التَصَوُّفُ العَليمُ (16):
أدلّةُ
التشريعِ وأئمّةُ الفتوى !؟
بسم الله
الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
إنّ مما يحزنني حقّاً أن يقومَ العوامُّ وصغارُ
طلبةِ العلمِ بالردّ على ما أكتب، يعاملونني وكأنني واحدٌ من زملائهم!
هذا مزعجٌ حقّاً، لكنْ ماذا نصنع لأمّة تحترم
السفهاءَ أكثرَ من العلماءِ، إذا حدّثهم السفهاءُ بما يشتهون، وحدّثهم العلماءُ
بغير ما يَرغبون!
ولولا أنّ كثيرين، سيكذّبون ما أكتبُ، فأكون سببَ
تكذيبهم واكتسابهم الإثمَ؛ لرويتُ لكم عشراتٍ وعشراتٍ وعشراتٍ مما أكرمني الله
تعالى به، ولم يُجري بعضَه على أيدي مَن تقدّسون من شيوخِكم!
أقول هذا خاصّةً للإخوة المتصوّفة؛ ليعرفوا أنّني
لا أتكلّم من خارج الدائرة، فأنا ابن التصوّف، مذ عرفتُ العبادةَ والعلم.
لكنّني أقول لكم جميعاً ما تعرفون:
أدلّة التشريع الإسلاميّ؛ هما كتابُ الله تعالى،
وسنّةُ رسولِه صلى الله عليه وآله وسلم، فحسب!
والإجماعُ كاشفٌ عن الدليلِ، وليس دليلاً بحدّ
ذاتِه، والإجماع إجماع علماءِ الصحابةِ وحسب!
والقياس والاستحسان والاستصلاح والمقاصد والعرف؛
كلّها عَملُ المجتهد!
وهي بمجموعها ظنونُ المجتهدين بأنّ هذا حُكمُ الله
تعالى، أو حُكمُ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وليست هي حكمَ اللهِ، ولا حكمَ
رسولِه!
ولذلك فمن حقّ أيّ عالم أن لا ينظُر إليها كلّها
بطرفِ عينه!
- وأئمّة الفتوى في الصحابةِ عند أهل السنّةِ: عمر
وعليّ وابن مسعودٍ وزيد بن ثابتٍ وعبدالله بن عمر، رضي الله عنهم وأرضاهم.
- وأئمّة الفتوى في التابعين: عليّ بن الحسين، ومحمّد
بن عليّ، المعروف بابن الحنفيّة، سعيد بن المسيّب، الحسن البصري، القاسم بن محمد
بن أبي بكرٍ، علقمةُ بن يزيد النخعيّ، إبراهيم بن يزيد النخعيّ، وطبقتهم.
- وأئمة أتباع التابعين: محمّد الباقر، جعفر
الصادق، أبو حنيفة النعمان وأصحابه، مالك بن أنس، سفيان الثوريّ، الليث بن سعد،
الأوزاعيّ، مسلم بن خالد الجنديّ، وطبقتهم.
- وأئمة تَبعِ أتباع التابعين: موسى الكاظم، علي
الرضا، وكيع بن الجراح، عبدالرحمن بن
مهدي، الشافعيّ، وطبقتهم.
- والطبقة التي تليها: أحمدُ ابن حنبلٍ، أبو ثور إبراهيم
بن خالد الكلبيّ، أبو عُبيد القاسم بن سلام، وطبقتهم.
والطبقة التي تليها: البخاري، مسلم، أبو داود،
النسائيّ، ابن خزيمة، الحسن بن سفيان، وطبقتهم، رحمهم الله تعالى، ورضي عنهم
أجمعين.
أليس هؤلاء أئمّةَ المسلمين، يا مسلمون؟
اُذكروا لي واحداً من هؤلاء الأكارم قال: هناك
أناسٌ في عالم الغيبِ يُدعَونَ الأغواثَ والأقطابَ وأهلَ التصريفِ، وأنّ لأولياء
اللهِ تعالى حكومةً عالميّةً خفيّة، ولهم ديوانٌ ينظّمون فيه أمورَ العالم، من
وراءِ حجاب!!
اُذكروا واحداً من هؤلاء الأئمة والعلماء قال
بوحدةِ الوجودِ، أو وحدةِ الشهودِ، أو الفناءِ، أو العروجِ الروحيّ!
اُذكروا لي واحداً من هؤلاء الأئمة قال بالحقيقةِ
المحمّدية في أيسر معانيها التي هي:
أنّه صلى الله عليه وآله وسلم أسمى تجلّياتِ الله
تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا.
أو في أقبحِ معانيها التي هي: أنّ للرسولِ طبيعةً
نورانيّة قديمة هي من نور الله تعالى!
وله طبيعة بشريّة حادثة، يظهر فيها للخلائق!
هل يستطيع أحدٌ من العلماءِ ومن الصالحين ومن
الأولياء ومن المؤرخين؛ أن يثبتَ بأنّ واحداً من هؤلاء الأئمة نطقَ بحرفٍ واحدٍ من
هذا الكلام، الذي به يَعتقدُ كثيرٌ من العرفانيين، وصوفية هذا الزمان؟
فإنْ لم تفعلوا ولن تفعلوا قطعاً وجزماً؛ فهل يمكن في
عقولكم أن تولَد عقائدُ إسلاميةٌ جديدةٌ، بعد ثلاثةِ قرونٍ من عمر الإسلام؟
وهذه العقائدُ المولَّدة، هلْ وَقَفَ مخترعوها على
أدلّةٍ من كتابِ الله تعالى، أو من سنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، لم يَعرفها
علماءُ وأولياء القرون الثلاثة هذه؟
مَن يقول بهذا؛ فهو كذّابٌ مفترٍ على الله تعالى،
وعلى رسولِه، وعلى الصالحين.
والذين قالوا ويقولون بهذا من مشايخنا من أهل
التصوّف؛ ليس فيهم واحدٌ مجتهدٌ يمكنُ أن يُنظَر في كلامه أصلاً، إنّما هم مقلّدةٌ
لشيوخِهم فيما نقلوه عن شيوخهم!
فالمسألةُ هي التقليدُ الأعمى لبعض المفتونين
السابقين، ليس غير!
أنا لا أقول: التصوّف باطل!
أنا لا أقول: مشايخ التصوّف كذّابون، أو مدّعون!
أنا لا أقول: ليس ثمّة أولياء وصالحون ومتّقون
وزهّاد، بل هم موجودون، وكثيرون في كلّ قطرٍ من أقطار الإسلام.
وهناك أناسٌ فتح الله على بصائرهم، قد يلهمهم
بأشياءَ من الغيب، وقد يطلعُهم على أسرارِ بعضِ الخلقِ لحكمةٍ يعلمها تعالى، وقد
يستجيب دعاءَهم في أمورٍ كبيرةٍ، وقد لا يستجيب دعاءَهم فيما هو أدنى منها بكثيرٍ!
اتّفقتُ مع عددٍ من طلّابي هنا في تركيّا على أن نَخرج
في نزهةٍ - وقلّما نفعل ذلك - وحضّرنا اللحمَ والفراريجَ لنشويَها خرجَ المدينةِ!
عندما وصلنا موضعَ النزهةِ؛ بدأتِ السماءُ تمطر،
والظاهر من غيومِ السماء آنئذٍ أنْ سيكون مطرٌ غزير، وستخربُ علينا الرحلةُ!
كان معنا في هذه النزهةِ أحدُ الصوفية الفقراء، صَعُب
عليه مثلُ هذا الأمرِ، فتوجّه إلى الله بدعاءٍ لم يسمعه الحاضرون، ثم التفتَ إلى
السحاب المطير، وقال له: اِمَشِ من هنا يا سحاب، ولا ترجع إلّا بعدَ صلاة المغرب!
في أقلّ من دقيقةٍ واحدةٍ؛ انقشعَ السحابُ وطلعتِ
الشمسُ، ولم تمطر ثانيةً إلّا ونحن في الركعة الثالثةِ من صلاة المغرب!
حضرَ هذه النزهة الدكتور الشريفُ ناصر ناجي
السَلَفيُّ الطرابلسيُّ!
والشريفُ عيسى بن يحيى النينويّ الصوفيّ الحلبيّ.
والأخ محمّد سطلة الدومانيّ الحنبليُّ.
وولدايَ الدكتور السيد محمد والسيد سعيد، الأشعريّان،
وربما آخرون، نسيت!
والفقير عداب اللاش!
هذا موجودٌ، وقد يحصل للعالم والعابد والعاملِ
والفلاح، وحارسِ الدرب!
لكنْ ليس هذا تصرّفاً في الكونِ، ولا قدرةً على
التدبير، ولا هو ولايةٌ تكوينيّة، على حدّ ما يزعم الرافضةُ، كذباً على الله تعالى،
وعلى الأئمة الكرام.
إنما هو استجابةُ اللهِ تعالى دعاءَ عبدٍ من عبيده،
والله قد يستجيب لعباده الصالحين، وقد يستجيبُ لغير الصالحين أيضاً!
الله يتصرّف هو بحكمته كيف يشاء، ولسنا نحن الذين
نعيّن له ما يشاء وما يفعل!
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على نبيّنا
محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق