التَصَوُّفُ العَليمُ (11):
بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ
ما ذا أعددتَ للقاءِ الله تعالى؟!
(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا،
وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا،
وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ،
وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
في حوارٍ هاتفيٍّ مع إحدى بناتي «تلميذاتي» قالت لي: نحن
النساءَ ضعيفاتٌ، ولا صبرَ لدينا على كثرة العبادة، من صلاة نافلة، وصوم نافلة، وصدقة
نافلة، ولا كثرة تلاوة للقرآن الكريم، ولا كثرة الاستغفار والتسبيح والتهليل
والتكبير، وذكر الله تعالى كثيراً!
فأجبتُها: أنا أؤمن إيماناً يقينيّاً بمضمون هذا الحديثِ
الضعيف: (أَخْلِصْ دِينَكَ؛ يَكْفِكَ الْعَمَلُ الْقَلِيلُ) أخرجه الحاكم في
المستدرك وقال: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجاهُ» وقال
الذهبيّ: غير صحيح، وهو كما قال الذهبيّ!
قالت: هل يمكن أن تذكرَ لي ماذا تصنع، حتى أحاولَ اللحاقَ بك؟
قلت لها: أنا - واللهِ - قليلُ العبادةِ، ولست راضياً عن نفسي
أبداً، لكنني سأوجز إليك «عَمَل اليوم والليلةِ عندي» بسطورٍ قليلةٍ، أرجو أنْ لا
تطول!
أوّلاً: أنا مؤمن بالله تعالى، وبالرسول صلّى الله عليه وآله
وسلّم، وبالقرآن العظيم، وبجميع كلماته وحروفه، وكلّ مضامينه، ما فهمته منه - وهو
الأكثر - وما لم أفهمه منه، وهو بعضُ المتشابه.
ثانياً: أنا لا أرتكب شيئاً من الكبائر الظاهرة مُطلقاً، ولم
أرتكب في حياتي جرائم القتل أو الزنا أو اللواط أو السرقة أو شهادة الزور أو أكل
مال الغير، أيا كان هذا الغير، أو الوشاية والتجسس نهائيّاً.
ثالثاً: قد أرتكب بعضَ الكبائر الباطنة، من مثل العُجْبِ
والفَخْر، لكنني أتوب إلى الله تعالى منها فوراً، وليس لها استقرارٌ في عقلي وقلبي
أبداً، بل أقرّ وأعترف بأنني عبدٌ عاجز ضعيف، لولا لطف الله تعالى بي؛ لأهانني
وفضحني بين الناس، كما فُضحتُ يومَ رُدّت رسالتي للدكتوراه في العراق، إذ صار
الناس يقولون عني العجائبَ، التي يَعلمُ اللهُ تعالى أنّها بأجمعها باطلة!
رابعاً: أحافظ على الطهارة من الحدثين، أمّا الأكبر؛ فمطلقاً،
وأمّا الأصغر، فبنسبة (95%) ما دمت مستيقظاً.
أمّا الطهارة من النَجَس؛ فإذا لم يحاسبني الله تعالى على
المبالغة فيها؛ فأنا في عافية!
وأحافظ على صلوات الفريضة في أوّل وقتها، ما دمت مستيقظاً،
بنسبة (99%) إذ من النادر أن أؤخّر الصلاة.
وأحافظ على تلاوة (50 - 100) آية من القرآن العظيم، خارج الصلاة
يوميّاً.
وأصلّي على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، كلّما ذُكر،
ومعلومٌ أنّ المحدّثين يمرّون باسمه الكريم، كلّما قرؤوا حديثاً.
وأستغفر الله تعالى، كلّما غضبتُ، أو خِفتُ، أو شاهدتُ منظراً يذكّر
بالآخرة.
لكنْ ليس لديّ وردٌ ثابتٌ من الاستغفار والصلاة والسلام على
الرسول، ولا من التسبيح!
بمعنى أدقّ قد أستغفر الله تعالى في اليوم كلّه عشرين مرّة، وقد
أسبّح الله تعالى عشر مرّاتٍ فحسب، وهكذا، أعني خارج تلاوة القرآن العظيم!
بينما كنت قبل سنة أو سنتين أقوم بما ذكرتُه لكم في منشور
سابقٍ، فاغتنم شبابَك وقوّتك، فأنا اليوم في غاية الضعف.
ولم أُخرج زكاةَ مالي منذ عام (1996) وحتى هذا اليوم؛ لأنني لم
أمتلك نصابَ الزكاةِ، منذ ذلك التاريخ قطّ!
وحججتُ (9 - 12) مرّة في عمري، واعتمرتُ مئاتِ العُمرات، وطفت
بالبيت الحرام ألوفَ الطوافات.
ولم أُفطِر في حياتي يوماً عامداً قطُّ، إلا يوماً واحداً، كنت
في الخامسة أو السادسة من عمري، وقضيته مع والدتي بعد رمضان (6، 7) أيام، أمّا
إفطار الخطأ، فقد أفطرت السنة الماضية يومين، بسبب انخفاض السُكّر، وأفطرت في
رمضان الماضي ثلاثةَ أيّام للسبب نفسه، وكفّرتُ وقضيتُ طبعاً!
وبقيّةُ ليلي ونهاري يذهب بين طلبِ العلم، وأوجاع الأمراض
الكثيرة، والنوم!
خامساً: إنّ مرتّبي العلميّ الثابت، منذ ستّة أشهر؛ هو ثلاثة
آلاف دولار أمريكي.
ولم يكن لديّ أدنى دخلٍ ماليّ منذ بداية عام (2018) وحتى (30/
7/ 2021).
مرتّبي هذا، يشاركني فيه اثنان من المغرب، واثنان من الأردن،
وواحدٌ من العراق، وواحد في تركيّا، فصرنا بمجموعنا ستّةَ طلّاب علم!
والذي يصفو لي منه (500 - 700 ) دولار شهريّاً.
وهذا القدر يكفيني تقريباً في استانبول، بدون نفقات الطبّ
والعلاج!
لكنْ عندي سبعُ بناتٍ، وزوجتان، وأختان، وستّ نسوةٍ غريباتٍ معهنّ،
أساعدهنّ شهريّاً بوجه ثابتٍ، مساعدةً يسيرةً، أعلاها (300) دولار، وأدناها (100)
دولارٍ في كلّ شهر، لكلٍّ منهنّ، هي قليلة طبعاً، لكنها مفيدة لهنّ كثيراً.
أمّا زوجتي الثالثة الفاضلة - أمّ سعيد - فينفق عليها ولدها
الحسن، بجميع ما تحتاجه!
وقد أنفقتُ على خمسةِ طلّابٍ حتى تخرّجوا حاملين بكالوريوس
الشريعة، وأنفقت على ثلاثةٍ حتى حصلوا على درجة الدكتوراه في الشريعة.
وزوّجتُ عدداً من إخواني وتلامذتي، وأربعةً من أولادي.
بعدما تقدّم من الإيمان، والقيام بالواجبات الشرعيّة؛ فهذا البند
الخامس؛ أوثقُ أعمالي عندي، وعند الله تعالى، فيما أحسب؛ لأنّ دمعةَ حاجةٍ من عين
امرأة طاهرةٍ، أُراها توجِبُ غضبَ الربّ تعالى على الأمّة.
وهذا الذي أنفقه على هؤلاء النسوة، وغيرهنّ؛ قليلٌ منه يساعدني
به تلميذان، فاضلان نبيلان، وسائره ديونٌ مترتّبة عليّ، جاوزت (100) ألف دولارٍ
بيقين!
لكنّ الله تعالى أكرمني بأضعافِ هذا الدَيْن، إذ خلّف لي السيّد
الوالدُ ميراثاً حسناً، فمتى تيسّرت الأمورُ في بلدنا؛ سدّدنا ديوننا منه، مهما
بلغت!
وإنْ متّ قبلَ ذلك؛ فجميع أولادي وبناتي، من أهل الدين
والاستقامة والكرم، فهم لن يتركوا ديونَ والدهم في ذمّته، وبيقين!
إذا زعمتُ لكِ يا بنتي بأكثر من ذلك؛ أكون مفترياً، والله تعالى
يعلم أنني غير مفتَرٍ!
لكنني أرجو أن تزيدي على ذلك ما استطعت، أعاننا الله تعالى
جميعاً على كسب رضاه!
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً
والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق