نَقْدُ الحَديثِ عِندَ الشيعَةِ الإمامِيّةِ (1):
نشأةُ نَقدِ الحَديثِ لدى الشيعة الإماميّةِ!
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ
أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا
بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
كتبَ أحدُ متعصّبي الشيعةِ منشوراً، يقارن فيه بين
ثبوت صحيح البخاريّ عنه، وبين ثبوتِ كتاب الكافي عن مؤلّفه الكليني.
فعلّقتُ تعليقةً تناسب المقامَ، فاتّهمني صاحبُ
المقال بالجهل، ورمى الفِرَبريَّ بالجهالة، وشتمني عددٌ من جهّال أصحابِه أيضاً،
غفر الله لي ولهم أجمعين.
الجهال هم الجهّال، سواء كانوا من الرافضة، أم من
الناصبة!
إزاءَ هذا الذي حصلَ اليومَ، سأنشرُ ثلاثين مقالةً
تتناول (علوم الحديث) عند الشيعة الإماميّة؛ نصيحةً لإخواني مقلّدة الشيعة
الإماميّة، الذين يظنّون أنّ كتبهم صحيحةُ الصدورِ عن الأئمّة الذين يعتقدون فيهم
العصمةَ، سلام الله عليهم.
ومن المعلومِ لدى المسلمين جميعاً - سنّةً وشيعةً
وإباضيّةً أن علم روايةَ الحديثِ متقدّمٌ في الزمان على على علم درايةِ الحديث،
الذي يدعى اليوم (أصول نقد الحديث) ونحن سنتكلّم في هذه المنشوراتِ على العلمين
معاً.
يحكي بعضِ علماء الشيعة الإماميّة؛ أنّ لديهم أربع
مائة كتابٍ في رواية الحديث متقدّمةً على كتاب «الكافي» لأبي جعفرٍ محمّد بن يعقوب
الكليني (ت: 328 هـ) وأنّ الكلينيّ لخّص كتابَه منها، وكذلك فعل الصدوق في كتابه
الفقيه، والطوسيّ في كتابيه «تهذيب الأحكام» و«الاستبصار» الذي أرجّح أنا أنّه
اختصارٌ لكتاب تهذيب الأحكام، قام به أحد تلامذة الطوسيّ!
وسأتناول عدداً من أهمّ كتبِ روايةِ الحديثِ
الإماميّ بالدرس الحديثيّ النقديّ، قبل الكلينيّ، ثمّ أختم بالكتب الأربعةِ
الشيعيّة.
وألفت نظرَ الإخوةِ القرّاء إلى أنّ أكثر المادّة
العلميّة التي سأكتبها؛ هي مستخلصة من كتابي غير المطبوع (مناهج المصنّفين في
الحديث النبويّ - عند غير أهل السنّة) وقد كتبته بين عامي (1999 - 2002م) فيما
أتذكّر الآن، وعندما أرجع إلى الكتاب غداً، إن شاء الله تعالى؛ سأعيّن تاريخ
انتهائي منه بدقّة!
أمّا هذا المنشور؛ فهو ابنُ ساعته، وليس من الكتاب
المذكور!
أقول وبالله التوفيق:
تأخّر علمُ نقدِ الحديثِ، عند الشيعة الإماميّة
كثيراً، وإنْ وُجدَ نقدُ بعض الأحاديثِ على أيدي بعض علماء الإماميّةِ، قبل تأصيل
«نقد الحديث» لديهم.
قال الشيخ جعفر السبحانيّ في كتابه «أصول الحديثِ
وأحكامه في علم الدراية» (ص: 9) ما نصّه:
«إنّ أوّل مَن ألّف من أصحابنا في علم الدرايةِ -
كما هو المشهور - هو جمال الدين أحمد بن موسى بن جعفر بن طاووس (ت: 673 هـ)... وهو
واضع الاصطلاح الجديدِ للإماميّةِ في تقسيم الأحاديثِ.
فالرجل من محقّقي علم الرجال والدراية...
نعم السيّد ابن طاوس؛ هو أوّل مَن ألّف حسب ما
عثرنا عليه، ويمكن أن يكون سبقه آخرون لم نقف عليهم».
ونقلَ الشيخ جعفر السبحانيّ عن بعض المؤلّفين؛ أنّ
الحاكم النيسابوري (ت: 405 هـ) هو أوّل مَن ألّف من الشيعة الإماميّة!
إلّا أن الشيخ جعفراً لم يرتض أن يكون الحاكم من
الشيعة الإماميّة أبداً، قال (ص: 10): «لا يظهر من ثنايا الكتابِ تقديمُ عليٍّ
عليه السلام على الخلفاء قبله في الخلافة والولاية، وأنّه كان منصوصاً عليه من
قِبَل النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لقيادةِ الأمّة بعده.
وعلى ذلك، فهو شيعيٌّ بمعنى أنّه محبٌّ لعليّ،
ومبغض لأعدائه، لا أنّه شيعيّ بمعنى تقديمه على غيره في الخلافة والولاية،
والاقتفاء في الأصول والفروع بأئمة أهل البيت عليه السلام.
وختم (ص: 11) بقوله: «ولأجل عدم وضوحِ حالِه؛ لا
يصحّ لنا عدُّه ممّن ألّف من الشيعة في هذا المضمار، فضلاً عن كونه أوّلَ
المؤلّفين فيه.
فالقدر المتيقَّنُ أنّ أوّل من ألّفَ هو أحمد بن
طاووس الحليّ».
قال عداب: وهذا لا يعني أنّ العلماء المتقدّمين على
السيّد ابن طاوس المتأخّر جدّاً (ت: 673 هـ) لم يقوموا بنقدِ بعض الأحاديث!
قال الشيخ محمّد حسن الربّاني في كتابه الماتع
«أصول نقد الحديث» (ص: 77) ما نصّه: «موقفُ الشيخ المفيد والشيخ الطوسيّ من نقد
الحديث.
إنّ أوّل من نقدَ الأحاديثَ من القدماء؛ هو أبو
عبدالله محمد بن محمد بن النعمان، المعروف بالشيخ المفيد (336 - 413 هـ) وهو
الفقيه الأصوليّ المتكلّم... فإنه كما كان فقيهاً أصوليّاً متكلّماً؛ كان مهتّماً
بالروايات، ولم يقف عند إسنادها وحده، بل نظر إلى الإسناد والمتن، وإلى القواعد
الأخرى!
ففي المصادر الروائيّة؛ رواياتٌ صرّحت بأنّ شهرَ
رمضان لا ينقُص عن ثلاثين يوماً أبداً، وجملةٌ من هذه الروايات مذكورة في كتاب
«الكافي» و«الفقيه».
ومع هذا، فقد ناقشها الشيخ المفيد وتلميذه الشيخ
الطوسيّ (ت: 460 هـ) - وهما المعروفان في الفقه بالشيخين - وحكما بعدمِ صحّتها،
وبأنها من شواذّ الأخبار».
[انتبه أخي القارئ].
وسواءٌ رجّح الأصوليون عدمَ صحّة جميع ما في الكتب
الأربعة الأصول، عن المعصومين، أم رجّح الأخباريّون صحّة صدورها عنهم؛ فلسنا الآن
بصددِ دراسة ذلك في هذا المنشور!
إنما غرضنا أن نبيّن؛ بأنّ الشيخ المفيدَ من أوائلِ
من نقدَ بعض أحاديثِ «الكافي» و«الفقيه» لكنّ وضع قواعدَ تؤصّل لعلم دراسة الحديث
«النقد» كان متأخّراً جدّاً، حتى إنّ بعض علماء الإماميّة نصّ على أنّهم أخذوا
علوم دراية الحديث عن المحدّثين من أهل السنة!
ختاماً: ممّا تقدّم يظهر أنّ نقدَ الحديثِ عند
الشيعة الإماميّة تأخّر قروناً كثيرةً، وكانوا قد بنوا عقائدهم وأصولهم وفقههم،
قبل أن يقوم نقّاد الحديث بتمييز صحيح الرواياتِ من سقيمها!
ولهذا يصعبُ على كثيرٍ من العلماء المعاصرين تجاوزُ
ما قرّره العلماء المتقدّمون من الغلوّ والتعصّب ومبدأ ضرورة مخالفة الآخرين، من
غير الإماميّة!
بل إنّ كثيراً من متأخّري الإماميّة، مثلِ الحرّ
العامليّ؛ رفضوا عمليّةَ «نقد الحديث» وتقسيم الحديث إلى «صحيح وحسن وموثّق وضعيف»
وزعموا أنّ جميع روايات الكتب الأربعة قطعيّة الصدور عن المعصومين!
وسيأتي الكلام على الكتب الأربعة في موضعه، إن شاء
الله تعالى.
(رَبَّنا:
ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ
مِنَ الْخَاسِرِينَ).
هذا..
وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً. والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق