الأربعاء، 16 أكتوبر 2024

  مسائلُ فكريّةٌ:

لماذا لا تَكتبُ عن الإباضيّة !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

عَقب ردِّ لجنة المناقشةِ الأنباريّة أطروحتي للدكتوراه في جامعة بغداد؛ أشاع بعض العراقيين النواصبِ - وما أكثرهم في العراق - أنني تشيّعتُ!

- وأنني أطعن في الصحابةِ، ويقصدون معاوية وحزبَه الفئةَ الباغيةَ، وهو عندهم مقدّسٌ، مثلَ عجل بني إسرائيل!

- وأنني أطعن بأمّ المؤمنين عائشة - غفر الله لها - واستغلّوا كلمة (باغية) فجعلوهاً (بغيّاً) عامدين، عاملهم الله تعالى بعدله، وقد فعل!

وأنني أطعن في الصحيحين، الذين لا يعرفون عنهما شيئاً يومئذٍ، وقد اعترف الدكتور حارث الضاري بأنه لم يقرأ صحيح البخاري ولا صحيح مسلم!

صارت سمعتي في العراق أسودَ من «السخامِ» بالباطل، وقد ظللت أدعو على هؤلاء العراقيين أكثر من سنتين، حتى إذا كنت في سجودِ قيامِ إحدى الليالي؛ قرعَ سمعي بعنفٍ قول الله تعالى:

(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ).

ثمّ جاءني واردٌ قلبيّ يقول: «ادع بهذا الدعاء: اللهم أحسن إلى مَن أحسن إليّ، وسامحني وسامح من أساء إليّ من المسلمين».

فاتّخذت هذا الدعاء وِرداً لي أدعو به في كلّ صلاةِ فريضةٍ أو نافلةٍ، منذ ذلك اليوم!

في عام (2002م) غادرتُ العراق، باحثاً عن عملٍ، بعدما أيقنتُ أنْ لا عملَ لي في العراقِ بتاتاً!

وحين كتبتُ إلى الرئيس صدّام حسين: «أنني انتظرت سنواتٍ لتضعني في الموقع المناسبِ، لكنني لم يصلني منك أيّ جوابٍ بهذا الخصوص، لذا أستأذنك في مغادرة العراق، بحثاً عن عمل».

وخشيةَ أن يظنَّ بي سوءاً؛ كتبتُ إليه: «وقد تركت أولادي تحتَ رعايتك، وفي ظلّ حمايتكَ، فهم هاهنا آمنون» وتركتهم فعلاً، وغادرتُ إلى الأردن!

وكان مِن عاقبةِ هذا التصرّف المَخوف؛ أنني لم أر بناتي منذ عام (2002) حتى هذا اليوم!

في الأردنّ الهاشميّ، الذي يرتع فيه النواصب؛ قَبلتُ أن أعملَ في مدرسةٍ ابتدائيّة معلمّاً للغة العربية والدين، بيد أنّ المخابرات الأردنيّة (السامية) رفضت مزاولتي أيَّ عملٍ في الأردنّ، حتى أتعاونَ معهم، ورفضت ذلك بالتأكيد!

بقيتُ في الأردنّ منذ العام (2002) حتى العام (2014م) ولم يُسمح لي بالعمل بتاتاً!

راسلت كثيراً من الجامعاتِ العربية والإسلاميةِ، من دون جدوى، لأنّ الحقدَ السنّي الطائفيّ على رائحةِ التشيّع؛ أشدُّ بكثيرٍ من الحقد السنيّ على الكفّار الأصليين!

يُضاف إلى هذا حقدُ الإخوان المسلمين الحزبيّ، الذي يزلزل الجبال السوداء!

في عام (2003) كتبتُ إلى سماحةِ الشيخ أحمد بن حمد الخليليّ كتاباً، أوضحت له فيه حاجتي الماسّة إلى العمل - وليس إلى مساعدة! - فعمل شهوراً طوالاً، حتى حصل لي على إذنٍ بالعملِ في (سلطنة عُمان) في المعهد الشرعيّ، الذي يشرف هو عليه مباشرة!

عَملتُ في المعهد الدينيّ من اليومِ الأوّلِ لافتتاح الدراسةِ، إلى نهايةِ الفصل الأوّل، يعني أكثرَ من أربعة شهورٍ!

فكنتُ أقترض مصروفي الشخصيّ ومصروفَ أسرتين إحداهما في بغداد، والأخرى في عمّان الأردنّ، من خارجِ (سلطنة عمان) وأنا أنتظر مرتّبات أربعة شهورٍ أو خمسة، من دون فائدة!

تقدمت باستقالتي إلى إدارةِ المعهدِ، فغضبت الإدارةُ منّي، لكنني أصررت على الاستقالة، لاعتقادي أنّني سأتعب معهم كثيراً، وأنا أستحيي جدّاً من الخصومة الماليّة!

بعدَ التفاهمِ على إنهاء عقدي؛ وقّعوني على وثيقةٍ بأنهم هم أنهوا عقدي، مستغنين عن خدماتي زوراً وكذباً، ورفضوا إعطائي استحقاقاتي الماليّة، وقالوا لي: أعطنا عنوانك وحسابك، ونحن نودع فيه استحقاقاتك المالية، عندما تُقَرّ ميزانيّة المعهد، أو كلاماً كهذا.

عندها لجأتُ إلى سماحةِ شيخي الجليلِ، فشكوتهم إليه، فتدخّل حتى صرفوا إليّ مرتّباتي الأصليّة، بعدما ألزموني بالتنازل عن أجور الساعات الإضافيّة التي تقربُ من المرتّبات الأصليّة ذاتها، فلا سامح الله إدارةَ المعهد على هذا الفعل الشائن!

وحسب معتقداتِ الإباضيّة؛ أكلُ أموال الناس بالباطل من الكبائر التي تودي بصاحبها إلى الخلودِ في النار، فأزفّ إلى مدير المعهد هذه البشرى؛ لأنني لن أسامحهم أبداً!

كانت حياتي في (سلطنة عُمان) جميلةً جدّاً، تتناسب مع طبيعتي الصوفيّة، ورغبتي الأكيدةِ في اقتناص الحسناتِ، ومباعدةِ السيئات!

وعندما وصلتُ إلى عمّان الأردنّ؛ سألوني عن حياتي في سلطنة عمان؛ فقلت لهم: «أظنني لم أرتكب في مَسقط سيئةً واحدةً، ولو أنني متُّ هناك؛ فسأكون من أهل الجنّة يقيناً، بفضل الله تعالى ورحمته».

قرأت في مسقط عشراتِ المجلّدات عن الفكر الإباضيّ، والعقيدة الإباضيّة، وأصول الفقه والفقه، وقرأت عدداً من كتب شيخي المفتي أحمد الخليليّ حفظه الله تعالى، واستمعتُ بحياةٍ هادئةٍ صالحةٍ، لم أتناول فيها دواءً للسكّريّ، ولا لغير السكريّ أبداً!

من أجل ذلك كلّه؛ تجنّبتُ نشرَ شيءٍ مما كتبتُ عن (الإباضيّةِ) وفاءً وعرفاناً.

منذ العام (1999) كتبتُ بحثاً مطوّلاً عن الإباضيّة ومسند الربيعِ، أعطيت نسخاً منه لبعضِ طلابي العُمانيين الأحبّة، لكنني لم أنشره حتى هذا اليوم؛ لئلّا أُدخلَ الحزنَ عن قلبِ شيخي الفاضلِ المفتي «أحمد الخليلي» الرجل الصالح الشجاع، صاحب المواقف النبيلة تجاه قضايا الأمّة الكبرى، ولئلّا يتبادر إلى قلبه الطيّب أنني ممن ينكر الجميل!

ربما لا يَفهم كثيرون موقففي هذا، وكثيرون سيرونه خطأً، لكنني مقتنع قناعةً تامّةً أنْ لا ضرورةَ إلى نشر ما كتبته عن «الإباضيّة» وعن «مسند الربيع» وسينشره أولادي بعد وفاتي بكلّ تأكيد!

والله تعالى أعلم.

والحمدُ لله على كلّ حال.

الثلاثاء، 15 أكتوبر 2024

   مسائلُ فكريّةٌ:

احترامُ رأيِ المخالفِ!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

قال لي صديقي: (إلى أيِّ مدىً يجوزُ احترامُ رأيِ المحاورِ المخالفِ؟

ولو صحّ ما تكتبونه دائماً: لا بدّ من احترام الرأي المخالفِ؛ فلماذا لم يحترم الصحابةُ آراءَ بعضهم بعضاً، وذهبوا بأجمعهم إلى قتالِ ما نعي الزكاة، حتى عدّوهم مرتدّين، أو على الأقلّ: أباحوا دماءَهم، وقتلوهم، وسبوا نساءهم، ولم يحترموا اجتهادهم؟

هل الدين الحاضر غير الدين الماضي)؟

أقول وبالله التوفيق: لم يرد في القرآن الكريم، ولا في الروايات الحديثيّة ألفاظ (محترم - احترام) ولم تكن هذه الكلماتُ متداولَةً قديماً لدى العرب.

وقد اشتقّ لفظ (الاحترام) من الحُرْمةِ: التي تعني التقدير والتوقير.

قال الله تعالى: (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) ولم يقلْ: (وتحترموه).

والاختلافُ في الأهواء «المذاهب والاتّجاهات» سنّةٌ من سنن الله تعالى في المكلّفين من الإنس والجنّ!

قال الله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ، وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ).

وفي سورة الجنّ (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15).

والذي يتبيّن لي من فهمي لهذا الدينِ العزيزِ العظيم؛ أنّ الاختلافَ يكون بين مسلمٍ ومشرك، وبين مسلمٍ ووثنيّ، وبين مسلمٍ وملحِدٍ، وبين مسلمٍ ومسلم:

والاختلاف بين المسلمين؛ على أنواعٍ أيضاً!

فقد يكون الاختلافُ بين سنيٍّ وشيعيّ اثني عشريّ.

وقد يكون بين سنيّ وشيعيٍّ زيديٍّ.

وقد يكون بين سنيٍّ وإسماعيليّ.

وقد يكون بين سنيٍّ وما انفصل عن مذاهب الشيعة هذه كالبابيّة والبهائيّة والقاديانية والبُهرةِ، وغيرهنّ من فروع المذاهب الشيعيّة.

وقد يكون الاختلاف بين سنيٍّ وشيعيٍّ حُرٍّ غير منتمٍ لأيّ مذهبٍ من مذاهب الشيعةِ المتقدّم ذكرُها (من أمثال الفقير عداب) وجمهورِ تلامذته.

وقد يكون الاختلاف بين سنيٍّ وإباضيّ.

وقد يكون الاختلافُ بين سنيٍّ وسنيٍّ:

اختلافٌ بين أشعريٍّ وماتريديٍّ.

اختلافٌ بين أشعريٍ مثبتٍ، وأشعريٍّ مفوّضٍ، وأشعريّ مؤوّل!

اختلافٌ بين أشعريٍّ ومعتزليّ!

اختلافٌ بين ماتريديٍّ ومعتزليّ.

اختلاف بين أشعريٍّ وحنبليٍّ.

اختلافٌ بين حنبليٍّ وتيميٍّ!

اختلافٌ بين تيميٍّ ووهّابي!

اختلافٌ بين سلفيٍّ وصوفيّ!

اختلافٌ بين إخوانيٍّ وتحريريّ.

اختلافٌ بين وهّابي وسروريّ.

وقد أدخلَتْ بعضُ فرق المسلمين الاختلافَ في المعتقداتِ أو في الفروعِ؛ إلى ساحة (الولاءِ والبراء) وأهل السنّةِ يعدّونَ كلَّ مخالفٍ لهم مبتدعاً، ويتفاوتون في درجة (البراءة) منه اختلافاً كبيراً.

والفقيرُ عدابٌ لا يرى في المسلمين اليومَ (مجتهداً) وجميعهم مقلّدةُ المذهبِ السائد في مواطنهم، عقيدةً وفروعاً، وبعضهم أقربُ إلى الترجيح من بعضٍ، وبعضهم أفحشُ في التعصّب والتقليد من بعضٍ!

لأجل ذلك فهو يمنح (الولاء) لكلّ أبناءِ أمّةِ الإسلام:

إذا كانوا يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسلِه واليوم الآخر.

وكانوا يدينون اللهَ تعالى بوجوب الطهارةِ والصلاة والزكاة والصيام والحجّ.

ويرون وجوبَ الأمر بالمعروفِ والنهيَ عن المنكر، ويرون وجوبَ جهادِ الصائل الأجنبيّ على ديار الإسلام.

ولا يُنكرونَ معلوماً من الدين بالضرورة قولاً أو فعلاً.

فمن كان من المسلمين كذلك؛ فهو أخي ووليّي، سنيّاً كان أم شيعيّاً أم إباضيّاً، حتى لو كانَ هو يفتي بكفري أو بقتلي!

أمّا مَقولةُ (مَن كفّرنا؛ كفّرناه، ومَن فسّقنا؛ فسقناه) فمقولةٌ مرفوضةٌ عند الفقير عداب تماماً!

وأمّا فِقرةُ هذه المقولةِ الأخيرةِ (ومَن قاتلنا؛ قاتلناه) فهي مقولة صحيحةٌ؛ لقيامِ الأدلة الوافرة على مشروعيةِ حفظِ النفس المسلمة، ودفع الصائل.

أمّا ما جرى من القتال والقتلِ بين الصحابةِ - رضي الله عن أهلِ الحقّ منهم - فغدوتُ أميلُ إلى تجاوزِ هذه المسألةِ الشاذّة القبيحة جدّاً؛ لأنّ الأمّةَ درجتْ على تقديسِ الصحابةِ وتعظيمهم، بل غدا هذا التقديس معيارَ السنيِّ من البدعيِّ.

بيد أنّني أقول كلاماً وجيزاً: لا يختلفُ المسلمون سنّةً وشيعةً وخوارجَ؛ أنّ الإمامَ عليّاً كان على الحقِّ في حربِ الجملِ وصفّين.

وكان مقاتلوه أجمعونَ مخطئين، بغاةً عليه، ظالمين له، بهذا الخروجِ الدامي.

واتّفق السنة والشيعةُ على أنّه كان على الحقِّ في قتاله الخارجين عن سلطانه من أهل النهروان.

أمّا ما وراءَ ذلك من الحُكمِ على مخالفيه بالكفر أو الفسق؛ فلا نخوضُ فيه، مراعاةً لعقولِ العامّةِ، التي تظنّ الصحابة كالملائكةِ، وربما أعلى رتبةً من الملائكة، وهم لم يكونوا كذلك على أيّ حال.

بقيت مسألة احترامِ رأيِ المخالفِ؛ وللفقير عداب فيها كلامٌ يسير واضح:

الفقيرُ عدابٌ يفرّق بين المخالفِ المسلم، والمخالفِ الكافر!

فلا احترامَ عندي للكافرِ المخالفِ، ولا لرأيِه، إنّما المطلوب مني أن أعدلَ معه، وأن أنصفه، وأن أجتنب إثارته كي لا يتجاوز على مقدّساتي المشروعة!

إذ كيف أحترمُ الشركَ بالله تعالى أو الكفرَ به، أو كيف أحترم شرب الخمرةِ والربا والزنا، وسائر المناهي في دين الإسلام؟

-أمّا المخالفُ المسلمُ، الذي تحقّق بالصفاتِ السابقةِ، فأحترمه هو، وأقدّره هو، أمّا رأيه المخالفُ ؛ فله حالان:

الحالُ الأولى: أن يكون رأيُه ممّا يسوغُ فيه الاجتهاد عندي، وفي هذه الحال أحترمُه وأحترمُ اجتهادَه.

مثال ذلك: جَهْرُ الإمامِ بالبسملةِ في صلاةِ الجماعةِ!

فأنا أذهبُ إلى الجهرِ بالبسملةِ للإمامِ والمنفرد، في الصلواتِ الجهريّة الثلاثِ!

لكنني أحترمُ الذي يُسرّ بالبسملةِ، وأحترم رأيَه؛ لورود الأدلّةِ المحتملة لديه في ذلك.

والحال الثانية: أن يكون رأيُه مما لا يسوغ فيه الاجتهاد عندي، ففي هذه الحال؛ أحترمُه هو - بمعنى أوقّره وأكرمه وأبتعد عن تنقيصه - إنّما لا أحترم رأيَه، بل أحتقر ذاك الرأيَ الباطل!

مثال ذلك: القولُ بتحريف القرآن الكريم:

نفيتُ في منشورٍ سابقٍ؛ أن يكون القولُ بتحريفِ القرآن الكريم؛ مذهباً للشيعةِ الإماميّةِ، وأنّ المعتمد في المذهبِ عندهم؛ هو أنّ القرآن الكريمَ كلامُ الله تعالى، المجموع في المصحفِ الشريفِ، المتداول بين المسلمين اليوم.

لكنْ لو وُجدَ بعدَ ذلك مَن يقول بنوعٍ ما من أنواعِ ما يسمّى تحريفاً للقرآن الكريم؛ فأنا أحترمُه هو بصفته مسلماً لديه شبهاتُه، بل وأدلّته أحياناً، لكنني لا أحترم القول بتحريف القرآن الكريم بتاتاً.

ثبتَ في الصحيحين وغيرهما من دواوينِ الإسلام؛ أنّ الصحابيّ الفقيه عبدالله بن مسعودٍ كان يُنكرُ أنّ سورة (قل أعوذ بربّ الفلق) وسورةَ (قل أعوذُ بربّ الناسِ) ليستا من القرآن الكريم، وقد خطّأه الصحابةُ بذلك، ولم يلتفتوا إلى خلافِه باحترام!

بيدَ أنهم لم يكفّروه ولم يفسّقوه ولم يضلّلوه!

وفي كتب أهل السنّة المعتمدة عَنْ زِرٍّ قَالَ: قَالَ لِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: كَأَيِّنْ تَعُدُّ سُورَةَ الْأَحْزَابِ؟ قُلْتُ لَهُ ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ آيَةً!

فَقَالَ: قَطُّ! لَقَدْ رَأَيْتُهَا، وَإِنَّهَا لَتُعَادِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَلَقَدْ قَرَأْنَا فِيهَا: (الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللهِ، واللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

ولم يلتفتْ أحدٌ إلى قولِ أبيِّ بن كعبٍ سيّدِ القرّاء، وعدّوا سورةَ الأحزابِ ثلاثاً وسبعين آيةً فحسب، بيدَ أنهم لم يكفّروه ولم يفسّقوه ولم يضلّلوه!

فابنُ مسعودٍ وأبيٌّ محترمان موقّران عند المسلمين، أمّا قولُهما هذا؛ فباطلٌ غير محترم!

والفقير عدابٌ يعُدُّ القولَ بنسخِ التلاوةِ تحريفاً، ويعدُّ القولَ بالنسخِ كلّه تحريفاً للقرآن الكريم!

فأنا أحترم العلماءَ المتقدّمين والمتأخّرين القائلين بالنسخِ؛ لأنهم مسلمون لهم شبهاتُهم.

بيد أنني لا أحترم القولَ بوجود منسوخٍ في القرآن الكريم البتّةّ، وأراه تحريفاً للقرآن الكريم.

والله تعالى أعلم.

والحمدُ لله على كلّ حال.

الأربعاء، 2 أكتوبر 2024

  مَسائِلُ مِن الفِقْهِ والأُصولِ:

هلْ سبُّ اللهِ طلاق؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

وصلَ إليّ السؤال الآتي:

(إذا سبّ أحدُ الزوجينِ (الله) تعالى، أو الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم، أو أحدَ الأنبياءِ، أو سبّ الدين، كأن يقول: (يلعَن دينه) أو يقول: (دينك صرماية) أو أيَّ لفظةٍ أخرى يراد منها (تحقيرُ الدين) هل يُعدّ طلاقاً)؟ وشكرا لكم.

أقول وبالله التوفيق:

لا يختلف علماءُ الإسلامِ المتقدّمون؛ أنّ سبّ (اللهِ) تعالى، من أشدّ أنواع الكفر، وبعده في المرتبة سبّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

فمن سبّ الله تعالى، بلعنٍ، أو بتنقيصٍ، أو بشتمٍ، أو سبَّ الرسولَ، بلعنٍ أو بتنقيصٍ أو بشتمٍ؛ فقد ارتدّ عن الإسلام؟

وقد اختلفُ العلماء في آثار هذا السبُّ على الزوجيّة:

(1) فالذين قالوا: من سبّ الله تعالى، أو الرسولَ صلى الله عليه وآله وسلّم؛ يُقتَلُ فوراً من دون استتابة، فتكون زوجته بائنةٍ منه، ولا توارثَ بينهما.

والحكم ذاته، لو أنّ المرأة هي من سبّ الله تعالى، أو الرسولَ صلى الله عليه وآله وسلّم.

(2) والذين قالوا: يُستتابُ الزوج أو الزوجة المرتدّ بلفظة الكفر؛ قالوا: بعد تلفظ أحد الزوجين بالكفر؛ لا يحلّ لأحدهما من الآخر؛ ما كان يحلّ له في أثناء قيام الحياة الزوجية بينهما، ويفرّق بينهما من دون احتسابِ تلفّظه بالكفر طلاقاً، إنّما هو فرقة.

فإن تاب وجدّد إسلامَه؛ يمكنه مراجعةِ زوجته، ولا تحنسب عليه طلقةً.

وإنْ لم يتب بعد تلفّظه بالكفر حتى انتهت العدّة؛ فيمكنه أن يخطب زوجته السابقة، ويتزوّجها شأنه شأنُ أحد الخاطبين، ولا يحقّ له إجبارُها على الرجعة إليه، بدعوى أنّها زوجته.

أمّا من سبّ (الدينَ) فليس حكمه واحداً:

فمن سبّ (دينَ الإسلام) بهذا القيدِ؛ فقد ارتدّ عن الإسلام، وحكمه هو ما تقدّم!

ومن سبّ (صلاةَ المسلمين) أو أيّ فريضةٍ من فرائضِ الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة؛ فقد ارتدّ عن الإسلام، وحكمه هو ما تقدّم!

ومَن قال (ألعن دينك، أو شريعتك، أو مذهبك، أو ملّتك) فقد ارتدّ عن الإسلام، وحكمه هو ما تقدّم.

إلّا إنْ كان من أهلِ العلم، فيوقَفُ ويُحَلّفُ أنّه لم يُرد في قوله واحدةً من تلك الكلمات الإسلام، وإنما أرادَ من(دينها) تعاملها السيّء معه، وأراد من (شريعتها) ما تتبناه من آراء باطلة، وكذلك بقية الكلمات المماثلة.

فإنْ حلفَ أنّه لم يقصد الكفرَ أبداً، ولا تحقير أو تصغير (الدين الإسلاميّ) فتبقى زوجته على حالِها ظاهراً، أمّا في الباطن؛ فبينه وبين الله تعالى.

والله تعالى أعلم

والحمد لله على كلّ حال.