الثلاثاء، 23 مارس 2021

 مسائل حديثيّة (11):

فَضْلُ الاغتسال يوم الجمعة!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

كتب إليّ أحد الإخوة الأفاضل يقول:

«قال صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ: (مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ، وَأَنْصَتَ وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ؛ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا).

معنا أخٌ يقول: هذه مبالغاتٌ لا أصدقها وإن صحّ الحديث، فما قولكم»؟

أقول وبالله التوفيق:

الحديث الذي أوردتموه في فضل اغتسال يوم الجمعةِ؛ أخرجه كثيرٌ من المصنّفين، منهم أحمد في مسند المكثرين من الصحابة (6660) والدارميّ في سننه (1547) وابن ماجه في سننه (1087) وأبو داود في سننه (345) والنسائيّ في المجتبى (1381) وصححه ابن خزيمةَ في صحيحه (1758) وابن حبان في صحيحه (2781) والحاكم في المستدرك (1042) وأخرجه الترمذيّ في جامعه (496) وقال:

قَالَ مَحْمُودُ بن غيلان: قَالَ وَكِيعٌ: .اغْتَسَلَ هُوَ وَغَسَّلَ امْرَأَتَهُ».

وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: (مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ) يَعْنِي: غَسَلَ رَأْسَهُ وَاغْتَسَلَ.

قَالَ الترمذيّ: حَدِيثُ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ؛ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأَبُو الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ راويه عن أوسٍ، اسْمُهُ شَرَاحِيلُ بْنُ آدَةَ، وَأَبُو جَنَابٍ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْقَصَّابُ الْكُوفِيُّ.

وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَسَلْمَانَ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي أَيُّوبَ.

وقد رمز المزيّ في تحفة الأشراف (2: 3) وابن حجر في إتحاف المهرة (1: 835) إلى مظانّ تخريجاتِ أحاديث أوسٍ القليلة، وسيأتي!

قال الفقير عداب:

(1) مدار حديث الباب على أبي الأشعث شراحيل بن آدةَ الصنعانيّ، رواه عنه:

حسّان بن عطيّة، عند أحمد (16962، 16963) وابن ماجه (1087) وأبي داود (345).

راشد بن داود الصنعاني، عند أحمد (16176).

عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، عند أحمد (16172، 16175، 16961) وابن ماجه (1636) والنسائي (1384) والحاكم في المستدرك (1040) .

عثمان بن خالد الشامي، عند أحمد (6954).

يحيى بن الحارث الذِماريّ الشاميّ، عند أحمد (16178) والدارمي (1547) والترمذيّ (496) والنسائيّ (1381، 1398).

ورواه محمد بن سعيد الأسدي الدمشقي المصلوب بالزندقة عن أوس بن أوس به مرفوعاً، عند أحمد (15574) وهذه روايةٌ باطلة لا ترفع المدار.

(2) اختلاف الرواة عن المدار:

الأكثرون من الرواة، روَوا هذا الحديث عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس، عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

لكن رواه الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ الذِّمَارِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ قَالَ: (مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب) الحديث.

أخرجه الدارقطنيّ في العلل (1: 246) وقال:

فَقَالَ: هكذا يَرْوِيهِ الحسن بن ذكوان.

وَخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّامِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ، فَرَوُوهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ.

لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ أَبَا بَكْرٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ».

قال عداب: هو الصواب؛ لأنّ الحسنَ بنَ ذكوان صدوق يخطئ، كما قال ابن حجر في التقريب (1240) وهو هنا خالف جماعةُ من الثقات الذين رووه عن يحيى بن الحارث، وعن حسان بن عطية، وغيرهما ممن ذكرنا في تعيين المدار.

وأشار المزيّ في تحفة الأشراف (2: 3): إلى رواية عبيدالله بن تمّام عن الحسن بن ذكوان، وعدّها من الزوائد.

ورواه عُثْمانُ بن خالدٍ الشَّامِيِّ عن أبي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيَّ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ، عند أحمد.

قال الحاكم في المستدرك (1043): عثمان مجهول، فالحديث ضعيف به.

وقال البيهقي في السنن الكبير (5866، 5932): «هَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعةٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عُثْمَانَ الشَّامِيّ، وَالْوَهْمُ فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ مِنْ عُثْمَانَ الشَّامِيِّ هَذَا».

وأشار المزيّ في تحفته (2: 3) إلى حديث أوس بن أوس عن عبدالله بن عمرو، وقال: «هو» في رواية ابن الأحمر، ولم يذكره أبو القاسم بن عساكر.

كما خالف أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِالْحَمِيدِ الْحَارِثِيُّ في روايته عن  حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ ثلاثةً من الرواة في متن الحديث.

فقد أخرج الحاكم في المستدرك (1040) والبيهقيّ في فضائل الأوقات (269) من حديث أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِالْحَمِيدِ الْحَارِثِيُّ عن حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ: (مَنْ غَسَلَ وَاغْتَسَلَ، وَغَدَا وَابْتَكَرَ، وَدَنَا، وَأَنْصَتَ وَاسْتَمَعَ؛ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ، وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا).

بينما أخرجه ابن خزيمة من حديث مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ كُرَيْبٍ، وَمُحَمَّدِ بْنُ يَحْيَى بْنِ الضُّرَيْسِ وَعَبْدَةَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْخُزَاعِيُّ، ثلاثتهم عن حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ،قال: (مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ، وَغَدَا وَابْتَكَرَ، فَدَنَا وَأَنْصَتَ، وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ، كَأَجْرِ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا).

وهذا يعني أنّ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِالْحَمِيدِ الْحَارِثِيُّ خالفَ في روايته عن  حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ ثلاثةً من الرواة.

والحارثيّ هذا، قال فيه الدارقطنيّ: ثقة، كما في سؤالات الحاكم له (2).

وترجمه الذهبي في النبلاء (12: 508) ووصفه بالمحدث الصدوق!

وسواءٌ كان صدوقاً، أم كان ثقةً، فهو ههنا قد وهم وخالفَ ثلاثةً من أقرانه.

وحديث (زيادة ثلاثة أيام) ليس هو من حديث أوس بن أوس.

إنما هومن حديث أبي هريرة، أخرجه أحمد ومسلم (1419) وابن ماجه وأبو داود والترمذيّ (498) وقال: حديث حسن صحيح!

(3) ترجمة أعمدة الإسناد:

إذ دار الحديث على أبي الأشعث شراحيلَ بن آدةَ الصنعانيّ، عن أوس بن أوسٍ الثقفيّ، فلم يبق لدينا ممن يحتاج إلى ترجمة سواه والصحابيّ أوس بن أوس!

(أ) ترجمة مَدار الحديث شراحيل:

هو شراحيلُ بن آدةَ الصنعانيّ، وقيل: شراحيلُ بن شُرَحْبيلَ بن كُليبٍ، وآدةُ جدّ أبيه.

قال ابن حجر في التقريب (2761): ثقةٌ من الثانية يعني من كبار التابعين شهد فتح دمشق (بخ م 4).

وترجمه ابن حبان في المشاهير (866) وقال: كان متقناً.

وقال ابن عساكر في ترجمته (22: 442): قال أحمد بن صالح أبو الأشعث الصنعانيّ، صنعاء دمشق، شاميٌّ تابِعيٌّ ثقةٌ» ونقل عن ابن سعدٍ أنّ وفاته في زمان معاوية.

وفي تهذيب الكمال (12: 409): قَال أَحْمَد بْن عَبد اللَّهِ العجلي: شامي، تابعي، ثقة.

ونقل مغلطاي في إكماله (6: 227) عن ابن عبد البرّ توثيقه.

وقال محمد بن سعد: توفي في زمان معاوية، يعني قبل (60 هـ).

قال الذهبيّ في النبلاء (5: 209)ُ: تُوُفِّيَ بَعْدَ المائَةِ, وَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ البُخَارِيُّ، وَلاَ لأَبِي سَلاَّمٍ؛ لأَنَّهُمَا لاَ يَكَادَانِ يُصَرِّحَانِ بِاللِّقَاءِ، وَهُوَ لاَ يَقْنَعُ بِالمُعَاصَرَةِ.

وقال في تاريخ الإسلام (2: 942): «أَمَّا ابْنُ سَعْدٍ فَقَالَ: تُوُفِّيَ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ، فَوَهِمَ! لِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ الرحمن بن يزيد بْنِ جَابِرٍ، وَيَحْيَى بْنُ الْحَارِثِ الذِّمَّارِيُّ، وَطَبَقَتُهُمَا.

وأرّخ الذهبيّ وفاته في الكنى من تاريخه (3: 184) بين (101 - 110) بينما أرّخ وفاته في الأسماء (2: 942) بين (81 90 هـ) ورجّح الثاني.

بينما قال في تذهيب تهذيب الكمال (4: 260): وأبو الأشعث تابعي أراه أدرك خلافة الوليد بن عبد الملك، والله أعلم».

والوليد الظالم هذا وَلِيَ الخلافة سنة (86 هـ) وهلك سنة (96 هـ) كما أرّخه السيوطيّ في تاريخ الخلفاء (ص: 168، 169).

وهو موافق لصنيع البخاريّ، فقد ترجمه في تاريخه الأوسط (913) فيمن توفي بين الثمانين والتسعين.

وتعقّب مُغلطايُ الذهبيَّ فقال: «زعم بعض المصنفين من المتأخرين أنه أدرك خلافةَ الوليد بن عبد الملك، وينبغي أن يُتَثَبّتَ في هذا، حتى يُعْلَمَ قائِلُه أوّلاً، والله تعالى أعلم».

فيظهر أنّ مغلطاي لم يتنبّه إلى تأريخ البخاريّ إياه في ذاك الزمان.

قال الفقير عداب:

فأنت ترى أنّ حالَ أبي الأشعثِ تحيطها جهالاتٌ!

فهو لا يُدرى ما إذا كان من صنعاء اليمن، أم من صنعاء دمشق!

وهو لا يُدرى أم العرب هو، أم من أبناء الفرس؟

ولا يدرى أوفاته قبل (60 هـ) أم بين (80 - 90) أم بين (91 - 100) أم بعد المائة؟

ولا يخفى على المبتدئين من طلبة العلم كم يدخُل ويخرج من الرواة عن أبي الأشعثِ نتيجةَ هذا الاختلاف الكبيرِ في تاريخ وفاته!

وسيقال لك: ليس هذا مهمّاً، إنّما المهمّ تصريح الرواة عنه بالسماع منه!

وأقول كما قال ابن حجر في الفتح والتهذيب قد يكون التصريح من بعض الرواة الذين لا يرون فرقاً بين التحديث والعنعنة، فنعود إلى نقطة البداية!؟

(ب) ترجمة الصحابيّ أوس بن أوس الثقفيّ:

قال المزيّ في تهذيب الكمال (3: 387): «أوس بن أوس الثقفي، لَهُ صحبة.

نزل الشام، وسكن دمشق، ومات بها، وداره ومسجده بها فِي درب القلي.

رَوَى عَن: النَّبِيّ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ، فِي فضل يوم الجمعة والاغتسال فيه.

رَوَى عَنه: عُبادةُ بنُ نُسَيٍّ (د) وعبد اللَّه بْن محيريز، وأبو أسماء الرحبي، وأبو الأشعث الصنعاني (4) .

قال عباس الدُّورِيُّ عن يَحْيَى بْن مَعِين: أوس بْن أوس، وأوس بْن أَبي أوس، واحد.

قيل: إن يَحْيَى أخطأ فِي ذَلِكَ؛ لأنّ أوسَ بنَ أَبي أَوْسٍ؛ هُوَ أوسُ بنُ حذيفة، والله أعلم.

روى له الأربعة، هَذَا الْحَدِيث الواحد» انتهى كلام المزيّ بتمامه.

يلاحظُ هنا أنّ المزيّ جعل حديثي الجمعةِ عن أوس بن أوس حديثاً واحداً، بينما جعلهما حديثين في تحفة الأشراف (2: 2) ويحملان الرقمين (1735، 1736).

نقل البغوي في الصحابة (51) عن ابن معين قوله: «أوس بن أوس، وأوس بن أبي أوس واحد»!

وقال فيه (50): حدثنا يزيد بن هارون: أخبرنا شعبةُ عن النعمان بن سالم قال: سمعت عمروَ بن أوس يُحدّث عن أوسِ بن أبي أوس: أنه رأى رسول الله صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ (توضّأ، فاستوكفَ ثلاثاً).

ونسبه ابن قانع في معجم الصحابة (1: 26) فقال: «أَوْسُ بْنُ أَوْسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ قَيْسِيٍّ وَهُوَ ثَقِيفُ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ».

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَلَدِيُّ: نا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ: نا قَيْسٌ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ عَبْدِاللهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: أَقَمْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ نِصْفَ شَهْرٍ (فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي وَعَلَيْهِ نَعْلَانِ مُتَقَابِلَتَانِ).

وقال في (1: 28): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُكْرَمٍ، نا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ: أَنْبَأَ شُعْبَةُ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ يُحَدِّثُ عَنْ جَدِّهِ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَاسْتَوْكَفَهُ ثَلَاثًا» يَعْنِي غَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا.

وأسند حديث الباب فيه (1: 27) ثم قال:

حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَزَّازُ: نا شُجَاعُ بْنُ أَشْرَسَ: نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ بِنَحْوِهِ

فزاد البغويّ في الرواة عن أوسٍ: عَمرو بن أوس، وابن عمرو بن أوس، وعَبْدَالْمَلِكِ بنَ الْمُغِيرَةِ،

ومن المتّفق والمفترق عند أهل الحديث: أوس بن أوس، وأوس بن أبي أوس، وأوس بن حذيفة، جعل البخاريُّ الثلاثةَ وحداً، فقال في تاريخه الكبير (2: 15):

«أَوسُ بنُ حُذَيفة الثَّقَفيّ، والد عَمرو بْن أَوس.

ويُقال: أَوس بْن أَبي أَوس.

ويُقال: أَوس بْن أَوس، لهُ صُحبةٌ.

وروى الدوري عن ابن معين قوله: أَوْس بن أَوْس وَأَوْس بن أَبي أَوْس وَاحِدٌ» تاريخ الدوري (158).

وقال في موضع آخر منه (5334): «قلت ليحيى بن معِين: أَوْس بن أَوْس وَأَوْس بن أبي أَوْس وَاحِد؟

فَقَالَ: نعم هُوَ وَاحِدٌ، وَلَكِنّ بَعضَهم يَقُول: ابن أبي أَوْس، وبَعْضهمْ يَقُول: ابن أَوْس، وَهُوَ وَاحِد».

قال عداب: وهذا يتطلّب بحثاً واسعاً في أوهام الجمع والتفريق بين المحدّثين، يكون من أهم مقاصده دراسةُ مدى صحة رواية أولئك الرواة الكثيرين عن أوس هذا؟

وهو يعني أيضاً جهالةَ عين أوسِ بن أوسٍ، فضلاً عن حاله، على مذهب من لا يرى عدد الرواة يزيل جهالة العين!

والرجل كما يصرّح في بعض حديثه؛ صحب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم خمسةَ عشر يوماً فحسب!

بيد أنّ أهلَ السنة يقولون بعدالةِ جميع جيلِ الصحابةِ، بمن فيهم الوحدان، والمجهولون، ومجهولوا الصحبة، والأعراب، ولهذا فهم يصححون مثل هذا الحديث!

ونحن في هذه العُجالةِ لن نناقش  مسألة عدالة الصحابة، فذاك نقاشٌ عقيم!

لكنني نناقش ضبط هذا الصحابيّ «أوس بن أوس» الذي أتى بالعجائب!

إذْ جعلَ فضيلة اغتسال الرجلِ هو وزوجته من جماعٍ يومَ الجمعة خاصّة فضيلةً سامقة (له بكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إلى المسجد أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا)!

فلو كان بين بيتِه والمسجدِ (100) خطوة مثلاً؛ فيكون له بهذا الاغتسالِ أجرُ (100) سنة (صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا)!

فو واظب هذا الرجل على إمتاع زوجته في كلّ ليلة جمعة، والاغتسالِ بعد ذلك سنةً واحدة فحسب؛ لكان له من الأجر عبادةُ (50 × 100) = أجر (5000) سنة (صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا)!

ولست أدري أكان رواة هذا الحديث النواصبُ يتندّرون عندما رووه، أم كانوا يسخرون؟

ولماذا يُعنى الله تبارك وتعالى كثيراً بمن يجامع زوجته ليلةَ الجمعة، فيعطيه هذه المثوبةَ الهائلة التي لا يمنحها لغيره من المسلمين أجمعين؟

وحديث الباب كما تقدّم ليس في الصحيحين، وبذلك يكونُ لدى الناقد فسحةٌ ليحرّك عقلَه وعقولَ المتسرّعين الذين يصححون مثل هذا الحديثِ العجيب!

ولا يخفى على طلبة العلم أنّ من أماراتِ وَضع الحديثِ، أو نكارته؛ ترتيبُ ثوابٍ جزيلٍ على عملٍ قليل!

ومن أمارات وضع الحديث، أو نكارته؛ مخالفتُه للأحاديث الصحيحة في الباب نفسه!

وفي متن هذا الحديث يتجلّى الأمران معاً: ثوابٌ جزيلٌ على عمل قليلٍ، ومخالفة متن هذا الحديث للأحاديث الصحيحة الواردة في فضل الاغتسال ليوم الجمعة عيدِ المسلمين، ولصلاة الجمعة، مجتَمَعِ المسلمين!

أخرج البخاري (881) ومسلم (1403) من حديث أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ «إلى المسجد» فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً!

وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ؛ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً!

وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ؛ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشاً أَقْرَنَ!

وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ؛ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً!

وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ؛ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً!

فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ؛ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ).

ومعلوم أنّ الذي يقرّب لله تعالى قرباناً جملاً أو بقرةً؛ لا يحصّل ثوابَ (100) سنة (صيامها وقيامها).

وأخرج البخاري (910) من حديث عبدِالله بنِ وَدِيعَةَ الأنصاريّ عن سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَتَطَهَّرَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، ثُمَّ ادَّهَنَ، أَوْ مَسَّ مِنْ طِيبٍ، ثُمَّ رَاحَ «إلى المسجد» فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ!

فَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ، أَنْصَتَ؛ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى).

وأخرج مسلم (1418) من حديث سُهَيْل بن أبي صالحٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(مَنْ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ «الإمام» مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ؛ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ).

وقد بيّن أبو داود في السنن (343) أنّ جملة (وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) إدراجٌ من كلام أبي هريرة!

ختاماً: قارن أخي القارئ الكريم بين تخريجِنا هذا الحديثَ «اللازورديّ» وتخريجِه لدى كلّ من الشيخين ناصر الألباني وشعيب الأرناؤوط، فقد صححه كلاهما.

ولا تنس التخريج العبقريَّ العميق لشيخنا الدكتور محمود سعيد ممدوح في تخريجاته على مجمع الزوائد (9: 260) إذ قال أعلى الله مقامَه: «وعليه فالحديث صحيحٌ، والاعتماد في تصحيحه على حديث أوس بن أوسٍ، لا سيما وقد صححه كلٌّ من ابن خزيمة وابن حبّان والحاكم».

وشيخنا الدكتور محمود يزعم لنفسه العُمقَ والتنقير، ويتّهم مخالفيه بالسطحية والتسرّع.

والله المستعان!

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

الاثنين، 22 مارس 2021

 مسائل حديثيّة (10):

جوامعُ الكَلِمِ !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

كتب إليّ أحد الإخوة الأفاضل يقول: «ما صحةُ حديث (أُعطيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام اختصاراً، وأين أجدُ الأحاديثَ التي يُمكنُ وَصْفُها بجوامع الكَلِم»؟!

أقول وبالله التوفيق:

ورد هذا الحديثُ عن الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، من طرق عددٍ من لاصحابةِ رضوان عليهم عليهم، منهم عمر بن الخطّاب، وأبي موسى الأشعريّ، وعبدالله بن عباسٍ، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وأبي سلام الحبشيّ عمّن حدّثه.

وجميع أسانيدِ هذه الأحاديث؛ ضعيفة، ولا يصحّ حديث (جوامع الكلم) إلّا من حديث أبي هريرة!

انظر مقدمة كتاب جامع العلوم والحِكَمِ لابن رجب الحنبليّ (ص: 23 - 25).

فبإسنادي إلى الإمام البخاري في كتاب الجهاد، باب قولهe: (نصرت بالرعب) (2977) قال رحمه الله تعالى:

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ قَالَ بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ فَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي)

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «وَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا».

وأعاده البخاريّ في كتاب التعبير، باب المفاتيح في اليد (7013) من حديث سعيد بن عفير عن الليث بن سعدٍ، به مثله، وزاد ثمة:

قَالَ أَبُو عَبْد اللهِ «البخاريّ»: وَبَلَغَنِي أَنَّ جَوَامِعَ الْكَلِمِ أَنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ الْأُمُورَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُكْتَبُ فِي الْكُتُبِ قَبْلَهُ فِي الْأَمْرِ الْوَاحِدِ وَالْأَمْرَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.

وأعاده البخاريّ في الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قولهe: (بعثت بجوامع الكلم) (7273) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِاللهِ «الأويسي القرشيّ» حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ «الزهريّ العَوفيّ» عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «الزهريّ» عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ «المخزوميّ» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ قَالَ بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي.

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «فَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ، وَأَنْتُمْ تَلْغَثونَهَا» أَوْ قال: «تَرْغَثونَهَا» أَوْ قال: «كَلِمَةً تُشْبِهُهَا».

وأخرجه مسلم في المساجد (813) من حديث يونس بن يزيد الأيليِّ عن ابن شهابٍ، به مثلَه.

وأخرجه في الموضع ذاته من حديث محمد بن الوليد الزبيدي الحمصيّ ومعمر بن راشد الأزديّ، كلاهما عن ابن شهابٍ، عن سعيد بن المسيّب وأبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرةَ، مثلَ حديث يونس.

ومن طريق معمر عن الزهريّ، به مثله؛ أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين (7312).

وأخرجه مسلم في المساجد (815) من طريق معمر عن همّام بن منبّه، عن أبي هريرة مختصراً، وفيه موضع الشاهد (جوامع الكلم).

وأخرجه مسلم في الموضع ذاته (811) من حديثِ إِسْمَعِيلَ بنِ جَعْفَرٍ «الزُرَقيِّ» عَنْ الْعَلاءِ «بن عبدالرحمن الحُرَقيِّ» عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مرفوعاً، وفيه (أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ).

وأخرجه مسلم في الموضع ذاته (814)  من حديثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الأنصاريّ عَنْ أَبِي يُونُسَ «واسمُه سليم بن جبير» مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مرفوعاً، وفيه موضع الشاهد (وَأُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ).

ومن طريقِ عمرٍو هذه به، مثلَه؛ أخرجه الترمذيّ في جامعه (1553) وقال: حديث حسن صحيح.

وهذا يعني أنّ حديثَ أبي هريرةَ مشهورٌ عنه.

ويحسن أن أوضح ضعف جملة (جوامع الكلم) في حديث أبي موسى الأشعريّ؛ لأنها في صحيح مسلم!
من حديث سعيد بن أبي بردة عن أبيه، عن جدّه أبي موسى الأشعريّ مرفوعاً (3731) وفيه موضع الشاهد موقوفاً (وكان رسول الله صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ أُعطي جوامع الكلم بخواتمه).

مدار حديث أبي موسى على حفيده سعيد، رواه عنه:

زيد بن أبي أُنيسةَ، عند مسلم (3731).

وشعبة بن الحجاج، عند مسلم (3729).

وعمرو بن دينار، عند مسلم (3730).

وهذه الزيادةُ في حديث أبي موسى؛ انفرد بإخراجها مسلم عن بقية التسعة، كما انفرد بها زيد بن أبي أُنيسةَ، عند مسلم (3731) ولم يخرّجها أحدٌ ممن خرج الحديث سواه.

مما يدلّ على أنّ هذه اللفظةَ شاذّةٌ، إذ إنّ شعبةَ بن الحجاجِ وعمرو بن دينار أوثق وأحفظ من زيدٍ، والله تعالى أعلم.

قال الحافظ عبدالرحمن ابن رجبٍ الحنبليّ في كتابه الماتع «جامع العلوم والحكم»: «جَوَامِعُ الْكَلِمِ الَّتِي خُصَّ بِهَا النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ نَوْعَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا هُوَ فِي الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) [النحل: 90].

قَالَ الْحَسَنُ البَصريُّ: لَمْ تَتْرُكْ هَذِهِ الْآيَةُ خَيْرًا إِلَّا أَمَرَتْ بِهِ، وَلَا شَرًّا إِلَّا نَهَتْ عَنْهُ.

وَالثَّانِي: مَا هُوَ فِي كَلَامِهِ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ، وَهُوَ مُنْتَشِرٌ مَوْجُودٌ فِي السُّنَنِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ.

وَقَدْ جَمَعَ الْعُلَمَاءُ جُمُوعاً مِنْ كَلِمَاتِهِ الْجَامِعَةِ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ.

(1) فَصَنَّفَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ السُّنِّيِّ (ت: 364 هـ) كِتَابًا سَمَّاهُ: «الْإِيجَازَ وَجَوَامِعَ الْكَلِمِ مِنَ السُّنَنِ الْمَأْثُورَةِ » قال عداب: ولا أعرف عن وجوده شيئاً.

 (2) وَجَمَعَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِاللهِ الْقُضَاعِيُّ (ت: 454 هـ) مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الْوَجِيزَةِ كِتَابًا سَمَّاهُ: «الشِّهَابَ فِي الْحِكَمِ وَالْآدَابِ».

قال عداب: «هو كتابٌ مسندٌ ساق المصنّف الأحاديث بأسانيده إلى منتهاها، لكنه لم يخرّج الأحاديثَ، إلّا نادراً، ولم يحكم على أحاديث كتابه مطلقاً.

وقد طبعته مؤسسة الرسالة في مجلدين، حوت (1499) حديثاً، فيها الصحيح والحسن والضعيف، وقام على تحقيقه الشيخ عبدالمجيد الكرديّ السلفيّ.

وقد أحسن جزاه الله خيراً، لكنّ الكتابَ ما زال في حاجةٍ إلى خدمة جادّة»!

قال ابن رجب:

وَصَنَّفَ عَلَى مِنْوَالِهِ قَوْمٌ آخَرُونَ، فَزَادُوا عَلَى مَا ذَكَرَهُ زِيَادَةً كَثِيرَةً.

وَأَشَارَ أبو سليمانَ الْخَطَّابِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ «غَرِيبِ الْحَدِيثِ» إِلَى يَسِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْجَامِعَةِ.

قال عداب: ذكر الخطابيّ ذلك تحت عنوان « ذكر فصاحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يؤثر من حسن بيانه» (1: 64) فما بعد.

قال ابن رجب:

وَأَمْلَى الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ مَجْلِسًا سَمَّاهُ «الْأَحَادِيثَ الْكُلِّيَّةَ » جَمَعَ فِيهِ الْأَحَادِيثَ الْجَوَامِعَ الَّتِي يُقَالُ: إِنَّ مَدَارَ الدِّينِ عَلَيْهَا، وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا مِنَ الْكَلِمَاتِ الْجَامِعَةِ الْوَجِيزَةِ، فَاشْتَمَلَ مَجْلِسُهُ هَذَا عَلَى سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ حَدِيثاً.

ثُمَّ إِنَّ الْفَقِيهَ الْإِمَامَ الزَّاهِدَ الْقُدْوَةَ أَبَا زَكَرِيَّا يَحْيَى النَّوَوِيَّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ؛ أَخَذَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي أَمْلَاهَا ابْنُ الصَّلَاحِ، وَزَادَ عَلَيْهَا تَمَامَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ حَدِيثًا، وَسَمَّى كِتَابَهُ بِـ«الْأَرْبَعِينَ».

وَاشْتُهِرَتْ هَذِهِ الْأَرْبَعُونَ الَّتِي جَمَعَهَا، وَكَثُرَ حِفْظُهَا، وَنَفَعَ اللهُ بِهَا، بِبَرَكَةِ نِيَّةِ جَامِعِهَا، وَحُسْنِ قَصْدِهِ رَحِمَهُ الله.

وَقَدْ تَكَرَّرَ سُؤَالُ جَمَاعَةٍ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، لِتَعْلِيقِ شَرْحٍ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا، فَاسْتَخَرْتُ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي جَمْعِ كِتَابٍ يَتَضَمَّنُ شَرْحَ مَا يُيَسِّرُهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ مَعَانِيهَا، وَتَقْيِيدِ مَا يَفْتَحُ بِهِ سُبْحَانَهُ مِنْ تَبْيِينِ قَوَاعِدِهَا وَمَبَانِيهَا.

وَإِيَّاهُ أَسْأَلُ الْعَوْنَ عَلَى مَا قَصَدْتُ، وَالتَّوْفِيقَ لِصَلَاحِ النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ فِيمَا أَرَدْتُ،.

وَأُعَوِّلُ فِي أَمْرِي كُلِّهِ عَلَيْهِ، وَأَبْرَأُ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إِلَّا إِلَيْهِ.

وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَنْ شَرَحَ هَذِهِ الْأَرْبَعِينَ قَدْ تَعَقَّبَ عَلَى جَامِعِهَا رَحِمَهُ اللهُ تَرْكَهُ لِحَدِيثِ (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا أَبْقَتِ الْفَرَائِضُ، فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ).

قَالَ «المتعقّبُ»: لِأَنَّهُ الْجَامِعُ لِقَوَاعِدِ الْفَرَائِضِ الَّتِي هِيَ نِصْفُ الْعِلْمِ، فَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْجَامِعَةِ.

كَمَا ذَكَرَ حَدِيثَ (الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ) لِجَمْعِهِ لِأَحْكَامِ الْقَضَاءِ. فَرَأَيْتُ أَنَا أَنْ أَضُمَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَى أَحَادِيثِ الْأَرْبَعِينَ الَّتِي جَمَعَهَا الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَأَنْ أَضُمَّ إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَحَادِيثَ أُخَرَ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الْجَامِعَةِ لِأَنْوَاعِ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ، حَتَّى تَكْمُلَ عِدَّةُ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا خَمْسِينَ حَدِيثاً...

وَسَمَّيْتُهُ: «جَامِعُ الْعُلومِ وَالْحِكَمِ فِي شَرْحِ خَمْسِينَ حَدِيثًا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ».

قال الفقير عداب:

قولُ الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلم (أوتيت جوامعَ الكَلِمِ) ينبغي أن لا يكون مَقصوراً على (40) أو (50) حديثاً، إذ لا يشغل هذا العدد أكثر من (1 0%) مما صحّ عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وفي ظنّي وتقديري أنّ جميع أحاديثِ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ هي من «جوامع الكلم» استئناساً بقول أمّ المؤمنين عائشة (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وآلِه وسلّمَ لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ) أخرجه البخاري (3568) ومسلم (4548) (إِنَّمَا كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثاً، لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ؛ لَأَحْصَاهُ) أخرجه مسلم (5325).

وإذا كان يحدّث بكلماتٍ قليلةٍ؛ فهذا يعني أنه ينتقي كلامَه انتقاءً، ولذلك وُصف كلامه بجوامع الكلم!

بيد أنّ إعراض الصحابة رضوان الله عليهم عن تدوين أحاديثه صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ أضاع علينا تلك الثروة البيانية البلاغيّةُ الهائلة.

ونُقلت إلينا أكثر أحاديثه بلغةٍ أقرب ما تكون إلى العاميّة الفصحى، وكان كثيرٌ منها على حسب ما فهِمَ منه النقلةُ الأميّون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم!

والله تعالى أعلم

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

الأحد، 21 مارس 2021

 

مَسائِلُ مِن الفِقْهِ والأُصولِ (3):

زكاةُ الدَيْنِ !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

كتب إليّ أحدهم يقول:

إنّ لديّ مبلغاً كبيراً في أحد مصارف البلاد الإسلامية «البنك».

بيد أنني لا أستطيعُ تنميتَه ولا العملَ ببعضِه، ولا سحبَ شيءٍ منه، إلّا مصروفي الشخصيّ، وقد مضى على هذه الحالِ أكثرُ من خمس سنواتٍ!

وقد سألتُ عَدداً من العلماء عن ذلك؟

- فبعضهم قال لي: مالك هذا يصنّف ضمنَ الدينِ القويِّ، وعليه، فيجبُ عليك إخراجَ زكاة هذا المالِ في كلّ عامٍ، من مالٍ آخرَ لديك، سوى المال المحجوز هذا، حتى لو اقترضتَه قرضاً؛ لأنّ الزكاةَ حقُّ الفقير والمسكين وغيرهما من مستحقّي الزكاة، وهم لا يستغنونَ عن حقّهم سنةً واحدةً، فضلاً عن أكثرَ من خمس سنين!

- وبعضهم قال: صحيحٌ أنّ مالَكَ يُصنَّف ضمن الدين القويّ، لكنْ لا يجب عليك زكاتُه، حتى تقبضَه، أو تستطيع التصرّف فيه، فعندها تخرج زكاتَه عن السنوات التي لم تُخرج الزكاةَ فيها، بسبب الحجز.

فما تقولون أنتم شيخنا ...؟!».

أقول وبالله التوفيق:

لا رَيبَ في أنّ الدَيْنَ بشتّى أنواعِه؛ مَمْلُوكٌ لِلدَّائِنِ، وَلَكِنْ لِكَوْنِهِ لَيْسَ تَحْتَ يَدِ صَاحِبِهِ، ولا يُمكنُه تَنميتُه ولا التصرّف فيه؛ فَقَدِ ذَهَبَ عبدالله بنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ أمّ المؤمنين، وَعِكْرِمَةُ مَوْلَى عبدالله بن عبّاسٍ، ومالك بن أنسٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي الدَّيْنِ.

وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مالٌ غَيْرُ نَامٍ، فَلَمْ تَجِبْ زَكَاتُهُ، شأنه في ذلك شأنُ عُروضِ الْقُنيَةِ، من مسكنٍ يشغَلُه، وأثاثٍ يستعمله، ومَركوبٍ يستقلُّه.

فهذه كلها ذات قيمة عالية، ولا زكاةَ عليها؛ لعدمِ إمكان النماء فيها.

والذي أفتى به الإمامُ مالكٌ رحمه الله تعالى؛ أنْ لا زكاةَ في الديون حتى تُقبَضَ، فإذا قُبِضَتْ؛ زكّى عليها مرّةً واحدة.

ثمّ متى صارَتْ في يده؛ ففيها الزكاةُ على رأس الحولِ من تاريخ زكاته تلك.

سواءٌ نمّاها بعدَ ذلك، أم لم ينَمّها؛ لأنّ إمكانية تنميتها ظاهرة، فإن تكاسَل هو؛ فلا يَتحمّل صاحبُ الحقّ في ماله مستحقُّ الزكاة تكاسُلَه وإعراضَه عن تنمية المال.

وفي هذا المعنى رويَ عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال:

)أَلَا مَنْ وَلِيَ يَتِيماً لَهُ مَالٌ؛ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ، وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ) أخرجه الإمام الترمذيّ في جامعه (641) والدارقطنيُّ في سننه (1970) والبيهقيّ في سننه الكبير (4: 107) والبغويّ في شرح السنّة (1589) وقالَ الترمذيُّ: «ذهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أنّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ زَكَاةً، مِنْهُمْ: عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَعَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهم، وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَقُ بن إبراهيم الحنظليّ، رحمهم الله تعالى».

ختاماً: رحمةً بالناسِ، ومحافظةً على أموالهم؛ فنحن نفتي بما أفتى به ابن عمر وعائشة ومالك رضي الله عنهم، من أنّ المالَ غيرَ النامي بسببٍ خارجيّ عن إرادة صاحبِ المال؛ فإنّه لا يزكّى سوى مرّةٍ واحدةٍ عند إمكانية تصرّفه بماله وإنمائه، ولو ظلَّ كذلك سنواتٍ.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

 مَسائِلُ مِن الفِقْهِ والأُصولِ (2):

التطبيق المعاصر لمصارفِ الزكاة!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

سألني أحد الإخوة الموسرين الأكارم قال: «إنّ زكاةَ مالي المودَع في المصرفِ «البنك» تتجاوز نصفَ مليون دولارٍ سنويّاً، فكيف يمكنني أنْ أوظّف زكاةَ مالي في خدمة فقراء المسلمين، بأفضلَ من مجرّد إعطائهم شيئاً من هذه الزكاة؟

وقد قيلَ لي: إنّه لا يجوزُ إخراج الزكاةِ من البلد الذي تعيش فيه، ما دام في ذلك البلد محتاجون»!؟

أقول وبالله التوفيق:

كثيراً ما يتهاون الناسُ في تغطيةَ مصارفِ الزكاةِ الثمانية الواردة في قول الله تبارك وتعالى:

(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَ اللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) [التوبة].

ولعلّ سبب ذاك التهاونِ؛ أنّ الفردَ المسلم يخرج زكاتَه بنفسه؛ لأنّ الدول المعاصرةَ، لا تهتمّ بفريضة الزكاة جبايةً وتوظيفاً!

ومعظم الذين يخرجون زكواتِ أموالهم؛ هم من الطبقة المتوسطة، التي لا تتجاوز زكاةِ أحدهم (1000) دولارٍ في السنة!

وأكثرُ أصحاب رؤوس الأموال الضخمة؛ لا يخرجون زكواتِ أموالهم وللأسف!

ولو أنهم أخرجوا زكواتِ أموالهم؛ لما بقي في الأمة فقراء ولا محتاجون، وكان سيزداد النشاط العلميّ بفروعه كلّها، إذ يجد طالب العلم من يوفّر له أقساط دراسته، ويمنحه من المال ما يعيش به حياةً متوسطة كريمة!

وحتى ندور مع الدليل حيث دار كما يقولون علينا أن نفكّك دلالاتِ هذه الآية العظيمة، المقصودةِ لله تبارك وتعالى، العليم الحكيم.

آية الصدقات هذه، لا خلاف بين علماء الأمة المجتهدين؛ أنها تعني الزكاةَ المفروضة!

لقوله تعالى في ختامها (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) ومصارف الزكاة تغطّي:

(1)الفقراءَ (2) والمساكينَ (3) وجباةَ الزكاة «العاملين عليها» (4) والمؤلفةَ قلوبُهم (5) وإعتاقَ العبيد «الرقاب» (6) الغارمينَ (7) الجهادَ والأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر (8) والمسافرَ بسبب مشروع «ابنَ السبيل».

وهذا التوزيع ليس اختياريّاً، ولكنّه (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ)

والفريضةُ هذه إنما شرعت لحِكَمٍ أثبتت نجاعتها في المجتمع المسلم، على مدار تاريخنا (وَ اللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

(1)الفقراءَ: تشملُ شريحةً كبيرةً من المسلمين:

-1 النساءُ من الفقراء بنسبة (95%) لأنّ المرأة يُعيلُها في الإسلام أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها، لكنْ من النادر أن يكون لها شيءٌ من المال تتصرّف به لإسعادِ نفسها أو لتكفلَ به أحدَ قراباتها!

-2 الأطفالُ والشباب اليافعون، حتى الثامنةَ عشرةَ في الحدّ الأدنى، إذا سلك أحدهم سبيل العمل وامتهان صنعةٍ.

أمّا إذا سلك سبيل العلم والمعرفة؛ فيبقى فقيراً حتى الرابعة والعشرين، وربما بعدها!

3-كبار السنّ والعجزة.

4- المرضى الذين لا يجدون نفقات الطبابة.

هؤلاء وغيرهم؛ يعطون من «ثُمُنِ الفقراء».

(2) والمساكينَ: تشملُ شريحةً كبيرةً من المسلمين أيضاً:

(1) أوساط الموظّفين، وصغارهم، الذين لا تكفي دخولهم الماليّةُ لحياة كريمة لهم.

(2) جميع الذين يسكنون في بيوتِ الإيجار الشهريّ أو السنويّ.

(3) جميع العاجزين عن نفقات الزواج من الرجال والنساء.

(4) جميع العاجزين عن تعليم أبنائهم بما يزيل عنهم الأمية والجهل.

هؤلاء وغيرهم ممن تشملهم كلمة «المسكنة» يعطون من «ثمن المساكين».

(3) وجباةَ الزكاة «العاملين عليها»:

لا يخفى على أحدٍ أنّ مواردَ الزكاة كثيرة، منها الزروع والثمار، ومنها المواشي والأنعام، ومنها أموال التجارات والصناعات، ومنها النقدُ من الذهب والفضة أو ما ينوب منابهما من الأوراق النقديّة المعترف بقيمتها الثابتة وشبه الثابتة في سوق المال والأعمال.

وهذه تحتاجُ إلى موظّفينَ يقومون على جمع الزكواتِ، ثم يقومون على توظيفها، ثم يقومون على توزيعها.

وإذا افترضنا أنّ لدينا نصف مليون دولارٍ سنويّاً نريد أن نوظّفها؛ فلا بدّ من أن نقوم بمشاريع تجاريةٍ وصناعية وزراعية وحيوانية، نوّظف فيها المئات من العاملين.

هؤلاء سيعيشون من المرتبات التي نمنحهم إياها، والمال الناتج في نهاية العام؛ نوزّع ثلثيه على المستحقين، ونوظّف ثلثه لإقامة مشروع جديد!

(4) والمؤلفةَ قلوبُهم: الأصل في مفهوم المؤلفة قلوبهم؛ أنهم الذين دخلوا في الإسلام رَهباً أو رَغباً، ولم يدخلوا فيه عن قناعةٍ وإيمان.

فمساعدة هؤلاء وأمثالهم حتى من المسيحيين واليهود المواطنين في بلادنا؛ يرغبهم في الإسلام، أو على الأقلّ يجعلهم محايدين، بدلَ العداوة، ومناصرين بدلَ المحاربة!

ويعطى هؤلاء كفايَتهم الشهرية، مع اشتراط عدم إنفاق المال في المحرمات.

(5) وإعتاقَ العبيد «الرقاب»: وتشمل شرائح واسعة أيضاً!

فجميع أسرى الحروب عند أعداء الأمة والوطن، يمكننا افتداؤهم وفكاكهم من الأسر، من مال الزكوات والصدقات.

وجميع المساجين الذين سجنوا لعجزهم عن وفاء الديون التي خسروها في تجاراتهم وصناعاتهم.

وحتى المساجين المجرمون، فنعطيهم نفقاتِ السجن، ونوظف لهم من يعلمهم القرآن والعلم في السجن، حتى ننقذهم من أخلاقهم الرديئة، ومن سخط الله تعالى عليهم وعلينا.

وإذا وُجد عبيدٌ في بلدٍ من البلدان الإسلامية حتى اليوم؛ فإننا نساهم سنويّاً بإعتاق أعدادٍ منهم، وتأمين عمل لهم في بلادهم، حتى لا يكونوا عالة على مجتمعهم. 

هؤلاء وغيرهم ممن ينطبق عليهم وصف «الرقاب» يعطون من ثمن «وفي الرقاب».

(6) الغارِمينَ: وتشمل شريحة واسعةً من المسلمين.

الأصلُ أنّ الإنسانَ الغارمَ؛ هو الإنسانُ المدين، بسبب مشروع.

سواء كان دَيْنُه بسبب خسارةِ تجارته، أو كان دينه بسبب خراب مصنعه، أو كان دينه بسبب عدم وجود كفايته، أو بسبب دراسته، أو بسبب مرضه، أو بسبب ضخامة عائلته وقلّة موارده.

بأيّ سببٍ غير محرّمٍ؛ فإنّ هذا المسلمَ تسدّد ديونه من «ثُمُن الغارمين» بالغة ما بلغت، وَفقَ خطة المزكّي السنوية، حتى لو كان من بني هاشمٍ، ومن آل البيت!

(7) الجهادَ والأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر:

أنا الفقيرُ لا أؤمن بالثوراتِ على الحكّام، حتى لو كانوا فاجرين، إلّا إذا وجدت مؤسسة علمية شرعيّة، مثل «هيئة كبار العلماء» مثلاً، وقرّرت الثورةَ على أحد الظالمين بطريق «العصيان المدنيّ» وليس بطريق القتال والقتل، فتعطى هذه الهيئة حقّها من الزكاة «ثمن في سبيل الله» وغيره مما يمكن أن يندرج تحت عملها.

لكنْ لدينا مصرف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو أعمّ من الجهادِ أصلاً!

ويمكن للمزكّي أن يساهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في اتّجاهاتٍ كثيرة، منها:

(1) مَنح خطباء المساجد مكافأةً شهريّة، شريطةَ أن يفرّغوا أنفسهم لتطوير مهاراتهم الخطابية، وتحريرهم المسائل التي يطرحونها، أو لالزامهم بخطبة جمعة موحّدة نكتبها لهم في كلّ أسبوعٍ؛ ليسود فكرٌ واحدٌ في المجتمع.

(2) تدريس عددٌ من الطلاب أساليبَ الدعوة إلى الله علميّاً وتربوياً، في كلّ عام.

(3) طباعةُ كُتبٍ علمية متقنة في الدعوة والإرشاد والتربية الروحية، وتوزيعها مجانّاً.

(4) طباعة كتبٍ ودراساتٍ علمية في التفسير والفقه والحديث، وتوزيعها على المسلمين مجاناً.

(5) إنشاء مجلّة علمية محكّمةٍ، تعرض في كلّ عامٍ (100) مسألة علمية خلافية، ليكتب العلماء فيها (100) بحثٍ علميّ، وفق منهجية مخطّطٍ لها مسبقاً.

(6) تسيير قافلة لأداء فريضة الحجّ والعمرة، ولتكن باصاً كاملاً من خمسين حاجّاً في كلّ عام شريطةَ أن يكون ممن لم يسبق له الحجّ!

(7) مساعدة المحتاجين والفقراء والمظلومين في فلسطين وسوريا وليبيا واليمن وميانمار والصين.

كل ذلك وفق خطة محكمة تكون بين يدي المزكّي، وعليه التوازن في التصرفات، وتقديم الأولويّات.

جميع هذه الأمور وما يندرج تحت مسمى (في سبيل الله تعالى) يصرف له من «ثمن في سبيل الله».

(8) و«ابنَ السبيل»: هو المسافرُ بسبب مشروع، كطلب العلم، والبحث عن عمل، والطبابة، والتجارة، والسياحة في العبادة.

كلُّ مسافرٍ من بيته إلى قريةٍ أو مدينةٍ أو دولةٍ أخرى، فقدَ القدرةَ على إعالة نفسه، يعطى من «ثمن ابن السبيل» حتى لو كان في الصين!

هذه إلماحةٌ يسيرةٌ يمكن أن تنير أمامَ المزكّي السبيلَ المشروعةَ، التي يعود سلوكها عليه بالأجر العظيم، وعلى المسلمين بالخير العميم.

أيها المسلم المزكيّ: إنك لو لم تفعل شيئاً، سوى أن تمنح (500) أسرة فقيرة ومسكينة (10000) دولار في كلّ سنة، تُعطاها موزعة على اثني عشر شهراً؛ لكان خيراً عظيماً!

أترى كفايةَ (500) أسرةٍ في بلد مثل تركيّاً أمراً يسيراً، و(1000) أسرة في بلد مثل سوريا واليمن ولبنان، فسيكون لك الأجر الجليل العظيم، وسيبارك الله تعالى لك في عمرك وصحتك وأولادك ومالك!

قال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم:

(مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ، إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ تعالى) أخرجه مسلم (4689) والترمذيّ (2029) وقال: حديث حسن صحيح.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحمد لله على كلّ حال.

السبت، 20 مارس 2021

قَريباً مِن السِياسَةِ (1):

نصيحةٌ سافرةٌ إلى القنوات الشيعيّة!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

سبق أن ذكرتُ بأنني أمضي شطراً من ليلي مع الوَحدَةِ، بكلّ ما تعنيه كلمة الوحدةِ من أرقٍ ومللٍ ووحشة!

وقد يقول لي قائل: كيف تقول هذا، فأين الأنسُ بالله تبارك وتعالى وقيام الليل؟

فأقول له باختصار: لستُ من أهل هذه المقامات، في حقيقةِ الأمر، وطيلةَ عمري أسعى إلى ذلك!

في بعض هاتيك الليالي الطويلة؛ أستمع إلى مقاطع فيديو للدعاة والمتحدّثين المسلمين!

وإنّ أقبح المقاطع التي أسمعها؛ هي تلك التي تصدر عن متحدثي الشيعة الإمامية!

حقد وجهل ووقاحة وقلة أدب، تنبئ عن تخلّف ورجعيّة وغوغائية أبناء الشوارع!

بعض هؤلاء الحمقى حقيقةً لا مجازاً، يوجّهون أقذر سهامهم إلى أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، غير آبهين بما تستلزمه مواقفهم الدنيئة من الإساءة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، وإلى الإمامِ عليّ والحسن والحسين عليهم السلام، إذ هي أمّهم بنصّ القرآن العظيم.

وغير مُفترضين أنّ أكثر تلك الروايات المسيئةِ؛ قد رُويت بالمعنى، على قدر ما حفظ الراوي وفهم، ثمّ عبّر بلغته هو، وليس بألفاظ أمّ المؤمنين عائشة!

وغير مُقَدّرين أنّ النواصبَ يبغضون عائشة، مثلما يبغضون عليّاً والحسنين عليهم السلام، فهم غير مأمونين على ما ينقلونه عنها.

وغير ناظرين إلى قُرب تلك الفترة الزمنية، من عهد الجاهليّة الهوجاء، وحياة البداوة القاسية والجافية!

إنّ حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما  وهو من المقربين - يحكي عن نفسه أنه استغربَ جلوسَ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، واستتارَه عند البول، فقال هو لمن معه من أصحابه:

(انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يبول كما تبول المرأة)!

ويُسأل سعيد بن المسيّب عن الاستنجاء بالماء بعد الأحجار، فيقول: (ذاك وضوء النساء)!

أجل إنه وضوء النساء؛ ليكنّ نظيفاتٍ، حتى لا يقرف منهن أعراب العرب!

أمّا حضرات الرجال؛ فليسوا في حاجةٍ إلى تطهير وتنظيف أنفسهم بالماءِ؛ لأنّ موقف المرأة غير مهمّ لديهم!

وغير ملتفتين إلى تلك المرأةِ الصحابيةِ التي أمسكت طرف ثوبها، وقالت للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: ليس مع زوجها  يعني عضوه الذكريّ  إلا مثل هدبة ثوبها!؟

إنّ أحد أولئك المتحدّثين يصف أمّه عائشةَ بأنها كذا، وكذا، وكذا، من دون أدنى حياء، ولا مراعاة لجناب زوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن دون  خوفٍ من الله عزّ وجلّ.

نحن لو افترضنا صحّةَ جميعِ الرواياتِ الواردة في الصحيحين، مما ينتقده أولئك السفلةُ المجرمون؛ فهل يكفي هذا حسب قواعد الإثبات في الفقه الإسلاميّ لاتّهام أمّ المؤمنين بما يطلقونه عليها من أوصاف؟!

يا أيها الناس: إنكم تكرّسون في أنفسنا أنكم أناس متوحشون متخلفون حاقدون غير مؤهلين للتعايشِ والمواطنة، وأن السبيل الوحيد لدرء شروركم وإساءاتكم؛ هو إعلانُ الحربِ الإعلاميّة عليكم، والسعيُ في محاصرتكم وإخضاعكم!

وهذا شيء لا أرضاه أنا، ولا أدعو إليه، لكنه السبيلَ الوحيدُ الذي يتراءى لي أمام هذا السيل الجارفِ من السفه والحقد الذي تقيؤه تلك القنوات الجاهلة الرخيصة المريضة!

عشت سنين طويلةً من حياتي، وأنا ألتمس لكم الأعذار، وأدافع عن جهالاتكم، بما لقيتموه من قسوة الحكام الظالمين!

وإذا بي الآن أكاد أرى فيكم ما كان يراه أولئك الحكّام الظالمون، فأنتم لا تفهمون إلا لغةَ القهرِ والقمعِ والإخضاع!

ثوبوا إلى رشدكم، واتّقوا الله ربّكم، إذا كنتم من أهل الإسلام حقّاً، وإلا فإنّ المستقبلَ أشدّ سواداً من تاريخكم المشحون باللطم والتطبير ومسيرات الغوغاء!

والله المستعان.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

مسائل فكرية (8):

سَبيلُ المؤمنين!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

في حوار مع أحد الإخوة العلماء؛ طرحَ مسألةَ سنّة الصحابة، وسنّة أئمة آل البيت رضي الله عن الجميع!

فقلت له: لا يوجد ثمة سنّةٌ للصحابة، ولا سنّة للراشدين، ولا سنة للشيخين أبي بكر وعمر، ولا سنّةٌ لأئمة آل البيت، في الإسلام!

قال: أعتذر منك وأقول لك: «أنت دائماً متسرّع يا شيخ عداب» إلخ الحوار الطويل بيننا!؟

أقول وبالله التوفيق:

يستدلّ أهل السنّة من القرآن العظيم، على وجود سنّةٍ «سبيلٍ» خاصٍّ للصحابة،  رضي الله عنهم، بقول الله تبارك وتعالى:

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) [التوبة].

وبقوله جلّ وعزّ:

(وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ، مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى، وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ؛ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى، وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ، وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) [النساء].

ويقولون: إننا ملزمون باتّباع صحابةِ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ استدلالاً بهاتين الآيتين المدنيّتين.

ومن المعلوم في آداب البحثِ، وفي آداب المناظرة أيضاً؛ أنّ الاستقراءَ هو السبيلُ الوحيد، الذي يعطي نتيجةً صحيحةً، يمكن التزامُها، أو إلزام المخالفِ بها.

ونحن إذا ذهبنا إلى ميدان الاستقراء القرآني؛ سنجد أنّ هذا العمومَ مخصوصٌ بمخصّصاتٍ كثيرة، لعلها تضيّق إعمالِ دلالة النصّ على مجموع الصحابة إلى أبعد الحدود!

وقبل أن نتناولَ المخصصات الكثيرة؛ يحسن أن نصوّر المجتمعَ المدنيَّ في عهد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم:

قال الله تعالى:

1- (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100).

2 (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101).

3- (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) [التوبة].

- فالمجتمع المدنيّ فيه السابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار، رضي الله عنهم.

- وفي المجتمع المدنيّ ذرّياتُ هؤلاء السابقين ونساؤهم، الذين تأثروا بسيرتهم!

بدليل قوله تعالى:
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) [الطور].

- وفي المجتمع المدنيّ أهلُ المدينة الذين دخلوا في الإسلام فيما بعد، ولم يكونوا من السابقين، ولم تكن استقامة هؤلاء كاستقامة السابقين.

(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102).

- وفي المجتمع المدنيّ كثرة كاثرةٌ من المنافقين، ليسوا أربعة عشر، ولا أربعَ عشرةَ مائة!

قال الله تعالى:

(الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَ اللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَ اللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) [التوبة].

(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (14) [الحجرات].

(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101).

من هؤلاء الأعراب الكثيرين؛ جماعةٌ مؤمنة طيّبة!

(وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) [التوبة].

بيد أنّ الأعراب المنافقين حولَ المدينة!

والمنافقين المرَدَةَ من أهل المدينة!

والأربعة عشر منافقاً الذين همّوا بقتل الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في غزوة تبوك؛ جميعهم غير معروفين للمسلمين، كما هو نصّ الآية المتقدمة (101)!

ومن أغرب غرائب دعوى عدالة جميع الصحابة لدى أهل السنة؛ إجماعُهم على أنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يعامل جميعَ المنافقين، بمن فيهم كبيرهم عبدالله بن أبيّ بن سلول، معاملة المسلمين، حتى في الزواج والطلاق!

أمّا أين ذاب أولئك المنافقون عقبَ وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكيف انقلبوا إلى عُدولٍ، متى صحّ الإسنادِ إلى أحدهم، فهو سنّة يجب الالتزام بدلالتها؛ فهذا لا جواب عليه سوى الصراخِ والاتّهام!

- وفي المجتمع المدنيّ كثرةٌ كاثرة من الطلقاء، الذين أسلموا في فتح مكّة تحت السيف!

فهؤلاء كانوا يعاملون معاملةَ الصحابة الكرام، وعقب وفاة الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلم كانوا هم المسيّرين لدفة سياسة الدولة الإسلامية، بسبب كثرتهم وقوّة نفوذهم!

ولا يخفى أنّ المقاتلين من هؤلاء كانوا يزيدون على ثلاثةِ آلاف فارس!

ولك أن تتخيّل أخي الكريم أنّ عشرةَ آلاف طليقٍ؛ صاروا عقبَ وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مباشرةً عدولاً، وغدا بعضهم قادةَ جيوش، وحكّام أقاليم!؟

مع أنّ الذين نصّ الحافظ ابن حجر في الإصابة على أنّهم «حسن إسلامهم» منهم (42) رجلاً، و(6) نسوة فحسب!

إذا كانت هذه صورة المجتمع المدنيّ؛ فمن هم الصحابة الذين علينا أن نتّبعهم؟

- أهم المنافقون؟

- أهم الذين في قلوبهم مرضٌ؟

- أهم الذين قال الله تعالى فيهم:

(وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) [الجمعة].

وسورة الجمعة من أواخر ما نزل من القرآن العظيم؟

- أم هم الذين خلطوا عملاً صالحاً، وآخر سيّئاً؟

لا ريبَ بأنّ جميع هؤلاء غير مقصودين بقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ).

والذي يتبادَر إلى ذهن الباحث؛ أنّ المقصودين بهذا الخطاب الكريم؛ هم السابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار، ومَن اتّبعهم بإحسانٍ مِن ذريّاتهم.

وهذا من حيث المبدأ؛ طيّب مقبول، من دون شكٍّ ولا ريب، رضي الله عنهم وأرضاهم!

لكنّ هذا المتبادَرَ سَرَعانَ ما يُخصَّصُ هو الآخر، بعد الوقوف على قول الله تعالى:

(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) [التوبة].

موطن الشاهدِ أنّ أكثرَ المجاهدين في سبيل الله تعالى؛ ليسوا من أهل الفقه والعلم، وأنهم في حاجةٍ إلى من يفقّههم في الذين، ويعظهم ويذكّرهم بأهوال الآخرة ليظلوا على الاستقامة النسبية!

ويخصّص هذه الآيةَ الكريمةَ أيضاً قولُ الله تبارك وتعالى:

(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82).

وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ، وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ؛ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) [النساء].

موطن الشاهدِ أنّ الطائفة التي نفرت لطلبِ العلم، يصلحون لتذكير الناس، وتعليمهم ما يحتاجونه من الفقه في نشاطاتهم اليوميّة، لكنهم لا يستقلّون بذلك!

إنما الذين يستقلّون بذلك، المجتهدون الذين ينطبق عليهم قول الله تعالى: (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ).

هذا يعني أنّ الذين علينا اتّباعُهم؛ هم المجتهدون من الصحابة رضوان الله عليهم!

فمن هم المجتهدون أوّلاً، وكيف سبيلُ اتّباعهم ثانياً؟

وبعد تتبعي الكبير لحصر المجتهدين المستقلّين؛ وجدتهم عليّاً وعمر وابن عبّاسٍ وعائشةَ، ولزيد بن ثابتٍ فقه كثير، وعائشة أمّ المؤمنين، رضي الله عنهم.

وللصحابة الآخرين فتاوى منقولة عن الرسولِ صلى الله عليه وآله وسلّم، أو عن واحدٍ من هؤلاء المتقدّمين، لكنهم ليسوا مستقلين بالاجتهاد.

ويحسن قراءةُ كلام وليّ الله الدهلويّ في كتابه «حجّة الله البالغة» (1: 406) فما بعد.

وقراءةُ كلام الدكتور عبدالرحمن بن معمّر السنوسيّ في أطروحته القيّمة للدكتوراه «الاجتهاد بالرأي في عصر الخلافة الراشدة» (ص: 67 - 75).

ولا ريب عندي في أنّ الإمامَ عليّاً عليه السلام؛ هو الأفقه والأعلم والأقضى!

وإذا أردنا أن نوسّع دائرة المجتهدين ولو الاجتهاد الجزئيّ بين الصحابة؛ فنقول:

قال الإمام البزدويّ الحنفيّ في أصوله (2: 378):

« أَمَّا الْمَعْرُوفُونَ يعني بالفقه - فَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَعَبْدُاللهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُاللهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُاللهِ بْنُ عَمْرٍو وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبْلٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعَائِشَةُ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ اُشْتُهِرَ بِالْفِقْهِ وَالنَّظَرِ.

وَحَدِيثُهُمْ حُجَّةٌ، إنْ وَافَقَ الْقِيَاسَ أَوْ خَالَفَهُ!

فَإِنْ وَافَقَهُ؛ تَأَيَّدَ بِهِ، وَإِنْ خَالَفَهُ؛ تُرِكَ الْقِيَاسُ بِهِ».

بيد أنّ من المقطوع به؛ أنّ هؤلاء الفقهاءَ من الصحابة قد اختلفوا في اجتهاداتهم في المسألة الواحدة.

فقولُ أيٍّ منهم هو الذي علينا اتّباعُه، حتى نكون متّبعين (سبيلَ المؤمنين)؟

لأجل هذه الوِقفة الصعبةِ قال العلماء: إجماع الصحابة هو الملزم، فحسب!

قال الفقير عداب:

أنا أفهم المسألةَ بعيداً عن الإطار الفقهيّ أو الاجتهاديّ تماماً!

إنما هي إطارِ تسليم السابقين الأوّلين والذين اتّبعوهم بإحسان إلى حكمِ الله تعالى وحكم رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم!

قال الله تبارك وتعالى:

(إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ؛ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51).

وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) [النور].

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ.

إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ)[النور].

(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) [النساء].

هذه الآيات الكريمات ومثيلاتُها؛ تظهر سبيلَ المؤمنين في التلقي عن الله تعالى وعن رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

والله تعالى يريدنا أن نتّبعهم في هذا المنهاج الإيماني القويمِ، وليس في اجتهاداتهم!           

والله تعالى أعلم

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ. 

الجمعة، 19 مارس 2021

 بسم الله الرحمن الرحيم

إخواني الأحبة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اعتباراً من صباح يوم الغد السبت (20) آذار (مارس) سأنشر مقالاتي على هذه المدونة، فمن أحب متابعتي؛ فأهلاً ومرحباً به،

ودمتم سالمين.

والحمد لله رب العالمين.

الأحد، 24 يناير 2021

 قريباً من السياسة (1):

في ظلال تفجيرات العراق!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).


العراقُ بلدٌ عربيّ مسلم قويٌّ رائد، يفرح المسلمون الصادقون لخيره، ويحزنون لحزنه!

وقد آلمتنا تفجيراتُ أمسِ الخميس أشدَّ الألم، وأحبطتنا إحباطاً شديداً!

أسأل الله تعالى أن يغفر ويرحم ويعطف ويتلطّف بضحايا تلك التفجيرات الإجرامية، وأن يتقبلهم في الشهداء والصالحين، وأن يعافي الجرحى والمصابين ويجزل لهم المثوبة على ذاك الابتلاء الذي نزل بهم!

ثمّ أقول: 

صدّام حسين عند أكثرِ أهلِ العراق؛ كان طاغيةً قاتلاً مِسْعَرَ حروبٍ، وكان من السبعة الذين عقروا ناقة نبيّ الله تعالى صالح عليه السلام!

وقد انتهى عهدُ صدّام منذ سبعة عشر عاماً!

ثم جاءت الحكوماتُ الوطنيّة الديمقراطية السلمية الأمريكية، فقتلت من الشعب العراقي، الذي لم يَرْضَ بوطنيّتها الأمريكية أضعاف ما قتلَ صدّامٌ ومَن قبلَ صدّام!

هذه الحكومات الوطنية التي أرجعت العراق إلى ما قبل عهد الاستعمار البريطانيّ!

نهبت ثرواته، وأفقرت شعبَه، وجهّلته، وأضعفت مؤسساته العلمية والاجتماعية والسياسية والعسكرية!

وقد أيقظت تلك الحكوماتُ النعرات المذهبيّة، وسمحت للمظاهر الطائفيّة المتخلّفة أن تبالغَ في عرض فعالياتها، وأذنت لكلّ مغالٍ ومبتدع ومارقٍ من الدين أن يجاهر بما لديه من ضلالاتٍ وكفريّات وحقاراتٍ مقرفة مقزّزة!

فواحد يقول: إنّ نهج البلاغة أظهر بلاغةً وفصاحةً من القرآن العظيم!

وناعق آخر يقول: اعبدوا ربّكم الإمامَ الحجة، فأنا أعبد الإمام الحجة ربي وربكم وربّ الكون، وأعبد جدّه ربي محمداً صلّى الله عليه وآله وسلم.

ويقول: إنّ جنود الإمام الحجة (313) صاروا جاهزين، وهؤلاء جهزوا اثني عشر ألفاً، والاثنا عشر ألفاً جهّزوا سبعةً وخمسين ألفاً، وهم بانتظار إشارة الإمام روحي له الفداء!

ويزعم هذا المفتري أنّ الإمام الحجة هو الذي يرسل الرياح والفيضانات ويحرق الغابات، وهو الذي سيظلّ يقف في وجه أمريكا حتى يزلزل الأرض من تحتها!

وفي الوقت نفسه يقول: إنّ الإمام الحجة يناديكم: هل من ناصر ينصرني!

ولا يدري هذا المغفّل الجاهل كيف يوفق بين قوله: إنّ الحجة يتحكّم بالكون كلّه، وقوله: إنّ الحجة لم يظهر حتى الآن؛ لأنه لن يجد من ينصره، وهو على الدوام ينادي:

هل من ناصر ينصرني؟!

إذا كان هذا الحجة الموهوم، يتصرف بالكونِ، ويرسل الرياح والأعاصير، ويفجّر البراكين؛ فما حاجته إلى أناسٍ ضعفاء، ليسوا سوى عبيد ضعفاء عند ربهم الحجة!؟

وناهق ثالث يقول: كان إبليس من الجنّ، فبلغ رتبةَ سلطان الملائكة!

بم بلغَ هذه المرتبة السامية؟

ما بلغ تلك المرتبة السامية إلا بولايته أميرَ المؤمنين عليه السلام!

أتجد أخي القارئ أغبى وأجهل وأحقر ممن يعتقد بأمثال هذا الفكر الوسخ!

جميع ما تقدّم وأمثاله كثيرٌ كثير؛ ليس من دين الإسلام في شيء، إنما هو ضلالاتٌ وكفريّات، أثراً من آثار الجهل المركّب، والغلوّ البغيض الذي هو سمة هذه الطائفة!

إنّ الأكرادَ يعيشون في إقليمهم بعيدين عن أيّ ضغوطٍ سياسية وأمنيّة واجتماعية وطائفيّة، من الطائفيين الجهّال، الذين يتحكمون بمصير العراق ودينه وأخلاقه!

إنّما الذين تمارس عليهم جميعُ الضغوط؛ هم أبناء الإقليم السنيّ في العراق!

وفي تقديري الشخصيّ، فإنّ العراق لن يستقرّ، ولن يتطوّر، ولن يسوده الأمنُ، ولن يرتاح شعبُه كلّه، إلا إذا كان فيه إقليم سنيّ، لا سلطة لغير أهل السنة عليه، وإقليم شيعيّ، لا دخل لأهل السنة فيه!

ومن الغباء السياسيّ أن تحرص على وحدةٍ مع أناسٍ يرونك كافراً، ويستحلّون قتلك!

ومن يظنّ أنّ «داعش» وحدها، تعتقد بجواز قتل أتباع الحكومة الطائفية العميلة؛ فهو واهم!

فجماهير أهل السنة لا يرون الطائفيين الرافضة على دينٍ أصلاً، والرافضة لا يرون أهل السنة سوى نواصب، هم أكثر قذارةً ونجاسةً من اليهود والنصارى.

إنّ الدين الشيعيّ الإماميّ من أوّله إلى آخره؛ هو دينٌ سياسيّ، وسائر طقوسه ومظاهره وأعياده وذكرياته التي يقدسها، لا توحي بشيٍ آخر سوى ذلك!

وإنّ دين أهل السنّة؛ هو دين عباداتٍ وأخلاق فردية واجتماعية، أما في السياسة؛ فهو دين علمانيّ، أو كما قال الرئيس «أردوغان» الذي يجلّه ويعظمه جماهير أهل السنة: أفراد الأمة مسلمون، وسياسة الدولة علمانية!

ولعمري لم يكن معاويةُ شيئاً آخر سوى هذا، والمسلمون السنة لا يريدون أكثرَ من هذا أيضاً!

فأنا أنصح إلى قادة الفكر والقادة السياسيين العراقيين بأن يتوافقوا على فدراليّة الأقاليم الثلاثة: السني والشيعي والكرديّ، فهذا خيرٌ من دوام الصراع، وانهمار الدماء، وتعطيل النهوض بالبلد والتقدم والازدهار، والعيش بطمأنينة وأمان!

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً 

والحمد لله على كلّ حال.