في رحلة
الحياة الإنسانيةِ؛ تصطرعُ حوافزُ الخير، ونوازعُ الشّر، وتتطامى نوازع الشّر
وتشرئِبُّ، وقد تغمرُ حوافزَ الخير في الإنسان، وتتباهى بتغلّبها الموقوت!
إن انتصار
حوافزِ الخير في الحياة الإنسانية؛ رَهنٌ بإيمان أهل الخير بخيرهم، واعتصامهم به،
واستبسالهم في الذود عنه، بعد معرفتهم به المعرفةَ الصحيحة التي تجعلهم عن صراطه
لا يحيدون، وعن سبيله لا ينحرفون.
وفي «عصر
الصَّحْوة الإسلاميّة» التي نستروح إلى ذكرها، ونخدّر أعصابنا بتردادها، ونعقد
المجالس المتكاثرة للمناظرة حول مظاهرها وظواهرها، ونشرب على شرفها المضيَّع
أنخابَ الوهم والخيال، ونتجرّع غُصَص الحسرة والحرقة التي نباعد بينها وبين عقولنا
وأحاسيسنا ما استطعنا.
أعتقد أن عصر
«الصحوة الإسلامية» هذا؛ هو من أعنف عصورِ الصراع بين الحقّ
والباطل، وأخطرها على العقيدة الإسلاميّة، والصحوة
الإسلامية بآن!
ذلك أن شراسة
الباطل وقوّته، وتعدد أشكال الكيد وأدواته؛ كانت متساوقةً مع التطوّر الصناعي،
وتقدّم الآلة، وبلوغ الإنسان مراتب سامِقة في مجال التقنين والاختراع.
كما كانت
قدرةُ خصوم الإسلام هائلةً في جوانب التنظيم والتخطيط والدعاية والإعلان،
والإعلام!
أما نحن
أبناءَ الصحوة الإسلاميّة، فإننا قد سكرنا من كثرة ترداد هذا القول فقط!
واقتنعنا، أو
كدنا؛ أن عزّ الإسلام منّا؛ قاب قوسين أو أدنى، ولم يعد بيننا وبين العيش في ظلّ
الإسلام، وتحت رايته؛ إلا أن يقوم المتنفّذون في ديار الإسلام بإعلان «تطبيق
الشريعة الإسلامية!» يعقبه إعلان آخر يعيش في خيال السكارى، ويحسونه على جدران
عقولهم المغفّلة «الوحدة الإسلامية الكبرى» إن ما بين «مليار ونصف المليار» مسلم
يعيشون في عصر الصحوة، وبين حقيقة الصحوة؛ مفاوزَ تُقطع دونها الأعناق! ولكنهم
يعيشون عصر «الغربة الإسلاميّة!».
إن الإسلام
بخير، وفي المسلمين خيرٌ كبير، وسيظلّ فيهم هذا الخير؛ ما بقي الدهر!
(إذا قال
الرجل: هلك الناس؛ فهو أهلكَهم)([1]).
بيد أن الخير
متباين المظاهر، شتيت المناحي، مبعثر الإمكانات، لا يستطيع أهله أن ينتفعوا به، ولا
يقدروا على تنميته وتثميره.
ولو ذهب امرؤ
ينظر في أحوال أولي الحَول والطول في العالم الإسلامي؛ لوجدهم منازعَ شتّى،
وهياكلَ تستثيرُ الشكوى، وتجلبُ الأسى، وتبعثُ على القنوطِ، إلا من رَوح الله
تعالى.
بين لاهٍ، وأبلَهٍ، وظلومٍ وتَبيع، أما لهذا انتهاء!؟
ولو التفَتَ
إلى قادةِ الصحوة الإسلاميّة، من علماء ومفكّرين وأدباء؛ لهاله ما يجد بينهم من
فساد ذات البين (الحالقة!) وذَهُل لما يسمعه ويراه من خصومات لا تخدم إلا الشيطانَ
وأعوانَه من الكبار والصغار!
مهاتراتٍ
سخيفة، ومناوراتٍ صغيرة، ومؤامراتٍ رخيصة، ونفاقٍ ظاهر، وسذاجةٍ قَميئة، وغفلةٍ لا
تجلب إلا الخرابَ والدّمار.
وما النجاة
من هذا الأمر؟
الجواب حاضر
عند الجميع، من غير مثنوية:
الإسلام هو
الحلّ لمشاكل العالم كلّه.
العودة إلى
صفاء الدّين ونقائه.
العودة
بالمسلمين إلى كتاب اللّه وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
العودة إلى
اقتفاء أثر السلف الصالحِ، الذين لا يضلّ من تبعهم، ولا يهتدي من خالفهم!
العودة،
الأوبة، الرجوع...!؟
أجل! هذا
صحيح، ولكن كيف؟!
هل تكون
العودة إلى الدين الصحيح بالخطبِ، والمحاضرات، وأشرطة التسجيل؟
هل تكون
العودةُ إلى كتاب الله وسنّة رسوله بإطلاق أيدي وألسنةِ الجهلة والعابثين؟
هل يكون
اتبّاع السّلف الصالح بتمجيدِ الحاكم الجاهلِ الظالم، ومباركةِ آثامه وإعطائه
الولاء والبيعة، وتسميته إمام المسلمين، أو أمير المؤمنين؟
هل الطريق
الصحيح أن نوقع بعضَ المسلمين في شراك أحلافٍ وخيمة مع الطغاة؟
هل تطبيق
شريعة الله تعالى؛ مرهون برضا الشرق أو الغرب الذي يسترضيه الدعاةُ المسلمون،
ويستخذي بين يديه حكامُهم؟!
قامت في
التاريخ المعاصر ندوات ومؤتمرات إسلاميّة كثيرة، ودوائر للفتوى عديدة، وقد بحثَتْ
جميعُها في موضوعات جيّدة نافعة، بيد أن كثيراً مما كانت تنعقد المؤتمرات لأجله؛
لا يعدو مناقشة وقائع عاديّة بسيطة، لا تحتاج إلى كبير عناء.
أما كيف
الخلاص؟ وطريقة النجاة، ووضع الخطط المرحليّة لذلك، فهذا وذاك لا يقترب منه كثيرٌ
من علماء المسلمين.
وإن وافقَ أن
اقتربوا؛ فلا يكون اقترابهم في كثير من الأحيان إلا في مباحث نظريّة تعقِبُها
توصياتٌ ومقترحاتٌ يتلهّون بها، وليس الطغاة منها بسبيل؟!
فما الصحوة
الإسلامية هذه، وما أبعادها؟
إن كان
المعنيُّ بالصحوة الإسلامية كثرةَ عدد المصلّين، والصائمين، والحجاج والمزكيّن،
والممتنعين عن الزنا، وعن معاقرة الخمرة، وعن أكل مال الربّا؛ فهذا صحيح!
ففي
المسلمين، اليومَ؛ مئاتُ الملايين ممن ينطبق عليهم مصطلح «الصحوة الإسلاميّة» بهذا
المعيار! ولكنّهم (غثاء كغثاء السّيل) تأثيراً في وجهة الحياة الإسلامية.
وإن عُني
بالصحّوة الإسلامية أنّ المسلمين اليومَ أقربُ إلى تحكيم شرع الله في مجتمعاتهم،
وأنهم ينطلقون في قوانينهم ونظمهم وأحكامهم من شرع الله وأحكامه؛ فهذا جدّ بعيد!
والتخدير الذي يتولاّه الإعلامُ يحاول الخلطَ بين هذا وذاك.
فبهذا المعيار
الثاني؛ أننا على مقربةٍ من الحياةِ الكريمةِ في ظلّ الإسلام! فغير صحيح!
سواءٌ على
مستوى الحكومات، وغير صحيح على مستوى الجماعات، وغير صحيح على مستوى المفكرين
والعلماء والأدباء، ولا حاجة بنا إلى الخوض في التفاصيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق