزيزُ المُسْعِدُ

22) كَرَمٌ يُحارُ المرءُ في توصيفِهِ

عَذْبٌ، فراتٌ، زاخرٌ، مُتفرّدُ

23) لا والذي خلقَ الخلائقَ كلّها

ما فوقَه في الجودِ، إلّا الأحمَدُ

24) الله جلّ جلالُه ونوالُه 

سوّاهُ من كَرَمٍ، وها هو يَحمَدُ

25) لو زُرتَه في مولدِ الهادي؛ ترى

وَجهاً تَلألأَ غِبطَةً، يَتورّدُ

26) فَرِحاً بمولدِ جدّه، وحِبائِه

جَذلانَ مِن مِنَحِ الجَليلِ، يُردِّدُ

27) «الَحمدُ للهِ الذي مِن فَضْله

قُمنا ببعضِ حقوقه، نَتَوَدّدُ

28) الفضلُ للهِ الكريمِ أقامَنا

بمَقامِ خِدْمةِ دينِه،  ونُسَدَّدُ»

29) تَلقى الحشودَ بِرَبْعِهِ مَزْهُوّةً

بنعيمِ رَوضَتِه، تُسَرُّ وتُرْفَدُ

30) حَيّاه ربُّ العالمينَ بفَوْزِه

وحَباهُ في العقبى، ونعم المَورِدُ

31) إنّي لأحسبَ أنّ ربّيَ - نعمةً -

آواه قُربَ الآلِ، لا يَترصّدُ

32) ما بين فاطمةَ الطهورِ وحَيدرٍ

في روضةِ الحسنين، ليس يُبَعّدُ

33) وخديجةٌ تزهو بأكرمِ مَن مشى

بَعدَ الرسولِ، وفَيضُه لا يَنفَدُ  

 34) يا ربِّ عندك أحمدٌ ومحمّدٌ

فاجعله يا ربّاه قُربَك يَسْعَدُ

35) وامنُن عليهِ بِالمقامِ المجتَبى

واجعَلْ بذكراه الرضا يَتعوّدُ

36) وأدمْ علينا يا كَريمُ وَلاءَنا

لنبيّك المختارِ، لا يَتبدّدُ

37) ولآلِه الأخيارِ، طولَ حياتِنا

ولشيخِنا الأغلى، الوفاءُ الأمجدُ     

39) وامنحْ بنيه الغُرَّ، نبراسَ الهدى

ومَواردَ التقوى، وأنْ لا يُحسَدوا

40) واجعل صلاتي في الخِتامِ تحيّةً

للرسلِ والآل الكرام، وأُحْمَدُ

والحمد لله ربّ العالمين