مَسائِلُ عَقَديّةٌ (11):
كَراماتُ المؤمنين بين
النَفْيِ والإثبات!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
استمعتُ إلى أحدِ الإخوةِ المستنيرينَ من الشيعةِ
الإماميّةِ، ينفي أن يكون للرسولِ محمّد صلّى الله عليه وآله وسلمّ شيءٌ من خوارقِ
العاداتِ، التي يدعوها المثبتون «المعجزات» وقصرَ معجزاتِ الرسولِ صلّى
الله عليه وآله وسلّم على «القرآن الكريم».
مثلما أنكرَ أن تكونَ الكراماتُ
تجري على أيدي عبادِ الله الصالحين، فضلاً عن جريانِها على أيدي عوامِّ المؤمنين.
وليس هو أوَّلَ من نفى المعجزةَ عن الرسول، والكرامةَ
عن الأولياء والصالحين وعامّةِ المسلمين.
فقد أنكر أكثرُ المعتزلةِ والقدَريّةِ جريانَ
الكرامةِ على أيدي المؤمنين، ظنّاً منهم أنّ إثباتَ الكرامةِ للوليّ؛ قدحٌ في
معجزة النبيّ، لمشاركتها إيّاها في خرق العادة.
وأنا في هذه المحاضرةِ لن أتحدّثَ عن معجزاتِ
الرسولِ صلّى الله عليه وآله وسلّم الماديّةِ الواقعيّةِ؛ لأنّ ذلك يتطلّبُ إثباتَ
تواترِ تلك المعجزاتِ، إذْ إنّ هذا الأخَ وأمثالَه لا يثبت؛ لأنّ عقولهم لا تتقبّله،
وأمزجتهم تدفعه، من مثل حديث:
(من كنت مولاه؛ فعليٌّ مولاه).
وحديث (أنت مني بمنزلة هارون من موسى).
وحديث (يحبّ الله ورسوله).
وإثباتُ تواترِ معجزات الرسول صلّى الله عليه وآله
وسلّم، وتواتر أمثال هذه الأحاديثِ في فضل الإمام عليٍّ عليه السلام؛ لا يتمُّ
بجرّةِ قلمٍ، أو جملةٍ قالها إنسان!
بل إنّ إثبات تواتر حديثٍ واحدٍ، قد يحتاج إلى عشر صفحاتٍ من الكتابةِ العلميّة، في
أدنى التقديرات!
إنّما سأذكرُ أنواعَ الكراماتِ التي يمكن جَريانُها على أيدي بعض المسلمين، ثمّ
أروي لك أخي الفاضل الكريم بعضَ ما شاهدتُه بعينيّ وسمعتُه بأذنيَّ، ممّا لا يسوغ
لمسلمٍ إنكارَه، إلّا إذا كنتُ أنا ومن حضر معي نكذبُ على الله تعالى وعلى
المسلمين.
مفهوم الكرامة: هي تعني جريانُ أمرٍ خارقٍ للعادةِ
على يد بعض عبادِ الله تعالى المؤمنين بقدرته تبارك وتعالى.
أنواع الكرامات:
النوع الأوّل: جوازُ خرق العادةِ في حقّ الوليّ،
باختياره واستدعائه، كأن يقول العبد المؤمن: يا جبلُ اُدنُ مني، أو يا سحابُ
ابتعِدْ عني.
النوع الثاني: أن تجري الكرامةُ على يدِ الوليِّ من
دون استدعائِه واختياره، إنّما بإكرامِ الله تعالى له.
النوع الثالث: الكَشفُ الروحيّ والفراسة الصادقة
(رؤيةُ اليقظة)!
النوع الرابع: إلهامُ الله تعالى بعضَ عبادِه شيئاً
من الأمورِ الخارجةِ عن المعتاد.
النوع الخامس: الرؤى الصادقة في النوم.
النوع السادس: أن يدعوَ العبدُ الصالحُ، فيستجيب
الله تعالى له.
وجميع هذه الأنواع من الكراماتِ؛ تجري على أيدي
بعضِ عبادِ الله المؤمنين بإرادةِ الله تعالى وتوفيقه وعونِه، وليس بقدرةٍ ذاتيّةٍ
للوليِّ أو للمسلم!
ولا يرتابُ مسلمٌ في أنّ جميعَ هذه الأنواع من
الكرامات؛ جرت على أيدي بعض رسلِ الله تعالى وأنبيائه، وورد ذِكرُ كثيرٍ منها في
القرآن الكريم.
وقبلَ سردِ عددٍ من الكراماتِ التي أجراها الله
تعالى على أيدي بعض عبادِه الصالحين؛ أنبّه إلى أمرٍ مهمٍّ جدّاً، وهو أنّ منكري
الكراماتِ محرومون مِن جريانِ أيّ كرامةٍ على أيديهم؛ إذْ لو أجرى الله تعالى على
أيديهم بعضَ الكراماتِ؛ لما أنكروا الكرامات قطعاً، إنّما هم ينكرون ما يجهلون، أو
ما هم منه محرومون!
وإذْ هو لا يجري على أيديهم؛ فلا يمكن أن يجري على
أيدي غيرهم، وكأنّهم صفوةُ عبادِ الله المكرمين.
قال الله تعالى فيمن يشبه هؤلاء: (وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا: لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا
سَبَقُونَا إِلَيْهِ، وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ؛
فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ) والمُشابهةُ من وجهٍ؛ لا تعني التكفيرَ.
يستوي في ذلك المتقدّمون والمتوسطون والمتأخّرون
والمعاصرون، ومنهم أخونا صاحب محاضرةِ الأمسِ على «اليوتيوب».
أوّلاً: موسى الكاظم عليه السلام؛ باب الحوائج:
أنكر المحاضرُ المقصودُ بكلامي دعوى الشيعةِ
وغيرهم من أنّ الإمام موسى بنَ جعفرٍ باب الحوائج، وطوّل في ردّ ذلك.
وسأذكر ثلاثَ قصص شاهدتها بعينيّ وسمعتها
بأذني، وشهدها و سمعها معي كثيرون:
- القصّة الأولى: في بعضِ الأحيانِ يُصابُ
أحدنا بمغصٍ أو إسهالٍ، فيتأخّر بإكمالِ وضوئه، ممّا يسبب فواتَ صلاة الجماعةِ في
المسجد عليه.
شرعتُ في صلاةِ العصرِ بمنزلي في حيّ الداووديّ
ببغداد الحبيبة المحروسة، وراح أحدهم يقرع باب المنزلِ وجرسَه بتكرارٍ مزعج، وعدابٌ
بطبيعته حادُّ المزاج، ربما قطع عليه صلاتَه مصلٍّ تنحنح أو سعل بجانبه!
أيقنتُ أنني لن أستطيعُ إكمال صلاتي، ولا صلاةَ
ركعتين لأخرج من الصلاةِ بأدب!
قطعتُ صلاتي، وهرعت لأفتح الباب، وأنا في غاية
الانزعاج!
وجدتُ طارقَ البابِ بهذه الطريقةِ المؤذيةِ،
أخي وصديقي «أبا حمزةَ الحسنَ بن محمّد ديب عصير الشمّريّ الحمويّ الصوفيّ
الشاذليّ» رحمه الله تعالى!
استقبلته مندهشاً، ولم أستطع إخفاء انزعاجي،
فقلت له: يا رجل، مثلك يقرع الباب بهذه الطريقة، وأنت مستمع للمشايخ وصوفيّ مؤدّب!
قال: شيخي الله يخلّيك، اتركك من العتابِ الآن
(الذي يأكل العصي؛ ليس كمن يعدّها) أنا مَلهوفٌ، والملهوفُ معذور!
البس ثيابك على السريع رجاءً، وأنا أنتظرك هنا!
قدّرتُ موقفَه، وقلت له: فاتتني صلاة العصر في
المسجد، وكنت أصليّ، فقطعت عليّ صلاتي، ادخل حتى أصلي وألبس، ثمّ أنا حاضر لكلّ ما
تريد!
حاول أن يلزمني بتأجيل الصلاةِ إلى حيث نحن
ذاهبان، فرفضت منزعجاً أيضاً.
كنتُ قد حضّرتُ الشايَ؛ لأتناوله بعد الصلاة،
فقدّمته إليه وشرعت في صلاتي!
شرب ما شاء من الشاي، ريثما قضيت صلاتي، وما
أنْ سلّمتُ حتى وقف وقال: هيّا شيخي البس رجاءً!
قلت له: لن ألبس، ولن أخرج معك حتى أشرب
الشايَ، وحتى تخبرني بسبب لهفتك الطارئة التي تركتك لا تجيد التصرّفَ أبداً!
أنسيتَ أنّك خاطبتني بــ «شيخي» خمس مراتٍ حتى
الآن، هكذا يكون تعامل المريدُ الصوفيُّ مع الشيخ؟
الشيخُ يأمر، ولا يكون مأموراً أبداً.
سأشرب الشاي، ريثما تقصّ عليّ قصّتك، ثم ألبس
ثوبي بعشر ثوانٍ وأخرج معك!
قال: أنت تعرف «شيخي» أنني أشتغل مع «الإخوان
المسلمين» السوريين، وقد وضعوا تحت تصرّفي سيارة تويوتّا بنتُ هذه السنة (1992) أو
التي قبلها - عدابٌ نسي - وقيمتُها هائلة، وقد أسمعوني كلاماً قاسياً، ولم أعُدْ
أحتمل.
قلت له: أنا أدفع لك قيمةَ السيارةِ، لا تهتمَّ
ولا تحزن، إذا كان إخوانُك غيرَ مقدّرينَ أنّ هذا مصابٌ من قدر الله تعالى
الحتميّ، الذي لا يدَ لك به!
هل هذا ما تريدُه مني؟
قال: لا لا، السيارة ثمنها غالٍ جدّاً، لا أظنك
تمتلك ثمنها أصلاً!
أريدُك أن تلبس ثيابك رجاءً، وتذهب معي إلى
جدّك «موسى الكاظم»!
ضحكتُ من قلبي حقّا، وقلت له: هو جدي «موسى
الكاظم» صاحب خبرةٍ بمعرفة أماكن السياراتِ المسروقة؟
لماذا لا تذهب إليه أنتَ، وتدعو الله تعالى
عنده، فأنا والله أشهدُ أنك صوفيٌّ أكثر مني، وأنّ لسانك أعفّ من لساني!
قال بحرقةٍ: شيخي أرجوك، هذا جدّك وأنت نسيبٌ،
والحسيبُ غير النسيب!
لبستُ ثيابي، وخرجت معه من بيتي، وأعطيته مفتاح
سيارتي ليقودها بنا، وقلت له:
خُذنا إلى جدّي «موسى» عليه السلام، لكنْ حاولْ
أن لا أسمعَ تنفّسَكَ حتى نخرجَ من عنده، لديّ وردٌ أحبُّ إكمالَه كلّه قبل الدخول
على جدي «موسى» فإذا أشغلتني بالكلام؛ لا يكتمِلْ، فيكون ذنبك على جنبك!
التزم الرجل فعلاً، وقرأت وردي كاملاً، وأنجزته
عندما شاهدتُ مرقدَ الإمام موسى عليه السلام.
صلّينا ركعتين تحيّة المسجد، فنحن شافعيّة
نجوّز ذلك، ثمّ أجلسته عند الجدار، وأعطيتُه مصحفاً، ليقرأ سور (يس والدخان
والواقعة) سرّاً، ثمّ يهب ثوابها إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وإلى
صالحي آل البيت، وإلى موسى الكاظم.
جلست أنا مقابل رأس جدي الإمام موسى، وقمتُ
بمتطلّبات «الرابطةِ النقشبنديّة» ثم رحت أستغفر الله تعالى، وأسبّحه، وأصلّي على
الرسول، حتى أحسست بشيءٍ ما في قلبي!
فخاطبت جدي موسى قائلاً: سيّدي وحبيبي نحن
نعتقد أنّك عند الله تعالى شهيدُ حيٌّ ترزق، وحين نخاطبك لا ندعو ميتاً ولا
بعيداً، وإنّ الناسَ يظنّون بنا خيراً يا جدّي، فأرجوك أن تشفع لنا عند الله تبارك
وتعالى، عساه يغيث هذا العبدَ الصالحَ الفقيرَ الملهوفَ!
وكلاماً آخر من هذا الجنس.
ثمّ انتظرتُ الجوابَ، فجاءني الجوابُ في قلبي أنّ
السيارةَ سيجدونها يومَ الثلاثاء، ولا أتذكّر إن قال: إن شاء الله تعالى، فقلت
أنا: إن شاء الله تعالى.
وقال: انتهت الزيارة.
قمتُ من مكاني، وقبّلتُ جهةَ رأسِه، وخرجت!
تبعني الأخ أبو حمزة ، وشهادتي أنّه أصفى مني
وأتقى، وقال: بشّرني شيخي ما ذا قال لك جدّك؟
لأنني لم أكنْ يومَها واثقاً من صفاءِ قلبي، ولا من
نقاءِ صدري، ولا من طهارة لساني عن أذى بعض الناس؛ فلم أتجرّأ أن أقول له: قال لي
كذا (والله الشاهد)!
قلت له: يا أبا حمزة، ماذا قال لي؟
دَعَوْنا أنا وإيّاك اللهَ تعالى، ورجوناه بتقوى
وإيمان عبده موسى أن يفرّج كربَك، وييسر أمرك!
قال: شيخي لا تخفِ عني، قلبي مثل النار!
لم أتجرّأ حقّاً أن أقول له، لا أنّي تورّعت أن
أقولَ، بمنتهى الأمانة!
يومَ الثلاثاء، عقب صلاة المغرب؛ زارني أبو حمزة
ضاحكاً مستبشراً ، وقبلَ أن يُسلّم عليَّ أشار إليّ بمفاتيح السيارة!
سعدتُ بهذا، وباركت له، فقال لي: اسمع هذه الكرامةَ
النادرةَ الوقوع!
«شرطةُ بغداد وجدت السيارةَ
في قريةِ «كاظم» وكان اسمُ مختار القرية «كاظم» والشرطيّ الذي سلّمني
مفاتيحها «كاظم» والحرامي اسمه «كاظم»!
تعكّرتُ قليلاً وقلت له: ليتك لم تقل: اسم
الحرامي «كاظم»!
كان عندي مجلسٌ لتعليم القرآن الكريم، يمتدّ من
بعد صلاة المغربِ، إلى ما بعد منتصف الليل!
فقلتُ له: «قصَّ هذه القصّةَ على هذا الجمعِ،
فكثيرٌ منهم سلفيّون، لعلّهم يؤمنون بكراماتِ أهل البيت، ويحبّون الإمام موسى بن
جعفر» عليهما السلام!
قصَّ عليهما القصّةَ، ولكنّ بعضهم كصاحب محاضرة
اليوم؛ لم يصدّق أبا حمزة فيما قاله!
فموسى الكاظم إذنْ بابٌ من أبوابِ الله تعالى
لقضاء حوائجهم!
- القصة الثانية: اشتدَّتْ وطأةُ الحصار على
أهل العراق شدّةً هائلةً، حتى إنّ بعضَ أساتذةِ الجامعاتِ باعوا مكتباتهم، وبعضهم
باعوا أبواب بيوتهم، كما حدّثوني!
وانتشرت السرقة والنهب في بعض مناطق بغداد.
كنتُ إماماً وخطيباً ومدرّساً في «جامع المثنّى»
بحيِّ القاهرة، وكنتُ أبقى مع الناس بعدَ صلاةِ الجمعةِ في المسجد حتى صلاةِ
العصرِ، أفتيهم، وأجيب على أسئلتهم، ثمّ أودّعهم وأنصرف!
خرجنا معاً من المسجدِ قرابةَ مئةِ مصلٍّ، وإذا
بأخٍ سوريٍّ سلَفيٍّ من حلب، يستوقفني أمام الناس ويصرخ: شيخي أنتم الصوفية
تقولون: «المكان من المكين» وقد سُرقت سيارتي من أمامِ مسجدك في أثناءِ صلاة
الجمعة؟
قلت له: أين وضعتها؟ فأشار إلى المكان الذي
وضعها فيه!
قلت له: سترجع إليك سيّارتك إن شاء الله تعالى!
قال باستخفاف: لا يا سيدي ما حترجع، العام
الماضي سرقت لي سيارة أيضاً ولم ترجع!
قلت له: سرقت من هنا؟ قال: لا!
تألمتُ من كلامه، وغلا الدم في رأسي، فقلت لمن
حولي: أين قبرُ جدّي موسى الكاظم؟
فأشار عديدون متّفقينَ إلى جهته!
رفعت عمامتي عن رأسي، وقلت بالحرف: «جدي موسى،
ترى ما أنت جدّي، إذا لم ترجعْ سيارةُ هذا الحلبيّ السلفيّ» وانصرفنا!
عقبَ انصرافنا؛ استحييت على نفسي كثيراً،
ولُمتها على هذا التصرّف القبيح، ورحت أقول لنفسي: من أنت حتى تقول هذا لإمامٍ من
أئمة المسلمين، ووليٍّ من أولياء الله تعالى؟!
ظللتُ أستغفر اللهَ تعالى وأتوبُ إليه، حتى
وصلتُ إلى بيتي!
ومضى الأسبوع كلّه، وأنا أقيمُ الليل، وأتلو
القرآن، وأتوب عن هذه الحماقة، إلى يوم الجمعة!
صلّينا الجمعةَ، وبقينا في المسجدِ كالمعتادِ
حتى صلينا العصرَ، وخرجنا من باب المسجد، فإذا الرجل الحلبيُّ السلفيّ يضحكُ أمامي!
قلت له: أراكَ ضاحكاً، بَشّرْ؟
قال: رجعتَ السيارة والحمدُ لله ربّ العالمين.
حمدتُ الله تعالى على ذلك، وقلت له: يجب أن
تصبح صوفيّاً، وأن تحبَّ موسى الكاظم وتزورَه!
قال: شيخي تفضّلوا إلى غرفتكم أنت والإخوة، فقد
أحضرت لكم (تحلاية).
دخلتُ إلى غرفتي وإذا هي ممتلئة بالناس،
تلامذتي وغيرهم، فأزال الورق على «صينية كبيرة جدّاً» مملوءة بالبقلاوة السوريّة،
ومعها دلّةٌ من القهوة السورية السمراء!
كان الحاضرون بيقين أكثر من خمسين!
والمحاضر الكريم عراقيّ، يمكنه أن يسألَ سكّان
حيِّ القاهرة ببغداد، وسيجد عشراتٍ يروون له هذه القصّة، منهم عشرةٌ من طلّابي على
الأقل!
- القصّة الثالثة: كان لي تلميذٌ أنباريّ اسمه «ثامر
حسين حميد الفلوجي» حفظه المولى!
وكان يظنُّ بي خيراً، وربما كان يعتقدُ أنني لو
سمّيتُ الله تعالى على كأس ماءٍ، فشربَه؛ فسينزل جميع حصى كليتِه وحالبِه، وأنا
لست كذلك قطعاً!
ألحّ عليّ في مسألة «حصى» كليته وحالبِه، وأنّه
يتأذى منه كثيراً، وأنّ جميعَ الأدويةِ لم تنفع معه!
قلت له: إذا أرشدتُك إلى علاجٍ تطبّقه وتقوم
به؟ قال: لو أعطيتني سمّاً وقلت لي: هذا علاجٌ، فسأشربُه!
قلت له: المسألةُ أيسر من ذلك بكثير! ألست تؤمن
بولاية جدي موسى الكاظم؟ قال: بلى!
قلت: ألستم أنتم معشرَ العراقيين تدعونه باب
الحوائج؟ قال: بلى.
أرشدتُه إلى أشياءَ يقومُ بها، وسورٍ وآياتٍ
يتلوها عند جدي موسى، وقلت له: سلّم لي عليه بالاسم!
جاء في اليوم التالي أو بعدَه، وطرق الباب، قُلتُ
من؟ قال: ثامر!
قلت له: أنت لم تذهب إلى جدي موسى، لا ترني
وجهك قبل أن تذهب إليه، ثمّ ترجع إليّ وأنا بانتظارك!
ذهب إلى مشهد الإمام موسى، وقام بما قام به، ثم
رجع إليّ متعباً جدّاً، واستأذن لينام!
لم تطُلْ نومتَه، حتى استيقظ واستأذن بالذهاب
إلى الحمّام.
رجع من الحمّام يحمل بيده أو بورقةٍ - نسيت -
كميّةً من الحصى، إحداها تقرب من سنتمتر مربّع!
وأخبر بذلك طلّاب الدرس الخاصّ، وكانوا أكثرَ
من خمسةٍ وعشرين طالباً
هذه ثلاثُ قصصٍ، من عشراتِ القصص الموسويّة
الشريفة!
ولا واللهِ لن أكذبَ على الله تعالى، وأنا على
أبوابِ الآخرة، وأظنّ أنّ طلابي العراقيين جميعهم يعرفون هذه القصص وغيرها.
ما هذه الحوادثُ أيها المحاضر الكريم؟ أرجو أن
تتفضّل بتوصيفها، والله تعالى يشهد والملكان الموكّلان بي، وتلامذتي يشهدون أنّها
وقائع حقٍّ وصدق؟
إذا كنتُ أنا ثقةً عندك؛ فمقتضى ذلك أنّ ما
أحدّث به حقٌّ وصدق، ولست أنا من المخرّفين، ولا من الذين يتوهّمون، ولا من الذين
يكذبون على الله تعالى، وعلى عباده.
والله المستعان.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق