الاثنين، 22 سبتمبر 2025

        التصوف العليم:

الحَمدُ للهِ على نعمةِ التَصوّفِ !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(الحمدُ للهِ، وسَلامٌ على عِبادِه الذين اصْطَفى(.

أمّا بعد: أعتذرُ من جميع قرّائي وأصدقائي الكرامِ، إذا صرّحتُ بأنني لا أتابعُ أحداً منهم البتّةَ، ولذلك أسباب عديدةٌ عندي، أيسرها اجتنابُ سبّ بعضهم أو سبّ قرّائه إيّاي، جهلاً أو حُمقاً أو لؤماً أو هوى!

وجميعُ تعليقاتي التي ترونها على صفحات «الفيس» أسطُرها عندما تمرّ بي صفحةُ أحدهم!

وإذا علّقتُ ناصحاً، وشتمني أحدُ السفهاءِ؛ لا أعلّق على كلامه غالباً، لأنني أعذر الناسَ بالجهلِ، كما أعذرهُم بالاجتهاد!

وقد ظَهرتْ أمامي صفحةُ «دكتور» في الحديث النبويّ الشريف، شتم فيها عدداً من أكابرِ علماء المسلمين شتائمَ قميئةً، يستحيي المسلمُ العاقلُ - فضلاً عن العالم - أن يقذف بها أحدَ سفهاءِ العوام، وممّا قال: «الكوثريّ على وساختِه».

كنت في الرابعةِ أو الخامسةِ من عمري - تقريباً - عندما استأذنتُ والدتي لأشتري حلوى من دكان الحيّ القريبة من بيتنا.

سمعتُ أحدَ الصغارِ يشتمُ صغيراً آخر، يقول له: «أخو القــــ..ح، ابن القــــ..ح» ويضربُ أحدُهما الآخرَ.

عندما رجعتُ أحملُ الحلوى؛ خَلّصتني إحدى بناتِ عمّي الأكبرِ مني سنّاً قليلاً الحلوى، وراحت تقضمها بسرعةٍ حتى لا يُشاركها بها أحدٌ من صغار الدار!

غضبتُ منها كثيراً، وشتمتها «رَشّاً» عدداً من تلك الشتيمةِ التي سمعتها في «الحارة» وأنا لا أعرف من معناها، إلّا أنها تعبيرٌ عن الغضب والاستنكار!

والدةُ بنتِ عمّي؛ هي أمّي من الرضاعِ، عندما سمعتني أشتم ابنتها بتلك الشتائم؛ ضربت وجهها بكفّيها، وأقبلت عليّ، وأطبقت بكفّها على فمي، وهي تقول: «عيب يا عداب، لو سمعك جدُّك، سيسلخُ جلدَك» وكنّا نهابُه هيبةً عجيبةً رحمه الله تعالى.

لست أدري من الذي أبلغَ جدّي تلك المصيبةَ، فأجرى معي تحقيقاً مطوّلاً، وأنا «مثل الأطرش في الزّفّة» فلما استيقنَ من أنني لا أعرف معنى تلك الشتيمةِ؛ قال لي: «هذه الشتيمة تستوجبُ حدّ القذفَ ثمانين جلدةً» وأنا لا أعرف معنى القذفِ، ولا حتى معنى الجَلد!

كان لدى جدّي أنواع وأحجامٌ من أعواد «الخيزران» فاستلّ عوداً رفيعاً جدّاً، وضربني على كفيّ وقدميّ عشرين جلدةً، غدوت أصرخ حتى كاد يغمى عليّ!

ثمّ بعد عدّةِ أيّام جلدني على كتفيّ عشرين جلدةً أخر، حتى أتمّ ثمانين جلدةً في أسبوع، كما قال لي!

بعد هذه العقوبةِ؛ لا أتذكّر أنني شتمت مخلوقاً، أيّ شتيمةٍ جارحة!

وعلى كثرةِ الصراعاتِ الشخصية والحزبية والسياسيّة في أيّام شبابنا؛ كنت ربما ضربت خصمي بقسوة بالغةٍ، بيد أنني لا أتذكّر أنني شتمتُ أحداً منهم أيّ شتيمة!

كان شيخنا ومُربّينا الشهيد مروان حديد، رحمه الله تعالى رأساً في عفّة اللسان، مهما غضب وأثير، وأفظع شتيمة سمعتها منه طيلةَ أحد عشر عاماً من صحبته، جملة «هذا ابن الستّة عشر»!

حتى عندما شتمه الرئيس «أمين الحافظ» شتيمةَ «ابن شوارع» أجابه الشهيد مروان:

«ويلاك أمين: خلّ خصومتك شريفة، عيب عليك»!

سألته بعد سنواتٍ: شيخنا هو اسمه مركّب «محمّد أمين» لم خاطبته بأمين فحسب؟

قال مستاءً من سؤالي «الساذج»: هل يليق أن أذكر اسم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ أقول: «ويلاك... خلّ خصومتك شريفة»؟

في دُورِ الفقراء «الشاذليّة والنقشيّة والخلوتية والقادريّة والرفاعيّة» كانوا يربّوننا على احتمال الإخوان، والاستغفار لهم، والصبر على السفهاءِ والدعاء لهم.

ولعلّي سمعت جملة «ما فازَ من فاز إلّا بالأدب» وجملةَ «الأخلاقُ قبل العلم والذكر» وجملة «من عَلم أنّ كلامَه من عمله؛ قلّ كلامُه وكثر صمته» مئاتِ المرّات!

وأنا أسألُ ذاك الدكتور والمعلّقين على صفحتِه: «كم حسنةً تُسجّل في صحيفته» عندما جعل العلّامةَ الكوثريَّ - رحمه الله تعالى - «وَسخاً»؟

الصحابةُ رضي الله عنهم اختلفوا وقتلَ بعضُهم بعضاً، ولعنت طائفة منهم أنبلَ المسلمين وأتقاهم!

ونحن نختلف كثيراً، ولا يقتل بعضنا بعضاً، والحمد لله ربّ العالمين، أفلا نتذكّر تلك المعاني الساميةَ، فلا نفجر في خصوماتنا؟

ألم يسمع أولئك الإخوة الشتّامين قول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم (لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا.

الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) أخرجه البخاري ومسلم، وهذا لفظه.

ألم يسمعوا قول الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) أخرجه البخاري ومسلم.

وهل كلمة «فاسق» هيّنة لديهم، بل هل يليق بعالم أن يكون فاسقاً؟

ألم يسمعوا قول رسول اللهِ، صلى الله عليه وآله وسلم: (لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ؛ أَحْسَنّا، وَإِنْ ظَلَمُوا؛ ظَلَمْنا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ؛ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا؛ فَلَا تَظْلِمُوا) أخرجه الترمذي، وقَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ».

ختاماً: أخطأَ فلانٌ، وتطاولَ فلانٌ، وشتم علّان، وشنّع علتانٌ، إنّما يُهمّك نجاتُك - أخي المسلم - في الدرجة الأولى.

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ، لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا، فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) [المائدة].

والحمد لله على كلّ حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق