مَسائِلُ مِن الفِقْهِ والأُصولِ (3):
نظراتٌ في علم الميراث!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا:
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
كتبَتْ
إليّ تقول: «في بلاد الغرب، يخدعون المرأة بأنّ الإسلام جعل نصيبها من الميراث
نصفَ نصيبِ الرجل، مع أنها هي أضعف منه، والساحات المفتوحة للكسب أمامه أضعافُ
الساحات المفتوحة أمام المرأة، فبماذا نردّ عليهم، وكيف نقنع بناتنا بحقّ الإسلام
وعدله»؟
أقول
وبالله التوفيق:
سمعتُ
من عددٍ كبيرٍ من مشايخي، ربما يزيدون على ثلاثين شيخاً، كلهم قالوا ما معناه: «لا يَحيدُ عَن
هُدى الإسلامِ، إلا جاهلٌ به».
وهذه
مقولةُ حقٍّ، مع الانتباهِ إلى لطف الله تعالى بعباده، وتوفيقهم إلى الإيمان
والهدى.
وقبل
أن أتحدّث عن بعض نظامِ الميراثِ، الذي نسيناه، مِن قلة من يسأل عن الميراث الإسلاميّ؛
أشير إلى بعض الأمور المهمة:
أوّلاً:
الإسلام دين الحياة والعدل والحقّ، في عقائده وتشريعاته وأخلاقه، والسلوك الذي
يدعو إليه.
ثانياً:
الإسلام ليس مسؤولاً عن انحراف المسلمين بتركهم الالتزام به، وانحراف بعض المسلمين
عن الإسلام؛ لا يعود بالعيب عليه، إنما يعابون هم ببعدهم عنه.
ثالثاً:
الإسلام غير مطالبٍ بأحكام شرعيّة لواقع غير شرعيّ، فإذا تفلّت الشباب والشابات من
عِقال العفّة، وصاروا يتواصلون بالحرام، فالإسلام ليس مطالباً بأن يخترع لهم
أحكاماً تسوّغ هذا الواقع غير الإسلاميّ.
رابعاً:
تغيّر عادات المجتمع؛ قد يغيّر من الأحكام الفقهية ما بني على المصلحة ومقاصد
التشريع ولا يدخل على النصوص الشرعيّة، ولا على مواضع الإجماع.
الإسلام
أوجبَ النفقةَ بالمعروفِ على الرجل تجاه المرأة: أمّاً وبنتاً وأختاً وزوجةً وعمّة
وخالةً وجدّةً وحفيدةً، متى كنّ بحاجةٍ إلى النفقة، وجوباً دينيّاً وقضائيّاً.
فإذا
تركت الحكوماتُ أحكامَ الشرع هذه؛ فتكون الحكومات هي الظالمةَ للمرأة، وليس
الإسلام!
خامساً:
إذا كان الرجل محدودَ الدخلِ، وزوجته غنيّةً موسرةً؛ فالرجل ملزمٌ شرعاً بالإنفاق
عليها على قدر حاله الماليّ، وهي غير ملزَمةٍ بالإنفاق عليه.
والذي
يقرأ نظام الميراثِ قراءةً عجلى في ساعتين؛ يُصيبُه الذهولُ من عظمة هذا النظام
ودقّته.
ولو
أراد أن يتعرّف إلى الحكم الربانيّة الكامنة في هذا التنوّع الكبير في موادّ هذا
النظام؛ فإنه سيستدلّ به على وجود الله تعالى وعظمته، وعلى صدق رسول الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم في نبوته ورسالته، إذ لا يمكن لعربيّ يعيش في الجزيرة
العربية، ولا لأعجميٍّ يعيش في طهران أو استانبول أن يهتديَ إلى مثل هذا النظام
البديع!
وفي
مقالٍ يسيرٍ كهذا؛ لا يمكن أن أحيط بنظام الميراث في الشريعة الإسلاميّة.
إنما
سأكتفي بعرضِ بعض حالاتِ نظام الميراث التي ترث فيها المرأةُ مثلَ ما يرث الرجلُ.
وحالاتٍ
ترث فيه المرأة أكثر من الرجلِ.
وحالاتٍ
ترث فيها المرأةُ، ولا يرث فيه الرجلُ أصلاً!
مع
أنّ الرجلَ مطالبٌ بأن ينفق عليها، حتى لو كانت غنيةً، كما تقدّم!
من
المعلوم لدى قارئي نظام الميراث في الشريعة الإسلامية؛ أنّ الوارثين في الإسلام؛
هم الأصول والفروع، والأزواج، والعصبات، وذوي الأرحام في حالاتٍ، وليس الأولاد
والبنات والزوجة فحسب، حتى يعمّ النفعُ أكبرَ شريحةٍ من الأقارب، إذ من منهاج
الإسلام انتشار الثروة وعدم تكديسها في أيدي حفنةٍ من الناس (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً
بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ) [الحشر].
أولاً:
حالاتٌ ترثُ المرأة فيها مثلَ الرجل تماماً!
(1)
إذا ترك المتوفى بنتاً وأباً، فللبنتُ وحدها نصف الميراث، لقوله تبارك وتعالى:
(يُوصِيكُمُ
اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.
فَإِنْ
كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ.
وَإِنْ
كَانَتْ وَاحِدَةً؛ فَلَهَا النِّصْفُ).
ويأخذ
الأب باقي التركة تعصيباً، فههنا قد تساويا.
(2)
إذا ترك المتوفى جدّاً وبنت ابن.
فللبنت
النصف لأنها تحلّ محلّ البنت عند فقدها، لقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً؛
فَلَهَا النِّصْفُ) وللجدّ الباقي تعصيباً، فتساويا.
(3)
إذا ترك المتوفى أباً وأمّاً وابناً.
كلّ
واحدٍ من الأبوين يأخذ سدس التركة، فتساويا، والباقي للولد تعصيباً.
(4)
ومثل هذا الحكم، لو ترك المتوفى ابناً أو ابن ابن، وجدّاً وجدةً.
(5)
إذا ترك المتوفى بنتاً وابنَ ابنٍ.
فللبنت
نصف التركة فرضاً بنصّ القرآن الكريم، ولابن الابن النصف تعصيباً.
ثانياً:
حالاتٌ ترثُ المرأة فيها أكثرَ من الرجلِ!
(1)
إذا ترك الرجلُ المتوفى بنتاً وأباً وأمّاً.
فللبنت
نصف التركة بنصّ القرآن، وللأم السدس، وللأب السدس، وما تبقى من التركة تعصيباً.
فالأنثى
هنا (البنت وجدّتها) ورثتا ثلثي التركة، وورث الرجل الثلثَ فحسب!
(2)
ومثل هذا الحكم إذا ترك الرجلُ المتوفى بنتَ ابن، وجدّاً وجدّةً، فبنت الابن تقوم
مقام البنت، والجدّان يقومان مقام الأبوين.
(3)
إذا توفيت المرأةُ عن بنتٍ وزوجٍ، فللزوج ربع التركة بنصّ القرآن العظيم، وللبنت
نصف التركة بنصّ القرآن العظيم أيضاً، ولها بقية الميراثِ ردّاً.
(4)
إذا توفي الرجل عن أمٍّ وأختٍ شقيقةٍ وأخٍ لأبٍ.
فللأمّ
سدس التركة فرضاً قرآنياً.
وللأخت
الشقيقةِ نصف التركة فرضاً أيضاً، لقوله تعالى: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ
وَلَدٌ، وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ
يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ).
وللأخ
لأب ما بقي تعصيباً، وهو ثلث التركة، فتكون الأختُ الشقيقة أخذت أكثر من أخيها.
وهي
مع الأم (أنثى وأنثى) أخذتا ثلثي التركة!
(5)
إذا توفي الرجل عن زوجةٍ وأختٍ لأبٍ، وابنِ أخ شقيقٍ.
فللزوجة
الربع فرضاً، وللبنت النصف فرضاً، والباقي لابن الأخ الشقيق تعصيباً.
وبهذا
تكون البنت أخذت ضعفَ ابن أخيها الرجل!
فإذا
ضممنا حصص الأنثيين من الميراث إلى بعضهما، فيكون نصيبهما (9/ 12) ثلاثة أرباع
التركة، وللرجل الربع فحسب!
ثالثاً: حالاتٌ ترثُ المرأةُ فيها، ولا يرثُ
الرجلُ شيئاً!
(1)
إذا توفي الرجل عن بنتٍ، وأخٍ لأمٍّ.
فإنّ
البنت ترثُ، وتحجب عمّها، فلا يرث شيئاً.
(2)
إذا توفي الرجل عن بنتٍ، وأختٍ شقيقة، وأخٍ لأبٍ.
فللبنت
نصف التركة فرضاً.
وللأخت
الشقيقة مع البنت باقي التركة، لأنّ الأخت الشقيقة حجبت الأخ لأب.
وبهذه
الحال؛ تكون الأنثى حازت جميع التركة، ولم يحصل الرجل على شيء!
(3)
إذا توفي الرجل عن بنتٍ، وأختٍ لأبٍ، وابن أخ شقيق.
فللبنت
النصف فرضاً.
وللأخت
لأب مع البنت باقي التركة تعصيباً.
وليس
لابن الأخ الشقيق شيءٌ.
(4)
إذا توفي الرجل عن بنتِ ابنٍ، وإخوةٍ لأمٍّ، كثيرين أم قليلين.
فإنّ
البنتَ تأخذ نصف التركة فرضاً، وتأخذ الباقي ردّاً؛ لأنها تحجب الإخوة لأمّ، مهما كان
عددهم!
هذه
حالاتٌ يسيرةُ العدد، يتبيّن لك أخي القارئ، أختي القارئة؛ أنّ هذا النظامَ نظام
حكم عدلٍ، لا يمكن للبشر أن يهتدي إلى مثله، وبعد التمعّن في البحث عن حِكَمِ
تشريعه؛ يوقن أنّه نظام الميراث العادل الوحيد في دنيا البشر!
والله
تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه
وسلّم تسليماً.
والحمد
لله على كلّ حال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق