الثلاثاء، 1 فبراير 2022

 مَسائِلُ مِنْ عُلومِ القرآنِ والتَفسيرِ (9):

 أثرُ العَددِ (19) على يقينِ أهل الكتاب!؟ 

بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

تواصل معي أحد الإخوةِ، يسألني عن قول الله تبارك وتعالى:

(سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً، وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا؛ لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا، وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ!

وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ: مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا؟

كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ، وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31) [المدّثر].

قال: لم أفهم والله!

- عدّةُ أصحابِ النار، التِسعةَ عَشَرَ؛ فتنةٌ للذين كفروا، لماذا تكون لهم فتنة، وكيف؟

وكيف يستقين الذين أوتوا الكتاب، ولا يرتابون، إذا علموا أنّ عدّةَ أصحاب النار تسعة عشر؟

وكيف يزداد الذين آمنوا إيماناً، عند تلاوتهم هذه الآية الكريمة؟

هذه الآياتِ كلّها مفهومة واضحة، إلا هذه الآية الواحدة، فما في التفاسير التي اطّلعتُ عليها شيءٌ مُقنع!

أقول وبالله التوفيق:

قال الطبري في تفسيره (23: 438): وَقَوْلُهُ تعالى: (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) [المدثر: 31].

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لِيَسْتَيْقِنَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ حَقِيقَةَ مَا فِي كُتُبِهِمْ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ عِدَّةِ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ، إِذْ وَافَقَ ذَلِكَ مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي كِتَابِهِ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وروى الطبريُّ عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: «إِنَّهَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ تِسْعَةَ عَشَرَ، فَأَرَادَ اللهُ أَنْ يَسْتَيْقِنَ أَهْلُ الْكِتَابِ».

ونحوه قال الزمخشري في تفسيره (4: 652) بينما قال الإمام الرازي في تفسيره (30: 709) ما نصّه:

في قوله تعالى: (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ مَاذَا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: هَذَا الْعَدَدُ إِنَّمَا صَارَ سَبَباً لِفِتْنَةِ الْكُفَّارِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْكُفَّارَ يَسْتَهْزِئُونَ، يَقُولُونَ: لِمَ لَمْ يَكُونُوا عِشْرِينَ، وَمَا الْمُقْتَضَى لِتَخْصِيصِ هَذَا الْعَدَدِ بِالْوُجُودِ؟

الثَّانِي: أَنَّ الْكُفَّارَ يَقُولُونَ هَذَا الْعَدَدُ الْقَلِيلُ، كَيْفَ يَكُونُونَ وَافِينَ بِتَعْذِيبِ أَكْثَرِ خَلْقِ الْعَالَمِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، مِنْ أَوَّلِ مَا خَلَقَ اللهُ، إِلَى قِيَامِ الْقِيَامَةِ؟

ثمّ قال (30: 710):

«السُّؤَالُ الثَّانِي: مَا وَجْهُ تَأْثِيرِ إِنْزَالِ هَذَا الْمُتَشَابِهِ، فِي اسْتِيقَانِ أَهْلِ الْكِتَابِ؟

الْجَوَابُ: مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ، لَمَّا كَانَ مَوْجُودًا فِي كِتَابِهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخْبَرَ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ دِرَاسَةٍ وَتَعَلُّمٍ؛ ظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا حَصَلَ له صلّى الله عليه وسلّم بِسَبَبِ الْوَحْيِ مِنَ السَّمَاءِ.

فَالَّذِينَ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَزْدَادُونَ بِهِ إِيمَانًا.

وَثَانِيهَا: أَنَّ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ كَانَا مُحَرَّفَيْنِ، فَأَهْلُ الْكِتَابِ كَانُوا يَقْرَءُونَ فِيهِمَا أَنَّ عَدَدَ الزَّبَانِيَةِ؛ هُوَ هَذَا الْقَدْرُ، وَلَكِنَّهُمْ مَا كَانُوا يُعَوِّلُونَ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ التَّعْوِيلِ؛ لِعِلْمِهِمْ بِتَطَرُّقِ التَّحْرِيفِ إِلَى هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ.

فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَوِيَ إِيمَانُهُمْ بِذَلِكَ، وَاسْتَيْقَنُوا أَنَّ ذَلِكَ الْعَدَدَ؛ هُوَ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ...» إلخ كلامه.

أقول: هؤلاء الأئمة وغيرهم زعموا أنّ عدة أصحاب النار الـ (19) مذكورة في التوراة والإنجيل، وليس هذا صحيحاً أبداً، فليس في التوراة ذِكرٌ لكلمة جهنّم، وليس فيها ذِكرٌ لملائكةٍ موكّلين بالنار!

وليس في التوراة ذكر للعدد تسعة عشر، إلّا مرّة واحدة (وَفُقِدَ مِنْ عَبِيدِ دَاوُدَ تِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً وَعَسَائِيلُ).

أمّا في الإنجيل؛ فقد وَرَدَ ذكر جهنّم عدّة مرّاتٍ، غير أنّ الرقم تسعة عشرَ لم يرد مطلقاً.

وقد ورد عن ملائكة العذاب، في إنجيل متّى، الإصحاح الثالثَ عشرَ، الآية (50) النصُّ التالي: (هكذا يكون انقضاء العالم، يخرج الملائكةُ، ويَفرِزون الأشرارَ من بين الأبرار، ويطرحونهم في أتون النار، هنالك يكون البكاء وصرير الأسنان).

والحقّ - كما ذكر الأخُ السائلُ - ليس في كلام المفسّرين الذين قرأت تفسيراتهم شيء يريح القلبَ، ويوضح المقصود من هذه الآية الكريمة!

ثمّ رأيتُ أن أذهبَ إلى المهتمّين بالتفسير العدديّ للقرآن العظيم، من المعاصرين، إذ ليس فهم القرآن العظيم حِكراً على الأقدمين؛ فوجدت الدكتور عبدالدائم الكحيل يقول ما مختصره: «إنّ هدفَ العدد (19) في سورة المدّثر؛ أن يستيقن الذين أوتوا الكتابَ بصدق الرسالة المحمّدية، فما علاقة استيقانهم بالعدد (19)؟  

قال: المنظومة الرقميّة الموجهة إلى أهل الكتاب؛ مدارها على الرقم (19).

وسورة المدّثر من أوائل السور التي نزلت على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم، والرقم (19) هو أوّل رقم ينزل في القرآن الكريم.

فإذا علم أهلُ الكتاب حقيقةَ هذه المنظومةِ الرقمية؛ سيستيقنون ولا يرتابون.

أمّا الكفرون والملاحدة؛ فلا فائدة من ذكر هذه الأرقام لهم، أو لدى الأكثرين منهم (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا؛ لَأَسْمَعَهُمْ، وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ؛ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُون) الأنفال].

وقد خصّ الله تبارك وتعالى السيّدة مريم، بهذه المنظومة الرقميّة الموجّهة إلى أهل الكتاب، من جهاتٍ شتّى:

الأولى: أنّ رقم سورة مريم (19) ومريم مقدسة لدى أهل الكتاب، وقصتها محبّبة إلى نفوسهم.

الثانية: إنّ قصّة مريم في داخل سورة مريم تبدأ بقوله تعالى:

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16).

وتنتهي بقوله تعالى:

(ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34).

وعدد آياتِ هذه القصّة، من أوّلها إلى آخرها (19) آية تامّة.

الثالثة: أنّ عدد المرّات التي ذكرت فيها مريم بمفردها، في القرآن، من دون عيسى عليهما السلام (11) مرّة.

ومن بداية قصّة مريم (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ) إلى نهاية القرآن العظيم (3971) آيةً!

لو قمنا بتحليل هذا الرقم إلى جذوره؛ لوجدناه = (19 × 19 × 11).

والعدد الأوّل (19): موجّه إلى أهل الكتابِ، في سورة المدّثر.

والعدد الثاني (19): يشير إلى رقم سورة مريم في القرآن الكريم.

والعدد الثالث (11): يشير إلى عددِ المرّات التي ذكرت فيها مريم وحدها، من دون ذكر ابنها المسيح معها، وإليك هذه الآيات الكريمات:

1(فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى، وَ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) [آل عمران].

2(كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) [آل عمران].

3(وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) آل عمران.

4(يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) [آل عمران].

5(وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) [آل عمران].

6(إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ (45) [آل عمران].

7(وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) [النساء].

8(إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ.

فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ (171) [النساء] والمقصود كلمة مريم الثانية المفردة.

9(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) [سورة مريم].

10(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) [مريم].

11(وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12) [التحريم].

قال الفقير عداب: هذا والله هو التفسير، الذي يقبله العقل، وهو الذي يمكن أن يحاجَّ به المسلم أهل الكتاب النصارى.

إذ لا يَعقل العقلُ البشريُّ أن الإنسان العربيَّ في ذلك الزمان، يمكنه أن يرتّب هذا الترتيب الدقيق، فيجعل الرقم (19) سبيلاً إلى يقين أهل الكتاب بصدق القرآن، ويرتّب سورة مريم برقم (19) ويذكر اسم مريم مجرّداً (11) مرّةً، ويجعل من بداية قصة مريم إلى نهاية القرآن العظيم عدداً جذره (19 × 19 × 11).

هذا محالٌ، إن لم يكن الرحمن الرحيم؛ هو الذي رتّب هذا الترتيبَ المعجز، بكلّ ما تعنيه هذه الكلمة من معنى!

والله تعالى أعلم

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

         مِنْ عِبَرِ التاريخِ (9):

بين الشيخين جودةَ سعيدٍ ومروانِ حديدٍ، رضي الله عنهما.

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

قرأتُ لأحدِ الإخوةِ الأحباب كلاماً قاسياً، تجاه مَن رثى الشيخَ «جودة سعيد» أوتوجّع على فراقِه، رحمه الله تعالى، وأنا واحدٌ منهم، بدعوى أنّ أولئك الباكين عليه، ممّن يخالفونه في الرأي، وممّن حمل السلاح مناهضاً للسلطة الحاكمة!

فكتبتُ إليه ما خلاصته: إنّ هذا لا يليق، فالخلاف بين أئّمة الإسلام قديماً وحديثاً؛ لا يجعلهم يحقدون على بعض، ولا يشمتون بوفاة أحدهم إذا مات.

وأقول وبالله التوفيق:

أوّل مرّة أسمعُ باسم «جودة سعيد» كانت عام (1964م) عَقِبَ خروج شيخنا الشهيد مروان حديد، من السجن.

حدّثنا عن رجلٍ عابدٍ، تقيّ، صابرٍ، مفكّر، اسمه «جودة سعيد» قال: وهو على نقيض منهجنا في التغيير، فهو لا يرى الخروجَ على الحاكم، حتى لو كان كافراً، إنما يكون التغيير بالصراع الفكريّ!

كنتُ صغيرَ السنّ، وكان في المجلس مَن هو أسنّ مني بكثير، فانتقص أحدُ الحاضرين من فكرة الشيخ «جودة سعيد» هذه، فغضب الشهيد مروان وقال له ما معناه: لا يا أخي لا أسمح لك أن تتكلّم بهذه اللغة، فهذا رجلٌ ربّاني، أحسبه من أولياءِ الله تعالى، وهو خير منّي وأتقى!

فانتظرت حتى انفضّ أكثرُ الجمعِ، واستأذنت بسؤال، فأذن لي الشهيد!

قلت له: كيف يكون هذا الرجل من أولياء الله تعالى، ويكون رجلاً ربّانياً، وهو يُعطّل حكماً شرعيّاً متفقاً عليه عند العلماء!؟

قال بهدوءٍ شديد ما معناه: من أين فهمتَ أنّه يعطّل حكماً شرعيّاً هو الجهاد؟

الجهادُ المعروف عند علماء الإسلام؛ هو جهادُ الكافرين، وهو نوعان:

جهاد دفع الصائل: وهو حين يغزونا أعداء الإسلام.

وجهاد الدعوة: وهو مصاحبٌ لدعوة المرشدين إلى الإسلام، ويسمّونه جهادَ الطلب، فهل الذي أنكره الشيخ «جودة» واحدٌ من هذين الجهادين؟

نحن والشيخ جودة متّفقون على أنّ السلطة الحاكمة غير شرعيّة، لكنْ اسمعني:

هل كان معاوية بن أبي سفيان حاكماً شرعيّاً؟

هل كان يزيد بن معاوية الفاجر الملعون حاكماً شرعياً؟

هل كان حكام بني أمية وبني العباس حكاماً شرعيين؟

كلّا لم يكن واحدٌ من هؤلاء حاكماً شرعيّاً، ومع هذا أجمع علماء المذاهب الأربعة على عدم جوازِ الخروج بالسيف على واحدٍ منهم، أمّا لماذا؟

فقد قالوا: حفاظاً على وحدة المسلمين، وحَقنا لدمائهم؛ لأنّ الحاكم الذي استولى على الحكم بالقوّة، وأراق الدماء حتى وصل إلى مبتغاه؛ فهو لن يتنازل عن السلطة، إلّا بالقوة، وهذا سبيل إراقةِ مزيدٍ من دماء المسلمين المعصومة!

والشيخ جودة يرى أبعدَ من ذلك، فهو يرى أنّ الحاكمَ الكافرَ المتغلّبَ؛ سيكون أقسى على المسلمين، وأكثرَ هدراً لدمائهم؛ لأنه لا يقيم وزناً لأحكام الله تعالى، ومثل هذا؛ لا سبيلَ إلى تخفيف ظلمه بالمواجهة المسلحة، وإنما بالإقناع الفكريّ، حتى لو قتلك، أو سجنك، أو طردك من البلاد، أو صادر مالك.

وعلماء أهل السنة كلهم يقولون بمثل قوله تقريباً، فلم التطاول عليه وحده، أم لأنك تجهلون ما قال علماء المسلمين أصلاً؟!

قلت له: إذنْ!

فقال: لم أنتهِ من كلامي، عفواً!

ستقولون: كيف تقول أنت يا مروان حديد: يجب الثورة على الحاكم الظالم، ومقاومته، ولو بالسيف، إذا لم ينزجر بالنصح والكلام؟

وأقول لكم: هذا رأيُ بعضِ علماء الإسلام، ومنهم ابن حزم الظاهريّ، فهو يقول ما معناه: إذا ضربَ السلطانُ الشرعيُّ مسلماً سوطاً ظلماً، ورفض أن يُقتصّ منه لذلك المسلم؛ وجب الخروج عليه وإقالتُه بالقوّة، إن لم يمكن بالنصح والحوار.

وهذا الذي تقتضيه أدلّه القرآن والسنّة، وهذا الذي أراه رأياً، ولا ألزم به أحداً!

ثمّ راح يسرد الآيات القرآنية العديدة، من مثل قوله تعالى:

(فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ اللهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84) [النساء].

ومن مثل قول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم:

(كَلَّا وَاللهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيْ الظَّالِمِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْراً، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْراً).

أخرجه الأئمة أحمدُ وابن ماجه وأبو داود، والترمذيّ (3047) وقال: حسن غريب!

تابع الشهيد مروان كلامه رحمه الله تعالى قائلاً: فيجب علينا أن يعذر بعضنا بعضاً عند اختلاف الاجتهاد؛ لأنّه لا سبيل إلى وجود عقلين متطابقين!

ثمّ ظلّ الشهيد مروان، يذكر الشيخ جودة بالخير، ويتزاوران قليلاً قليلاً، كلما سنحت لهما الفرصة طيلةَ أيام حياته!

وآخر زيارةٍ علمتُ عنها، كانت في عام (1974م) طلب الشيخ جودةُ زيارة الشيخِ مروان، وهو مختفٍ عن الأنظار، فأذن له، فزاره الشيخُ جودة في مخبئه، ودار بينهما حديث طويلٌ، لا أعرف عنه شيئاً.

وحين زاره بعضُ إخوانه عقب خروج الشيخ جودة من عنده؛ قال له مروان: كان في زيارتي قبل قليلٍ الشيخ جودةُ سعيدٍ، جزاه الله خيراً!

فالشيخ جودة سعيد موضع سرّ الشهيد مروان، وموضع ثقته، ولولا ذلك ما أذن له بزيارته، وهو مطلوبٌ للسلطة حيّاً أو ميتاً!

والشيخ جودة سعيد ثقة أمين مأمون - مع اختلاف الاجتهاد - وإلّا لبلّغ عن منزلِ الشهيد مروانَ السلطة، لتقوم باعتقاله.

أقول: جميع الحمويين يعلمون أنني بين أقرب المقرّبين من الشهيد مروان حديد!

بل قال لي الشهيد مروان حديد مواجهة: ليس عندي في مدينة حماة عشرةُ أشخاصٍ أعتمدُ عليهم، وأنت واحدٌ من هؤلاء العشرة!

وحدثني أحد الإخوة - ولا يحبّ ذكر اسمه - قال: حدثني الشهيد مروان قال:

«الشيخ عداب أحدُ خمسة شبابٍ، أعتمد عليهم في مدينة حماة.

الشيخ عداب يعدل خمسةً من شجعان الرجال»!

رحم الله تعالى شيخينا:

المفكر العاقل الشيخ جودة سعيد.

والشهيد المؤمن الحرّ مروان حديد.

هكذا تكون المحبّة والثقة، على الرغم من اختلاف الاجتهادات.

ختاماً:

مع ما تقدّم كلّه أقول: أنا اليومَ - وقد جاوزت الرابعةَ والسبعين من عمري- أقول: إنّ التغيير بالقوّة المسلّحة في أيّ بلدٍ عربيٍّ أو مسلمٍ؛ غلطٌ قاتلٌ، وإنّ أقصى ما أفتي به اليوم؛ هو العصيان المدنيّ، مهما قَتَل الحاكم، ومهما سجن، ومهما عاقب وعذّب!

لأنّ العصيان المدنيّ لن يقود حاكماً ليقتل (500000) مسلم، أو يسجن (100000) مسلم، أو يهجّر خمسة ملايين مسلمٍ من ديارهم، والنتيجة ماذا؟

خرابُ الديارِ، وزيادة عدد الثكالى والأيامى والأيتام والجهّال.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

مَسائِلُ مِنْ عُلومِ القرآنِ والتَفسيرِ (8):

القُرآنُ الكريمُ الذي نُؤمِنُ بِهِ!؟

بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

سأني عددٌ من الإخوةِ القرّاء الغيورين: «كيف ترفضُ تكفير الشيعة الإماميّة، وهم يقولون بتحريفِ القرآن الكريم؟

وما هو القرآن العظيمُ الذي تؤمن به أنتَ، وينجيك وينجينا اعتقادُه عند الله تبارك وتعالى»؟

أقول وبالله التوفيقُ:

القرآن الذي أعتقده، وأدين الله تعالى به: «هو كلامُ الله تعالى الذي نزلَ به جبريلُ على قلب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، بلفظه ومعناه، المُتَعَبّدُ بتلاوته، المُعجِزُ بأقصر سورة منه، المجموعُ بين دفتي المصحف، مرتّباً من أوّل سورة الفاتحة، إلى آخر سورة الناس، من دون زيادةِ آيةٍ واحدةٍ، أو نُقصانِ آية، بإجماع أصحاب الرسول رضي الله عنهم».

وكلّ حديثٍ آحاديٍّ ينسب زيادةَ أونقصانَ آيةٍ إلى كتاب الله تعالى؛ فهو حديثٌ باطلٌ، حتى لو كان في الصحيحين.

والمصحف الذي جمعه أصحاب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في عهد أبي بكر، والذي صنعوه في عهد عثمان؛ هو كلماتُ القرآن الكريم، التي أوحى بها الله إلى رسوله، بمعزلٍ عن قراءاتِه المتعدّدة، التي يُشير إليها حديثُ الأحرف السبعة.

أمّا حكمُ القَوْلِ بتحريف القرآن الكريم؛ فيوجِبُ علينا أنّ نحدّد معنى التحريفِ، بعد أن علمنا معنى القرآن الكريم.

- التَحريفُ في لغة العرب: قال ابن فارس في مقاييسه (2: 42):

(حَرَفَ): الْحَاءُ الرَّاءُ وَالْفَاءُ؛ ثَلَاثَةُ أُصُولٍ: حَدُّ الشَّيْءِ، وَالْعُدُولُ، وَتَقْدِيرُ الشَّيْءِ.

فَأَمَّا الْحَدُّ: فَحَرْفُ كُلِّ شَيْءٍ؛ حَدُّهُ، كَالسَّيْفِ وَغَيْرُهُ.

وَمِنْهُ الْحَرْفُ، وَهُوَ الْوَجْهُ، تَقُولُ: هُوَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، أَيْ طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ) [الحج: 11] أَيْ: عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ.

وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ يَجِبُ عَلَيْهِ طَاعَةُ رَبِّهِ تَعَالَى عِنْدَ السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَإِذَا أَطَاعَهُ عِنْدَ السَّرَّاءِ، وَعَصَاهُ عِنْدَ الضَّرَّاءِ؛ فَقَدْ عَبَدَهُ عَلَى حَرْفٍ، أَلَا تَرَاهُ قَالَ تَعَالَى: (فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ؛ اطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ؛ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ) [الحج: 11] .

وَالْأَصْلُ الثَّانِي: الِانْحِرَافُ عَنِ الشَّيْءِ، يُقَالُ: انْحَرَفَ عَنْهُ، يَنْحَرِفُ انْحِرَافًا.

وَحَرَفْتُهُ أَنَا عَنْهُ: أَيْ عَدَلْتُ بِهِ عَنْهُ، وَذَلِكَ كَتَحْرِيفِ الْكَلَامِ، وَهُوَ عَدْلُهُ عَنْ جِهَتِهِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) [النساء: 46] .

وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ: الْمِحْرَافُ، حَدِيدَةٌ يُقَدَّرُ بِهَا الْجِرَاحَاتُ عِنْدَ الْعِلَاجِ.. إلخ»

قال عداب: فعلى المعنيين الأوّل والثاني المتّصلين بمسألتنا؛ لا مكان للزيادةِ والنُقصان إنما التحريفُ فيهما بمعنى تأويلِ وتفسير الآيةِ، وَفقَ وُجهةٍ مقصودةٍ لدى المُفسّر.

فأنتَ عندما تتّهم الشيعةَ الإماميّةَ أو غيرهم بتحريف القرآن العظيم؛ يجب أن يكونَ قَصدُك تأويلَهم القرآن الكريم، أو بعضَ آياتِه على نحوٍ غير مَرضيٍّ لك.

مِنْ مثل تأويلِهم قولَ الله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) بأنّ المقصودَ بهذا الشطر من الآيةِ؛ أهلُ الكساءِ خاصّةً، دون أزواج رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، متجاهلين سباق الآية وسياقها تماماً.

(يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ، فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ، فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ، وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ، وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى، وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ، وَآتِينَ الزَّكَاةَ، وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ؛ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ؛ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) [الأحزاب]

هذا النوعُ من التحريفِ، الذي هو التفسيرُ والتأويلُ غيرُ المَرضيّ؛ موجودٌ لدى أهل السنّة والشيعة الإماميّة والإسماعيليّة وغيرهم، أثراً من آثار استخدامِ الروايات الحديثيّة الآحادية الصحيحةِ والحسنة والضعيفةِ في التفسير.

أمّا مسألة الزيادةَ والنقصان في آيات القرآن الكريم؛ فيجب التريّث في الجواب!

مثال موضح: آية (بسم الله الرحمن الرحيم) هل هي آية من سورة النمل فحسب؟

(إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30).

أم هي أية من سورة النمل، وآية من سورة الفاتحة، دون غيرها من السور، أم هي آية من أوّل كلّ سورةٍ، كما ذهب إليه الإمامُ الشافعيُّ والشيعة الإماميّة والشيعة الزيديّة والإباضيّة؟

قال الإمام النووي الشافعيُّ في المجموع (3: 334) ما نصّه:

«اعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْبَسْمَلَةِ عَظِيمَةٌ مُهِمَّةٌ، يَنْبَنِي عَلَيْهَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ الْأَرْكَانِ بَعْدَ التَّوْحِيدِ، وَلِهَذَا الْمَحَلِّ الْأَعْلَى الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ وَصْفِهَا؛ اعْتَنَى الْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ بِشَأْنِهَا وَأَكْثَرُوا التَّصَانِيفَ فِيهَا مُفْرَدَةً.

وَقَدْ جَمَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ الدِّمَشْقِيُّ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ الْمَشْهُورِ، وَحَوَى فِيهِ مُعْظَمَ الْمُصَنَّفَاتِ فِي ذَلِكَ مُجَلَّداً كَبِيراً.

وَأَنَا إنْ شَاءَ اللهُ تَعالَى أَذْكُرُ هُنَا جَمِيعَ مَقَاصِدِهِ مُخْتَصَرَةً وَأَضُمُّ إلَيْهَا تَتِمَّاتٍ لابد مِنْهَا فَأَقُولُ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا - الشافعيّة - أَنَّ الْبَسْمَلَةَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَلِكَ هِيَ آيَةٌ كَامِلَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ غَيْرَ بَرَاءَةَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِنَا.

وَبِهَذَا قَالَ خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ من السلف، قال الحافظ أبو عمرو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ المالكيُّ:

هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمَكْحُولٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَطَائِفَةٍ.

قَالَ: وَوَافَقَ الشَّافِعِيَّ فِي كونها من الفاتحة أحمدُ وإسحقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَمَكَّةَ وأكثر أهل العراق.

وحكاه الخطابيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ الْخِلَافِيَّاتُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَالزُّهْرِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.

وَفِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ لَهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.

وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد الظاهريّ: لَيْسَتْ الْبَسْمَلَةُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ كُلِّها؛ قُرْآناً، لَا فِي الْفَاتِحَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا!

وَقَالَ أَحْمَدُ: هِيَ آيَةٌ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ، وَلَيْسَتْ بِقُرْآنٍ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ.

وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَيْضاً.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ: هِيَ آيَةٌ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ، غَيْرَ الْأَنْفَالِ وَبَرَاءَةَ، وَلَيْسَتْ آيةً مِنْ السُّوَرِ، بَلْ هِيَ قرآن كسورة قَصِيرَةٍ!

وقال محمد بن الْحَسَنِ - تلميذ أبي جنيفةَ -: مَا بَيْنَ دَفَّتَيْ الْمُصْحَفِ قُرْآنٌ.

قال النوويّ: «وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ مَنْ أَثْبَتَهَا وَلَا مَنْ نَفَاهَا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَفَى حَرْفًا مُجْمَعاً عَلَيْهِ، أَوْ أَثْبَتَ مَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ؛ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِالْإِجْمَاعِ» انتهى المقصود من كلامه هنا، ومراجعته بتمامه مفيدة جدّاً.

وقد طوّل الباقلانيُّ المالكيّ في «نكت الانتصار لنقل القرآن» بالردّ على مَن يقول: إنّ (بسم الله الرحمن الرحيم) آيةٌ من الفاتحة، فضلاً عن أن تكون آية في صدر كلّ سورةٍ سوى براءة، وجزم بأنها آية من سورة النمل فحسب، ثمّ قال (1: 264) ما نصّه:

«فإن قيل: فإذا قُلتم: (إن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ليست آيةً من (الحُمْدُ للهِ ربِّ العالَمينَ) ولا مِن جُمَل سُورٍ هيَ في افتتاحها، فهل تكفّرون مَن قال إنّها من الحمد، وأنّه بمثابةِ من قال إنَّ «قِفا نَبْكِ» من (الحُمْدُ للهِ ربِّ العالَمينَ) أم لا؟» قيل له: لا!

وإنما يلزمُ هذا الكلامُ مَن قال من أصحابنا: لو كانت من (الحُمْدُ للهِ ربِّ العالَمينَ) ومن كل سورةٍ؛ لوجبَ إكفارُ من أنكر كونَها من (الحُمْدُ للهِ ربِّ العالَمين) فيُقال له: ولو لم تكن من (الحَمْدُ) لوجب إكفارُ من قال إنّها من (الحَمْدُ)!

وليست هذه عندَنا طريقةً صحيحةً ولا مَرضِيةً في النظرَ، ولا واجبةً في حكم الدّين، بل الواجبُ أن نقول: إن مُعتقِدَ كونها من (الحَمْدُ) ومن كل سورة، أو آيةً منزَلةً مُفردةً فاصلةً بين السُوَرِ؛ مخطىءٌ ذاهبٌ عن الحق، لأجل عُدُوله عمّا وجبَ عليه من العلم بأن الرسولَ صلّى الله عليه وسلّمَ، لو كان قد نصّ على ذلك من حكمها؛ لوجبَ تواترُ نقلِه وظهورِه وانتشارِه، ولَزِمَ في القلوبِ العلمُ بصحّتِه، وأنّ ذلك عادةُ الرسول في بيانِ جميعِ ما أنزل عليه من القرآن.

فلما عَدَل عن ذلك، وعَمِلَ على ظاهرِ افتتاحِ الرسولِ بها، وأَمْرِه بكتبها للفصل بين السّور، وجهرِه بها تارةً، فظَنّ بهذا أنَّها من جملة القرآن؛ كان بذلك غالطاً وعادلاً عن بعضِ ما لزمه ووجبَ عليه في العلمِ ببيانِ الرسولِ بمثل القرآنِ وعادتهِ فيه، وكان بذلك متأوّلاً ضَرباً من التأويلِ، لا يُصيِّرُهُ بمنزلةِ من ألحقَ بالقرآنِ ما قد عُلِمَ ضرورةً من دين الرسول، وباتفاقِ أمّته أنّه ليس من القرآن».

فهذا علَمان مختلفان في المذهب:

أحدهما يقول: البسملة آية من أوّل سورة الفاتحة، وآية من أوّل كلّ سورة سوى براءة.

والثاني يقول: البسملةُ ليست آيةً من أوّل سورة الفاتحة، وليست آية من أوّل كلّ سورة، إنما هي بعضُ آيةٍ من سورة النمل.

ولم يكفّرْ المثبتُ النافيَ، ولم يكفّر النافي المثبتَ، فلماذا لا تثور ثائرتكم تجاه هذا النقصِ الاجتهاديّ من أبي حنيفة ومالكٍ وغيرهما من أهل السنة؟

عند أهل السنة، وعند الشيعة الإماميّة رواياتٌ كثيرةٌ تقول بنقصان القرآن الكريم، وهي كلّها رواياتٌ غرائب، لا تعكّر على تواتر القرآن العظيم، وإجماع الصحابة عليه.

وحتى يسهل التصوّر على عامّة أهل السنّة؛ أسوق لهم بعض الروايات من كتبهم المعتمدة!

أخرج الإمام مسلم في صحيحه (1050) من حديث أَبِي الْأَسْوَدِ الديلي - ظالم بن عمرو - قَالَ: بَعَثَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ - أمير البصرة - إِلَى قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ مِائَةِ رَجُلٍ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ، فَقَالَ: أَنْتُمْ خِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقُرَّاؤُهُمْ، فَاتْلُوهُ.

وَلَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمْ الْأَمَدُ، فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ، كَمَا قَسَتْ قُلُوبُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ!

وَإِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً، كُنَّا نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ، فَأُنْسِيتُهَا غَيْرَ أَنِّي قَدْ حَفِظْتُ مِنْها: (لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ؛ لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ)

وَكُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً، كُنَّا نُشَبِّهُهَا بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ، فَأُنْسِيتُهَا، غَيْرَ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْهَا:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ؟ فَتُكْتَبُ شَهَادَةً فِي أَعْنَاقِكُمْ، فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

هذا فهم أبي موسى، وذوقه في عدم تمييزه بين كلام الله تعالى، وما يُظنّ أنّه من كلام الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، أو من حديث نفسه!

فهذا الكلامُ؛ لم يثبت أنّه من القرآن العظيم؛ لأنّه ليس بين دفتي المصحف من جهة!

ولأنْ ليس له بلاغة القرآن العظيم وفصاحته، من جهة ثانية.

ولا يثبت أنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم قاله؛ لأنّ أبا موسى نسبه إلى الله تعالى وليس إلى الرسول.

وأخرج الإمام أحمد في مسنده (20261) من حديث عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بنِ حُبَيشٍ قَالَ: قَالَ لِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: كَأَيِّنْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْأَحْزَابِ. أَوْ كَأَيِّنْ تَعُدُّها؟

قَالَ: قُلْتُ لَهُ: ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ آيَةً!

فَقَالَ أُبَيٌّ: قَطُّ! لَقَدْ رَأَيْتُها، وَإِنَّهَا لَتُعَادِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَلَقَدْ قَرَأْنَا فِيها: (الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا؛ فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ، نَكَالاً مِنْ اللهِ وَ اللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

فهذا ليس من القرآن الكريم، ولا من الحديث الشريفِ، إنما هو توهّم ممن قاله.

وأخرج الإمام البخاريّ (4976، 4977) والإمام أحمد (20244) واللفظ له، من حديثِ عاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: قُلْتُ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ لَا يَكْتُبُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي مُصْحَفِهِ؟

فَقَالَ أُبيٌّ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهُ: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) فَقُلْتُهَا، فَقَالَ: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) فَقُلْتُهَا!

فَنَحْنُ نَقُولُ مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وإنما اخترت لفظ الإمام أحمد؛ لأنّ لفظَ حديث البخاريّ لُغزٌ، لا يَفهم منه قارئه شيئاً، بل يزيده ارتباكاً وحيرة!

وهذا لفظه في الموضعين: زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنْ الْمُعَوِّذَتَيْنِ؟

فَقَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (قِيلَ لِي، فَقُلْتُ)!

فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال ابن تيمية عدوّ الشيعةِ الأكبر في مجموع الفتاوى (12: 492):

«كَانَ الْقَاضِي شريحٌ، يُنْكِرُ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ: (بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ (12) [الصّافات] وَيَقُولُ: إنَّ اللَّهَ لَا يَعْجَبُ!

فَبَلَغَ ذَلِكَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ، فَقَالَ: إنَّمَا شُرَيحٌ شَاعِر، يُعْجِبُهُ عِلْمُهُ. كَانَ عَبْداللَّهِ بن مسعودٍ أُفُقه مِنْهُ، فَكَانَ يَقُولُ: (بَلْ عَجِبْتُ).

فَهَذَا شُريحٌ قَدْ أَنْكَرَ قِرَاءَةً ثَابِتَةً...وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ إمَامٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ!

وَكَذَلِكَ بَعْضُ السَّلَفِ أَنْكَر بَعْضُهُمْ حُرُوفَ الْقُرْآنِ مِثْلَ إنْكَارِ بَعْضِهِمْ قَوْلَهُ: (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) [الرعد: 31] وَقَالَ: إنَّمَا هِيَ: أو لَمْ يَتَبَيَّنْ الَّذِينَ آمَنُوا.

وَإِنْكَارِ الْآخَرِ قِرَاءَةَ قَوْلِهِ: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ) [الإسراء: 23] وَقَالَ: إنَّمَا هِيَ: وَوَصَّى رَبُّك.

وَبَعْضُهُمْ - يعني ابنَ مسعودٍ - كَانَ حَذَفَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَآخَرُ يَكْتُبُ سُورَةَ الْقُنُوتِ. وَهَذَا خَطَأٌ مَعْلُومٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ، وَمَعَ هَذَا، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ قَدْ تَوَاتَرَ النَّقْلُ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ؛ لَمْ يُكَفَّرُوا، وَإِنْ كَانَ يَكْفُرُ بِذَلِكَ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ.

قال عداب: أمامَ هذه الرواياتِ الكثيرة جدّاً، وهي لدى أهل السنةِ أكثرُ منها لدى الشيعة، وأمام أقوال أولئك العلماء المحترمين لدى أهل السنّة؛ فيجب علينا أن لا نُطلق القولَ بتكفير مَن يقول بزيادةٍ في القرآنِ، أو بنقص منه؛ لأنّ وجودَ هذه الرواياتِ عند أهل السنّة وعند الشيعةِ؛ شبهةٌ قويّةٌ توجب علينا عدم التسرّع بالتكفير، وإلّا لزمنا أن نكفّر عمر بن الخطّاب وأبا موسى وغيرهما من القائلين:

إنّ (الشيخ والشيخة) من القرآن، وأن نكفّر عبدالله بن مسعود القائل: إنّ المعوّذتين ليستا من القرآن.

ولا يخفى أنّ أكثر علماء أهل السنة والشيعة جهّال جهلاً مطبقاً بنقد الرواياتِ، ناهيك عن أنّ أكثر علماء أهل السنّة يقولون: «كلّ ما في الصحيحين صحيح» وتلك بليّةٌ من أكبر بلايا التناقض الفكريّ لدى أهل السنّة!

والواجب الشرعيّ عليّ وعلى أمثالي؛ أن يجمعوا جميع الروايات الحديثيّة في كتب أهل السنة وكتب الشيعة الإماميّة، وعرض أسانيدها على ميزان النقد الحديثيّ، ثم عرض متونها على القرآن الكريم، وستجدونها كلها ضعيفة الإسنادِ أو منكرة المتن!

وأنا شخصيّاً أقول: أرى أنّ نسخَ التلاوةِ ونسخ الأحكامِ من التحريف الحقيقيّ، ويقول به أهل السنة وحدهم، بينما لا يقول الشيعة بنسخ التلاوة البغيض مطلقاً، ولا يقولون إلا بنسخ آيةٍ واحدةٍ، أو عدّة آياتٍ من القرآن العظيم.

أمّا أنا الفقير فأقول: لا يوجدُ في القرآن العظيم ولا في السنّة النبويّة الصحيحة ناسخٌ ولا منسوخٌ البتّة!

ومَن أشكل عليه كلامي؛ فليرسل إليّ الآية أو الحديث المشكل لديه، حتى أوضح له أنْ ليس في هذا أو تلك ناسخ ولا منسوخ.

والله تعالى أعلم

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.


الأحد، 30 يناير 2022

قطوف من الآلام (10):

جودةُ سَعيدٍ في ذِمّة الله تعالى!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

بقلوبٍ مُؤمنةٍ صابرةٍ محتسبةٍ؛ تلقّينا نبأ وفاة شيخنا وأستاذنا المفكّر المربّي جودةَ بنِ سعيدِ بن محمّدٍ الشركسيّ، الذي وافته المنيّة صباحَ اليوم الأحد بتاريخ (30) كانون الثاني، من شهور عام (2022م) في مدينة استانبول التركيّة، عن عمرٍ مبارك جاوز تسعين عاماً.

ليس من عادتي في كلمة النعيِ أن أكيلَ الثناءَ على المتوفّى ولا إطراؤه؛ لأنّه في أمسّ الحاجة إلى رحمة الله تعالى وعفوه وغفرانِه، وسبيل هذا في نظري؛ هو الابتهال إلى الله تعالى بالدعاء الصادق؛ أن يرحمه الله تعالى رحمةً واسعةً، وأن يشملَه بعفوه ورضوانه، وأن يُعلي مقامَه لديه.

قد كان شيخنا رحمه الله تعالى، بعيداً عن الأضواء والبروز، فعلى مَن يرغب بالتعرّف عليه؛ أن يرجع إلى كتاب (جودة سعيد بين حديث الأفكار وصمت العلوم) للباحث منير أحمد الزعبي، وأن يطالعَ ترجمته الحديثةَ المنشورةَ على صفحة (ويكيبيديا) فهي ترجمة وجيزة ممتازة.

أمّا أنا: فأسأل الله تعالى لشيخنا أن يجزيه أجر الدعاة المتّقين، وأجر العلماء العاملين، وأجر المجتهدين المحتسبين، وأن يجعله بفضله، وواسعِ رحمته (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً).

وأسأل الله تعالى لأسرته الطيّبةِ، وأولادِه المهذّبين، إخواني: الأستاذ بشر، والأستاذ سعد، والأستاذة كوثر؛ الرضا التامّ عن الله تبارك وتعالى، ووالاحتسابَ والصبر الجميل.

وأسألكم أنتم إخواني القرّاء الأكارم؛ الدعاءَ لشيخنا ووالدنا، بما تجود به أرواحكم الزكيّة من صالح الدعاء، وجميل الثناء.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

الأربعاء، 26 يناير 2022

 قَريباً من السياسة (21):

شِرْذِمَةُ الحوثيّين !؟

بسم اللهِ الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

قال لي: الحوثيّون قومٌ متخلّفون!

وقال لي: الحوثيون جماعة عنصريّون!

وقال لي: الحوثيّون روافض!

وقال أيضاً: الحوثيّون عملاءُ إيران!

قلت له: أنتَ أدرى بالحوثيّين، وأنا أدرى بالأعراب!

هَبْ أنّ الحوثيين كانوا متخلّفين وغجَراً، ولديهم عُقد نقصِ البدائيّ المتخلّف، وأنهم روافضُ، وعملاء إيران وروسيا والصين والموساد والماسونيّة «وماذا بعد؟» وعملاء فرسان المعبد، وفرسان الهيكل!

أليس أعرابُ الخليجِ وغيرهم أذيالاً متعفّنة لأمريكا والغرب ودولة صهيون؟

أنتم لا تتهمون سوى إيرانَ بتزويد الحوثيين بالسلاح، بينما أنتم تقرّون بأنّ أمريكا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، تزوّدكم  بالسلاح، وأنتم تنفقون مليارات الدولارات على التسليح، فهل من فارق موضوعيّ؟!

وأنتم لو أنفقتم على فقراء أهل اليمن ملياراً واحداً، من مليارات السلاح؛ لشكروا لكم!

الحوثيون من الغجر والنَوَر والصلُبَة، وأنتم أبناء الله وأحبّاؤه!

الحوثيون شرذمة قليلون، وأنتم ملايين من البشر!

الحوثيّون نميريّون، وأنتم بنو تميم!

الحوثيون فقراء متخلفون، وأنتم أغنياء مترفون منعمون، تلقون طعامكم المُفتَخر في حاويات القمامة، بطراً أعرابيّاً، بعدَ قِلٍّ وذُلٍّ!

فلماذا تصرخون؟ ولمِ تولولون كالنساء، ولمِ تستغيثون بالغرب والشرق، وبسكان القطب المتجمّد الشمالي والجنوبي؛ لينصروكم على أولئك المتخلّفين!

ألأنّكم حُثالةُ الأعراب!

أم لأنكم حُفالةُ لا يبالي بكم الله تعالى بالة؟!

أم لأنّكم ضعفاء جبناء؟!

ألا يكفي الحوثيين رفعةً وعزّةً وشموخاً واستعلاءً إيمانيّاً أن يقولوا: قرارات مجلس الأمن تحت أقدامنا!

وأن يقولوا: طُزْ بكم وبالأمم المتّحدة، وبمجلس الأمن، وطز بأمريكا وإسرائيل والاتّحاد الأوربيّ!

هكذا يكون الرجال!

هكذا يكون الأبطال!

هكذا يكون الشجعان!

وهكذا هم أهل اليمن، من قحطان وعدنان !

أنا والله لا أعرف الحوثيين، ولا أؤمن بمنهجهم في الوصول إلى السلطة، ولا أرى لدى زعيمِهم وكبيرِهم، كبيرَ علم، ولا هيبةَ الزعماء!

لكنّهم رجالٌ، يفرضون على كلّ ذي عقلٍ أن يحترمهم، ويُشيد بشجاعتهم ورجولتهم وعزّتهم العربيّة النبيلة،  واستعلائهم الإيمانيّ على الكافرين والظالمين والمنافقين!

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى اللهُ على سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كل حال.

الثلاثاء، 25 يناير 2022

       مِنْ عِبَرِ التاريخِ (8):

مَنْ أَحَبُّ قادةِ المُسلمين المعاصرينَ إليكَ؟!

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

كأنّ صاحبَ هذا السؤال «مَنْ أَحَبُّ قادةِ المسلمين المعاصرينَ إليك؟!» أراد إحراجي، لكنّه مسكين، ربما لا يعرف تاريخَ الفقير عداب، الذي لا يُحرجُه، سوى ذنوبه، فيما بينه وبين الله تعالى!

أقول وبالله التوفيق:

يقول شيخنا العلّامة سعيد بن محمد حوّى في كتابه «فصول في الإمرة والأمير» ما معناه:

يجب أن يكون لنا إلى كلّ نظامٍ نظرتان:

الأولى: جانب الالتزام الدينيّ.

والثانية: جانب النجاح الاجتماعيّ.

ويتعيّن علينا عند تقويم الشخصيّات؛ التَخصيصُ دون التعميم، فقد يكون رأس النظام مؤمناً مسلماً، ويكون النظام الذي يقوده علمانياً، وقد يكون الشعبُ غيرَ مُسلمٍ أصلاً، فقد كان النجاشيّ مؤمناً مسلماً، وكان الشعبُ الخاضع لسلطانه على دين النصرانيّة، وهكذا.

إذا وضح هذا؛ فأقول: إنّ أحبّ حكامِ المسلمين إلى قلبي هو: أجمل حاكم مسلمٍ، وأعلم حاكم مسلم، وأشرف حاكم مسلم، وأعلى حاكم مسلم ثقافةً إسلاميّةً، وأكثرهم هيبةً؛ هو رئيس جمهوريّة إيران الإسلاميّة، الدكتور الفقيه القاضي الشريف إبراهيم رئيس الساداتيّ، حفظه الله تعالى، ووفّقه وسدّده إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين.

انظر إلى وجهه الهاشميّ الجميل الشريف!

انظر إلى لحيته الأنيقة اللطيفة!

انظر إلى العمّة السوداء النبويّة، كأنها تاجٌ من هيبةٍ ونور!

انظر إلى جُبّته الشرعيّة، دِثار القضاة والمُفتين والعلماء !

زاده الله تعالى بسطةً في العلم والجسم!

فأنا لا أرى في رؤساء العالم كلّه جميلاً غيرَه أصلاً، فضلاً عن أن يكون ثمّة من هو جميل!

وأنا أسأل الله تعالى أن يقيّض لنا حكّاماً علماء ومثقفين وأشرافاً وجميلين، مِن مثل طلّته الهاشميّة البهية!

وأسأله تبارك اسمه وتقدّست ذاته أن يهديه إلى مثلِ طريقي في الاجتهاد والتجرّد، والابتعاد عن الطائفيّة العَفنة، والمذهبيّة الضيقة، والتعالي عن تسخير الشرفِ والدين، من أجل هذه الدنيا الدنيّة، إنه خير مسؤول وأكرم مأمول.

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

 أحبّك سوريّا !؟

أحبّك سوريا، وقد جئت حانيا

أجاهر بالحبّ التليدِ علانيا

أحبّ الفيافي والقِفارَ وساحلاً

وفي غوطَة الأخيار دمتُ مباهيا

أحبّ الصحارى والبوادي وأنهراً

سَقَتْ أهلَ سوريّا الإباءَ يمانيا

أحبُّ ديار القدس، من قبل غزّةٍ

أحبّ بلاد الأرز مثلَ دياريا

أحبّ عَمونَ، الشامخاتُ جبالُها

وكم كنت أهوى في حَماةَ حُماتِيا

أحبّك سوريّا الشآمِ جميعِه

ولا أرتضي تلك الحدودَ ثوانيا

حدودٌ دعتني أجنبيّاً بأردنٍ

وضيفاً على لبنان لست مُواتيا

ويأبى بنو كنعان أني منهم

بنابُلْسَ، لكني أخوهم ثمانيا

ثماني بطون في فِلَسطينَ وُطّنوا

ومن قَبلُ داري كان كنعانُ ثاويا

أيرضى بنو عمي، وترضى عشيرتي

بهذا الشتاتِ المرّ رَبعاً مساويا؟

حَماةُ الهدى والشامُ مَدْرَجُ نشأتي

وفي حَلَبَ الشَهباءِ  دمْت مؤاخيا

وفي الرقّة الرقراقِ، رقّت مشاعري

فقلت جميل الشعر عذباً فُراتيا

وفي سوح دير الزور أهل وصحبةٌ

وفيها تطامى الجود صيفاً وشاتيا

وفي حمص دار الخيّرين شيوخنا

بها واحدُ الركنين، ركناً يمانيا

دعوني من التسييس، ضاءت وجوهكم

فمِن «ساس» حبّرنا الضياعَ مراثيا

ومن «ساس» لا عزّت، ولا سادَ أهلُها

غَدَونا رِخاصاً، والعُلوجُ غَواليا

بني الشامِ، لا ترضَوا بقهرٍ وذلّة

فأنتم كبار الناسِ قولاً وصاغيا

ولا تؤثروا الدنيا على الدين إنّها

وربِّ الحطيم الغُرّ، باتَتْ زُبانَيا

سلامٌ عليكم بيّض اللهُ نَشْرَكُم

فدوموا كراماً مؤمنين عواليا

والحمد لله على كل حال.

 قطوف من الآلام (10):

رَضْوَى في بَقيعِ الغَرْقَد!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَذْكُرُ كَمَا تَذْكُرُونَ) وأحبُّ كما تحبّون، وأكره كما تكرهون!

وقد زعموا أنّني أنسى كما تَنْسَون، لكنّها رَضْوَى!

رَضوَى التي لا يزيدني عددُ الأعوام  عن بعدها، إلّا قُربا، وعن نسيانها إلّا ذكرى!

قَرنان مَرّا من عُمُر الزمانِ، وما فَرِحَ قلبي، ولا أشرقَ وجهي، ولا تلألأت عيناي!

أتدري ما قَرْنان؟! هل يحتمل الإنسان قرنين مِن قهرِ الزمان؟ هذا ما كنتُ وكان!

رَضْوَى!!؟

قرنانِ قد عَبَرا، وطيفُكِ قَبرُه

كَهْفُ الفُؤادِ، وما جَفوتُ من الإبا

وتَركتِني جَسداً، كئيباً وَهْمُه

لا حامِلاً أملاً، ولا متأهّبا !؟

رَضوَى!

تمر الليالي والشهور، ولوعتي

تزيد مع الذكرى صباحاً ومغرباً

وما غاب طيفٌ من رؤاك هُنيهةً

وكم بت ليلي في هواك مُعذّبا

وقد كنت يا بنت الكرام مصونةً

ولا يبتغي الباغون عندك مَثلبا

نهاري وليلي بالتوجّعِ والأسى

أراقب موتي دون سُهْدي مهربا

فإن كنت يا رضوى بسَرْمَد راحةٍ

كما أرتجي، ما ضرّ كوني مُذنبا

سألتك بالزهراء طُهراً وعِفّةً

تزورينني غِبّاً، فقلبي تَربّبا

رحمَ الله رضوى!

رحم الله أمّ مرادٍ سلوى!

رحم الله أمواتَ المسلمين أجمعين!

رُحماكَ يا أرحم الراحمين.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.