السبت، 20 مارس 2021

قَريباً مِن السِياسَةِ (1):

نصيحةٌ سافرةٌ إلى القنوات الشيعيّة!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

سبق أن ذكرتُ بأنني أمضي شطراً من ليلي مع الوَحدَةِ، بكلّ ما تعنيه كلمة الوحدةِ من أرقٍ ومللٍ ووحشة!

وقد يقول لي قائل: كيف تقول هذا، فأين الأنسُ بالله تبارك وتعالى وقيام الليل؟

فأقول له باختصار: لستُ من أهل هذه المقامات، في حقيقةِ الأمر، وطيلةَ عمري أسعى إلى ذلك!

في بعض هاتيك الليالي الطويلة؛ أستمع إلى مقاطع فيديو للدعاة والمتحدّثين المسلمين!

وإنّ أقبح المقاطع التي أسمعها؛ هي تلك التي تصدر عن متحدثي الشيعة الإمامية!

حقد وجهل ووقاحة وقلة أدب، تنبئ عن تخلّف ورجعيّة وغوغائية أبناء الشوارع!

بعض هؤلاء الحمقى حقيقةً لا مجازاً، يوجّهون أقذر سهامهم إلى أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، غير آبهين بما تستلزمه مواقفهم الدنيئة من الإساءة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، وإلى الإمامِ عليّ والحسن والحسين عليهم السلام، إذ هي أمّهم بنصّ القرآن العظيم.

وغير مُفترضين أنّ أكثر تلك الروايات المسيئةِ؛ قد رُويت بالمعنى، على قدر ما حفظ الراوي وفهم، ثمّ عبّر بلغته هو، وليس بألفاظ أمّ المؤمنين عائشة!

وغير مُقَدّرين أنّ النواصبَ يبغضون عائشة، مثلما يبغضون عليّاً والحسنين عليهم السلام، فهم غير مأمونين على ما ينقلونه عنها.

وغير ناظرين إلى قُرب تلك الفترة الزمنية، من عهد الجاهليّة الهوجاء، وحياة البداوة القاسية والجافية!

إنّ حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما  وهو من المقربين - يحكي عن نفسه أنه استغربَ جلوسَ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، واستتارَه عند البول، فقال هو لمن معه من أصحابه:

(انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يبول كما تبول المرأة)!

ويُسأل سعيد بن المسيّب عن الاستنجاء بالماء بعد الأحجار، فيقول: (ذاك وضوء النساء)!

أجل إنه وضوء النساء؛ ليكنّ نظيفاتٍ، حتى لا يقرف منهن أعراب العرب!

أمّا حضرات الرجال؛ فليسوا في حاجةٍ إلى تطهير وتنظيف أنفسهم بالماءِ؛ لأنّ موقف المرأة غير مهمّ لديهم!

وغير ملتفتين إلى تلك المرأةِ الصحابيةِ التي أمسكت طرف ثوبها، وقالت للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: ليس مع زوجها  يعني عضوه الذكريّ  إلا مثل هدبة ثوبها!؟

إنّ أحد أولئك المتحدّثين يصف أمّه عائشةَ بأنها كذا، وكذا، وكذا، من دون أدنى حياء، ولا مراعاة لجناب زوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن دون  خوفٍ من الله عزّ وجلّ.

نحن لو افترضنا صحّةَ جميعِ الرواياتِ الواردة في الصحيحين، مما ينتقده أولئك السفلةُ المجرمون؛ فهل يكفي هذا حسب قواعد الإثبات في الفقه الإسلاميّ لاتّهام أمّ المؤمنين بما يطلقونه عليها من أوصاف؟!

يا أيها الناس: إنكم تكرّسون في أنفسنا أنكم أناس متوحشون متخلفون حاقدون غير مؤهلين للتعايشِ والمواطنة، وأن السبيل الوحيد لدرء شروركم وإساءاتكم؛ هو إعلانُ الحربِ الإعلاميّة عليكم، والسعيُ في محاصرتكم وإخضاعكم!

وهذا شيء لا أرضاه أنا، ولا أدعو إليه، لكنه السبيلَ الوحيدُ الذي يتراءى لي أمام هذا السيل الجارفِ من السفه والحقد الذي تقيؤه تلك القنوات الجاهلة الرخيصة المريضة!

عشت سنين طويلةً من حياتي، وأنا ألتمس لكم الأعذار، وأدافع عن جهالاتكم، بما لقيتموه من قسوة الحكام الظالمين!

وإذا بي الآن أكاد أرى فيكم ما كان يراه أولئك الحكّام الظالمون، فأنتم لا تفهمون إلا لغةَ القهرِ والقمعِ والإخضاع!

ثوبوا إلى رشدكم، واتّقوا الله ربّكم، إذا كنتم من أهل الإسلام حقّاً، وإلا فإنّ المستقبلَ أشدّ سواداً من تاريخكم المشحون باللطم والتطبير ومسيرات الغوغاء!

والله المستعان.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

مسائل فكرية (8):

سَبيلُ المؤمنين!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

في حوار مع أحد الإخوة العلماء؛ طرحَ مسألةَ سنّة الصحابة، وسنّة أئمة آل البيت رضي الله عن الجميع!

فقلت له: لا يوجد ثمة سنّةٌ للصحابة، ولا سنّة للراشدين، ولا سنة للشيخين أبي بكر وعمر، ولا سنّةٌ لأئمة آل البيت، في الإسلام!

قال: أعتذر منك وأقول لك: «أنت دائماً متسرّع يا شيخ عداب» إلخ الحوار الطويل بيننا!؟

أقول وبالله التوفيق:

يستدلّ أهل السنّة من القرآن العظيم، على وجود سنّةٍ «سبيلٍ» خاصٍّ للصحابة،  رضي الله عنهم، بقول الله تبارك وتعالى:

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) [التوبة].

وبقوله جلّ وعزّ:

(وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ، مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى، وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ؛ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى، وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ، وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) [النساء].

ويقولون: إننا ملزمون باتّباع صحابةِ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ استدلالاً بهاتين الآيتين المدنيّتين.

ومن المعلوم في آداب البحثِ، وفي آداب المناظرة أيضاً؛ أنّ الاستقراءَ هو السبيلُ الوحيد، الذي يعطي نتيجةً صحيحةً، يمكن التزامُها، أو إلزام المخالفِ بها.

ونحن إذا ذهبنا إلى ميدان الاستقراء القرآني؛ سنجد أنّ هذا العمومَ مخصوصٌ بمخصّصاتٍ كثيرة، لعلها تضيّق إعمالِ دلالة النصّ على مجموع الصحابة إلى أبعد الحدود!

وقبل أن نتناولَ المخصصات الكثيرة؛ يحسن أن نصوّر المجتمعَ المدنيَّ في عهد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم:

قال الله تعالى:

1- (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100).

2 (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101).

3- (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) [التوبة].

- فالمجتمع المدنيّ فيه السابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار، رضي الله عنهم.

- وفي المجتمع المدنيّ ذرّياتُ هؤلاء السابقين ونساؤهم، الذين تأثروا بسيرتهم!

بدليل قوله تعالى:
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) [الطور].

- وفي المجتمع المدنيّ أهلُ المدينة الذين دخلوا في الإسلام فيما بعد، ولم يكونوا من السابقين، ولم تكن استقامة هؤلاء كاستقامة السابقين.

(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102).

- وفي المجتمع المدنيّ كثرة كاثرةٌ من المنافقين، ليسوا أربعة عشر، ولا أربعَ عشرةَ مائة!

قال الله تعالى:

(الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَ اللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَ اللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) [التوبة].

(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (14) [الحجرات].

(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101).

من هؤلاء الأعراب الكثيرين؛ جماعةٌ مؤمنة طيّبة!

(وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) [التوبة].

بيد أنّ الأعراب المنافقين حولَ المدينة!

والمنافقين المرَدَةَ من أهل المدينة!

والأربعة عشر منافقاً الذين همّوا بقتل الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في غزوة تبوك؛ جميعهم غير معروفين للمسلمين، كما هو نصّ الآية المتقدمة (101)!

ومن أغرب غرائب دعوى عدالة جميع الصحابة لدى أهل السنة؛ إجماعُهم على أنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يعامل جميعَ المنافقين، بمن فيهم كبيرهم عبدالله بن أبيّ بن سلول، معاملة المسلمين، حتى في الزواج والطلاق!

أمّا أين ذاب أولئك المنافقون عقبَ وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكيف انقلبوا إلى عُدولٍ، متى صحّ الإسنادِ إلى أحدهم، فهو سنّة يجب الالتزام بدلالتها؛ فهذا لا جواب عليه سوى الصراخِ والاتّهام!

- وفي المجتمع المدنيّ كثرةٌ كاثرة من الطلقاء، الذين أسلموا في فتح مكّة تحت السيف!

فهؤلاء كانوا يعاملون معاملةَ الصحابة الكرام، وعقب وفاة الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلم كانوا هم المسيّرين لدفة سياسة الدولة الإسلامية، بسبب كثرتهم وقوّة نفوذهم!

ولا يخفى أنّ المقاتلين من هؤلاء كانوا يزيدون على ثلاثةِ آلاف فارس!

ولك أن تتخيّل أخي الكريم أنّ عشرةَ آلاف طليقٍ؛ صاروا عقبَ وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مباشرةً عدولاً، وغدا بعضهم قادةَ جيوش، وحكّام أقاليم!؟

مع أنّ الذين نصّ الحافظ ابن حجر في الإصابة على أنّهم «حسن إسلامهم» منهم (42) رجلاً، و(6) نسوة فحسب!

إذا كانت هذه صورة المجتمع المدنيّ؛ فمن هم الصحابة الذين علينا أن نتّبعهم؟

- أهم المنافقون؟

- أهم الذين في قلوبهم مرضٌ؟

- أهم الذين قال الله تعالى فيهم:

(وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) [الجمعة].

وسورة الجمعة من أواخر ما نزل من القرآن العظيم؟

- أم هم الذين خلطوا عملاً صالحاً، وآخر سيّئاً؟

لا ريبَ بأنّ جميع هؤلاء غير مقصودين بقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ).

والذي يتبادَر إلى ذهن الباحث؛ أنّ المقصودين بهذا الخطاب الكريم؛ هم السابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار، ومَن اتّبعهم بإحسانٍ مِن ذريّاتهم.

وهذا من حيث المبدأ؛ طيّب مقبول، من دون شكٍّ ولا ريب، رضي الله عنهم وأرضاهم!

لكنّ هذا المتبادَرَ سَرَعانَ ما يُخصَّصُ هو الآخر، بعد الوقوف على قول الله تعالى:

(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) [التوبة].

موطن الشاهدِ أنّ أكثرَ المجاهدين في سبيل الله تعالى؛ ليسوا من أهل الفقه والعلم، وأنهم في حاجةٍ إلى من يفقّههم في الذين، ويعظهم ويذكّرهم بأهوال الآخرة ليظلوا على الاستقامة النسبية!

ويخصّص هذه الآيةَ الكريمةَ أيضاً قولُ الله تبارك وتعالى:

(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82).

وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ، وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ؛ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) [النساء].

موطن الشاهدِ أنّ الطائفة التي نفرت لطلبِ العلم، يصلحون لتذكير الناس، وتعليمهم ما يحتاجونه من الفقه في نشاطاتهم اليوميّة، لكنهم لا يستقلّون بذلك!

إنما الذين يستقلّون بذلك، المجتهدون الذين ينطبق عليهم قول الله تعالى: (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ).

هذا يعني أنّ الذين علينا اتّباعُهم؛ هم المجتهدون من الصحابة رضوان الله عليهم!

فمن هم المجتهدون أوّلاً، وكيف سبيلُ اتّباعهم ثانياً؟

وبعد تتبعي الكبير لحصر المجتهدين المستقلّين؛ وجدتهم عليّاً وعمر وابن عبّاسٍ وعائشةَ، ولزيد بن ثابتٍ فقه كثير، وعائشة أمّ المؤمنين، رضي الله عنهم.

وللصحابة الآخرين فتاوى منقولة عن الرسولِ صلى الله عليه وآله وسلّم، أو عن واحدٍ من هؤلاء المتقدّمين، لكنهم ليسوا مستقلين بالاجتهاد.

ويحسن قراءةُ كلام وليّ الله الدهلويّ في كتابه «حجّة الله البالغة» (1: 406) فما بعد.

وقراءةُ كلام الدكتور عبدالرحمن بن معمّر السنوسيّ في أطروحته القيّمة للدكتوراه «الاجتهاد بالرأي في عصر الخلافة الراشدة» (ص: 67 - 75).

ولا ريب عندي في أنّ الإمامَ عليّاً عليه السلام؛ هو الأفقه والأعلم والأقضى!

وإذا أردنا أن نوسّع دائرة المجتهدين ولو الاجتهاد الجزئيّ بين الصحابة؛ فنقول:

قال الإمام البزدويّ الحنفيّ في أصوله (2: 378):

« أَمَّا الْمَعْرُوفُونَ يعني بالفقه - فَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَعَبْدُاللهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُاللهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُاللهِ بْنُ عَمْرٍو وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبْلٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعَائِشَةُ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ اُشْتُهِرَ بِالْفِقْهِ وَالنَّظَرِ.

وَحَدِيثُهُمْ حُجَّةٌ، إنْ وَافَقَ الْقِيَاسَ أَوْ خَالَفَهُ!

فَإِنْ وَافَقَهُ؛ تَأَيَّدَ بِهِ، وَإِنْ خَالَفَهُ؛ تُرِكَ الْقِيَاسُ بِهِ».

بيد أنّ من المقطوع به؛ أنّ هؤلاء الفقهاءَ من الصحابة قد اختلفوا في اجتهاداتهم في المسألة الواحدة.

فقولُ أيٍّ منهم هو الذي علينا اتّباعُه، حتى نكون متّبعين (سبيلَ المؤمنين)؟

لأجل هذه الوِقفة الصعبةِ قال العلماء: إجماع الصحابة هو الملزم، فحسب!

قال الفقير عداب:

أنا أفهم المسألةَ بعيداً عن الإطار الفقهيّ أو الاجتهاديّ تماماً!

إنما هي إطارِ تسليم السابقين الأوّلين والذين اتّبعوهم بإحسان إلى حكمِ الله تعالى وحكم رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم!

قال الله تبارك وتعالى:

(إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ؛ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51).

وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) [النور].

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ.

إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ)[النور].

(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) [النساء].

هذه الآيات الكريمات ومثيلاتُها؛ تظهر سبيلَ المؤمنين في التلقي عن الله تعالى وعن رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

والله تعالى يريدنا أن نتّبعهم في هذا المنهاج الإيماني القويمِ، وليس في اجتهاداتهم!           

والله تعالى أعلم

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ. 

الجمعة، 19 مارس 2021

 بسم الله الرحمن الرحيم

إخواني الأحبة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اعتباراً من صباح يوم الغد السبت (20) آذار (مارس) سأنشر مقالاتي على هذه المدونة، فمن أحب متابعتي؛ فأهلاً ومرحباً به،

ودمتم سالمين.

والحمد لله رب العالمين.

الأحد، 24 يناير 2021

 قريباً من السياسة (1):

في ظلال تفجيرات العراق!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).


العراقُ بلدٌ عربيّ مسلم قويٌّ رائد، يفرح المسلمون الصادقون لخيره، ويحزنون لحزنه!

وقد آلمتنا تفجيراتُ أمسِ الخميس أشدَّ الألم، وأحبطتنا إحباطاً شديداً!

أسأل الله تعالى أن يغفر ويرحم ويعطف ويتلطّف بضحايا تلك التفجيرات الإجرامية، وأن يتقبلهم في الشهداء والصالحين، وأن يعافي الجرحى والمصابين ويجزل لهم المثوبة على ذاك الابتلاء الذي نزل بهم!

ثمّ أقول: 

صدّام حسين عند أكثرِ أهلِ العراق؛ كان طاغيةً قاتلاً مِسْعَرَ حروبٍ، وكان من السبعة الذين عقروا ناقة نبيّ الله تعالى صالح عليه السلام!

وقد انتهى عهدُ صدّام منذ سبعة عشر عاماً!

ثم جاءت الحكوماتُ الوطنيّة الديمقراطية السلمية الأمريكية، فقتلت من الشعب العراقي، الذي لم يَرْضَ بوطنيّتها الأمريكية أضعاف ما قتلَ صدّامٌ ومَن قبلَ صدّام!

هذه الحكومات الوطنية التي أرجعت العراق إلى ما قبل عهد الاستعمار البريطانيّ!

نهبت ثرواته، وأفقرت شعبَه، وجهّلته، وأضعفت مؤسساته العلمية والاجتماعية والسياسية والعسكرية!

وقد أيقظت تلك الحكوماتُ النعرات المذهبيّة، وسمحت للمظاهر الطائفيّة المتخلّفة أن تبالغَ في عرض فعالياتها، وأذنت لكلّ مغالٍ ومبتدع ومارقٍ من الدين أن يجاهر بما لديه من ضلالاتٍ وكفريّات وحقاراتٍ مقرفة مقزّزة!

فواحد يقول: إنّ نهج البلاغة أظهر بلاغةً وفصاحةً من القرآن العظيم!

وناعق آخر يقول: اعبدوا ربّكم الإمامَ الحجة، فأنا أعبد الإمام الحجة ربي وربكم وربّ الكون، وأعبد جدّه ربي محمداً صلّى الله عليه وآله وسلم.

ويقول: إنّ جنود الإمام الحجة (313) صاروا جاهزين، وهؤلاء جهزوا اثني عشر ألفاً، والاثنا عشر ألفاً جهّزوا سبعةً وخمسين ألفاً، وهم بانتظار إشارة الإمام روحي له الفداء!

ويزعم هذا المفتري أنّ الإمام الحجة هو الذي يرسل الرياح والفيضانات ويحرق الغابات، وهو الذي سيظلّ يقف في وجه أمريكا حتى يزلزل الأرض من تحتها!

وفي الوقت نفسه يقول: إنّ الإمام الحجة يناديكم: هل من ناصر ينصرني!

ولا يدري هذا المغفّل الجاهل كيف يوفق بين قوله: إنّ الحجة يتحكّم بالكون كلّه، وقوله: إنّ الحجة لم يظهر حتى الآن؛ لأنه لن يجد من ينصره، وهو على الدوام ينادي:

هل من ناصر ينصرني؟!

إذا كان هذا الحجة الموهوم، يتصرف بالكونِ، ويرسل الرياح والأعاصير، ويفجّر البراكين؛ فما حاجته إلى أناسٍ ضعفاء، ليسوا سوى عبيد ضعفاء عند ربهم الحجة!؟

وناهق ثالث يقول: كان إبليس من الجنّ، فبلغ رتبةَ سلطان الملائكة!

بم بلغَ هذه المرتبة السامية؟

ما بلغ تلك المرتبة السامية إلا بولايته أميرَ المؤمنين عليه السلام!

أتجد أخي القارئ أغبى وأجهل وأحقر ممن يعتقد بأمثال هذا الفكر الوسخ!

جميع ما تقدّم وأمثاله كثيرٌ كثير؛ ليس من دين الإسلام في شيء، إنما هو ضلالاتٌ وكفريّات، أثراً من آثار الجهل المركّب، والغلوّ البغيض الذي هو سمة هذه الطائفة!

إنّ الأكرادَ يعيشون في إقليمهم بعيدين عن أيّ ضغوطٍ سياسية وأمنيّة واجتماعية وطائفيّة، من الطائفيين الجهّال، الذين يتحكمون بمصير العراق ودينه وأخلاقه!

إنّما الذين تمارس عليهم جميعُ الضغوط؛ هم أبناء الإقليم السنيّ في العراق!

وفي تقديري الشخصيّ، فإنّ العراق لن يستقرّ، ولن يتطوّر، ولن يسوده الأمنُ، ولن يرتاح شعبُه كلّه، إلا إذا كان فيه إقليم سنيّ، لا سلطة لغير أهل السنة عليه، وإقليم شيعيّ، لا دخل لأهل السنة فيه!

ومن الغباء السياسيّ أن تحرص على وحدةٍ مع أناسٍ يرونك كافراً، ويستحلّون قتلك!

ومن يظنّ أنّ «داعش» وحدها، تعتقد بجواز قتل أتباع الحكومة الطائفية العميلة؛ فهو واهم!

فجماهير أهل السنة لا يرون الطائفيين الرافضة على دينٍ أصلاً، والرافضة لا يرون أهل السنة سوى نواصب، هم أكثر قذارةً ونجاسةً من اليهود والنصارى.

إنّ الدين الشيعيّ الإماميّ من أوّله إلى آخره؛ هو دينٌ سياسيّ، وسائر طقوسه ومظاهره وأعياده وذكرياته التي يقدسها، لا توحي بشيٍ آخر سوى ذلك!

وإنّ دين أهل السنّة؛ هو دين عباداتٍ وأخلاق فردية واجتماعية، أما في السياسة؛ فهو دين علمانيّ، أو كما قال الرئيس «أردوغان» الذي يجلّه ويعظمه جماهير أهل السنة: أفراد الأمة مسلمون، وسياسة الدولة علمانية!

ولعمري لم يكن معاويةُ شيئاً آخر سوى هذا، والمسلمون السنة لا يريدون أكثرَ من هذا أيضاً!

فأنا أنصح إلى قادة الفكر والقادة السياسيين العراقيين بأن يتوافقوا على فدراليّة الأقاليم الثلاثة: السني والشيعي والكرديّ، فهذا خيرٌ من دوام الصراع، وانهمار الدماء، وتعطيل النهوض بالبلد والتقدم والازدهار، والعيش بطمأنينة وأمان!

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً 

والحمد لله على كلّ حال.

الأحد، 13 ديسمبر 2020

شعر العام (2020):

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى أوغادِ التطبيع!؟

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ*

رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا، رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

 

قَصيدي إلى الأعرابِ، غير الأعارب!

                                                                 لحكّامِ أعراب الخليجِ السوائبِ!

وَرثتُم عمالاتٍ، طويلٌ تَليدُها

                                                                  وبتُّم جميعاً تَفخرون بعائبِ

تَلوذون بالأوشابِ رُكناً ومَنعةً

                                                                وترجون من صهيونَ حِفظَ الأقاربِ؟

ألا هَل عَسى يأتي الجليلُ بأمره

                                                                وفتحٍ مبينٍ عاجلٍ، غير غائب!

فماذا يقولُ الفاسقون مُلوككم

                                                                    وماذا يَقولُ التابعون لعاتِبِ

فلسطين ليست لليهودِ مَباركاً

                                                               وليست لسكّان البلادِ الرواتِب

ولكنها للهِ أرضُ قداسةٍ

                                                               يُعظمُها الإسلامُ، فوقَ المراتبِ

هي الأرض باركها الجليلُ مُقدِّساً

                                                               وفي قلبها الأقصى عظيمُ المَتاربِ

وإنْ طال يومُ «الفتح» عنها، بِعُهركم

                                                              سيأتي به القهّار رُغمَ الشوائِب!

إليكم، فما قلبي عليكم بعاتبٍ

                                                            فعَهدي بكم أنذالُ هذي المراتبِ

فأنتم وأجدادٌ لئامٌ سبيلُكم

                                                            سلوكُ بني صهيونَ، شَرِّ الثَعالبِ 

ويُفجعُني أنّ الشريفينِ بَينكُم

                                                          حَليفا بني صِهْيون، صِنوَ الأشائبِ

مَتى كان في «آل الرسول» غوائلٌ

                                                        تَكيدُ لأهلِ الحقِّ مثلَ العقاربِ

بَرئتُ إلى الرحمانِ من كلّ مسلمٍ

                                                        يَرى صُلحَ صِهيون حميدَ العواقِبِ

فصبراً بني الإسلامِ، إنّ جهادَكم

                                                         أولئكم الأوغادَ؛ خيرُ المآوُبِ

فَعَيْشاً كريماً يا بَني العُربِ، مُسعداً

                                                          وإلا فَإنّ الموتَ خيرُ النوائب!

سلامٌ على مَروانَ في روضِ نُزلِهِ *

                                                          فقد كانَ أوعَى مِن خطيبٍ وكاتِب!

 

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

والحمد لله على كلّ حال.

_______

* مروان: هو الشهيد مروان بن خالد حديد الحسينيّ الحمويّ، استشهد في سجن النظام المجرم في سوريا، عام (1976) رحمه الله تعالى، ورحم إخوانه وتلامذته الشهداء الأبطال.


الاثنين، 30 نوفمبر 2020

 

قريباً من السياسة ():

إلى النظام الحاكم في إيران!؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا، رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

 

إنّي ليحزنني أشدّ الحزنِ أن يكون قادة إيران وعلماؤها الكِبار نهبَ سيوف ورماح الصهيونية العالمية، والاستكبار الصليبيّ!

وإنني حزنت كثيراً لاستشهاد العالم «محسن فخري زاده» ورأيتُ قلبي يضطرب، ودموع عينيّ تحرق مآقيها، وتنساب لاذعةً على قسمات شيخوخة وجهي!

عظّم الله أجر أبناء الفقيد وأهله وأسرته وأحبابه، والشعب الإيرانيّ المسلم!

أمّا أنتم يا قيادةَ النظام الحاكم في إيران:

مَثَلُكم مثلُ النظام المجرم المتسلط في سوريا، نسمع منكم جعجعةً، ولا نرى قبضةً من طحين!

تهتكُ دولة الصهاينة حرماتِ أجواء سوريّا وأجواء إيران، وتدمّر من الأهداف ما تشاء أن تدمّره وأنتم تتبجّحون بأنكم ستردّون على إرهابهم الموجع في الزمان والمكان المناسبين!

نحن لا نجهل أنّ الهجوم على دولة بني صهيون؛ هو هجومٌ على العالم الصليبيّ الغربيّ، وأنّه سيستنفر كلّ إمكاناته للدفاع عن ربيبته «عاهرة صهيون»!

هذا مفهوم، ومفهومٌ أيضاً أنّ حكام العرب، وخاصةً حكّام الخليج عملاء أذلاء خانعون خاضعون للأمريكيّ!

لكنّ حكّام الخليج العملاء الجبناء؛ أصدق منكم، وأشجع منكم، إذ يقولون: مصالحهم تقتضي أن يستظلّوا بظلال أمريكا!

أمريكا ربٌّ، وألف جبانٍ

بيننا راكعٌ على قدَميه!

فإذا كنتم ترون أنفسكم ضعفاءَ، وترون الحصار أنهككم، وترون وضع الداخل الإيراني لم يعد يسمح بالحروب والنزاعات؛ فلا تتبجّحوا، ولا تتشدّقوا بما تزعمون أنكم ستفعلونه!

اسكتوا ما دمتم عاجزين، فنحن والله مللنا تهديدكم ووعيدكم وصراخكم، ولم يعد لدينا شعور بأنكم قادرين على إلحاق أيّ أذىً أو ضررٍ بإسرائيل، فضلاً عن ساداتها وموجّهيها.

كلّ الذي تستطيعونه؛ هو تمزيق البلاد العربية، وإفقارها، وقتل شبابها، وضياع نسائها وأطفالها!

وأريد أن أسألكم سؤالاً واحداً فحسب: هل أنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر حقّاً؟

وهل تظنون أنكم ملاقو الله عزّ وجلّ، وأنه سيسألكم عن نصف مليون مسلمٍ سوريّ ساهمتم بقتلهم؟

وهل النظام المجرم العلماني الملحد؛ يمكن أن يقدّمه مسلمٌ على إخوانه المسلمين، حتى لو كانوا يخالفون خرافاته وبدَعَه التي لا تنتهي؟

أوّل ما سمعت باسم السيد الخمينيّ، كنت راكباً سيارتي أمام الحرم الشريف في مكة المكرمة، عام (1979) وكان معي زميل حمويّ فاضل، فرح بظهور الخمينيّ، وقال: الله يكتب لهذه الأمة الخلاص على يد سنيّ، على يد شيعيّ، على يد كائنٍ من كان!

قلت له: سجّل تاريخ اليومِ والساعة على هذا الكتابِ، وكنت قد اشتريت توّاً كتاب تدريب الراوي، فسجّل تاريخ الشهر واليوم والساعة، وقال: وبعدين؟!

قلت له: سترى في المستقبل القريبِ شرورَ هذا الرجلِ، وما سيجلبه على أمة الإسلام من مصائب!

وما هي إلا شهورٌ قليلةٌ، حتى أوقد بحقده حرباً، استمرت ثماني سنين!

ورفض جميع الدعواتِ التي توسّلت إليه لإيقاف الحرب!

ولكنّ الحقدَ أعمى بصرَه، حتى ذهب ضحية حقده أكثر من مليون مسلم إيراني وعراقيّ، أكثر من (70%) منهم من الشيعة المساكين!

ختاماً: أيها القادةُ في النظام الإيرانيّ الحاكم:

والله ستموتون، وتحشرون، وتُسألون عن القتل والدمار، الذي تتسببون به لبلادكم وبلاد العرب المسلمين!

ولن ينفعكم عند الله تعالى أبداً؛ دعواكم الدفاع عن محوَر «المقاومة»!

أيّ مقاومة هذه التي تزعمون، والنظام العلماني الملحد في سوريّا متصالح مع إسرائيل منذ العام (1974) وهو يحمي حدودها، ويتبادل المعلومات الأمنية معها، ولم يحدثْ أن استطاع شابّ مجاهد واحد أن يتخطى حدودها!

عودوا إلى رشدكم، واتّقوا الله ربكم، وتذكّروا وقوفكم بين يدي حكم عدل، سيحاسبكم على كلّ كلمة أو حركة خاطئة قمتم بها!

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) [الزلزلة].

 

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

هذا.. وصلى الله على سيّدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

 

الجمعة، 20 نوفمبر 2020

 

مسائل فكرية

هل أوربا مسيحية؟

كتب يسألني: هل أوربا تدين بالمسيحية حقا؟ وهل يجوز لي الزواج من امرأة أوربية؟

أقول وبالله التوفيق: هذا سؤال كبير، يحتاج إلى صفحات كثيرة أختصرها بكلمات:

من المقطوع به أن جميع أنظمة الحكم في أوربا علمانية، تحل ما حرم الله تعالى، من الربا والزنى والسحاق واللواط، وغير ذلك من المحرمات الكثيرة المتفق على تحريمها في الأديان الربانية، التي يسمونها سماوية. وهذا يعني أن هذه الأنظمة مشركة كافرة باليهودية والمسيحية والإسلام. أما بالنسبة لشعوب أوربا؛ فأنا لا اعرفهم المعرفة الشرعية. ولذلك أقول كلاماً فقهياً عاماً: كل من يجيز الربا، أو الزنى، أو السحاق، أو اللواط، من الشعوب الأوربية؛ فهو كافر مشرك، حتى لو زعم أنه يهودي، أو مسيحي. وحتى لو كان يرتاد الكنيس، أو الكنيسة! رجلاً كان أو امرأة.

فأنت إذا أردت أن تتزوج امرأة أوربية؛ فيجب عليك أن لا تتسرع، فعرفها بالإسلام أولاً، فإذا شرح الله تعالى صدرها للإسلام؛ فالحمد لله على هدايتها، وزواجك منها لا خلاف على صحته عندئذ.

وإذا رفضت الإسلام، وزعمت أنها مسيحية فيجب عليك أن تسألها سؤالين:

الأول: ماذا تعرفين عن المسيحية؟

والثاني: هل تعتقدين بصواب نظام الحكم عندكم، وبقوانينه؟

فإن وافقت على نظامها وقوانينها؛ في مثله! وإذا تبين لك انها لا تعرف عن المسيحية شيئا؛ فيجب أن تعرفها بأن العهد القديم الذي فيه تشريع اليهودية والمسيحية؛ يحرّم على المرأة إظهار شعرها وجهها، وبالتالي، فهي تحرم عليها كشف يديها ورجليها، فضلاً عن صدرها، فما بالك بالبكيني؟ والمسيحية تحرم الزنا واللواط والسحاق والمصافحة والقبلة والصداقة والمبيت مع رجل أجنبي! فإذا رفضت هذا كله، وزعمت أن هذه الأمور من الحرية الشخصية مثلاً؛ فهي مشركة، لا يجوز الزواج منها، حتى تعتنق الإسلام، أو تعتقد بمضامين العقيدة والشريعة اليهودية والمسيحية معاً، عندها تغدو من أهل الكتاب.

بقيت نقطة واحدة، وهي الإحصان، فالله تعالى يقول: (والمحصنات من المؤمنات، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) والمحصنة: هي المرأة الطاهرة العفيفة هنا، أما الكتابية الزانية؛ فلا يجوز نكاحها، حتى لو زعمت أنها تابت، أو وعدت أن تتوب، قال الله تعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية او مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) وتفسير الآية: الزاني المسلم التائب ينكح زانية مسلمة تائبة، والمشرك لا ينكح إلا مشركة، ولا يجوز أن ينكح مسلمة، سواء كانت محصنة أم زانية، والكتابية الزانية: زانية ومشركة معاً؛ فلا يجوز أن ينكحها الإنسان المسلم، أما إذا أسلمت؛ فالإسلام يجبّ ما قبله.

والله تعالى أعلم، والحمد لله على كل حال.

 

مسائل فكريّة

الكتابُ والسنّة بفهم سلفِ الأمة!؟

رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا، رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

وضعَ المسلمون لأنفسهم قواعدَ سخيفةً هزيلةً، ما أنزل الله بها من سلطان! وهي لا تدلُّ على أكثر من الجهلِ والتقليد البغيض؛ منها تعريفُ السلف الصالح، فهل السلف الصالح هم الصحابة؟ بهذا قال الإمام الشافعيّ تطبيقاً عمليّاً، أم أنّ السلف الصالح هم جيل الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلم، من الصحابة رضي الله عنهم، وأبنائهم، وبنيهم؟ بهذا قال كثير من أهل العلم، أم أنّ السلف الصالح هم أجيال القرون الثلاثة؟ بهذا قال بعض أهل العلم، ومنهم الحنابلة، وابن حبّان!

وأنا أسألكم: هل من دليلٍ ملزمٍ بواحدٍ من هذه الفهومِ؟

من السَلَف الذين نقتدي بفهومهم؟

إذا أجمع السلفُ على شيءٍ؛ فلا ارتياب لديّ، في وجوب متابعتهم فيه، لكنْ إذا اختلفوا، فبقولِ أيٍّ منهم نأخذ؟ الشيعة وعلماءُ آل البيتِ من أهل السنة يذهبون إلى قول ابن عبّاس: «إذا جاءنا الثبتُ عن عليٍّ؛ لم نغادر قوله إلى قول غيره. وأهل الشام يقولون: لا يجوز تجاوز المذاهب الأربعة في الفقه! أما في المعتقدات؛ فهم يُخرجون الحنابلةَ من أهل السنة، ويقصرون أهل السنة على الأشعرية والماتريدية، على ما بين الفرقتين من خلاف، وعلى ما بين الأشاعرة أنفسهم من خلاف! ثمّ إنّ علماء الأمة أبا حنيفةَ ومالكاً وأحمدَ؛ لم يؤثرْ عنهم قدرةٌ فائقة في علوم القراءاتِ والتفسير وعلوم العربية، بل ولم يؤثر عن واحدٍ منهم تفسير سورةٍ من السور! فكيف لا يجوز الخروج على أقوالهم في فهم الكتاب والسنة؟ وإذ أنني غير قادرٍ على التطويل؛ فيكفي نقلُ هذه النصوصِ من كتاب واحد:

قال الإمام الشافعيّ في الأم (7: 172) تحت عنوان: «اخْتِلَافُ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا» أَبْوَابُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ: قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ زَاذَانَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الْغُسْلِ؟ فَقَالَ: اغْتَسَلَ كُلَّ يَوْمٍ، إنْ شِئْت! فَقَالَ: لَا! الْغُسْلُ الَّذِي هُوَ الْغُسْلُ؟ قَالَ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمُ الْفِطْرِ! وَهُمْ – الحنفية - لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ هَذَا وَاجِبًا. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ عَلِيّاً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْكَفَّيْنِ! وهَكَذَا يَقُولُونَ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي السَّوْدَاءِ، عَنْ ابْنِ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَوَضَّأَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فمسحَ ظَهْرَ قَدَمَيْهِ [التصويب من معرفة السنن والآثار (2: 126)] وَقَالَ: لَوْلَا أَنّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَمْسَحُ ظَهْرَ قَدَمَيْهِ؛ لَظَنَنْت أَنَّ بَاطِنَهُمَا أَحَقُّ! أَبُو مُعَاوِيَةَ: عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانِ قَالَ: رَأَيْت عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى النَّعْلَيْنِ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ وَصَلَّى! ابْنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ؛ أَنَّهُ رَأَى عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَلَ ذَلِكَ. ابْنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَكْتَلَ بْنِ سُوَيْد بنِ غَفَلَةَ؛ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَلَ ذَلِكَ. مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إسْمَاعِيلَ، عَنْ مَعْقِلٍ الْخَثْعَمِيُّ، أَنَّ عَلِيًّا فَعَلَ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ وَلَا أَحَدٌ نَعْلَمُهُ، يَقُولُ بِهَذَا مِنْ الْمُفْتِينَ! [يريد: من أهل السنة]. خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ: عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الْبَخْترِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ فَتَمُوتُ؟ قَالَ عليٌّ: تُنْزَحُ حَتَّى تَغْلِبَهُمْ! قَالَ الشافعيُّ: وَلَسْنَا وَلَا إيَّاهُمْ نَقُولُ بِهَذَا! أَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ بِمَا رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ (إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ؛ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا). وَأَمَّا هُمْ فَيَقُولُونَ: يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ، أَوْ ثَلَاثُونَ دَلْوًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنه كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ؛ قَالَ: (لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، سُبْحَانَك ظَلَمْت نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ. وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ. إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ). وَقَدْ رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِنَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ، إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَبِهَذَا ابْتَدَأَ، يَقُولُ: (وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ) أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ، وَلَا يَقُولُونَ مِنْهُ بِحَرْفٍ! أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ وَكِيعٌ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ؛ أنه كَانَ إذَا تَشَهَّدَ قَالَ: (بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ). وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بِهَذَا! وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِيهِ كَلَامٌ كَثِيرٌ، هُمْ يَكْرَهُونَهُ.

قال الفقير عداب: من الغريب أنّ أهل السنة لا يروون تشهّد الإمام عليّ هذا، إنما أشار بعضهم إليه إشارة فحسب! كالبيهقيّ في السنن الكبير (2: 204) ومعرفة السنن (3: 59) وقال هنا: «وَالشَّافِعِيُّ ذَكَرَ إِسْنَادَهُ، وَلَمْ يَسُقْ فِي رِوَايَتِنَا هَذِهِ مَتْنَهُ» مع أنهم رووا قريباً من لفظ حديث عليّ عليه السلام؛ عن جابر بن عبدالله، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن الزبير، قال الفقير عداب: فإذا خالف الحنفية والشافعيّ الإمام عليّاً عليه السلام، بهذه المسائل وعشراتٍ غيرهِا، مما نقله الشافعيّ في الأمّ وغيره، فمن هم أولئك السلفُ الذين يَلزَمنا فهمهُم؟ أفي الصحابة كلهم أفقه من عليٍّ وأفهم؟ أفي الصحابة والتابعين وأتباعهم أفقه من عليٍّ وأفهم؟ فإذا جازَ مخالفةُ أبي حنيفة والشافعيّ للإمام عليٍّ، فمخالفةُ أهل العلم لهما ولغيرهما أيسر وأسهل!

صفوة القول: إنّ العاميّ لا مذهب له، ومذهبه مذهب من يفتيه من أهل العلم. وفهم السلف الصالح – ما لم يجمعوا – ليس ملزماً لأحدٍ، لا في العقائد، ولا في التفسير، ولا في الفقه!

والله تعالى أعلم، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، هذا.. وصلى الله على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً والحمد لله على كلّ حال.